.::.Jesus Lovers Forum .::. منتدى محب المسيح .::.
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

.::.Jesus Lovers Forum .::. منتدى محب المسيح .::.


 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  الدخول لشات محبى المسيحالدخول لشات محبى المسيح  قوانين المنتدىقوانين المنتدى  شروط التوقيعشروط التوقيع  

 

 سفـــــر دانيـــال

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
زائر
زائر




سفـــــر دانيـــال Empty
مُساهمةموضوع: سفـــــر دانيـــال   سفـــــر دانيـــال Icon_minitimeالجمعة فبراير 23, 2007 10:26 pm



مقدمة فى سفر دانيال :

كان دانيال النبى معاصرا لحزقيال النبى وأصغر منه سنا . قدم لنا حزقيال أورشليم بهيكلها ، هذه التى قد صارت خرابا بسبب الفساد ، وفى نفس الوقت رأى بروح النبوة ليس فقط العودة من السبى ، وإنما إقامة هيكل جديد مجيد ، هو هيكل العهد الجديد حيث فيض النعمة الإلهية . وأما دانيال فقدم لنا لا العودة من السبى فحسب ، وإنما اللقاء مع المحرر الحقيقى السيد المسيح الذى يحررنا من سبى الخطية . ويدخل بنا إلى أمجاده ، كما يفتح عيون قلوبنا لنراه قادما فى نهاية الأزمنة ليقيم من مؤمنيه كواكب منيرة على صورته . اتفق النبيان المسبيان على كشف اهتمام الله بمؤمنيه ، مؤكدين أنه لن ينساهم مهما طالت مدة السبى .

دانيال

يقدم لنا هذا السفر شخصية دانيال الفريدة :

- هو نبى انشغل بالإدارة ، لكنه عرف كيف لا يمزج بينها وبين عمله الروحى النبوى ..

- خدم شعبه لا بروح التعصب ، بل بروح القداسة والأتضاع ، مع الحب لكل الشعوب ..

- هو الرائى الذى كان ينظر إلى المستقبل بعمل الله فيه ، وهبه الله الكثير من الرؤى .

- هو أب التاريخ الأممى ، سجل لنا نبوات دقيقة عن الممالك التى تتعاقب خلال خطة الله . سفر دانيال هو السفر الوحيد فى العهد القديم الذى تنبأ بالتفصيل عن ملوك وممالك حدد بعضها بالأسم مثل فارس واليونان .

- هو نبى الأحلام والرؤى الذى تمتع بعطية إلهية وحكمة سماوية ، وفهم فائق .

- هو النبى الذى حدد أزمنة لأحداث الخلاص ونهاية العالم ، وانشغل بأزمنة الأمم . لقبه السيد المسيح بــ " دانيال النبى " مت 24 : 15 . وبسبب كثرة نبواته إذ بلغت حوالى الستين كان سفر دانيال أكثر أسفار العهد القديم قراءة ودراسة فى الكنيسة المسيحية .

- رجل الحكمة : أشار إليه معاصره حزقيال مع نوح وأيوب كأتقى رجال الله ( حز 14 : 14 ، 20 ) ، وأيضا كأحد أحكم الرجال ، ضرب به الوحى الإلهى المثل فى ذلك ، إذ قال الله لملك صور : " ها أنت أحكم من دانيال ؟ سر ما لا يخفى عليك " حز 28 : 3 . وهب عطية تفسير الأحلام بروح الله ، وكما يقول الملك الوثنى : " إنى أعلم أن فيك روح الآلهة القدوسين ولا يعسر عليك سر " ( دا 4 : 9 ) .

- يذكر المؤرخ اليهودى يوسيفوس أن دانيال كان حاذقا فى المعمار ، وأنه هو الذى صمم مبنى برج شوشن المشهور فى فارس حيث كان ملوك فارس يقطنون .

غالبا ولد فى أورشليم ، وسبى إلى بابل مثل حزقيال ( 1 : 1 – 2 ) . غير أن الأول سبى فى السبى الأول أيام يهوياقيم سنة 606 ق . م . والثانى فى الغزو الثانى . حمل إلى بابل وهو شاب ، وكان من سبط يهوذا ( 1 : 7 ) ، إن لم يكن من البيت الملكى من نسل داود ( 1 : 3 ) ، تعلم الكلدانية مع الثلاثة فتية . يرى البعض أنه عاش حوالى 84 عاما .

+ + +
من وحى سفر دانيال
أنر عينى فأراك يا ضابط الكل !
+ فى وسط هذا السبى المؤقت ،
أنر عينى فأراك يا ضابط الكل !
أرى التاريخ كله فى قبضة يديك ،
فتطمئن نفسى يا سند حياتى !
+ لتقم ممالك عظيمة ، ويظهر جبابرة ،
فأنت وحدك ملك الملوك ورب الأرباب .
ملكوتك أبدى يتحدى كل قوات الظلمة !
ويحطم ضد المسيح وكل أتباعه ،
وتأتى إلى قادما على السحاب ،
لتحملنى معك يا سر مجدى !
+ لتسحب أعماقى وسط الأحداث ،
فأرى العالم كله فى قبضة يديك ،
أراك تعد لى مكانا فى أحضانك الأبوية .
لترفعنى من السبى إلى حرية مجد أولاد الله !
لك الشكر والتسبيح يا مصدر تهليلى !
+ + +
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




سفـــــر دانيـــال Empty
مُساهمةموضوع: دانيال – الإصحاح الأول   سفـــــر دانيـــال Icon_minitimeالجمعة فبراير 23, 2007 10:30 pm



دانيال – الإصحاح الأول

متغربون فى القصر

سبى يهوذا على ثلاث مراحل ، وكانت هذه الفترة حتى نهاية السبى من أشد العصور ظلمة على الشعب ، فقد عاش فى مذلة ، متغربا عن بلده ، محروما من عبادته الجماعية فى الهيكل ، فاقدا كل كرامة فى أعين الأمم . لكن وسط الظلمة وجد هؤلاء الفتيان الصغار – دانيال ورفقاؤه الثلاثة – كأضواء لامعة ، يهتم الله بهم ، ويستخدمهم لحساب ملكوته ليس فى جيلهم وإنما عبر الأجيال ، بكونهم شهودا للحق والإخلاص .



( 1 ) الفتيان فى السبى

يفتتح السفر بالتلميح عن سبى يهوذا الأول فى السنة الثالثة من ملك يهوياقيم ، أى حوالى سنة 605 ق . م . على يدى نبوخذنصر ملك بابل ، حيث حاصر أورشليم وأذل ملكها ( 2 مل 24 : 1 ، إر 22 : 19 ) . فأخذ بعض آنية بيت الرب وجاء بها إلى شنعار ليضعها فى خزانة بيت إلهه .

" فى السنة الثالثة من ملك يهوياقيم ملك يهوذا ذهب نبوخذنصر ملك بابل إلى أورشليم وحاصرها "( 1 )
يرى البعض أن الفعل " ذهب " فى دانيال 1 : 1 فى العبرية يمكن أن يعنى بدء خروج نبوخذنصر على رأس الحملة لمقاومة نخو ملك مصر فى معركة كركميش بينما ما ورد فى إرميا يشير إلى وصوله إلى أورشليم .

" نبو خذنصر " : اسم بابلى يعنى " نبو حامى الحدود " ، " نبو " هو إله العلم والمعرفة عند البابليين .. وكانت اسماء ملوكهم تسبقها دائما كلمة " نبو " .

أخبار نبوخذنصر موجودة فى أسفار الملوك وأخبار الأيام وعزرا ونحميا وإرميا ودانيال ، وقد جاءت آثاره فى بابل وغيرها تتفق مع ما ورد فى الكتاب المقدس .

" وسلم الرب بيده يهوياقيم ملك يهوذا مع بعض آنية بيت الله ،

فجاء بها إلى أرض شنعار إلى بيت إلهه ،

وأدخل الآنية إلى خزانة بيت إلهه " ( 2 ) .



تمت عملية السبى البابلى ليهوذا على ثلاث مراحل :

أ – الترحيل الأول : عام 606 ق . م . أو 605 ق . م . بعد معركة كركميش التى فيها غلب نبوخذنصر فرعون مصر نخو ، فاتجه إلى أورشليم . فيه سبى دانيال وأصدقاؤه ، وفيه أخذ نبوخذنصر بعض آنية بيت الرب ، ووضعها فى هيكل البعل ببابل ، وترك للملك يهوياقيم على العرش كتابع له ، يخضع لسلطانه .

( 2 ) الترحيل الثانى : حوالى عام 598 ق . م . أو 597 ق . م . بعد ثمان سنوات من سبى دانيال ، فيه سبى حزقيال . تم هذا السبى عندما ثار ملكا يهوذا يهوياقيم ويهوياكين على نبوخذنصر ، فجاء الملك وأخذ بقية أوانى الهيكل وكنوزه وسبى الملك يهوياقيم ومعه 10 الآف أسير من الأشراف ورجال الجيش والصناع والمهرة ، ولم يترك فى يهوذا سوى مساكين الشعب ( حز 1 : 1 – 3 ، 2 أى 36 : 10 ، 2 مل 24 : 8 – 20 ) .

( 3 ) الترحيل الأخير : عام 588 ق . م . أو 587 ق . م . ، فيه جاء الملك للمرة الثالثة ليعاقب صدقيا الملك على تمرده " وأحرق بيت الرب وبيت الملك وكل بيوت أورشليم وكل بيوت العظماء وأحرقها بالنار " 2 مل 25 : 9 ،

كما قتل أبناء صدقيا آخر ملوك يهوذا وقلع عينى الملك نفسه وقاده إلى بابل مقيدا بالسلاسل ، وهكذا تم خراب أورشليم والهيكل وتحطم المجتمع اليهودى ( 2 مل 25 : 1 – 47 ، إر 34 : 1 – 7 ) .

كل هذا تم تحقيقا للنبوة ( إر 1 ، 2 أى 36 ) ، كتأديب جماعى بسبب انحراف الشعب وإصراره على العبادة الوثنية برجاساتها ، وعدم حفظ السنوات السبتية ، ومقاومتهم لصوت الله خلال الأنبياء .

" وأمر الملك أشفنز رئيس خصيانه بأن يحضر من بنى إسرائيل ومن نسل الملكومن الشرفاء ، فتيانا لا عيب فيهم ، حسان المنظر ، حاذقين فى كل حكمة ، وعارفين معرفة ، ودوى فهم بالعلم ، والذين فيهم قوة على الوقوف فى قصر الملك فيعلموهم كتابة الكلدانيين ولسانهم " ( 3 – 4 ) .

اتسم هؤلاء الفتيان بالآتى :

- شرف النسب

- جمال الجسد وقوته

- حذاقة فى الحكمة

- أصحاب معرفة

- قادرون على تقديم العلم للغير

- قادرون على الوقوف فى القصر ، أى على تحويل الحكمة والمعرفة والفهم إلى عمل يمارسونه خلال حياتهم اليومية .



( 2 ) اختيارهم لخدمة الملك

" وعين لهم الملك وظيفة كل يوم بيومه من أطايب الملك ومن خمر مشروبه لتربيتهم ثلاث سنين وعند نهايتها يقفون أمام الملك

وكان بينهم من بنى يهوذا دانيال وحننيا وميشائيل وعزريا

فجعل لهم رئيس الخصيان أسماء ، فسمى دانيال بلطشاصر ، وحننيا شدرخ ، وميشائيل ميشخ ، وعزرا عبدنغو " [ 5 – 7 ] .



نلاحظ معانى أسماء الفتية ، ومعانى الأسماء الجديدة لهم :

أ - دانيال معناه " الله ديانى " تغير إلى : بلطشاصر معناه " الأمير الخاص بالبعل " .

ب - حننيا معناه " يهوه حنان أو مترفق " تغير إلى : شدرخ معناه "موحى به بإله الشمس "

ج - ميشائيل أو ميخائيل معناه " من مثل الله " تغير إلى : ميشخ ومعناه " من قبل شخ إله الجمال والأرض " .

د – عزريا معناه " من يعينه يهوه " وتغير إلى : عبدنغوومعناه " عبد التار المتألقة "

أراد رئيس الخصيان أن يقطع هؤلاء الشبان عن كل صلة بماضيهم وثقافتهم وديانتهم فأعطاهم أسماء جديدة تربطهم بالآلهة الكلدانية الرئيسية ، أى البعل ، والإله الشمس ، وآلهة الجمال والأرض ، وآلهة النار .



لماذا عين لهم الملك أن يأكلوا من أطايبه ؟

فى شىء من الخبث أمر الملك بذلك ، ففيما يحمل مظهر الملك الكريم فى معاملاته بالمسبيين ، يدخل بهم إلى حياة الترف التى تنزع عنهم روح الثورة ضده لحساب بنى جنسهم .

فإن بالقوة سباهم من بلدهم ، فبالترف أراد نزع انتمائهم إلى بلدهم . وكأنه أراد تحطيم يهوذا باللطف كما بالعنف ، مستخدما كل وسيلة لهدمهم .

أما تحديد مدة التدريب بثلاث سنين بعدها يقفون أمام الملك ، فإن رقم 3 تشير إلى القيامة . فالسيد المسيح بقيامته قدم لنا سر الرقم 3 ليهبنا حياته المقامة ، ويرفعنا من الترف إلى السماء . ونبوخذنصر قدم لهؤلاء الفتية سر الرقم 3 ، ليقيمهم لا إلى السماء بل إلى بابل . فيموتوا عن وطنهم ليحيوا بفكر جديد كلدانى .



( 3 ) رفضهم أطايب الملك

" أما دانيال فجعل فى قلبه أنه لا يتنجس بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه ، فطلب من رئيس الخصيان أن لا يتنجس .

وأعطى الله دانيال نعمة ورحمة عند رئيس الخصيان " [ 8 – 9 ] .

إذ كان دانيال أمينا مع الله أعطاه الرب نعمة فى عينى رئيس الخصيان ، وكما يقول المرتل : " واعطاهم نعمة قدام الذين سبوهم " مز 106 : 46 .

" فقال رئيس الخصيان لدانيال :

إنى أخاف سيدى الملك الذى عين طعامكم وشرابكم .

فلماذا يرى وجوهكم أخزل من الفتيان الذين من جيلكم فتدينون رأسى للملك ؟!

فقال دانيال لرئيس السقاة الذى ولاه رئيس الخصيان على دانيال وحننيا وميشائيل وعزريا : جرب عبيدك عشرة أيام فليعطونا القطانى لنأكل وماء لنشرب .

ولينظروا إلى مناظرنا أمامك ، وإلى مناظر الفتيان الذين يأكلون من أطايب الملك ثم اصنع بعبيدك كما ترى .

فسمع لهم هذا الكلام وجربهم عشرة أيام " [ 10 – 14 ] .

كان دانيال الشاب يعيش فى أرض غريبة ( أرض السبى ) ، وكان يمكنه أن ينتحل الأعذار لعدم الصوم . كان دانيال فى وسط مشجع على الخطية ، لأنه كان فى قصر الملك . وكان لزاما عليه أن يأكل كل يوم من أطايب الملك وخمر مشروبه .

كان يمارس الصوم حتى وهو فى سن الشيخوخة ( ص 10 ) ، فكأن قلب دانيال لم يشخ

لقد غير رئيس الخصيان أسماءهم ، لكنه كان عاجزا عن تغيير قلوبهم ، وطبيعتهم المقدسة فى الرب .


( 4 ) نتائج الأختبار

" وعند نهاية العشرة الأيام ظهرت مناظرهم أحسن وأسمن لحما من كل الفتيان الآكلين من أطايب الملك .

فكان رئيس السقاة يرفع أطايبهم وخمر مشروبهم ويعطيهم قطانى " [ 15 – 16 ] .

لا نعرف عدد الشبان الذين اختيروا لخدمة الملك ومعاونته فى عمله . بلا شك كانوا كثيرين ، لكننا لا نعرف بالأسم إلا دانيال وأصدقاءه الثلاثة . فإذ كانوا جادين فى أمانتهم لله فى كل شىء بالرغم من الظروف القاسية ، وخاضعين لإرادتهممهما كلفهم الأمر ، استحقوا تسجيل أسمائهم فى الكتاب المقدس ، ونقشها فى سفر الحياة الأبدية .

( 5 ) تمتعهم بالحكمة والفهم :

" أما هؤلاء الفتيان الأربعة فأعطاهم الله معرفة وعقلا فى كل كتابة وحكمة وكان دانيال فهيما بكل الرؤى والأحلام " [ 17 ] .

لقد تمم الله وعده مع مؤمنيه : " إنى أكرم الذين يكرموننى " 1 صم 2 : 30 .



( 6 ) تفوقهم على كل المجوس

" وعند نهاية الأيام التى قال الملك أن يدخلوها بعدها أتى بهم رئيس الخصيان إلى أمام نبوخذنصر .

وكلمهم الملك فلم يوجد بينهم كلهم مثل دانيال وحننيا وميشائيل وعزريا .

فوقفوا أمام الملك .

وفى كل أمر حكمة فهم الذى سألهم عنه الملك وجدهم عشرة أضعاف فوق كل المجوس والسحرة الذين فى كل مملكته " [ 18 – 20 ] .

ما كان يمكن للملك أن يختبر هؤلاء الشبان لو لم يكن هو نفسه حكيما وذا معرفة وثقافة عالية . لقد سر الملك بهم لأنه لم يحضرهم إلى القصر للتسلية بقصص وأحاديث باطلة أو مداعبات لطيفة ، إنما لمعاونته بروح الحكمة والجدية .

