الأصحاح الثانى
بينما كسر الكاهنان أبنا عالى الشريعة والناموس وأفسدا شعب الله والمقدسات إذا بصموئيل النبى ابن حنة – امرأة إيمان وصلاة وتسبيح – ينشأ فى حياة مقدسة فى الرب ، بمعنى آخر بينما نشأ ابنا كاهن فى جو دينى لكنهما لم يتمتعا بالحياة الداخلية القدسية ، إذا بصموئيل يتلامس مع أعماق روحانية أسرته ليحمل ثمرا مباركا .
( 1 ) تسبحة حنة الخلاصية :
حقق الرب طلبة حنة فقامت تشكره وتسبحه ؛ كثيرون يلجأون إلى الرب وقت الضيق لكنهم ينسونه عند الفرج ، أما حنة فإنها لم تنسه بل ولم تشكره فقط على عطية صموئيل إنما بالأكثر دخلت إلى أعماق جديدة إذ رأت فيه رمزا لعمل الله الخلاصى ، فجاءت تسبحتها تقارب تسبحة القديسة العذراء مريم ( لو 1 : 46 – 55 ) ؛ حنة تسبح من أجل الرمز والقديسة مريم من أجل المسيا نفسه .
" ...... ....... ...... فرح قلبى بالرب ، ارتفع قرنى بالرب ، اتسع فمى على أعدائى لأنى قد ابتهجت بخلاصك ، ليس قدوس مثل الرب ، لأنه ليس غيرك ، وليس صخرة مثل إلهنا " ....... ( 1 صم 2 : 1 ، 2 ) .
بدأت حنة تسبحتها بإعلان فرحها لا لمجرد نوالها " صموئيل " كعطية إنما لتمتعها بواهب العطية نفسه ، هذا الفرح الداخلى يهب للنفس قوة فلا تخور تحت أى ظرف ، استخدام القرن ( قرن الثور ) ككناية عن " القوة " ، نالت قوة لا لإغاظة أعدائها أو مقاومتهم بل لكى يتسع فمها لتكرز لهم ببهجة الخلاص ، ليس شىء يقدر أن يحطم عداوة الأعداء مثل البهجة بخلاص الرب ، الذى يجتذب الأعداء للتمتع ببشارة الأنجيل المفرحة .
جاء كلمة الله المتجسد القدوس ليضمنا إليه ، إنه الصخرة التى قدمت ماء لشعب إسرائيل فى وسط القفر ليشربوا ويرتووا ( خر 17 : 6 ) ، إذ يقول الرسول بولس : " لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم والصخرة كانت المسيح " ( 1 كو 10 : 4 )
" قسى الجبابرة انحطمت ، والضعفاء تمنطقوا بالبأس ،
الشباعى آجروا أنفسهم بالخبز والجياع كفوا ،
حتى إن العاقر ولدت سبعة وكثيرة البنين ذبلت .
الرب يميت ويحيى ، يهبط إلى الهاوية ويصعد ، الرب يفقر ويغنى ، يضع ويرفع ،
يقيم المسكين من التراب ، يرفع الفقير من المزبلة للجلوس مع الشرفاء
ويملكهم كرسى المجد " ( 1 صم 2 : 4 – 8 )
إذ اختبرت حنة نعمة الله الفائقة أدركت أن موازين الله ومقاييسه تختلف عن موازين البشر ومقاييسهم ، هكذا انكسرت فننة المتشامخة فتحطمت قسيها ، صاركمن يؤجر نفسه ليجد خبزا يأكله ، ذبلت بالرغم من إنجابها للبنين ، فقدت الحياة وصارت كمن هبط إلى الهاوية ؛ افتقرت وانحطت إلى التراب ، وعلى العكس بروح الأتضاع تقبلت حنة من يد الله قوة فتمنطقت بالبأس وشبعت بعد الجوع ، وانجبت الكثيرين بعد العقر .
+ إذ ولد صموئيل كان رمزا للمسيح ..... السبعة أبناء هم الكنائس السبع ، لذا كتب بولس أيضا لسبع كنائس ، وعرض سفر الرؤيا للكنائس السبع لكى يحفظ رقم 7 ... .