" وكان دانيال إلى السنة الأولى لكورش الملك " [ 21 ]

لا يعنى هذا أن دانيال لم يبق سوى إلى السنة الأولى لكورش الملك ، إنما أراد هنا تأكيد معاصرة دانيال لمدة السبى حتى نهايتها ، إذ فى هذه السنة رجع اليهود إلى أورشليم .
+ + +
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




سفـــــر دانيـــال Empty
مُساهمةموضوع: رد: سفـــــر دانيـــال   سفـــــر دانيـــال Icon_minitimeالجمعة فبراير 23, 2007 10:35 pm



دانيال – الإصحاح الثانى

رؤيا التمثال

أراد الله أن يؤكد لدانيال أن ما حل به ليس على سبيل الصدفة ، فإن العالم كله فى قبضة يده ، لا يفلت من يده شىء ، من إقامة ممالك وإزالتها ، حتى أحلام الإنسان بين يدى الله ، لهذا سمح الله أن يرى نبوخذنصر حلما يرعبه ، وتعجز كل البشرية عن معرفة الحلم وتفسيره ، إنما يعلنه الله لدانيال ويكشف له عن تفسيره الذى يتلخص فى عبارة واحدة ، وهى " الله ضابط التاريخ والمهتم بخلاص العالم " .

هذا وقد أراد الله أن يكشف ما تميز به دانيال بروح النبوة ، موضحا أثر نعمة الله العاملة فيه .

( 1 ) تاريخ الحلم :

" فى السنة الثانية من ملك نبوخذنصر حلم نبوخذنصر أحلاما فانزعجت روحه وطار عنه نومه " [ 1 ]

ربما يتساءل البعض كيف كان الحلم فى السنة الثانية لحكم نبوخذنصر وقام دانيال بتفسيره بينما كان هو والثلاثة فتية لازالوا طلبة تحت التمرين ، لم يقفوا أمام الملك إلا فى نهاية الأيام ( 1 : 18 ) ، أى بعد ثلاث سنوات ( 1 : 5 ) ؟

هناك آراء كثيرة ، ولكن الرأى الأرجح والأكثر قبولا أن ما ورد فى الإصحاح الأول كان فى أيام نبوخذنصر حين كان مساعدا لوالده نبوبلاسر فى الحكم ، أما هنا فيقصد السنة الثانية من الحكم عندما تسلمه منفردا .

يقول القديس جيروم : إن السنة الثانية هنا بعد أن ملك ليس فقط على اليهود والكلدانيين وإنما على كل الأمم الأخرى مثل أشور ومصر ، لهذا يقول يوسيفوس أن نبوخذنصر حلم حلما عجيبا عن الأمور المستقبلية بعد نصرته على مصر .

ربما مما زاد من ارتباكه نسيانه للحلم ، فشعر بالحاجة إلى من يذكره به . الله الذى أعطاه الرسالة بالحلم جعله ينساه ليزيد من ارتباكه ، مع أنه عادة يتجاهل الناس الأحلام التى ينسونها .



( 2 ) الحلم المنسى

" فأمر الملك بأن يستدعى المجوس والسحرة والعرافون والكلدانيون ليخبروا الملك بأحلامه ،

فأتوا ووقفوا أمام الملك " [ 2 ] .

واضح من هذه العبارة أن الملك شعر بأن الحلم يحمل رسالة إلهية سماوية ، فقد سبق وحلم كثيرا ولم يهتم ، لكنه فى هذه المرة استدعى كل المجوس والسحرة والعرافين والكلدانيين فقد حل الرعب به ، وافقده قدرته على النوم ، فشعر بأن السماء تعلن له سرا خطيرا .

فرح السحرة والعرافون بطلب الملك وظنوا أنهم سينالون هدايا وعطايا كثيرة من الملك !

" فقال لهم الملك قد حلمت حلما ، وانزعجت روحى لمعرفة الحلم ،

فكلم الكلدانيون الملك بالآرامية :

عش أيها الملك إلى الأبد .

أخبر عبيدك بالحلم فنبين تعبيره " [ 3 ، 4 ] .

" عش أيها الملك إلى الأبد " : لم يكن ذلك مجرد تحية عادية بسيطة ، لكنهم رأوا علامات القلق تملأ وجهه ، فسألوا أن يكون متهللا بروح طيبة وأن ينزع كل قلق من روحه ، فإنهم قادرون على تفسير الحلم فى يقين شديد .

" فأجاب الملك وقال للكلدانيين :

قد خرج منى القول إن لم تنبئونى بالحلم وبتعبيره تصيرون إربا إربا وتجعل بيوتكم مزبلة " [ 5 ] .

لقد كان هؤلاء الحكماء والسحرة أنصاف آلهة فى أعين رجال الدولة والشعب . الآن صاروا فى موقف مهين للغاية ، كثمرة طبيعية للتشامخ والعجرفة ، حيث نسبوا لأنفسهم ما ليس لهم .

هذا التهديد الخطير كشف عن عنف الملك ووحشيته ، كما أعطى الفرصة لأنتشار الخبر على مستوى واسع ، فتمجد الله بالأكثر خلال عمله بواسطة دانيال النبى .

" وإن بينتم الحلم وتعبيره تنالون من قبلى هدايا وحلاوين وإكراما عظيما ، فبينوا لى الحلم وتعبيره " [ 6 ] .

إذ كان الملك يعرف أنهم طماعون ومحبون للمجد الباطل وعدهم بهدايا جزيلة ومكافآت مع كرامة .

" فأجابوا ثانية وقالوا : ليخبر الملك عبيده بالحلم فنبين تعبيره .

أجاب الملك وقال :إنى أعلم يقينا أنكم تكتسبون وقتا إذ رأيتم أن القول قد خرج منى .

بأنه إن لم تنبئونى بالحلم فقضاؤكم واحد .

لأنكم قد اتفقتم على كلام كذب وفاسد لتتكلموا به قدامى إلى أن يتحول الوقت .

فأخبرونى بالحلم فأعلم أنكم تبينون لى تعبيره " [ 7 – 9 ] .

خلال الحوار بين الملك والكلدانيين يظهر أنه كان يشك فى أمرهم ، إنهم يقدمون كلمات معسولة لكنهم غير صادقين ... أدرك الكلدانيون أن أمور المستقبل لا يعلنها إلا الله .

وكما قال المرأة السامرية : " أنا اعلم أن مسيا الذى يقال له المسيح يأتى ، فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شىء " يو 4 : 25 .

" أجاب الكلدانيون قدام الملك وقالوا :

ليس على الأرض يستطيع أن يبين أمر الملك .

لذلك ليس ملك عظيم دو سلطان سأل أمرا مثل هذا من مجوسى أو ساحر أو كلدانى " [ 10 ] .

قدموا عذرا عادلا للملك ! وهو أن ما يطلبه ليس فى استطاعة إنسان على الأرض ، ولم يذكر التاريخ مثلا واحدا لصاحب سلطان أن يسأل أمرا كهذا أن يخبره أحد بما رآه فى حلمه . هكذا قدم الكل شهادة جماعية أنه إن أخبره أحد بالحلم ، هذا لن يكون بعمل بشرى ، إنما هو عطية إلهية من السماء ، لأن الله وحده يعرف أحلام الناس وأفكارهم الخفية . قدموا هذا شهادة لإله دانيال قبل أن ينطق دانيال بكلمة .

" والأمر الذى يطلبه الملك عسر وليس آخر يبينه قدام الملك غير الآلهة الذين ليست سكناهم مع البشر " [ 11 ] .

يظن البعض أنهم يقصدون هنا الملائكة بكونهم وحدهم قادرين على تقديم هذا الحلم الغريب الذى جاء كإعلان الهي ومحى من ذهن الملك لغرض الهي دون أن يزول الأضطراب من روحه . ويرى بعض الدارسين أنه يقصد الآلهة ، إذ كان الكلدانيون يتعبدون لجمهور من الآلهة مع وجود إله أسمى وهو الحاكم وحده .

" لأجل هذا غضب الملك واغتاظ جدا وأمر بإبادة كل حكماء بابل " [ 12 ] .



( 3 ) الأمر بقتل الحكماء :

" فخرج الأمر وكان الحكماء يقتلون ،

فطلبوا دانيال وأصحابه ليقتلوهم " [ 13 ] .

لم يطلب دانيال وأصدقاؤه حينما استدعى الحكماء بواسطة الملك للكشف عن الحلم وتفسيره ، لكن حين صدر الأمر بقتل الحكماء طلبوا ليقتلوا معهم ، ومع هذا لم يحملوا ضغينة أو كراهية لهم ، بل قام دانيال بإنقاذهم دون كلمة عتاب واحدة .



( 4 ) تصرف دانيال

" حينئذ أجاب دانيال بحكمة وعقل لأريوخ رئيس شرط الملك الذى خرج ليقتل حكماء بابل .

أجاب وقال لأريوخ قائد الملك : لماذا اشتد الأمر من قبل الملك ؟

حينئذ أخبر أريوخ دانيال بالأمر " [ 14 – 15 ] .

واضح من النص أن بعض الحكماء قتلوا قبل طلب دانيال وزملائه للقتل .

وكان لهذا القتل مع نشر المرسوم الملكى أثره على كل الأوساط فى الدولة .

كان الأمر بقتل دانيال يحمل ظلما مع تسرع ، هذا واضح من كلمات اللوم بلطف واتزان الموجهة من دانيال إلى الملك : " لماذا اشتد الأمر من قبل الملك ؟! .. الحكم المفاجىء بقتل دانيال لم يفقده حكمته واتزانه ولم يزعج روحه . أزعج الحلم روح الملك ، بينما صدور أمر بالقتل لم يربك عقل دانيال ، لا لشىء إلا لأن حياة دانيال وفكره وقلبه هى تحت قيادة روح الله .

" فدخل دانيال وطلب من الملك أن يعطيه وقتا فيبين للملك التعبير ،

حينئذ مضى دانيال إلى بيته وأعلم حننيا وميشائيل وعزريا أصحابه بالأمر ليطلبوا المراحم من قبل إله السموات من جهة هذا السر لكى لا يهلك دانيال وأصحابه مع سائر حكماء بابل " [ 15 – 18 ] .

طلب الكلدانيون معرفة الحلم لكى يفسروه ، أما ما طلبه دانيال فهو مهلة زمنية قصيرة ليقف أمام كاشف الأسرار ويهبه السر .

إذ تحدث دانيال مع اصدقائه دعى الله : " إله السموات " [ 18 ] ، ولم يقل " إله إسرائيل " ، لأنه يعلم أن إسرائيل قد أخطأ ولم يعد مستحقا أن ينسب الله إليه لأجل عصيانه ، إنما ينسب إلى السماء التى بالحب تخضع لإرادته .

سند الفتية الثلاثة دانيال بصلواتهم لا طمعا فى مقاسمته مكافأة من قبل الملك ، ولا لنزع العار عنه ، وإنما ليتمجد الله فى نبيه فى أرض السبى .

لقد كانت أعين هؤلاء الأتقياء متجهة نحو " المراحم " الإلهية ، فهى وحدها سندنا وقت الضيق .



( 5 ) كشف السر :

سمح الله لدانيال بالضيقة ليدخل إلى بيته ويلتقى بإله السموات ، فيرفع قلبه وفكره إلى السماء ، ويكشف أسرارا أعمق ، ويتمتع بمعرفة تملأ كيانه عذوبة تبتلع كل ضيق . ما أحوجنا أن ندخل كل يوم إلى بيتنا ، أورشليمنا الداخلية ، لنلتقى بذاك الذى يحملنا من هموم هذه الحياة ويدخل بنا إلى عربون الأبدية .

" حينئذ لدانيال كشف السر فى رؤيا الليل ،

فبارك دانيال إله السموات " [ 19 ] .

إذ طلب دانيال ورفقاؤه من الرب بغير ارتياب قدم الله لهم سؤل قلبهم ، وكما يقول يعقوب الرسول : " ليطلب بإيمان غير مرتاب البتة ، لأن المرتاب يشبه موجا من البحر تخبطه الريح وتدفعه ، فلا يظن ذلك الإنسان أنه ينال شيئا من عند الرب " ( يع 1 : 6 ، 7 ) . الله قريب من الذين يصرخون إليه بالحق وفى إخلاص مع إيمان .

" أجاب دانيال وقال :

ليكن اسم الله مباركا من الأزل وإلى الأبد ،

لأن له الحكمة والجبرت ،

وهو يغير الأوقات والأزمنة ، يعزل ملوكا وينصب ملوكا ،

يعطى الحكماء حكمة ويعلم العارفين فهما " [ 20 ، 21 ] .

إذ كشف الله لدانيال عن السر لم يفكر فى لقائه مع الملك ، ولا انشغل بما ناله ، بل قدم تسبحة جديدة للرب ، ناسيا لله الحكمة التى نالها والقوة التى تمتع بها . إنه يمجد الله ضابط التاريخ بيده ، والذى لا يخفى عنه شىء ، وهما أمران لا ينفصلان عندما يعلن جلال الله .

" هو يكشف العمائق والأسرار ، يعلم ما هو فى الظلمة وعنده يسكن النور ، ...

إياك يا إله آبائى أحمد وأسبح ، الذى أعطانى الحكمة والقوة ،

وأعلمنى الآن ما طلبناه منك ، لأنك أعلمتنا أمر الملك " [ 22 ، 23 ] .

يتحدث هنا بصفة خاصة عن نعمة النبوة ، حيث يحسب الله أنبياء مفسرى أسراره لبنى البشر . هذه نعمة تعطى لبعض الأخصاء الأمناء ، حسب ما فيه بنيان الجماعة وإعلان مجد الله .

يمجد دانيال الله " إله آبائه " ، أى إله الكنيسة الحية الممتدة عبر العصور . الله الذى عمل فى القديم عجائب مع آبائه يعمل الآن مع دانيال ، ويعمل فى العصور المتتالية إلى انقضاء الدهر .

" فمن أجل ذلك دخل دانيال إلى أريوخ الذى عينه الملك لإبادة حكماء بابل ،

مضى وقال له هكذا :

لا تبد حكماء بابل ،

أدخلنى إلى قدام الملك ، فأبين للملك التعبير " [ 24 ] .

أ – لم يطلب هذا لأنهم أبرار ( إنهم سحرة ومنجمين ) ، بل لأن الحكم بقتلهم صدر ظلما إذ لا يستطيع أحد أن يعرف الأحلام إلا الله وحده .

ب – لم يكونوا يهودا سمعوا الشريعة التى تحرم السحر والعرافة .

جـ - يتوقف قتلهم يعطيهم هم وعائلاتهم ومعارفهم فرصة لإدراك عمل الله الحقيقى فى حياة أنبيائه .



( 6 ) لقاء مع الملك :

" حينئذ دخل أريوخ بدانيال إلى قدام الملك مسرعا ، وقال له هكذا :

قد وجدت رجلا من بنى سبى يهوذا الذى يعرف الملك بالتعبير " [ 25 ] .

قدم أريوخ دانيال للملك كمن صنع خيرا للملك يستحق المكافأة ، إذ يقول له : " قد وجدت رجلا ... " . بينما لم ينسب دانيال لنفسه شيئا ، بل أعطى كل المجد لله .

" أجاب الملك وقال لدانيال الذى اسمه بلطاشر :

هل تستطيع أنت على أن تعرفنى بالحلم الذى رأيت وبتعبيره ؟ " [ 26 ] .

واضح من هذا التساؤل يأس الملك من وجود إنسان قادر على اكتشاف الحلم ومعرفة تفسيره ، ..

" أجاب دانيال قدام الملك وقال :

السر الذى طلبه الملك لا تقدر الحكماء ولا السحرة ولا المجوس ولا المنجمون على أن يبينوه للملك .

لكن يوجد إله فى السموات كاشف الأسرار وقد عرف الملك نبوخذنصر ما يكون فى الأيام الأخيرة .

حلمك ورؤيا رأسك على فراشك هو هذا " [ 27 ، 28 ] .

فى بدء حديثه مع الملك أوضح أن الحلم نبوى ، مؤكدا فكرة الملك بأن الحلم ليس حلما عاديا بالمرة . مادام الحلم ليس طبيعيا ولا بريا لهذا لا يقدر إنسان ما أن يظهره أو يفسره ، إنما الله الذى أعطى الملك الحلم بروحه يكشف سره .

" أنت يا أيها الملك أفكارك على فراشك صعدت إلى ما يكون من بعد هذا وكاشف الأرار يعرفك بما يكون " [ 29 ] .

" أما أنا فلم يكشف لى هذا السر لحكمة فى أكثر من كل الأحياء .

ولكن لكى يعرف الملك بالتعبير ولكى تعلم أفكار قلبك " [ 30 ] .

الله بحكمته رفع أفكار الملك ليتمتع بسر خاص بالأيام الأخيرة ، لكنه لم يستطع أن يفهم الحلم ، لم ينسب دانيال لنفسه الحكمة ولا المعرفة أكثر من غيره من بنى البشر ، إنما يقدم المجد لله الذى يكشف له السر لئلا يثور الملك ويخطىء فى حق الله الذى أعطاه الحلم ثم نزع عنه تذكره كما لم يقدم له التفسير .



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




سفـــــر دانيـــال Empty
مُساهمةموضوع: رد: سفـــــر دانيـــال   سفـــــر دانيـــال Icon_minitimeالجمعة فبراير 23, 2007 10:37 pm

( 7 ) التمثال المعدنى

" أنت أيها الملك كنت تنظر وإذا بتمثال عظيم .

هذا التمثال العظيم البهى جدا وقف قبالتك ومنظره هائل " [ 31 ] .

" رأس هذا التمثال من ذهب جيد ،

صدره وذراعاه منفضة ،

بطنه وفخذاه من نحاس ،

ساقاه من حديد .

قدماه بعضهما منحديد والبعض من خزف " [ 32 – 33 ] .

فى ثقة ويقين أعلن دانيال عن الحلم ، كان الملك يستمع إليه فى صمت مع دهشة ، فقد أخبره دانيال بالحلم فى دقة شديدة .

يلاحظ فى هذا الحلم :

أ - رأى الملك تمثالا ملوكيا عظيما ، فمع اختلاف معادنه هو تمثال واحد ، كل الممالك المتعاقبة مع اختلاف إمكانياتها فى نظر الله هى تمثال واحد .. أو قوة زمنية واحدة .

ب – رأس التمثال من ذهب ، وينتهى بالقدمين من حديد وخزف ، ففى هذا إشارة إلى انحلال العالم شيئا فشيئا وضعفه وفساده المتزايد عبر الأجيال .

جـ - هنا يتحدث عن كل مملكة ككل ، وليس عن ملوك بأعينهم ، فإن كان كورش قد وجد يحمل صفات نبيلة مع حكمة واتزان لكن مملكة فارس ككل تحمل فسادا ومقاومة للحق .

د – قدم هذا الحلم لملك وثنى ، لكى إذ يتعرف عليه اليهود المسبيون الذين يشتاقون إلى العودة إلى بلدهم لا يصابون بحالة إحباط عندما تظهر مملكة فارس لتحكم بابل ثم اليونان فالرومان ... وفى هذا كله لم تعد تظهر بعد إسرائيل كما فى أيام داود الملك أو سليمان ، لأن الله يود تقديم مملكة ابن داود ، الحجر الذى يضرب التمثال ويصير جبلا عظيما تمتد مملكته الروحية على مستوى العالم كله !

لقد أراد أن يوجه أنظارهم من انتظار مملكة زمنية إلى ملكوت أبدى روحى .

هـ - تجاهل مملكة أشور ، لأن الحلم لا يقصد به تسجيل التاريخ بل قيادة الكل نحو السيد المسيح مخلص العالم .

ز – وصف نبوخذنصر فىهذا الحلم بـ " الرأس من ذهب " فهو الذى جعل من بابل إمبراطورية عالمية لها مجدها وعظمتها وسيادتها وسلطانها .

و – رمز لمملكة فارس ومادى بالفضة التى تشير فى الكتاب المقدس إلى الغنى والطلب المتواصل للمال " فمن يحب الفضة لا يشبع " ( جا 5 : 10 ) ،كما باع يهوذا السيد المسيح بالفضة .

" أنت أيها الملك ملك ملوك لأن إله السموات أعطاكمملكة واقتدارا وسلطانا وفخرا .

وحيثما يسكن بنو البشر ووحوش البر وطيور السماء دفعها ليدك وسلطك عليها جميعها

فأنت هذا الرأس من ذهب " [ 37 – 38 ]

كانت عبارة " ملك ملوك " هى لقب مستخدم لكثير من حكام الشرق ..

يلاحظ هنا أن دانيال لم يتملق الملك بل دعاه الرأس الذهبى للتمثال الذى يتحطم تماما ، وأنه ستقوم بعده مملكة أخرى . وحينما يقول " أنت هذا الرأس " لا يقصد به هو شخصيا بل مملكة بابل التى منأشهر ملوكها نبوخذنصر ،وقد عرف هذا الملك بالقسوة والعنف ، كما عرف الملك بيلشاصر باستخفافه بالله الحق .

" وبعدك تقوم مملكة أخرى أصغر منك ، ومملكة ثالثة أخرى من نحاس فتتسلط على كل الأرض " [ 39 ] .

دعيت مملكة فارس أصغر من مملكة بابل بسبب تزايد الفساد والوحشية ..

مملكة المقدونيين ( نحاسية ) تسلطت على كل الأرض ليس لأنها أكثر صلابة من مملكة فارس ،لكن لأنها أكثر رداءة حتى متى قورنت بها تكون كالنحاس بالنسبة للفضة .

" وتكون مملكة رابعة صلبة كالحديد ، لأن الحديد يدق ويسحق كل شىء ، وكالحديد الذى يكسر تسحق وتكسر كل هؤلاء . ، ................................

وبما رأيت الحديد مختلطا بخزف الطين فإنهم يختلطون بنسل الناس ولكن لا يتلاصق هذا بذاك كما أن الحديد لا يختلط بالخزف " [ 40- 43 ] .

ينطبق هذا الحديث على مملكة الرومان ، دعى قياصرة الرومان حديدا إشارة إلى قسوتهم التى فاقت قسوة ملوك الممالك السابقة .



( 8 ) الحجر العجيب [ 34 – 36 ]

" كنت تنظر إلى أن قطع حجر بغير يدين ، فضرب التمثال على قدميه اللتين منحديد وخزف فسحقهما .

فانسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معا وصارت كعصافة البيدر فى الصيف ،

فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان ،

أما الحجر الذى ضرب التمثال فصار كبيرا وملأ الأرض كلها "




أهم ما فى الحلم هو هذا الحجر العجيب القادر أن يحطم هذه الممالك ليقيم ملكوتا روحيا يملأ الأرض ، ملكوتا يثبت إلى الأبد ، هنا يتحدث عن مملكة جديدة يقيمها الحجر المقطوع بغير يدين ، إذ جاء السيد المسيح ليس من زرع بشر ، بل مولودا من العذراء .

يشير تعبير " لا بيدين " إلى طبيعة مملكته إنها ليست بشرية بل سماوية إلهية ، لا بداية له .

أما دعوة السيد المسيح بالحجر أو الصخرة ، لأنه حجر الزاوية الذى ضم اليهود مع الأمم فى إيمان واحد ، أى ربطهما كحائطين يضمهما حجر الزاوية ، وهو الحجر الذى الذى عليه تتأسس كنيسته ، قيل عنه :

" الحجر الذى رفضه الناءون قد صار رأس الزاوية ، من قبل الرب كان هذا هو عجيب فى أعيننا " مز 118 : 22 .

وجد هذا الحجر الذى من الأرض بقوة الله وحكمته ، لذلك يقول أيضا إشعياء :" هأنذا أؤسس فى صهيون حجرا .. حجر زاوية كريما أساسا مؤسسا " إش 28 : 16 .

هكذا ،إذن نفهم أن مجيئه فى الطبيعة البشرية لم يتحقق بإرادة إنسان بل بإرادة الله .



( 9 ) تفسير الحلم

" هذا هو الحلم .

فنخبر بتعبيره قدام الملك ، ....

وفى أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السموات مملكة لن تنقرض أبدا وملكها لا يترك لشعب آخر وتسحق وتفنى كل هذه الممالك وهى تثبت إلى الأبد ..

لأنك رأيت أنه قد قطع حجر من جبل لا بيدين ،

فسحق الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب .

الله العظيم قد عرف الملك ما سيأتى بعد هذا .

الحلم حق وتعبيره يقين " [ 36 – 45 ] .



( 10 ) دانيال الممجد

" حينئذ خر نبوخذنصر على وجهه ،

وسجد لدانيال ،

وأمر بأن يقدموا له تقدمة وروائح سرور " [ 46 ] .

لم يكن بالأمر السهل أن يسجد الملك لدانيال ! خاصة أن دانيال لم يقدم له أخبارا مفرحة !

" فأجاب الملك دانيال وقال :

حقا إن إلهكم إله الآلهة ورب الملوك وكاشف الأسرار ،

إذ استطعت على كشف هذا السر "[ 47 ] .

لقد مجد الله لكن إلى حين ، إذ لم يتخذ خطوات جدية لخلاص نفسه ، لقد سمح الله بذلك لتشجيع اليهود المسبيين ، فيدركوا أن الله قادر أن يتمجد فيهم إن رجعوا إليه بكل قلوبهم .

"حينئذ عظم الملك دانيال ،

وأعطاه عطايا كثبرة ،

وسلطه على كل ولاية بابل ،

وجعله رئيس الشحن على جميع حكماء بابل " [ 48 ] .

قبل دانيال عطية الملك لأجل خدمة شعبه ، لهذا اهتم بتعيين الفتية الثلاث على أعمال ولاية بابل ، مع إدراكه أنهم لا يشتهون شيئا من كرامات هذا العالم وغناه ، إنما فعل هذا من أجل اخوته المسبيين .

( 11 ) رفقاء دانيال

" فطلب دانيال من الملك فولى شدرخ وميشخ وعبدنغو على أعمال ولاية بابل ،

أما دانيال فكان فى باب الملك " [ 49 ] .

لم يشته دانيال وأصحابه أمورا زمنية ، بل طلبوا ملكوت الله وبره ، فأعطاهم الله هذا وذاك .

+ + +
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




سفـــــر دانيـــال Empty
مُساهمةموضوع: دانيال – الإصحاح الثالث   سفـــــر دانيـــال Icon_minitimeالجمعة فبراير 23, 2007 10:45 pm



دانيال – الإصحاح الثالث

الثلاثة فتية فى الأتون

تحدث الله مع نبوخذنصر خلال لغة الأحلام التى يؤمن بها ، فقد انزعجت روحه ( دا 2 : 3 ) . وقام دانيال بتفسيره له محذرا إياه من الكبرياء ، إذ صار كرأس ذهبى ( دا 2 : 8 ) لتمثال معدنى ينتهى بالتحطيم .

كان قلب نبوخذنصر أشبه بالأرض المملوءة أشواكا ، فقد سمع تفسير الحلم بواسطة دانيال ومجد الله ، وقدم دانيال على جميع حكماء بابل ، كما عين أصدقاءه الثلاثة على أعمال ولاية بابل ، ومع هذا سرعان ما خنق الشوك الكلمة .



( 1 ) إقامة تمثال ذهب

" نبوخذنصر الملك صنع تمثالا من ذهب ، طوله ستون ذراعا وعرضه ست أذرع ،

ونصبه فى بقعة دورا فى ولاية بابل " [ 1 ]

يرى بعض الحاخامات أن هذا التمثال كان لنبوخذنصر نفسه ! أراد تأليه نفسه ، فإن كان قد اتضع إلى حين أمام دانيال النبى ، سرعان ما ثار فيه حب المجد الباطل والكبرياء .

" ثم أرسل نبوخذنصر الملك ليجمع المرازبة والشحن والولاة والقضاة والخزنة والفقهاء والمفتين وكل حكام الولايات ليأتوا لتدشين التمثال الذى نصبه نبوخذ نصر الملك ....." [ 2 – 7 ] .

استخدم نبوخذنصر كل وسيلة لكى يتعبد الكل لتمثاله . استخدم الجيش مع العظماء يتقدمون الصفوف لكى يرهب عامة الشعب ، كما استخدم كل أنواع الموسيقى فى ذلك الحين لإثارة المشاعر .

سجدت الشعوب للتمثال ، سواء كان للبعل أو للملك أو لإله آخر ، ليس بروح التقوى وإنما بناء على أمر الملك ، الذى هدد لا بالموت فحسب بل وبالتعذيب ، حيث يلقى العصاة فى أتون نار .



( 2 ) شكوى ضد الثلاثة فتية :

تحدث الأشرار مع الملك بتملق ورياء ، ناسبين للفتية الأمناء الأتقياء الجحود والعصيان للملك وأومره ، أما الفتيان فتعلموا أنه ينبغى أن يطاع الله أكثر من الناس ( أع 5 : 29 ) .

" لأجل ذلك تقدم حينئذ رجال كلدانيون واشتكوا على اليهود ،

أجابوا وقالوا للملك نبوخذنصر :

أيها الملك عش إلى الأبد .

أنت أيها الملك قد أصدرت أمرا بأن كل إنسان يسمع صوت القرن والناى والعود والرباب والسنطير والمزمار وكل أنواع العزف يخر ويسجد لتمثال الذهب .

من لا يخر ويسجد يلقى فى وسط أتون نار متقدة .

وجد رجال يهود الذين وكلتهم على أعمال ولاية بابل شدرخ وميشخ وعبدنغو .

هؤلاء الرجال لم يجعلوا لك أيها الملك اعتبارا .

آلهتك لا يعبدون ولتمثال الذهب الذى نصبت لا يسجدون " [ 8 – 12 ] .

لا نعجب إن تقدم الكلدانيون الذين أنقذهم دانيال ورفقاؤه الثلاثة من موت محقق ( دا 2 : 2 ) ، إلى الملك يشتكون من خلصهم لكى يلقى بالثلاثة فتية فى أتون النار ، وهكذا يردون لهم الحب بالكراهية ، والإحسان بالحسد والرغبة فى التخلص منهم ، فالجحود هو طبيعة الإنسان الساقط ، والأضطهاد هى سمة الأشرار ، يضايقون الأبرار بلا سبب .



( 3 ) حوار مع نبوخذ نصر 13 – 18

" حينئذ أمر نبوخذناصّر بغضب وغيظ باحضار شدرخ وميشخ وعبد نغو.

فاتوا بهؤلاء الرجال قدام الملك.

فاجاب نبوخذناصّر وقال لهم

تعمّدا يا شدرخ وميشخ وعبد نغو لا تعبدون آلهتي ولا تسجدون لتمثال الذهب الذي نصبت.

فان كنتم الآن مستعدين عندما تسمعون صوت القرن والناي والعود والرباب والسنطير والمزمار وكل انواع العزف الى ان تخرّوا وتسجدوا للتمثال الذي عملته.

وان لم تسجدوا ففي تلك الساعة تلقون في وسط أتون النار المتقدة.ومن هو الاله الذي ينقذكم من يديّ " . [ 13 – 15 ] .

ليس شىء يثير أصحاب السلاطين مثل الشعور بأن سلطانهم محتقر ، إنهم يطلبون طاعة الكل لأوامرهم حتى وإن كانت غير عادلة .

ما يشغله ليس السجود للتمثال أم عدمه بل تحديهم لسلطانه ، لهذا سخر بإلههم ، وأنه لا يقدر أن يخلصهم من يده .

" فاجاب شدرخ وميشخ وعبد نغو وقالوا للملك

.يا نبوخذناصّر لا يلزمنا ان نجيبك عن هذا الأمر.

هوذا يوجد الهنا الذي نعبده يستطيع ان ينجينا من أتون النار المتقدة وان ينقذنا من يدك ايها الملك.

والا فليكن معلوما لك ايها الملك اننا لا نعبد آلهتك

ولا نسجد لتمثال الذهب الذي نصبته " [ 16 – 18 ] .

كان يمكن للفتية أن يجدوا لهم أعذارا يبررون بها السجود للتمثال ، كأن كانوا صغار السن ، ومسبيين ، وتحت سلطان الملك ، وكانوا فى أرض غريبة ... هذا مقياس بشرى بحت رفضه الشبان بروح الإيمان ، واثقين فى الله الذى يعمل لخيرهم وقادر أن ينقذهم إن شاء الله .

فى الحوار تحدى الملك إلههم ، أما هم فتحدوا الموت من أجل أمانتهم لله . لقد آمنوا أن إلههم قادر أن يخلصهم ، وإن لم يخلصهم من النار الزمنية فلا يعنى هذا خيانتهم له . لم يبالوا بتهديدات الملك معتمدين فى مثابرتهم على إيمانهم الحى .

بهذا يحسب هؤلاء الفتية شهداء ، لأنهم شهدوا للحق الإلهى مقدمين حياتهم ثمنا للشهادة ، بغض النظر إن كانوا يقتلون أو ينقذهم الرب من الموت .

ربما يتساءل البعض : لماذا لم يشتك ضد دانيال أنه لم يسجد للتمثال ؟

الإجابة :

أ – ربما كان دانيال فى إرسالية خارج المنطقة .

ب – ربما خشى المشتكون أن يقف الملك ضدهم ، لأنهم يعلمون تقديره لدانيال ، وكيف سجد له ، لذلك أرادوا التركيز على الثلاثة فتية بكونهم معينون لدانيال ، ولعلهم كان فى خطتهم أن يشتكونه بعد الخلاص من هؤلاء الفتية .

جـ - ربما أن الملك شعر بأن دانيال نفسه ينبغى له السجود ، فهو أعظم من التمثال .


( 4 ) إلقاء الفتية فى الأتون



" حنيئذ امتلأ نبوخذناصّر غيظا

وتغير منظر وجهه على شدرخ وميشخ وعبد نغو.

فاجاب وأمر بان يحموا الأتون سبعة اضعاف اكثر مما كان معتادا ان يحمى.

وأمر جبابرة القوة في جيشه بان يوثقوا شدرخ وميشخ وعبد نغو ويلقوهم في اتون النار المتقدة.

ثم أوثق هؤلاء الرجال في سراويلهم واقمصتهم وارديتهم ولباسهم وألقوا في وسط أتون النار المتقدة.

ومن حيث ان كلمة الملك شديدة والأتون قد حمّي جدا قتل لهيب النار الرجال الذين رفعوا شدرخ وميشخ وعبد نغو.

وهؤلاء الثلاثة الرجال شدرخ وميشخ وعبد نغو سقطوا موثقين في وسط أتون النار المتقدة " [ 19 – 23 ] .

بتطلعهم إلى النار الأبدية لم يخافوا النار الزمنية ولا رهبوا الموت ( لو 12 : 4 ، 5 ) ، إذ ماذا فعلت بهم نيران الأضطهاد ؟

أ – ظهر كلمة الله ( شبيه بأبن الآلهة ) ، هذا الذى كان فى داخلهم ، ظهر ليحتضنهم ويحميهم .

ب – حلت النيران القيود ، لكنها لم تستطع أن تمس شعرة من جسمهم أو طرف ثوب لهم .

جـ - اعترف الملك بإلههم المخلص لمؤمنيه ، وكرمهم فى ولاية بابل [ 30 ] .


( 5 ) خلاص الفتية



" حينئذ تحيّر نبوخذناصّر الملك وقام مسرعا فاجاب وقال لمشيريه

ألم نلقي ثلاثة رجال موثقين في وسط النار ؟

فاجابوا وقالوا للملك صحيح ايها الملك.

اجاب وقال ها انا ناظر اربعة رجال محلولين يتمشون في وسط النار وما بهم ضرر ومنظر الرابع شبيه بابن الآلهة.

ثم اقترب نبوخذناصّر الى باب أتون النار المتقدة واجاب فقال

يا شدرخ وميشخ وعبد نغو يا عبيد الله العلي اخرجوا وتعالوا.

فخرج شدرخ وميشخ وعبد نغو من وسط النار.

فاجتمعت المرازبة والشحن والولاة ومشيرو الملك ورأوا هؤلاء الرجال الذين لم تكن للنار قوّة على اجسامهم وشعرة من رؤوسهم لم تحترق وسراويلهم لم تتغير ورائحة النار لم تأت عليهم.

فاجاب نبوخذناصّر وقال :

تبارك اله شدرخ وميشخ وعبد نغو الذي ارسل ملاكه وانقذ عبيده الذين اتكلوا عليه وغيروا كلمة الملك واسلموا اجسادهم لكيلا يعبدوا او يسجدوا لاله غير الههم.