( 2 ) ابن ألقانة وأبنا عالى :
ما أبعد الفارق بين ابن ألقانة وحنة ، ابن الصلاة والأيمان ، وابنى عالى الكاهن ، الأول تربى فى خوف الله ، فكان سبب بركة لنفسه وعائلته وشعبه بل ولنا نحن إذ صار قدوة عبر الأجيال . وأما أبنا عالى الكاهن فقد استغلا مركز أبيهما لصالحهما الذاتى . تركا الرعية بين الذئاب ، بل صارا ذئبين يصنعان الشر ويعثران الشعب معهما ، وقد تهاون والدهما فى تأديبهما ، وحين أراد توبيخهما تكلم فى رخاوة ، فجلبا على نفسيهما وعلى والدهما وعائلتهما والشعب عارا ، وصارا عبرة لكل من يتهاون فى تربية أولاده .
يلقب الكتاب المقدس ابنى عالى " بنى بليعال " لأنهما أخنارا الشر طريقا لحياتهما ، ركزا غرضهما فى أن يخطئا .
قيل عن ابنى عالى انهما لم يعرفا الرب ( 1 صم 2 : 12 ) انهما ككاهنين عرفا الكثير عن الرب خلال التعليم والمعرفة النظرية ، لكنهما لم يعرفاه فى حياتهما العملية وسلوكهما .
إذ فسد قلبا ابنى عالى استهانا بالطقس ( 1 صم 2 : 13 – 16 ) ،
كما استخفا بالحياة الطاهرة والقداسة فأفسدا نساء شعب الله
( 1 صم 2 : 22 ) ،
وأهانا الله نفسه ، فلم ينفذا طقس تقديم الذبائح كما أمر الرب
( لا 3 : 3 – 5 ) فأفسدا المقدسات .
( 3 ) مباركة الرب لألقانة وحنة :
بدأ صموئيل خدمته أمام الرب وهو صبى متمنطقا بلباس أفود من الكتان ( 1 صم 2 : 18 ) ، يلبسها كمعطف يشد من الوسط بمنطقة . وهى كلباس اللاويين لا الكهنة .
يؤكد الكتاب المقدس أن صموئيل بدأ خدمته وهو صبى ، بدأها فى جو كهنوتى فاسد للغاية ، لا يمكن إصلاحه أو مقاومته ... لكن الله الذى يخلص بالقليل كما بالكثير استخدم هذا الصبى للأصلاح .
( 4 ) تهاون عالى الكاهن مع أبنيه :
كان توبيخ عالى الكاهن لبنيه برخاوة فى غير حزم ، لقد عرف أنهم يفسدون النساء المجتمعات فى باب خيمة الأجتماع . فصار مقدس الله مكان نجاسة وفساد ، وتحول ميناء السلام إلى هلاك للنساء المتجندات لخدمة الخيمة . لم يقم بأى تأديب ضدهم ، لقد أعلن لهم :
" تجعلون شعب الرب يتعدون ، إذا أخطأ إنسان إلى إنسان يدينه الله فإن أخطأ إنسان إلى الرب فمن يصلى من أجله ؟ ! ( 1 صم 24 ، 25 ) .
وسط هذا الفساد أرسل الله أحد رجاله ( نبى ) لتحذير عالى ، كان هذا الأنذار فرصة جديدة أعطيت لعالى الكاهن من قبل الله ليضع الأمور فى نصابها ، لكنه خلال ضعف شخصيته لم يكرم الله بردع أبنيه وتأديبهما ، بل احتقره بتكريمه لأبنيه الشريرين أو بتهاونه فى تأديبهما حسب الشريعة ، يقول الرب : " حاشا لى ، فإنى أكرم الذين يكرموننى والذين يحتقروننى يصغرون "
( 1 صم 2 : 30 ) .
+ + يقارن القديس يوحنا الذهبى الفم بين عالى رئيس الكهنة الذى نال كرامات عظيمة فسقط تحت الدينونة القاسية بسبب تهاونه وبين صموئيل النبى الذى رفضه الشعب ( 1 صم 8 : 7 ) فكرمه الله نفسه ، فيقول عن الرعاة : ( الأهانة مكسب لهم والكرامة ثقل عليهم )
اعلن رجل الله لعالى رئيس الكهنة تأديبات الرب له ولنسله :
+ انتقال الكهنوت من نسله ، إذ عزل أبياثار فى أيام سليمان وتعين صادوق من نسل أليعازر وتسلمه نسله حتى أيام السيد المسيح .
+ فقدان القوة من بيته إذ يموت نسله شبابا ( 1 صم 2 : 31 ) .
+ يرى ضيق المسكن ، حيث يأخذ الفلسطينيون التابوت ( 1 صم 4 : 11 )
+ يشتهى نسله الموت ولا يجدونه .
قدم له علامة مرة للتأديب الإلهى وهى موت أبنيه فى يوم واحد .