فمني قد صدر أمر بان كل شعب وامة ولسان يتكلمون بالسوء على اله شدرخ وميشخ وعبد نغو فانهم يصيرون اربا اربا وتجعل بيوتهم مزبلة اذ ليس اله آخر يستطيع ان ينجي هكذا.

حينئذ قدم الملك شدرخ وميشخ وعبد نغو في ولاية بابل" [ 24 – 30 ] .

كان للأتون باب جانبى ، وقف عنده الملك من بعيد ليراهم وهم يلقون ، الواحد تلو الآخر ، وينظرهم وهم يحترقون .

لقد زكتهم النيران فى عينى الله وعينى الملك ، فظهر شبيه بابن الله يمجدهم .

حلت النيران القيود الحديدية ولم ثؤثر فى ثياب الفتية .

بينما مات بعضا من الجند الذين ألقوا الفتية بسبب شدة الحرارة كان الفتية يتمشون .

تحولت النار إلى ندى ، وربما اشتهى الملك أن يتمتع بما يتمتعون به ، لكنه لم يستطع الدخول إليهم ، إنما ناداهم ليخرجوا إليه .

كان الفتية الثلاثة متفقين فى الحب ، ثابتين فى الإيمان ، مثابرين فى الفضيلة ، أقوى من اللهب والعقوبات التى وضعت عليهم ، يعلنون أنهم يطيعون الله وحده ، ويعرفونه ويعبدونه وحده .


( 6 ) تسبحة الثلاثة فتية



حينئذ أخذ الثلاثة بفم واحد يسبحون الله ويمجدونه ويباركونه فى الأتون .
من وحى دانيال 3


لأتمشى معك فى وسط الأتون



+ لتتقد النيران ، وليتوهج اللهب ، وليزمجر العدو ،

مادمت فى داخلى لا أرتعب !

تحول النيران إلى ندى !

عوض الأنين تتحول حياتى إلى تسبحة !

+ لتتجلى فى أعماقى ، ولتتمجد فى ضعفى يا إله المستحيلات !

لتعلن ذاتك لأجل خلاص كل نفس بشرية ، يا مخلص العالم !

+ هب لى روح الصلاة مع التسبيح ،

فأتحدى بك نيران الضيق ،

بل ونيران إبليس وأعماله الشريرة !

لا أود أخاف حتى الخطية فأنت واهب النصرة عليها ! .

+ + +
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




سفـــــر دانيـــال Empty
مُساهمةموضوع: دانيال – الإصحاح الرابع   سفـــــر دانيـــال Icon_minitimeالجمعة فبراير 23, 2007 10:51 pm



دانيال – الإصحاح الرابع
مرسوم نبوخذنصر أو الشجرة المتشامخة



يعتبر هذا الإصحاح فريدا فى الكتاب المقدس ، حيث يقدم لنا دانيال النبى منشورا ملكيا يكشف فيه الملك الوثنى عن حديث الهي معه خلال الحلم ، لقد تحدث الله معه مرتين ، فى حلم ( دا 2 ) يظهر فيه تشامخ بابل وانكسارها ، وخلال نيران الأتون ( دا 3 ) حيث أعلن الله له أنه يتحدى عنفه وظلمه . الآن يحدثه فى حلم ثان ليكسر تشامخه .

وكما جاء فى سفر أيوب : " ليكن الله يتكلم مرة وبأثنين لا يلاحظ الإنسان ، فى حلم فى رؤيا الليل عند سقوط سبات على الناس فى النعاس على المضطجع ، حينئذ يكشف آذان الناس ويختم على تأديبهم " 33 : 14 – 16 .

فى هذا المرسوم الملكى يعترف الملك الشيخ بكبريائه ولا يخجل من الشهادة لله الذى كسر تشامخه ، فأدبه بانحطاطه إلى مستوى الحيوانات البرية . يعترف أنه قد سقط تحت تأديب الهي ، وإن بدى قاسيا ، خاصة بالنسبة لأعظم ملك فى ذلك الحين ، لكنه مستحق لهذا التأديب ، وإن ما حل به هو ثمرة طبيعية لفساده ، إنه يشرب من الكأس التى ملأها بيديه ويأكل من ثمرة الشجرة التى غرسها بنفسه .

لقد قدم لنا دانيال المنشور بلغته الأصلية .
( 1 ) منشور نبوخذنصر



" من نبوخذنصر الملك إلى كل الشعوب والأمم والألسنة الساكنين فى الأرض كلها ،

ليكثر سلامكم " [ 1 ] .

يقدم لنا نبوخذنصر رسالة ملكية صادرة من أعماق قلبه بعد إجتيازه التأديب الألهى الذى سقط تحته بسبب تشامخه . إنه لم يخجل من توجيه هذه الرسالة إلى كل الشعوب والأمم والألسنة الساكنين فى كل الأرض ، والتى يعلن فيها :

أ – كانت العادة القديمة للملوك العظماء أن يحسبوا أنفسهم ملوكا على كل الأرض ، بالرغم من أن الإمبراطورية البابلية لم تبلغ إلى بلاد الغال وغيرها ..

ب – شهادة اختبارية للعلاقة الشخصية بين الله وبينه ، فقد صنع معه آيات وعجائب . إن كان الله قد أذله بتأديب قاس ، لكنه مستحق لهذا التأديب النافع له . يمجد الله باعترافه برعاية الله له ، واعترافه بخطاياه واستحقاقه للتأديب .

" الآيات والعجائب التي صنعها معي الله العلي حسن عندي ان اخبر بها " [ 2 ] .

ج – يشهد لقدرة الله الفائقة " آياته ما اعظمها وعجائبه ما اقواها " [ 3 ] .

يقصد بآياته هنا ما يقوله القديس جيروم : [ بمراحم الله أعيد ( الملك ) إلى عرشه .... ] .

د – يشهد لملكوت الله الأبدى وسلطانه الذى لا يزول ، أما الممالك البشرية فمهما عظمت لا بد وأن تنهار .

" ملكوته ملكوت ابدي وسلطانه الى دور فدور " [ 3 ] .

يلاحظ أن مقدمة المنشور تحمل لغة لاهوتية كتابية ثيوقراطية ( حكم الله ) ، ويرى البعض أن هذا يكشف عن تأثير دانيال على الملك ولغته .


( 2 ) دعوة الحكماء لتفسير حلمه



" انا نبوخذناصّر قد كنت مطمئنا في بيتي وناضرا في قصري " [ 4 ]

قبل أن يروى نبوخذنصر أحكام الله التى حلت به بسبب كبريائه ، أعطى حسابا عادلا عن التحذير الذى وجه إليه ، عندما كان مطمئنا فى بيته وناضرا فى قصره ، لقد هزم مصر مؤخرا وكملت إنتصاراته على الدول المجاورة ، ... أعطته هذه الأنتصارات فرصة ليمارس تشامخ الروح والقلب ، والكبرياء .

" رأيت حلما فروّعني والافكار على فراشي ورؤى راسي افزعتني.

فصدر مني امر باحضار جميع حكماء بابل قدامي ليعرفوني بتعبير الحلم.

حينئذ حضر المجوس والسحرة والكلدانيون والمنجمون

وقصصت الحلم عليهم فلم يعرفوني بتعبيره " [ 5 – 7 ]

هنا يميز الملك هذا الحلم عن الأحلام العادية التى تنبع عن ظروفه اليومية ، فقد شعر أنه حلم غير عادى ، يحمل رسالة من قبل العلى ، لذا استدعى الحكماء لتفسير الحلم .

كان دانيال فى القصر الملكى ، ولكن الملك تجاهله ليستدعى السحرة والمنجمين ، وإذ فشلوا فى تفسير حلمه لجأ إلى دانيال

إننا نطلب الخبرات البشرية ، ونتجاهل ما هو بين أيدينا مجانا !! لنطلب عمل الله ، كلى القدرة والحكمة والحب لنا ، الساكن فينا ، ونمسك بوعوده التى ليست بعيدة عنا عوض الإلتجاء إلى ما هو خارج عنا !! .

عجز السحرة والمنجمين عن تفسير الحلم ..

" اخيرا دخل قدامي دانيال الذي اسمه بلطشاصر كاسم الهي ،

والذي فيه روح الآلهة القدوسين فقصصت الحلم قدامه" [ 8 ]

إذ فشلت كل الأذرع البشرية استدعى الملك رجل الله وقص الحلم قدامه . تحدث معه كملك وثنى يؤمن بتعدد الآلهة ، لكن يعتقد فى دانيال أن " فيه روح الآلهة القدوسين " [ 8 ] .



( 3 ) الشجرة المتشامخة

" يا بلطشاصر كبير المجوس من حيث اني اعلم ان فيك روح الآلهة القدوسين ،

ولا يعسر عليك سر،

فاخبرني برؤى حلمي الذي رايته وبتعبيره " [ 9 ]

دعاه بالأسم الذى ألزمه به " بلطشاصر " ، وكان يظن أنه بهذا يكرمه إذ ينسبه إلى إلهه الوثنى ، بينما كان الإسم يجرح مشاعر دانيال وذهنه ، فمن جهة يحرمه مما وهبه إياه والداه كإسم يرتبط باسم الله الحى ، ومن جهة أخرى يربطه بوثن لا يؤمن به .

دعاه أيضا " كبير المجوس " ، هذا أيضا يزيد من جراحات نفسه ، إذ يريد الأعتزال عن المجوس الذين خدعوا العالم بسحرهم الباطل ، ولا يريد أن يكون رئيسا عليهم فى نفس الوقت يعلم عنه أمرين :

أ – أن فيه روح الآلهة القدوسين ..

ب – أنه لا يخفى عنه سر ....

" فرؤى راسي على فراشي هي اني كنت ارى

فاذا بشجرة في وسط الارض وطولها عظيم.

فكبرت الشجرة وقويت فبلغ علوها الى السماء ومنظرها الى اقصى كل الارض. اوراقها جميلة وثمرها كثير وفيها طعام للجميع وتحتها استظل حيوان البر وفي اغصانها سكنت طيور السماء وطعم منها كل البشر.

كنت ارى في رؤى راسي على فراشي

واذا بساهر وقدوس نزل من السماء فصرخ بشدة وقال هكذا :

اقطعوا الشجرة واقضبوا اغصانها وانثروا اوراقها وابذروا ثمرها ليهرب الحيوان من تحتها والطيور من اغصانها.

ولكن اتركوا ساق اصلها في الارض وبقيد من حديد ونحاس في عشب الحقل وليبتلّ بندى السماء وليكن نصيبه مع الحيوان في عشب الحقل ليتغيّر قلبه عن الانسانية وليعط قلب حيوان ولتمضي عليه سبعة ازمنة " [ 10 – 16 ]

كان نبوخذنصر محبا لأشجار لبنان ، يذهب ليتمتع بها ، ويحضر منها الأخشاب للبناء ، لذا شبهه الله بالشجرة الضخمة التى يعجب بها .

غالبا ما يشير الأنبياء إلى العظماء والرؤساء بأشجار ، كما جاء فى حز17 : 5 – 7 ، إر 22 : 15 ، مز 1 : 3 .

يريد الله من السلاطين أن يكونوا كالأشجار التى يجد الكل فيها غذاءهم وراحتهم وأمانهم .

فى هذا الإصحاح يحذر الله الملك نبوخذنصر معلنا له فى حلم أنه يسقط تحت التأديب القاسى بسبب عجرفته . وفى هذا التحذير نلمس عطف الله حتى على الملك الوثنى ليراجع نفسه لكنه عوض التوبة تشامخ .

إذ سقط الملك فى الكبرياء استحق التأديب ، فأرسل الله ملاكا دعاه بالساهر والقدوس النازل من السماء ليؤدب .

يدعى الملاك ساهرا ، لأنه روح بلا جسد ، لا ينام ولا يحتاج إلى راحة ، فهو دائم اليقظة ليل نهار . كما أنه يدعى هكذا ، لأنه يتحرك ليتمم إرادة الله لأجل بنيان شعبه ، وكما يقول المرتل : " باركوا الرب يا ملائكته المقتدرين قوة ، الفاعلين أمره عند سماع صوت كلامه " ( مز 103 : 20 ) .

يلاحظ فى هذا التأديب :

أ – أرسل الله ملاكه الساهر لتنفيذ هذه الخطة ..

ب – مع التأديب توجد رحمة ، فقد أمر الله بترك الجذور فى الأرض لكى تنمو الشجرة من جديد بالإتضاع والتوبة ، فلا تقتلع الشجرة بتمامها ...

جـ - صدر الأمر للحيوانات المستظلة بالشجرة والطيور المقيمة بين أغصانها أن تهرب ، إشارة إلى تخلى كل رجال الدولة عنه . هذا هو ثمر الخطية إذ يشعر الإنسان بالعزلة ..

د – لم يقم ملك بدلا منه ، بل قام إبنه أويل مردوخ بالعمل فى هذه الفترة حتى عاد والده إلى عقله وكرسيه .

و – غاية التأديب هو نفع الكثيرين .



" هذا الأمر بقضاء الساهرين والحكم بكلمة القدوسين

لكي تعلم الاحياء ان العلي متسلط في مملكة الناس ،

فيعطيها من يشاء وينصب عليها ادنى الناس.

هذا الحلم رأيته انا نبوخذناصّر الملك.

اما انت يا بلطشاصر فبيّن تعبيره

لان كل حكماء مملكتي لا يستطيعون ان يعرفوني بالتعبير.

اما انت فتستطيع لان فيك روح الآلهة القدوسين " [ 17 – 18 ] .

بلا شك أن الأمر الهي ، صادر عن الله وحده دون أية خليقة سماوية ، أما نسبته هنا لهم فلتأكيد دورهم الإيجابى .



( 4 ) دانيال يفسر الحلم :

" حينئذ تحيّر دانيال الذي اسمه بلطشاصر ساعة واحدة وافزعته افكاره.

اجاب الملك وقال يا بلطشاصر لا يفزعك الحلم ولا تعبيره ،

فاجاب بلطشاصر وقال يا سيدي الحلم لمبغضيك وتعبيره لاعاديك " [ 19 ] .

لا نعجب من تحير دانيال وحزنه على الكارثة التى تحل بملك بابل ، فمع كون الملك طاغية ظالم ، سبى الشعب اليهودى مع شعوب أخرى ، لكنه إذ كان دانيال يعمل فى القصر كان ملتزما بالصلاة من أجله .

" الشجرة التي رأيتها التي كبرت وقويت وبلغ علوها الى السماء ومنظرها الى كل الارض ،

واوراقها جميلة وثمرها كثير وفيها طعام للجميع وتحتها سكن حيوان البر وفي اغصانها سكنت طيور السماء ،

انما هي انت يا ايها الملك الذي كبرت وتقويت وعظمتك قد زادت وبلغت الى السماء وسلطانك الى اقصى الارض " [ 20 – 22 ] .

هنا تظهر حكمة دانيال العجيبة ، فمع محبته للملك وإتضاعه أمامه ، وشوقه الحقيقى أن ينقذه من الكارثة ، تحدث معه كخادم للكلمة بكل صراحة ، ونطق معه بالحق الإلهى .



" وحيث رأى الملك ساهرا وقدوسا نزل من السماء ،

وقال اقطعوا الشجرة واهلكوها ،

ولكن اتركوا ساق اصلها في الارض ،

وبقيد من حديد ونحاس في عشب الحقل ،

وليبتلّ بندى السماء ،

وليكن نصيبه مع حيوان البر حتى تمضي عليه سبعة ازمنة "

يقول القديس جيروم : [ واضح جدا يربط كل المجانين بسلاسل لحفظهم من أذية أنفسهم أو هجومهم على الغير بأسلحة ] .

" فهذا هو التعبير ايها الملك ،

وهذا هو قضاء العلي الذي يأتي على سيدي الملك" [ 23 – 24 ] .

إذ يؤكد دانيال النبى أن الحلم بما فيه من مرارة ينطبق على الملك ، يدعو الملك فى إحترام " سيدى الملك " . إنه يقدم التأديب الإلهى ، دون أن يستخف بالملك أو يهينه بكلمة جارحة

" يطردونك من بين الناس وتكون سكناك مع حيوان البر،

ويطعمونك العشب كالثيران ويبلونك بندى السماء ،

فتمضي عليك سبعة ازمنة ،

حتى تعلم ان العلي متسلط في مملكة الناس ويعطيها من يشاء" [ 25 ] .

غالبا ما كان الملوك ، خاصة الدائمو النصرة ، يحسبون أنفسهم فوق كل قانون يأمرون ولا يؤمرون ، يطلبون طاعة الغير ولا يخطر على قلبهم الخضوع للغير ..

" وحيث أمروا بترك ساق اصول الشجرة ،

فان مملكتك تثبت لك عندما تعلم ان السماء سلطان ،

لذلك ايها الملك فلتكن مشورتي مقبولة لديك وفارق خطاياك بالبر ،

وآثامك بالرحمة للمساكين لعله يطال اطمئنانك " [ 26 – 27 ] .

يهىء دانيال النبى نبوخذنصر للتوبة ، فيفتح له باب الرجاء فمع التأديب تعلن مراحم الله التى تنتظر توبته لترد له ما فقده بفيض .

ختم دانيال حديثه فاتحا باب الرجاء أمام الملك بالتوبة وعمل الرحمة مع ترك خطاياه .


( 5 ) تحقيق التفسير



" كل هذا جاء على نبوخذناصّر الملك.

عند نهاية اثني عشر شهرا كان يتمشى على قصر مملكة بابل.

واجاب الملك فقال :

أليست هذه بابل العظيمة التي بنيتها لبيت الملك بقوة اقتداري ولجلال مجدي ؟!

والكلمة بعد في فم الملك وقع صوت من السماء قائلا :

لك يقولون يا نبوخذناصّر الملك ان الملك قد زال عنك ،

ويطردونك من بين الناس .

وتكون سكناك مع حيوان البر ويطعمونك العشب كالثيران ،

فتمضي عليك سبعة ازمنة حتى تعلم ان العلي متسلط في مملكة الناس ،

وانه يعطيها من يشاء " [ 28 – 32 ] .

كان الملك يتمشى على سطح القصر ( حسب عادة الشرقيون ) أمكن أن يرى بابل كلها " من على السطح " خاصة إن كان القصر مبنيا على تل عال .

فى كبرياء ظن أنه إله ، لهذا انحدر ليصير أشبه بحيوان ، وكما قال الله لأيوب : " أنظر كل متعظم واخفضه " أى 10 : 11 .

لقد نسب كل شىء لنفسه وقدرته وجلاله ، لا إلى الله واهب القدرة والحكمة .

أما سليمان الحكيم الذى بنى الهيكل فيقول : " إن لم يبن الرب البيت فباطلا يتعب البناؤون ، إن لم يحفظ الرب المدينة فباطلا يسهر الحراس " مز 127 : 1 .

" في تلك الساعة تم الأمر على نبوخذناصّر فطرد من بين الناس ،

واكل العشب كالثيران وابتلّ جسمه بندى السماء حتى طال شعره

مثل النسور واظفاره مثل الطيور .

وعند انتهاء الايام انا نبوخذناصّر رفعت عينيّ الى السماء ،

فرجع اليّ عقلي وباركت العلي وسبحت وحمدت الحي ،

الى الابد الذي سلطانه سلطان ابدي وملكوته الى دور فدور " [ 33 – 34 ]

يقول القديس جيروم : [ لو لم يرفع عينيه نحو السماء لما استعاد عقله السابق ] .

بقوله " دور فدور " لا يعنى فقط الأجيال المقبلة وإنما كما يقول القديس جيروم أنه إذ عاد إليه عقله أدرك سر ملكوت الله الذى يعبر من الناموس إلى الإنجيل .

" وحسبت جميع سكان الارض كلا شيء ،

وهو يفعل كما يشاء في جند السماء وسكان الارض ،

ولا يوجد من يمنع يده او يقول له ماذا تفعل " [ 35 ] .

كثيرا ما يحسب الطغاة أن الله حبيس السماء ، لا دور له فى شئون البشر ، وهم يفعلون ما يشاءون كآلهة وليس من يقاومهم . الآن يرى الملك أن إله السماء يحرك البشر ، ويقود ويدبر كما يشاء ، والأرض فى قبضة يده كما السماء تماما !

" في ذلك الوقت رجع اليّ عقلي ،

وعاد اليّ جلال مملكتي ومجدي وبهائي ،

وطلبني مشيريّ وعظمائي ،

وتثبّت على مملكتي وازدادت لي عظمة كثيرة " [ 36 ] .

لم يتب نبوخذنصر بالرغم من أن الله قد تركه أثنى عشر شهرا ، أى عاما كاملا بعد الحلم ، إنما على العكس ضرب الملك بالعجرفة فتحقق فيه الحلم .


( 6 ) نبوخذنصر يمجد الله



" فالآن انا نبوخذناصّر اسبح واعظم واحمد ملك السماء ،

الذي كل اعماله حق وطرقه عدل ،

ومن يسلك بالكبرياء فهو قادر على ان يذلّه " [ 37 ] .

إذ أكمل فترة التأديب عاد إليه عقله فرفع نظره نحو السماء كغنسان تائب يطلب مراحم الله . انسحقت نفسه فيه ، ومجد الله . أدرك أنه ليس إنسان يقدر أن يملك إلى الأبد ، وأن كل الممالك أمام الله كلا شىء . أو ربما إذ رفع نبوخذنصر عينيه إلى السماء يمجد الله ، رفع الله عنه التأديب .
+ + +
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




سفـــــر دانيـــال Empty
مُساهمةموضوع: دانيال – الإصحاح الرابع   سفـــــر دانيـــال Icon_minitimeالجمعة فبراير 23, 2007 10:54 pm



دانيال – الإصحاح الرابع
مرسوم نبوخذنصر أو الشجرة المتشامخة



يعتبر هذا الإصحاح فريدا فى الكتاب المقدس ، حيث يقدم لنا دانيال النبى منشورا ملكيا يكشف فيه الملك الوثنى عن حديث الهي معه خلال الحلم ، لقد تحدث الله معه مرتين ، فى حلم ( دا 2 ) يظهر فيه تشامخ بابل وانكسارها ، وخلال نيران الأتون ( دا 3 ) حيث أعلن الله له أنه يتحدى عنفه وظلمه . الآن يحدثه فى حلم ثان ليكسر تشامخه .

وكما جاء فى سفر أيوب : " ليكن الله يتكلم مرة وبأثنين لا يلاحظ الإنسان ، فى حلم فى رؤيا الليل عند سقوط سبات على الناس فى النعاس على المضطجع ، حينئذ يكشف آذان الناس ويختم على تأديبهم " 33 : 14 – 16 .

فى هذا المرسوم الملكى يعترف الملك الشيخ بكبريائه ولا يخجل من الشهادة لله الذى كسر تشامخه ، فأدبه بانحطاطه إلى مستوى الحيوانات البرية . يعترف أنه قد سقط تحت تأديب الهي ، وإن بدى قاسيا ، خاصة بالنسبة لأعظم ملك فى ذلك الحين ، لكنه مستحق لهذا التأديب ، وإن ما حل به هو ثمرة طبيعية لفساده ، إنه يشرب من الكأس التى ملأها بيديه ويأكل من ثمرة الشجرة التى غرسها بنفسه .

لقد قدم لنا دانيال المنشور بلغته الأصلية .
( 1 ) منشور نبوخذنصر



" من نبوخذنصر الملك إلى كل الشعوب والأمم والألسنة الساكنين فى الأرض كلها ،

ليكثر سلامكم " [ 1 ] .

يقدم لنا نبوخذنصر رسالة ملكية صادرة من أعماق قلبه بعد إجتيازه التأديب الألهى الذى سقط تحته بسبب تشامخه . إنه لم يخجل من توجيه هذه الرسالة إلى كل الشعوب والأمم والألسنة الساكنين فى كل الأرض ، والتى يعلن فيها :

أ – كانت العادة القديمة للملوك العظماء أن يحسبوا أنفسهم ملوكا على كل الأرض ، بالرغم من أن الإمبراطورية البابلية لم تبلغ إلى بلاد الغال وغيرها ..

ب – شهادة اختبارية للعلاقة الشخصية بين الله وبينه ، فقد صنع معه آيات وعجائب . إن كان الله قد أذله بتأديب قاس ، لكنه مستحق لهذا التأديب النافع له . يمجد الله باعترافه برعاية الله له ، واعترافه بخطاياه واستحقاقه للتأديب .

" الآيات والعجائب التي صنعها معي الله العلي حسن عندي ان اخبر بها " [ 2 ] .

ج – يشهد لقدرة الله الفائقة " آياته ما اعظمها وعجائبه ما اقواها " [ 3 ] .

يقصد بآياته هنا ما يقوله القديس جيروم : [ بمراحم الله أعيد ( الملك ) إلى عرشه .... ] .

د – يشهد لملكوت الله الأبدى وسلطانه الذى لا يزول ، أما الممالك البشرية فمهما عظمت لا بد وأن تنهار .

" ملكوته ملكوت ابدي وسلطانه الى دور فدور " [ 3 ] .

يلاحظ أن مقدمة المنشور تحمل لغة لاهوتية كتابية ثيوقراطية ( حكم الله ) ، ويرى البعض أن هذا يكشف عن تأثير دانيال على الملك ولغته .


( 2 ) دعوة الحكماء لتفسير حلمه



" انا نبوخذناصّر قد كنت مطمئنا في بيتي وناضرا في قصري " [ 4 ]

قبل أن يروى نبوخذنصر أحكام الله التى حلت به بسبب كبريائه ، أعطى حسابا عادلا عن التحذير الذى وجه إليه ، عندما كان مطمئنا فى بيته وناضرا فى قصره ، لقد هزم مصر مؤخرا وكملت إنتصاراته على الدول المجاورة ، ... أعطته هذه الأنتصارات فرصة ليمارس تشامخ الروح والقلب ، والكبرياء .

" رأيت حلما فروّعني والافكار على فراشي ورؤى راسي افزعتني.

فصدر مني امر باحضار جميع حكماء بابل قدامي ليعرفوني بتعبير الحلم.

حينئذ حضر المجوس والسحرة والكلدانيون والمنجمون

وقصصت الحلم عليهم فلم يعرفوني بتعبيره " [ 5 – 7 ]

هنا يميز الملك هذا الحلم عن الأحلام العادية التى تنبع عن ظروفه اليومية ، فقد شعر أنه حلم غير عادى ، يحمل رسالة من قبل العلى ، لذا استدعى الحكماء لتفسير الحلم .

كان دانيال فى القصر الملكى ، ولكن الملك تجاهله ليستدعى السحرة والمنجمين ، وإذ فشلوا فى تفسير حلمه لجأ إلى دانيال

إننا نطلب الخبرات البشرية ، ونتجاهل ما هو بين أيدينا مجانا !! لنطلب عمل الله ، كلى القدرة والحكمة والحب لنا ، الساكن فينا ، ونمسك بوعوده التى ليست بعيدة عنا عوض الإلتجاء إلى ما هو خارج عنا !! .

عجز السحرة والمنجمين عن تفسير الحلم ..

" اخيرا دخل قدامي دانيال الذي اسمه بلطشاصر كاسم الهي ،

والذي فيه روح الآلهة القدوسين فقصصت الحلم قدامه" [ 8 ]

إذ فشلت كل الأذرع البشرية استدعى الملك رجل الله وقص الحلم قدامه . تحدث معه كملك وثنى يؤمن بتعدد الآلهة ، لكن يعتقد فى دانيال أن " فيه روح الآلهة القدوسين " [ 8 ] .



( 3 ) الشجرة المتشامخة

" يا بلطشاصر كبير المجوس من حيث اني اعلم ان فيك روح الآلهة القدوسين ،

ولا يعسر عليك سر،

فاخبرني برؤى حلمي الذي رايته وبتعبيره " [ 9 ]

دعاه بالأسم الذى ألزمه به " بلطشاصر " ، وكان يظن أنه بهذا يكرمه إذ ينسبه إلى إلهه الوثنى ، بينما كان الإسم يجرح مشاعر دانيال وذهنه ، فمن جهة يحرمه مما وهبه إياه والداه كإسم يرتبط باسم الله الحى ، ومن جهة أخرى يربطه بوثن لا يؤمن به .

دعاه أيضا " كبير المجوس " ، هذا أيضا يزيد من جراحات نفسه ، إذ يريد الأعتزال عن المجوس الذين خدعوا العالم بسحرهم الباطل ، ولا يريد أن يكون رئيسا عليهم فى نفس الوقت يعلم عنه أمرين :

أ – أن فيه روح الآلهة القدوسين ..

ب – أنه لا يخفى عنه سر ....

" فرؤى راسي على فراشي هي اني كنت ارى

فاذا بشجرة في وسط الارض وطولها عظيم.

فكبرت الشجرة وقويت فبلغ علوها الى السماء ومنظرها الى اقصى كل الارض. اوراقها جميلة وثمرها كثير وفيها طعام للجميع وتحتها استظل حيوان البر وفي اغصانها سكنت طيور السماء وطعم منها كل البشر.

كنت ارى في رؤى راسي على فراشي

واذا بساهر وقدوس نزل من السماء فصرخ بشدة وقال هكذا :

اقطعوا الشجرة واقضبوا اغصانها وانثروا اوراقها وابذروا ثمرها ليهرب الحيوان من تحتها والطيور من اغصانها.

ولكن اتركوا ساق اصلها في الارض وبقيد من حديد ونحاس في عشب الحقل وليبتلّ بندى السماء وليكن نصيبه مع الحيوان في عشب الحقل ليتغيّر قلبه عن الانسانية وليعط قلب حيوان ولتمضي عليه سبعة ازمنة " [ 10 – 16 ]

كان نبوخذنصر محبا لأشجار لبنان ، يذهب ليتمتع بها ، ويحضر منها الأخشاب للبناء ، لذا شبهه الله بالشجرة الضخمة التى يعجب بها .

غالبا ما يشير الأنبياء إلى العظماء والرؤساء بأشجار ، كما جاء فى حز17 : 5 – 7 ، إر 22 : 15 ، مز 1 : 3 .

يريد الله من السلاطين أن يكونوا كالأشجار التى يجد الكل فيها غذاءهم وراحتهم وأمانهم .

فى هذا الإصحاح يحذر الله الملك نبوخذنصر معلنا له فى حلم أنه يسقط تحت التأديب القاسى بسبب عجرفته . وفى هذا التحذير نلمس عطف الله حتى على الملك الوثنى ليراجع نفسه لكنه عوض التوبة تشامخ .

إذ سقط الملك فى الكبرياء استحق التأديب ، فأرسل الله ملاكا دعاه بالساهر والقدوس النازل من السماء ليؤدب .

يدعى الملاك ساهرا ، لأنه روح بلا جسد ، لا ينام ولا يحتاج إلى راحة ، فهو دائم اليقظة ليل نهار . كما أنه يدعى هكذا ، لأنه يتحرك ليتمم إرادة الله لأجل بنيان شعبه ، وكما يقول المرتل : " باركوا الرب يا ملائكته المقتدرين قوة ، الفاعلين أمره عند سماع صوت كلامه " ( مز 103 : 20 ) .

يلاحظ فى هذا التأديب :

أ – أرسل الله ملاكه الساهر لتنفيذ هذه الخطة ..

ب – مع التأديب توجد رحمة ، فقد أمر الله بترك الجذور فى الأرض لكى تنمو الشجرة من جديد بالإتضاع والتوبة ، فلا تقتلع الشجرة بتمامها ...

جـ - صدر الأمر للحيوانات المستظلة بالشجرة والطيور المقيمة بين أغصانها أن تهرب ، إشارة إلى تخلى كل رجال الدولة عنه . هذا هو ثمر الخطية إذ يشعر الإنسان بالعزلة ..

د – لم يقم ملك بدلا منه ، بل قام إبنه أويل مردوخ بالعمل فى هذه الفترة حتى عاد والده إلى عقله وكرسيه .

و – غاية التأديب هو نفع الكثيرين .



" هذا الأمر بقضاء الساهرين والحكم بكلمة القدوسين

لكي تعلم الاحياء ان العلي متسلط في مملكة الناس ،

فيعطيها من يشاء وينصب عليها ادنى الناس.

هذا الحلم رأيته انا نبوخذناصّر الملك.

اما انت يا بلطشاصر فبيّن تعبيره

لان كل حكماء مملكتي لا يستطيعون ان يعرفوني بالتعبير.

اما انت فتستطيع لان فيك روح الآلهة القدوسين " [ 17 – 18 ] .

بلا شك أن الأمر الهي ، صادر عن الله وحده دون أية خليقة سماوية ، أما نسبته هنا لهم فلتأكيد دورهم الإيجابى .



( 4 ) دانيال يفسر الحلم :

" حينئذ تحيّر دانيال الذي اسمه بلطشاصر ساعة واحدة وافزعته افكاره.

اجاب الملك وقال يا بلطشاصر لا يفزعك الحلم ولا تعبيره ،

فاجاب بلطشاصر وقال يا سيدي الحلم لمبغضيك وتعبيره لاعاديك " [ 19 ] .

لا نعجب من تحير دانيال وحزنه على الكارثة التى تحل بملك بابل ، فمع كون الملك طاغية ظالم ، سبى الشعب اليهودى مع شعوب أخرى ، لكنه إذ كان دانيال يعمل فى القصر كان ملتزما بالصلاة من أجله .

" الشجرة التي رأيتها التي كبرت وقويت وبلغ علوها الى السماء ومنظرها الى كل الارض ،

واوراقها جميلة وثمرها كثير وفيها طعام للجميع وتحتها سكن حيوان البر وفي اغصانها سكنت طيور السماء ،

انما هي انت يا ايها الملك الذي كبرت وتقويت وعظمتك قد زادت وبلغت الى السماء وسلطانك الى اقصى الارض " [ 20 – 22 ] .

هنا تظهر حكمة دانيال العجيبة ، فمع محبته للملك وإتضاعه أمامه ، وشوقه الحقيقى أن ينقذه من الكارثة ، تحدث معه كخادم للكلمة بكل صراحة ، ونطق معه بالحق الإلهى .



" وحيث رأى الملك ساهرا وقدوسا نزل من السماء ،

وقال اقطعوا الشجرة واهلكوها ،

ولكن اتركوا ساق اصلها في الارض ،

وبقيد من حديد ونحاس في عشب الحقل ،

وليبتلّ بندى السماء ،

وليكن نصيبه مع حيوان البر حتى تمضي عليه سبعة ازمنة "

يقول القديس جيروم : [ واضح جدا يربط كل المجانين بسلاسل لحفظهم من أذية أنفسهم أو هجومهم على الغير بأسلحة ] .

" فهذا هو التعبير ايها الملك ،

وهذا هو قضاء العلي الذي يأتي على سيدي الملك" [ 23 – 24 ] .

إذ يؤكد دانيال النبى أن الحلم بما فيه من مرارة ينطبق على الملك ، يدعو الملك فى إحترام " سيدى الملك " . إنه يقدم التأديب الإلهى ، دون أن يستخف بالملك أو يهينه بكلمة جارحة

" يطردونك من بين الناس وتكون سكناك مع حيوان البر،

ويطعمونك العشب كالثيران ويبلونك بندى السماء ،

فتمضي عليك سبعة ازمنة ،

حتى تعلم ان العلي متسلط في مملكة الناس ويعطيها من يشاء" [ 25 ] .

غالبا ما كان الملوك ، خاصة الدائمو النصرة ، يحسبون أنفسهم فوق كل قانون يأمرون ولا يؤمرون ، يطلبون طاعة الغير ولا يخطر على قلبهم الخضوع للغير ..

" وحيث أمروا بترك ساق اصول الشجرة ،

فان مملكتك تثبت لك عندما تعلم ان السماء سلطان ،

لذلك ايها الملك فلتكن مشورتي مقبولة لديك وفارق خطاياك بالبر ،

وآثامك بالرحمة للمساكين لعله يطال اطمئنانك " [ 26 – 27 ] .

يهىء دانيال النبى نبوخذنصر للتوبة ، فيفتح له باب الرجاء فمع التأديب تعلن مراحم الله التى تنتظر توبته لترد له ما فقده بفيض .

ختم دانيال حديثه فاتحا باب الرجاء أمام الملك بالتوبة وعمل الرحمة مع ترك خطاياه .


( 5 ) تحقيق التفسير



" كل هذا جاء على نبوخذناصّر الملك.

عند نهاية اثني عشر شهرا كان يتمشى على قصر مملكة بابل.

واجاب الملك فقال :

أليست هذه بابل العظيمة التي بنيتها لبيت الملك بقوة اقتداري ولجلال مجدي ؟!

والكلمة بعد في فم الملك وقع صوت من السماء قائلا :

لك يقولون يا نبوخذناصّر الملك ان الملك قد زال عنك ،

ويطردونك من بين الناس .

وتكون سكناك مع حيوان البر ويطعمونك العشب كالثيران ،

فتمضي عليك سبعة ازمنة حتى تعلم ان العلي متسلط في مملكة الناس ،

وانه يعطيها من يشاء " [ 28 – 32 ] .

كان الملك يتمشى على سطح القصر ( حسب عادة الشرقيون ) أمكن أن يرى بابل كلها " من على السطح " خاصة إن كان القصر مبنيا على تل عال .

فى كبرياء ظن أنه إله ، لهذا انحدر ليصير أشبه بحيوان ، وكما قال الله لأيوب : " أنظر كل متعظم واخفضه " أى 10 : 11 .

لقد نسب كل شىء لنفسه وقدرته وجلاله ، لا إلى الله واهب القدرة والحكمة .

أما سليمان الحكيم الذى بنى الهيكل فيقول : " إن لم يبن الرب البيت فباطلا يتعب البناؤون ، إن لم يحفظ الرب المدينة فباطلا يسهر الحراس " مز 127 : 1 .

" في تلك الساعة تم الأمر على نبوخذناصّر فطرد من بين الناس ،

واكل العشب كالثيران وابتلّ جسمه بندى السماء حتى طال شعره

مثل النسور واظفاره مثل الطيور .

وعند انتهاء الايام انا نبوخذناصّر رفعت عينيّ الى السماء ،

فرجع اليّ عقلي وباركت العلي وسبحت وحمدت الحي ،

الى الابد الذي سلطانه سلطان ابدي وملكوته الى دور فدور " [ 33 – 34 ]

يقول القديس جيروم : [ لو لم يرفع عينيه نحو السماء لما استعاد عقله السابق ] .

بقوله " دور فدور " لا يعنى فقط الأجيال المقبلة وإنما كما يقول القديس جيروم أنه إذ عاد إليه عقله أدرك سر ملكوت الله الذى يعبر من الناموس إلى الإنجيل .

" وحسبت جميع سكان الارض كلا شيء ،

وهو يفعل كما يشاء في جند السماء وسكان الارض ،

ولا يوجد من يمنع يده او يقول له ماذا تفعل " [ 35 ] .

كثيرا ما يحسب الطغاة أن الله حبيس السماء ، لا دور له فى شئون البشر ، وهم يفعلون ما يشاءون كآلهة وليس من يقاومهم . الآن يرى الملك أن إله السماء يحرك البشر ، ويقود ويدبر كما يشاء ، والأرض فى قبضة يده كما السماء تماما !

" في ذلك الوقت رجع اليّ عقلي ،

وعاد اليّ جلال مملكتي ومجدي وبهائي ،

وطلبني مشيريّ وعظمائي ،

وتثبّت على مملكتي وازدادت لي عظمة كثيرة " [ 36 ] .

لم يتب نبوخذنصر بالرغم من أن الله قد تركه أثنى عشر شهرا ، أى عاما كاملا بعد الحلم ، إنما على العكس ضرب الملك بالعجرفة فتحقق فيه الحلم .


( 6 ) نبوخذنصر يمجد الله



" فالآن انا نبوخذناصّر اسبح واعظم واحمد ملك السماء ،

الذي كل اعماله حق وطرقه عدل ،

ومن يسلك بالكبرياء فهو قادر على ان يذلّه " [ 37 ] .

إذ أكمل فترة التأديب عاد إليه عقله فرفع نظره نحو السماء كغنسان تائب يطلب مراحم الله . انسحقت نفسه فيه ، ومجد الله . أدرك أنه ليس إنسان يقدر أن يملك إلى الأبد ، وأن كل الممالك أمام الله كلا شىء . أو ربما إذ رفع نبوخذنصر عينيه إلى السماء يمجد الله ، رفع الله عنه التأديب .
+ + +
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




سفـــــر دانيـــال Empty
مُساهمةموضوع: دانيال – الإصحاح الخامس   سفـــــر دانيـــال Icon_minitimeالجمعة فبراير 23, 2007 11:06 pm



دانيال – الإصحاح الخامس

بيلشاصر والكتابة على الحائط

إذ عبرت السبعون عاما الخاصة بالسبى التى تنبأ عنها إرميا النبى ( إر 25 : 11 ) ، وحل موعد العودة ، كانت مملكة بابل قد تحولت إلى حياة الرخاوة والترف مع الفساد . جاء الملك بيلشاصر بشخصيته المستهترة لتنهار مملكة بابل فى أيامه .

لم يتعاطف دانيال النبى مع هذا الملك كما فعل قبلا مع جده نبوخذنصر ، إذ اشتهر الملك بالفساد والظلم .
( 1 ) وليمة بيلشاصر



" بيلشاصّر الملك صنع وليمة عظيمة لعظمائه الالف وشرب خمرا قدام الالف،

واذ كان بيلشاصر يذوق الخمر ،

أمر باحضار آنية الذهب والفضة التي اخرجها نبوخذناصّر ابوه من الهيكل الذي في اورشليم ،

ليشرب بها الملك وعظماؤه وزوجاته وسراريه " [ 1 – 3 ] .

كانت الولائم العظيمة من سمات الأزمنة القديمة . ومن الواضح أن " الألف " تعنى الضخامة ، وقد جرت العادة أن يجلس الملك أو رئيس المتكأ فى مكان عالى ليراه الجميع ، بينما كانت الدولة البابلية فى خطر من فارس حيث كان كورش محاصرا المدينة ، كان بيلشاصر منشغلا بإقامة وليمة تضم ألفا من العظماء القادمين من كل موضع ، مع نسائه وسراريه .

عوض الصوم فى وقت الحصار ، والصراخ لله لكى ينقذه وينقذ مدينته ، إذا به يقيم وليمة ، ويستخدم الأوانى المقدسة للشرب ، فى جو من الفساد والأباحية ، يكشف عن إصرار الملك على الحياة غير اللائقة .

لم يكن إحضار الآنية للتمتع بلذة الشرب ، إنما لإهانة الله ! وتدنيس الآنية المكرسة لخدمة هيكله وللتشهير .

" كانوا يشربون الخمر ويسبحون آلهة الذهب والفضة والنحاس والحديد والخشب والحجر " [ 4 ] .

إذ دنسوا الأوانى المقدسة ، سبحوا الآلهة الوثنية بكونها واهبة النصرة على الإله الحقيقى .

لم يخطىء الملك وحده بل دفع عظماءه ونساءه وسراريه للأشتراك معه ، فتحولت الوليمة إلى مجلس مستهزئين .

+ يا لعظم غباوتهم ! إذ كانوا يشربون فى أوان ذهبية سبحوا آلهة من خشب وحجارة .



( 2 ) الكتابة على الحائط :

" في تلك الساعة ظهرت اصابع يد انسان ،

وكتبت بازاء النبراس ( المنارة ) على مكلس حائط قصر الملك ،

والملك ينظر طرف اليد الكاتبة" [ 5 ]

يعلق القديس جيروم على تعبير : " فى تلك الساعة " قائلا : بأن اليد قد ظهرت فى نفس الساعة ليعلن الله أن ما يحدث هو تأديب بسبب تجديفه وليس لسبب آخر .

ظهرت اليد للملك لكى يدرك أن المكتوب يخصه شخصيا ، لهذا ارتبك جدا وارتعب ، فارتعب العظماء معه دون أن يروا شيئا .

" حينئذ تغيرت هيئة الملك ، وأفزعته أفكاره ،

وانحلت خرز حقويه ، واصطكت ركبتاه " [ 6 ] .

منذ لحظات كان الملك يظن فى نفسه إلها جبارا ، يسخر بالله الحقيقى ويدنس مقدساته ، مسبحا الأوثان . الآن يأخذ موقف المتهم الذليل ، ويدرك أن الله هو الديان الحقيقى . انحلت قوى الملك الجسمانية ، وارتبك فكره ، وفقد اتزانه وكرامته بين المدعوين للحفل . صار فى موقف لا يحسد عليه .

" فصرخ الملك بشدة لادخال السحرة والكلدانيين والمنجمين.

فاجاب الملك وقال لحكماء بابل :

اي رجل يقرأ هذه الكتابة ويبيّن لي تفسيرها ،

فانه يلبّس الارجوان وقلادة من ذهب في عنقه ،

ويتسلط ثالثا في المملكة" [ 7 ]

شعر الملك أن جراحات عقله خطيرة ، فاستدعى السحرة والحكماء والمنجمين لعله يجد دواء لأعماقه ، لكنه كان يشعر أنه ليس لجراحاته شفاء ، وأنه لن يفلت من يدى القدير . لقد نسى أنه ملك يقيم وليمة للعظماء ، فأرسل يستدعى هؤلاء الرجال على وجه السرعة ، ليدخلوا إليه وهو بعد فى الوليمة . لقد صرخ بشدة ، الأمر الذى لا يليق بصاحب سلطان ! لقد فقد أعصابه تماما !

" ثم دخل كل حكماء الملك ،

فلم يستطيعوا ان يقرأوا الكتابة ولا ان يعرّفوا الملك بتفسيرها.

ففزع الملك بيلشاصر جدا وتغيّرت فيه هيئته واضطرب عظماؤه " [ 8 ، 9 ] .

وهب الله الملك بيلشاصر أن يرى اليد الخفية تكتب على الحائط ، لكنه لم يهبه القدرة على قراءة ما هو مكتوب .وجاء الحكماء ليقرأوا ، لكنهم كانوا أشبه بالعميان .

ازداد الملك رعبا ، وارتعب كل من حوله .



( 3 ) إحضار دانيال أمام الملك

" اما الملكة فلسبب كلام الملك وعظمائه دخلت بيت الوليمة ،

فاجابت الملكة وقالت ايها الملك عش الى الابد.

لا تفزعك افكارك ولا تتغيّر هيئتك. يوجد في مملكتك رجل فيه روح الآلهة القدوسين ،

وفي ايام ابيك وجدت فيه نيّرة وفطنة وحكمة كحكمة الآلهة ، والملك نبوخذناصّر

ابوك جعله كبير المجوس والسحرة والكلدانيين والمنجمين " [ 10 ، 11 ]

واضح أن الملكة قد عاصرت أحداث نبوخذنصر جد بيلشاصر ، غالبا ما تكون زوجته ، أى جدة بيلشاصر ، وليست زوجته ، لأن الأخيرة كانت مع الملك فى الوليمة .

فى بابل كان للملكة الأم منزلة عليا فى البيت الملكى ، وهذا ما يكشف دقة السفر .

" من حيث ان روحا فاضلة ومعرفة وفطنة وتعبير الاحلام وتبيين ألغاز وحلّ عقد وجدت في دانيال

هذا الذي سماه الملك بلطشاصر.

فليدع الآن دانيال فيبيّن التفسير " [ 12 ] .

لقد ميزت الملكة العجوز بين دانيال والسحرة . فقد كان السحرة يفتخرون بأنهم قادرون على تفسير الأحلام ، لكن افتخارهم كاذب وباطل ، أما دانيال فتمتع بثلاث عطايا إلهية ، بها فاق الجميع ، وميزه عنهم .

أ – فيه روح فاضلة .

ب – فيه معرفة وحكمة .

جـ - قادر على تفسير الأحلام وتبيين الألغاز وحل المشاكل .

كشفت أيضا عن تقدير نبوخذنصر له إذ نسبه إلى إلهه ، وأعطاه اسما مكرما " بلطشاصر " . لقد حمل اسما مشابها لأسم الملك " بيلشاصر " . لذا يليق به ألا يحتقره لكونه غريب الجنس ومسبيا ! .

" حينئذ ادخل دانيال الى قدام الملك.فاجاب الملك وقال لدانيال :

أأنت هو دانيال من بني سبي يهوذا الذي جلبه ابي الملك من يهوذا ؟

قد سمعت عنك ان فيك روح الآلهة وان فيك نيّرة وفطنة وحكمة فاضلة.

والآن أدخل قدامي الحكماء والسحرة ليقرأوا هذه الكتابة ،

ويعرّفوني بتفسيرها فلم يستطيعوا ان يبيّنوا تفسير الكلام.

وانا قد سمعت عنك انك تستطيع ان تفسر تفسيرا وتحل عقدا ،

فان استطعت الآن ان تقرأ الكتابة وتعرّفني بتفسيرها ،

فتلبّس الارجوان وقلادة من ذهب في عنقك ،

وتتسلط ثالثا في المملكة " [ 13 – 16 ]

مع كل ما حل بالملك ، وما سمعه من جدته لم يتضع ، نادما على ما فعله ، بل تحدث مع دانيال فى عجرفة ، ناظرا إليه كرجل ذليل مسبى . ولعله استخدم هذا الأسلوب لكى يلزمه بالطاعة والألتزام بالنطق بالحق معه .
قدم الملك وعودا لدانيال من ثياب ملوكية وقلادة ذهبية مع سلطان ، ولم يكن يدرى أنه هو نفسه يفقد مملتكاته وسلطانه بل وحياته بعد ساعات .
قدم الملك وعودا للآخرين لا يقدر هو نفسه أن يتمتع بها .





( 4 ) تفسير دانيال :

" فاجاب دانيال وقال قدام الملك :

.لتكن عطاياك لنفسك وهب هباتك لغيري ،

لكني اقرأ الكتابة للملك واعرّفه بالتفسير " [ 17 ] .

اظهر دانيال استخفافه بالعطايا الزمنية قبل أن يقرأ الكتابة ويفسرها ، لئلا يظن الملك أن الرفض ليس من أعماق القلب ، وإنما لأن دانيال أدرك أن ملكه ينتهى ، وكأن دانيال استغل الرؤيا لحسابه الشخصى .

اختلفت طريقة تفسير دانيال للرؤيا هنا عنها مع نبوخذنصر ، لقد أظهر استهانته بالمكافأة ، للأسباب التالية :

أ – خطية الملك هنا ليست عن جهل ، فقد سبق أن عرف ما حدث مع جده .

ب – هاجم بيلشاصر الله القدير .

جـ - مجد بيلشاصر الأوثان ومدحها بقصدإهانة الله الحى .

يقول القديس جيروم أنه بهذا تحققت نبوة إشعياء النبى عن إنهيار مملكة بابل أثناء إقامة الوليمة بطريقة حرفية ، إذ يقول :

" تاه قلبى ، بغتنى رعب ، ليلة لذتى جعلها لى رعدة ، يرتبون المائدة ، يحرسون الحراسة ، يأكلون ، يشربون – قوموا أيها الرؤساء امسحوا المجن "


إش 21 : 4 ، 5 .



" انت ايها الملك فالله العلي اعطى اباك نبوخذناصّر ملكوتا وعظمة وجلالا وبهاء. وللعظمة التي اعطاه اياها كانت ترتعد وتفزع قدامه جميع الشعوب والامم والألسنة.

فايّا شاء قتل وايّا شاء استحيا ،

وايّا شاء رفع وايّا شاء وضع.

فلما ارتفع قلبه وقست روحه تجبّرا ،

انحط عن كرسي ملكه ونزعوا عنه جلاله " [ 18 – 20 ] .

اوضح له دانيال أن ما تمتع به جده الملك نبوخذنصر لم يكن سوى عطية إلهية ، فإن كل سلطان هو من الله ( رو 8 : 1 ) .

كان نبوخذنصر صاحب سلطان يقتل من يشاء ويعفو عمن يشاء ، يرفع من يشاء ، ويذل من يشاء ، ولم يدرك أن حياة الناس هى فى يد الله ، بل وحياة الملك نفسه وكرامته وسلطانه هذه جميعها فى يد الله .

" وطرد من بين الناس وتساوى قلبه بالحيوان ،

وكانت سكناه مع الحمير الوحشية فاطعموه العشب كالثيران ،

وابتلّ جسمه بندى السماء ،

حتى علم ان الله العلي سلطان في مملكة الناس ،

وانه يقيم عليها من يشاء " [ 21 ] .

ما حدث مع نبوخذنصر أمر له خطورته ، يحسب درسا لأجيال متعاقبة ، لكن هوذا حفيده بيلشاصر سرعان ما نسى الدرس أو تناساه ، فلم ينتفع من خبرة جده ..

" وانت يا بيلشاصر ابنه لم تضع قلبك مع انك عرفت كل هذا " [ 22 ] .

يدعو بيلشاصر ابنا للملك نبوخذنصر الذى سقط تحت التأديب الإلهى بسبب كبريائه ، وكأنه يقول له : " لست أقدم لك مثالا من أمة غريبة ، بل من بيت أبيك وعائلتك . أنت بلا عذر ! " .

" بل تعظمت على رب السماء ،

فاحضروا قدامك آنية بيته ،

وانت وعظمائك وزوجاتك وسراريك شربتم بها الخمر،

وسبّحت آلهة الفضة والذهب والنحاس والحديد والخشب والحجر التي لا تبصر ولا تسمع ولا تعرف.

اما الله الذي بيده نسمتك وله كل طرقك فلم تمجده.

حينئذ أرسل من قبله طرف اليد فكتبت هذه الكتابة.

وهذه هي الكتابة التي سطّرت ،

منا منا تقيل وفرسين.

وهذا تفسير الكلام ،

منا احصى الله ملكوتك وانهاه.

تقيل وزنت بالموازين فوجدت ناقصا.

فرس قسمت مملكتك وأعطيت لمادي وفارس ،

حينئذ أمر بيلشاصر ان يلبّسوا دانيال الارجوان وقلادة من ذهب في عنقه وينادوا عليه انه يكون متسلطا ثالثا في المملكة " [ 29 ] .

قدم له الملك عطاياه ، لكنها لم تدم إلا لساعات . ربما قبلها دانيال النبى لئلا يظن الملك أنه ثائر ضده أو متعجرف عليه ومتشامخ . ارتدى دانيال ثوب ارجوانى ملوكى ، وقلادة من ذهب تشير إلى السلطة الملوكية ... بهذا أعطيت الفرصة لكورش أن يتعرف عليه ويتساءل عن سبب تكريمه ، فيسمع عن الرؤيا .

ربما ظن الملك أن هذه النبوة المؤلمة ستتحقق فى المستقبل البعيد أو أنه بتكريمه رجل الله يجد رحمة ونعمة لدى الله .



( 5 ) النتائج :

" في تلك الليلة قتل بيلشاصر ملك الكلدانيين ،

فاخذ المملكة داريوس المادي وهو ابن اثنتين وستين سنة " [ 30 – 31 ] .

بينما كان الشرب بكؤوس بيت الرب جاريا قبل الصباح دخل كورش بابل بطريقة لم يتوقعها الحراس والرقباء فى الأبراج العالية ، فقد فاض نهر الفرات تحت أسوار بابل الضخمة . كان الفرس قد حفروا مجرى ضخما خارج بابل ولم يدرى البابليون بذلك . وبسرعة قاموا بتوصيل المجرى بالنهر فتدفقت المياة فى المجرى ، فعبر الجيش إلى داخل المدينة خلال النهر الجاف تحت الأسوار .

لقد تحولت المملكة من أيدى البابليين إلى الفارسيين ، بهذا ننتقل من الرأس الذهبى للتمثال إلى الصدر والكتفين من الفضة كما جاء فى الإصحاح الثانى من السفر .

عندما استولى كورش على بابل ووجد دانيال بلباس الأرجوان ، وسأل عنه عرف أنه تنبأ عن سقوط مملكة بابل وقيام مملكة فارس ، وعن نصرة كورش الخ .. ، كرمه وقربه إليه كرجل الله ، وتعاطف مع شعبه . وكأن الله قد سمح بما ورد فى هذا الإصحاح فى اللحظات الحاسمة لسقوط بابل ونصرة فارس حتى يصغى كورش لدانيال وشعبه ، ويستمع إلى نبوات إرميا عن عودتهم بعد سبعين عاما من السبى ، فأصدر أمره بذلك ( عزرا 1 : 1 – 4 ) .
+ + +
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




سفـــــر دانيـــال Empty
مُساهمةموضوع: دانيال – الإصحاح السادس   سفـــــر دانيـــال Icon_minitimeالجمعة فبراير 23, 2007 11:09 pm



دانيال – الإصحاح السادس

دانيال فى جب الأسود

يقدم لنا هذا الإصحاح قصة إلقاء دانيال فى جب الأسود ، وهى تقابل قصة إلقاء الثلاثة فتية فى أتون النار فى الإصحاح الثالث .

تؤكد القصتان قدرة الله الفائقة فى إنقاذ مؤمنيه حافظى وصاياه ، العامل فى وسط الضيق .


( 1 ) مركز دانيال أثناء حكم داريوس



بلا شك سمع داريوس الملك عن دانيال النبى وربما رآه بنفسه عندما قتل بيلشاصر ، ووجده مرتديا الأرجوان والقلادة الذهبية ، فسأل عن شخصه ، وثق فيه داريوس وأكرمه ، فصار اليد التى استخدمها الله لخدمة شعبه المسبى . لكن عدو الخير لم يقف مكتوف اليدين ، فقدر ما تمجد الله فى دانيال ثار العدو بالأكثر لكى يحطمه . رفعه الله فى عينى الملك ليجعله الرجل التالى له بينما كان عدو الخير يعد له جب الأسود الجائعة للخلاص منه وتحطيم عمله .

" حسن عند داريوس ان يولي على المملكة مئة وعشرين مرزبانا يكونون على المملكة كلها.

وعلى هؤلاء ثلاثة وزراء احدهم دانيال لتؤدي المرازبة اليهم الحساب فلا تصيب الملك خسارة.

ففاق دانيال هذا على الوزراء والمرازبة لان فيه روحا فاضلة وفكر الملك في ان يوليه على المملكة كلها " [ 1 – 3 ] .

يرى البعض أن فترة سقوط بابل يكتنفها بعض الغموض ، ربما كان داريوس حتى ذلك الحين شخصا مجهولا عهد إليه الملك من قبل كورش . ومع أن هويته غير ثابتة حتى الآن بصورة قاطعة .


( 2 ) خطة الأعداء ضده


" ثم ان الوزراء والمرازبة كانوا يطلبون علّة يجدونها على دانيال من جهة المملكة ،

فلم يقدروا ان يجدوا علّة ولا ذنبا

لانه كان امينا ولم يوجد فيه خطأ ولا ذنب.

فقال هؤلاء الرجال :

لا نجد على دانيال هذا علّة الا ان نجدها من جهة شريعة الهه " [ 4 ، 5 ] .

+ مطوبة هى الحياة التى تقود حتى الأعداء فلا يجدوا فيها علة للأتهامات إلا ربما من جهة شريعة الله .

" حينئذ اجتمع هؤلاء الوزراء والمرازبة عند الملك وقالوا له هكذا :

ايها الملك داريوس عش الى الابد.

ان جميع وزراء المملكة والشحن والمرازبة والمشيرين والولاة قد تشاوروا على ان يضعوا أمرا ملكيا ،

ويشددوا نهيا ، بان كل من يطلب طلبة حتى ثلاثين يوما من اله او انسان الا منك ايها الملك يطرح في جب الأسود.

فثبّت الآن النهي ايها الملك ،

وامض الكتابة لكي لا تتغيّر كشريعة مادي وفارس التي لا تنسخ.

لاجل ذلك امضى الملك داريوس الكتابة والنهي " [ 4 – 9 ] .

دبر الأعداء خطتهم ضد دانيال حسدا ، وذلك بسبب عظمته مع تقواه وإخلاصه للملك . لم يجدوا علة عليه لذا خططوا للخلاص منه .

اقنعوا الملك أن قرارا مثل هذا يكشف عن مدى إخلاص الغرباء المسبيين له فى أرض جديدة .


( 3 ) إيمان دانيال



" فلما علم دانيال بامضاء الكتابة ،

ذهب الى بيته وكواه مفتوحة في عليته نحو اورشليم ،

فجثا على ركبتيه ثلاث مرات في اليوم ،

وصلّى وحمد قدام الهه كما كان يفعل قبل ذلك " [ 10 ] .

عرف الأعداء موعد صلوات دانيال ، وكان من السهل مراقبته من النافذة المفتوحة . فقد اعتاد اليهود أن يمارسوا ثلاث صلوات يومية :

- فى الصباح ، فى وقت تقديم ذبيحة الصباح .

- فى وقت الساعة التاسعة ( 3 بعد الظهر ) ، فى وقت تقديم ذبيحة المساء .

- فى العشية عند غروب الشمس .

كان دانيال النبى يمارس عبادته فى العلية ، إشارة إلى ارتفاع النفس إلى الأعالى لتلتقى مع الله فوق كل الزمنيات .

" فاجتمع جميع حينئذ هؤلاء الرجال ،

فوجدوا دانيال يطلب ويتضرع قدام الهه.

فتقدموا وتكلموا قدام الملك في نهي الملك.

ألم تمض ايها الملك نهيا بان كل انسان يطلب من اله او انسان حتى ثلاثين يوما الا منك ايها الملك يطرح في جب الأسود ؟

فاجاب الملك وقال :

الامر صحيح كشريعة مادي وفارس التي لا تنسخ.

حينئذ اجابوا وقالوا قدام الملك :

ان دانيال الذي من بني سبي يهوذا لم يجعل لك ايها الملك اعتبارا .

ولا للنهي الذي امضيته ،

بل ثلاث مرات في اليوم يطلب طلبته.

فلما سمع الملك هذا الكلام اغتاظ على نفسه جدا ،

وجعل قلبه على دانيال لينجيه واجتهد الى غروب الشمس لينقذه.

فاجتمع اولئك الرجال الى الملك وقالوا للملك :

اعلم ايها الملك ان شريعة مادي وفارس هي ان

كل نهي اوامر يضعه الملك لا يتغيّر" [ 11 – 15 ] .

يقول القديس جيروم : أنه كما فهم الملك نية هؤلاء الرجال أنهم دبروا الخطة للإيقاع بدانيال ، هكذا فهموا هم أيضا نية الملك الذى امتنع عن الطعام حتى الغروب كنوع من الضغط عليهم كى لا يطلبوا موت دانيال ، إذ لم يكن فى سلطانه أن يغير القانون الذى أصدره ، لكن كان يمكن لهم أن يتجاهلوا ما صنعه دانيال ولا يشتكوا عليه . أما هم فلم يبالوا بما فعله الملك وأصروا على تطبيق القانون على دانيال .

وجد دانيال فرصته لإعلان إيمانه ففتح النوافذ ، وتحدى الشر ليس استعراضا لقوته ، وإنما شهادة لإيمانه . كان دانيال يحدد أوقاتا معينة يوميا للصلاة .


( 4 ) ضيقة دانيال وخلاصه



" حينئذ امر الملك فاحضروا دانيال وطرحوه في جب الأسود.

اجاب الملك وقال لدانيال :

ان الهك الذي تعبده دائما هو ينجيك " [ 16 ] .

أدرك الملك أن دانيال هو إله المستحيلات ، حيث تعجز كل الأذرع البشرية عن العمل تظهر قوة الله .

" وأتي بحجر ووضع على فم الجب وختمه الملك بخاتمه وخاتم عظمائه لئلا يتغيّر القصد في دانيال " [ 17 ]

ختم الصخرة بخاتمه حتى لا يفتح أحد الجب ، فلا يحاول أعداء دانيال الإيقاع به . فقد ائتمنه فى يد الله ، ومع كونه لم يضطرب من جهة الأسود ، لكنه خشى عليه من الناس . كما ختمه أيضا بأختام العظماء كى يتجنب بكل وسيلة دخول الشك إليهم .

" حينئذ مضى الملك الى قصره ،

وبات صائما ولم يؤت قدامه بسراريه .

وطار عنه نومه " [ 18 ] .

يقول القديس جيروم :

+ يا لإخلاص نية الملك الصالحة ، إذ لم يرد أن يمس طعاما بالليل كما بالنهار ولم يعط لأجفانه نعاسا . وإنما إذ كان النبى فى خطر بقى هو متعاطفا معه فى قلق .

إن كان الملك الذى لا يعرف الله صنع هكذا من أجل إنسان آخر يشتاق أن يخلصه ، كم بالأكثر يليق بنا أن نفعل نحن لنسترضى مراحم الله بالأصوام والأسهار بسبب خطايانا ؟!

" ثم قام الملك باكرا عند الفجر ،

وذهب مسرعا الى جب الأسود " [ 19 ]

أسرع الملك إلى الجب فى ثقة بالله إله دانيال أنه يخلصه .

" فلما اقترب الى الجب نادى دانيال بصوت اسيف :

اجاب الملك وقال لدانيال ، يا دانيال عبد الله الحي ،

هل الهك الذي تعبده دائما قدر على ان ينجيك من الأسود " [ 20 ] .

أظهر الملك بدموعه عاطفته الداخلية ، فقد نسى كرامته الملوكية ، ونصرته على المسبيين ، وسيادته على خادمه ( دانيال ) ...

لقد دعى الله الإله الحى ليميزه عن آلهة الأمم الذين هم كتماثيل للأموات ...

" فتكلم دانيال مع الملك :

يا ايها الملك عش الى الابد" [ 21 ] .

+ يكرم دانيال ذاك الذى كرمه ، وطلب له أن يحيا أبديا .

" الهي ارسل ملاكه وسدّ افواه الأسود ،

فلم تضرّني لاني وجدت بريئا قدامه ،

وقدامك ايضا ايها الملك لم افعل ذنبا" [ 22 ] .

يقول العلامة أوريجينوس :

+ ذاك الذى يصلى ويقول : " لا تسلم للوحوش النفس التى تعترف لك " ( مز 74 : 19 ) ، يسمع له ، ولا يعانى من الأفعى والحيات ، لأنه يستطيع بالمسيح أن يطأ الأسد والتنين ( مز 91 : 13 ) ، وينال القوة المجيدة التى يهبها يسوع لنطأ الحيات والعقارب وككل قوة العدو ( لو 10 : 19 ) ، فلا يؤذيه شىء من قبل هذه الأشياء . مثل هذا يلزمه أن يشكر الله أكثر من دانيال ، لأنه يخلص من وحوش أكثر رعبا وأذية .

" حينئذ فرح الملك به وامر بان يصعد دانيال من الجب .

فأصعد دانيال من الجب ولم يوجد فيه ضرر لانه آمن بالهه.

فامر الملك فاحضروا اولئك الرجال الذين اشتكوا على دانيال وطرحوهم في جب الأسود هم واولادهم ونساءهم ، ولم يصلوا الى اسفل الجب ،

حتى بطشت بهم الأسود وسحقت كل عظامهم " [ 23 – 24 ]

تقدم لنا قصة دانيال النبى هنا صورة حية عن دور الإنسان فى حياة الجماعة . فدانيال بحياته المقدسة نجح ، كما أعان زملاءه الشبان الثلاثة ، وخدم أيضا شعبه فى السبى ، وخدم الملوك وسندهم ، وخدم الأمم ، إذ قدم لهم نبوات صريحة عن السيد المسيح . هكذا بالتصاقه بالرب لم تكن لخدمته وهو فى السبى حدودا .

فشل الملك فى إنقاذ دانيال لأن القرار قد سبق فوقعه ولا رجعة فيه ، لكن الله نفسه خلصه .

إذ خلص الله دانيال قرر الملك معاقبة الأشرار وعائلاتهم الذين خططوا ضد دانيال النبى البار .



( 5 ) إعلان داريوس :

" ثم كتب الملك داريوس الى كل الشعوب والامم والألسنة الساكنين في الارض كلها ،

ليكثر سلامكم.

من قبلي صدر امر بانه في كل سلطان مملكتي يرتعدون ويخافون قدام اله دانيال لانه هو الاله الحي القيوم الى الابد ، وملكوته لن يزول ، وسلطانه إلى المنتهى .

هو ينجى وينقذ ، ويعمل الآيات والعجائب فى السموات وفىالأرض .

هو الذى نجى دانيال من يد الأسود [ 25 – 27 ] .

كان إعلان داريوس أقوى من إعلان نبوخذنصر ( 3 : 29 ) ، وذلك لأنه كان إيجابيا لا سلبيا ، فقد تأثر داريوس بما حدث ، واهتزت أعماقه أمام المعجزة .

" فنجح دانيال هذا فى ملك داريوس وفى ملك كورش الفارسى " [ 28 ] .

أعطى الله نجاحا لدانيال حسب الفكر الإلهى لا حسب فكرنا البشرى . لقد حرم من الهيكل فى أورشليم ، لكنه وقف أمام هيكل الرب الجديد ليفتح أبواب الرجاء للأمم للتمتع بالمقدسات الإلهية ، فحق له الترنم : " اخترت الوقوف على العتبة فى بيت الهي على السكنى فى خيام الأشرار " مز 84 : 10 . لهذا حسبه حزقيال النبى أحد الرجال الأولين الثلاثة العظماء : " نوح ودانيال وأيوب " حز 14 : 14
+ + +


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




سفـــــر دانيـــال Empty
مُساهمةموضوع: الباب الثانى -الرؤى والنبوات -– الإصحاح السابع   سفـــــر دانيـــال Icon_minitimeالجمعة فبراير 23, 2007 11:14 pm

الباب الثانى


الرؤى والنبوات
دانيال 7 – 12
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ


دانيال – الإصحاح السابع
الوحوش الأربعة والقرن الصغير



حوى القسم الأول من السفر مجموعة من الأحداث المختارة من حياة دانيال النبى ورفقائه الثلاثة ، تكشف عن اهتمام الله بالقلة القليلة المقدسة ، حتى إن كانت مسبية ومحرومة من أرض الموعد والمدينة المقدسة " أورشليم " وهيكل الرب .

هذه الأحداث تكشف عن اهتمام الله أيضا بكنيسته حتى فى لحظات تأديبها ، وتؤكد أن التاريخ كله فى قبضة الله ضابط الكل ، الذى يعمل بخطته الإلهية الفائقة .

أما القسم الثانى فيحوى أربع رؤى تمتع بها دانيال ، بدأت من قبل أن تنتهى الأحداث السابقة ، تسير جنبا إلى جنب تاريخيا مع ما ورد فى الإصحاحين 5 ، 6 .


( 1 ) تاريخ الرؤيا



" في السنة الاولى لبيلشاصر ملك بابل رأى دانيال حلما ورؤى راسه على فراشه.

حينئذ كتب الحلم واخبر براس الكلام" [ 1 ] .

وهب دانيال هذه الرؤيا خلال السنة الأولى من ملك بيلشاصر آخر ملوك بابل ( 556 – 539 ق . م . ) ، فمن الجانب التاريخى يأتى هذا الإصحاح قبل الإصحاحين 5 ، 6 ، أى أن زمن هذه الرؤيا عام 555 ق . م .



( 2 ) البحر الكبير

" اجاب دانيال وقال :

كنت ارى في رؤياي ليلا ،

واذا باربع رياح السماء هجمت على البحر الكبير " [ 2 ] .

فى الليل أى فى هذا العالم قبل أن يشرق عليه شمس البر ، فى ظلام الفساد الذى لا نور له ، رأى البحر الكبير الذى ندعوه حاليا البحر الأبيض المتوسط .

أ – كانت حدود الأربع ممالك العظيمة هو البحر الأبيض المتوسط ، وجاءت عاصمة المملكة الأخيرة " روما " على ساحله ، لذا فمن المناسب أن تظهر الحيوانات الأربعة صاعدة منه .

ب – يشير البحر فى الكتاب المقدس رمزيا إلى شعوب وجماهير وأمم وألسنة ( رؤ 17 : 15 ، لو 21 : 25 ، إش 57 : 20 ) .

جـ - يرمز البحر العظيم بأمواجه إلى حالة الأضطراب الدائم أو عدم الأستقرار ... هذه سمة اشتركت فيها الممالك الأربع .


رياح السماء الأربع



تشير إلى وكالات الله الخفية العاملة . هذا وتشير الريح إلى الروح القدس الذى يعمل فى الخفاء ( يو 3 : 8 ) ، إذ " ريح " و " روح " فى العبرية كما فى اليونانية كلمة واحدة . وكأن ما يراه النبى هنا صادر من السماء بسماح الهي ، حيث يعمل روح الله لحساب ملكوته السماوى حتى وإن بدت الأحداث مرة أو مقاومة لعمل الله .


( 3 ) الوحش الأول : بابل



" وصعد من البحر اربعة حيوانات عظيمة هذا مخالف ذاك،

الاول كالاسد ولـه جناحا نسر.

وكنت انظر حتى انتتف جناحاه وانتصب على الارض ،

وأوقف على رجلين كانسان ،

وأعطي قلب انسان " [ 3 – 4 ] .

فى ع 17 تشير الحيوانات الأربعة إلى أربعة ملوك بينما فى ع 23 يشير الحيوان الرابع إلى المملكة الرابعة . واضح أن كل مملكة من الممالك عرفت بملك خاص له دوره الرئيسى فى المملكة ككل . فنبوخذنصر يمثل مملكة بابل ، بينما كورش يمثل مملكة فارس ، والأسكندر الأكبر يمثل المملكة اليونانية ( المقدونية ) ، أما المملكة الرومانية فأشير إليها فى سفر الرؤيا بالوحش ( رؤ 13 ) .

يشار إلى مملكة بابل بأسد مجنح ، أى يمتاز بالقوة والأفتراس مع سرعة الحركة ، فى حزقيال 17 أشير إلى بابل بالنسر الطائر ، حيث تلتقط فريستها بسرعة ، كما أنه يرمز إلى روح الكبرياء ..

نظر دانيال النبى المملكة البابلية وقد انتتف جناحها وانتصب على الأرض ، أى بدأت تنهار ، حيث صارت عاجزة عن الطيران .

الكلمات " وأعطى قلب إنسان وأوقف على رجلين كإنسان " فيعنى أنه رجع إلى نفسه وعرف أنه مجرد إنسان ، من الخارج يبدو أسدا شجاعا وسط الوحوش ، وفى الداخل مملوء خوفا كإنسان أعزل وسط وحوش مفترسة . هذا ما حدث مع بابل فى أيام بيلشاصر


( 4 ) الوحش الثانى : مادى وفارس



" وإذا بحيوان آخر ثان شبيه بالدب ،

فارتفع على جنب واحد ،

وفى فمه ثلاث أضلع بين أسنانه ،

فقالوا له هكذا :

قم كل لحما كثيرا " [ 5 ] .

أهم سمات الدب قوته وشراسته مع جبنه . وقد عرف عن بابل أنها لم تغلب أعداءها خلال المهارة العسكرية وسرعة التحرك ، وإنما خلال اقتحام البلاد بأعداد ضخمة من المقاتلين يصل عددهم إلى ملايين مثلما حدث فى حرب أحشويرش ضد اليونان .

ارتفع على جنب واحد ، فقد سيطرت فارس على مادى ..

الثلاثة أضلع التى بين أسنانه هى ثلاث مدن قد تكون المدن البابلية : بابل واكباتانا ، وبورسيبا ، ... وربما تشير إلى : ليديا وبابل ومصر ...


( 5 ) الوحش الثالث : الإمبراطورية اليونانية



" وبعد هذا كنت ارى واذا بآخر مثل النمر ،

وله على ظهره اربعة اجنحة طائر.

وكان للحيوان اربعة رؤوس ،

وأعطي سلطانا " [ 6 ] .

مع أنه أصغر من الأسد فى حجمه لكن له أربعة أجنحة وأربعة رؤوس ، إن كانت إمبراطورية اليونان أقل من إمبراطورية بابل كما أن النمر أصغر من الأسد لكن اسكندر الأكبر كان أكثر حركة وأسرع من الأباطرة البابليين ، لذا ظهر فى النمر 4 أجنحة كمن يطبر فى كل جهات العالم الأربع .


( 6 ) الوحش الرابع : الإمبراطورية الرومانية



احتل الحديث عن الإمبراطورية الرومانية النصيب الأكبر من الإصحاح ، على خلاف الحيوانات السابقة ، رمز إليها بحيوان لم ير له دانيال النبى شبيها ، ولم يسمع عنه ، فإنه لا يوجد فى عالم الوحوش المفترسة ما يحمل سمة الشراسة والعنف مثل هذه الإمبراطورية .

يقول القديس جيروم : [ رأينا فى الحيوانات السابقة رموزا متنوعة للرعب ، لكن تركزت هذه كلها فى هذا الحيوان الواحد ] .

بدأت مملكة الرومان من سنة 63 ق . م . وامتدت فتوحاتها حتى احتلت أراضى مملكتى بابل وفارس القديمة ومصر سنة 47 ق. م .

" بعد هذا كنت ارى في رؤى الليل ،

واذا بحيوان رابع هائل وقوي وشديد جدا ،

ولـه اسنان من حديد كبيرة.

اكل وسحق وداس الباقي برجليه .

وكان مخالفا لكل الحيوانات الذين قبله

وله عشرة قرون " [ 7 ] .

هذا الحيوان أكثر قوة من الحيوانات السابقة ، يقابل قدمى التمثال الذى رآه نبوخذنصر :

" بعضهما من حديد والبعض من خزف " دا 12 : 33 ، يقول القديس هيبوليتس الرومانى أن أصابع القدمين العشرة التى بعضها من حديد والأخرى من خزف تقابل العشرة قرون التى لهذا الحيوان ، وهى تشير رمزيا للملوك العشرة الذين قاموا من هذه المملكة .


( 7 ) القرن الصغير



" كنت متأملا بالقرون واذا بقرن آخر صغير طلع بينها ،

وقلعت ثلاثة من القرون الاولى من قدامه ،

واذا بعيون كعيون الانسان في هذا القرن ،

وفم متكلم بعظائم " [ 8 ] .

تنوعت الآراء فى تفسير هذا الجزء ، ولكن إن كانت الرؤى والنبوات قد هدفت نحو الكشف عن مجىء السيد المسيح ليقيم ملكوته الروحى فى القلوب ، محطما العنف من القلب ، فإن عدو الخير لا يقف مكتوف اليدين بل يقاوم السيد . تتجلى هذه المقاومة فى أبشع صورها فى آخر الأيام حين يأتى ضد المسيح أو إنسان الخطية أو النبى الكذاب . هذا ما سبق أن تنبأ عنه دانيال النبى هنا تحت رمز " القرن الصغير " ، كما حدثنا عنه السيد المسيح بوضوح وصراحة فى حديثه عن نهاية الأزمنة ( مت 24 ) ، وأيضا القديس بولس ( 2 تس 3 : 8 ) ، والقديس يوحنا الرائى ( رؤ 13 ) .

جاء وصف ضد المسيح هنا مطابقا لما ورد فى العهد الجديد .



أما سمات هذا القرن الصغير فهى :

أ – صغير وغامض وعنيف [ 8 ] ، يظهر فجأة ، ويحطم ممالك ، ويقيم لنفسه مملكة تقاوم كنيسة الله [ 25 ] ، وبسببه يحدث فزع شديد ( ع 28 ) .

ب – يقوم كملك آخر [ 8 ] قابل للموت ( رؤ 13 : 2 ، 2 تس 2 : 9 ) ، يحمل قوة شيطانية ، يجعل نفسه إلها .

جـ - تبدأ قوته بالغلبة على ثلاثة ملوك [ 8 ، 24 ] .

د – ذكى ومخادع يعرف كيف يخطط ... له عيون كثيرة .

هـ - مجدف ، يقاوم الله ، له قدرة على الكلام [ 8 ] .

و – منظره مثير [ 20 ] .

ز – مملكته زائلة ، تدوم فقط زمانا وزمانين ونصف زمان ، يظن أنه يحطم مملكةالله ويغير الأزمنة والأوقات [ 25 ] ، كأنه لا يعلم عن وجود خطة إلهية خفية تحطم كل شره سرالغلبة عليه هو مجىء السيد المسيح :

1 - المجىء الأول : حيث حطم عمل إبليس بصليبه .

2 - المجىء الثانى : ليملك قديسوه معه فىالسماء بعد تحطيم ضد المسيح .

3 - مجىء الرب فى القلب ليحطم مملكة الشر فىالداخل .


( 8 ) القديم الأيام



" كنت ارى انه وضعت عروش وجلس القديم الايام .

لباسه ابيض كالثلج وشعر راسه كالصوف النقي وعرشه لهيب نار وبكراته نار متقدة. نهر نار جرى وخرج من قدامه.

ألوف ألوف تخدمه وربوات ربوات وقوف قدامه .

فجلس الدين وفتحت الاسفار.

كنت انظر حينئذ من اجل صوت الكلمات العظيمة التي تكلم بها القرن.

كنت ارى الى ان قتل الحيوان ، وهلك جسمه ودفع لوقيد النار.

اما باقي الحيوانات فنزع عنهم سلطانهم ،

ولكن اعطوا طول حياة الى زمان ووقت " [ 9 – 12 ] .

بعد أن تحدث عن الإمبراطوريات الأربعة التى انتهت بمجىء السيد المسيح ليقيم مملكته على القلوب ، تحدث عن إدانة هذه الإمبراطوريات الشرسة ، فقد رأى الله الأزلى الجالس على العرش وقد ألقى بعروش الإمبراطوريات أيضا ونزع عنها سلطانها ، وإن كان أعطاهم " طول حياة إلى زمان ووقت " ع 12 .

يرى البعض أن التعبير " وضعت عروش " ، حيث يجلس الله وحوله السمائيون يشاهدون الدينونة ، ويتهللون بنصرة المؤمنين وتحطيم إبليس وكل جنوده .

أما الحديث عن العرش الملتهب النارى والبكرات النارية المتقدة ، فتعنى التزامنا أن تتحول أعماقنا إلى عرش روحى متقد بنار الحب الإلهى ، فلا يكون للخمول أو للتراخى موضع فينا ، بل نكون كالشاروبيم الملتهبين بنار الروح .

يخرج من أمامه نهر نار يجرى متدفقا ، فيروى نفوسنا لا بالمياة بل بالنار المقدسة ، فتتحول أعماقنا إلى جنة تحمل ثمر الروح النارى .



( 9 ) مثل ابن إنسان

" كنت ارى في رؤى الليل ،

واذا مع سحب السماء مثل ابن انسان اتى وجاء الى القديم الايام فقربوه قدامه.

فأعطي سلطانا ومجدا وملكوتا لتتعبّد له كل الشعوب والامم والألسنة .

سلطانه سلطان ابدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض " [ 13 – 14 ] .

يأتى ليملك إلى الأبد ، حيث يتمتع القديسون بشركة المجد معه .

هو رب الذين فى السماء لأنه كلمة الله المولود قبل الدهور ، ورب الذين على الأرض لأنه أحصى بين الأموات كارزا بالأنجيل لنفوس القديسين ( 1 بط 3 : 19 ) ، وقد غلب الموت بالموت .


( 10 ) تفسير الرؤيا



فى البداية اضطرب دانيال جدا بخصوص هذه الرؤيا ، اقترب إلى واحد من الوقوف ، غالبا ما كان ملاكا ، يطلب منه تفسيرا لما يراه . لكن تمتع دانيال بالسلام بعدما أدرك أن هذه الممالك بالرغم مما تناله من سلطان ومع شراستها لكن ينتهى الأمر بمملكة القديسين فى السماء التى يسبقها الضيقة العظيمة التى يسببها ضد المسيح .

" اما انا دانيال فحزنت روحي في وسط جسمي وافزعتني رؤى راسي.

فاقتربت الى واحد من الوقوف وطلبت منه الحقيقة في كل هذا.

فاخبرني وعرّفني تفسير الامور.

هؤلاء الحيوانات العظيمة التي هي اربعة هي اربعة ملوك يقومون على الارض.

اما قديسوا العلي فيأخذون المملكة ،

ويمتلكون المملكة الى الابد والى ابد الآبدين " [ 15 – 18 ] .


( 11 ) مملكة ضد المسيح ومملكة القديسين



" حينئذ رمت الحقيقة من جهة الحيوان الرابع الذي كان مخالفا لكلها وهائلا جدا واسنانه من حديد واظفاره من نحاس وقد اكل وسحق وداس الباقي برجليه. وعن القرون العشرة التي براسه وعن الآخر الذي طلع فسقطت قدامه ثلاثة وهذا القرن له عيون وفم متكلم بعظائم ومنظره اشد من رفقائه.

وكنت انظر واذا هذا القرن يحارب القديسين فغلبهم ،

حتى جاء القديم الايام وأعطي الدين لقديسي العلي ،

وبلغ الوقت فامتلك القديسون المملكة " [ 19 – 21 ] .

اشتاق دانيال النبى أن يتعرف على حقيقة هذا الحيوان الغريب والمختلف عن بقية الحيوانات ليدرك سره ، لقد كرر وصفه بسبب دهشته ، ولشعوره بخطورة دوره وعمله الجنونى القاتل .

" فقال هكذا.اما الحيوان الرابع فتكون مملكة رابعة على الارض مخالفة لسائر الممالك فتاكل الارض كلها وتدوسها وتسحقها.

والقرون العشرة من هذه المملكة هي عشرة ملوك يقومون ،

ويقوم بعدهم آخر وهو مخالف الاولين ويذل ثلاثة ملوك.

ويتكلم بكلام ضد العلي ويبلي قديسي العلي ،

ويظن انه يغيّر الاوقات والسنة ،

ويسلمون ليده الى زمان وازمنة ونصف زمان.

فيجلس الدين وينزعون عنه سلطانه ليفنوا ويبيدوا الى المنتهى.

والمملكة والسلطان وعظمة المملكة تحت كل السماء تعطى لشعب قديسي العلي.

ملكوته ملكوت ابدي وجميع السلاطين اياه يعبدون ويطيعون " [ 22 – 27 ] .



( 12 ) اضطراب دانيال

" الى هنا نهاية الامر.اما انا دانيال فافكاري افزعتني كثيرا وتغيّرت عليّ هيئتي وحفظت الأمر في قلبي " [ 28 ] .

يعلن دانيال النبى عجزه عن إدراك التفسير الكامل للرؤيا لهذا حفظ الأمر فى قلبه .
+ + +
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




سفـــــر دانيـــال Empty
مُساهمةموضوع: رد: سفـــــر دانيـــال   سفـــــر دانيـــال Icon_minitimeالجمعة فبراير 23, 2007 11:16 pm


من وحى دانيال 7


ملكوت مجيد وأبدى !

+ هوذا العالم كبحر مضطرب ،
تخرج منه وحوش مفترسة ،
تفترس وتسيطر !
لكن ملكوتك قادم حتما !
تملك فى قديسيك إلى الأبد !
لا على أرض زائلة ،
بل فى سماء جديدة خالدة !
+ إنها الساعة الأخيرة !
أنت قادم حتما لتملك !
لكن ضد المسيح يدخل إلى ساحة المعركة ،
إنها معركة حاسمة ،
هى حياة أو موت !
ليمت الشر ، ولتبطل الظلمة ،
ولتقم ملكوت النور فى داخلنا !
+ ليأت ضد المسيح ،
إنه عنيف للغاية ومحطم للنفوس !
لكنك أنت أقوى وأعظم .
لتحم كنيستك ، فقد بدأت نهاية الأزمنة !
+ + +
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




سفـــــر دانيـــال Empty
مُساهمةموضوع: دانيال – الإصحاح الثامن   سفـــــر دانيـــال Icon_minitimeالجمعة فبراير 23, 2007 11:19 pm



دانيال – الإصحاح الثامن

الكبش والتيس

فى السنة الأخيرة من ملك بيلشاصر حيث صارت نهاية مملكة بابل على الأبواب ، قدم الله له رؤيا جديدة عن دمار ممالك قادمة ، لكى لا يندهش عندما يرى بابل العظيمة تنهار أمامه .

فى هذه الرؤيا تم إبراز جوانب جديدة خاصة بدور الشر العنيف الممثل فى أنطوخيوس أبيفانس ( فى العهد القديم ) وضد المسيح ( فى أواخر الدهور ) .

هذه الرؤيا بتفاصيلها هى " لبنيان المؤمنين " .



( 1) مقدمة عن الرؤيا

تمت هذه الرؤيا قبل سقوط يابل بفترة قصيرة ، إذ رأى دانيال النبى نفسه كمن هو فى شوشان ، عاصمة ولاية عيلام ، غرب فارس وشرق بابل وجنوب مادى .

" في السنة الثالثة من ملك بيلشاصر الملك ظهرت لي انا دانيال رؤيا بعد التي ظهرت لي في الابتداء " [ 1 ] .

وهب دانيال من قبل الرب أن يقف كما فى برج مراقبة عال ، ليرى الأمور البعيدة التى لا يراها غيره ، والتى قد يظنها البعض أنها غير منطقية ، بل وأحيانا مستحيلة . هذه العطية تقدم للنفس الأمينة التى ترتمى فى حضن الله ، فيرفها كما بجناحى حمامة ، لترى حتى ما هو وراء الزمن .

وهبت له هذه الرؤيا بعد عامين من الرؤيا السابقة ، وذلك قبل سقوط بابل ( دا 5 ) بقليل ، لهذا تجاهلت الرؤيا الإمبراطورية البابلية وكشفت عن مملكة مادى وفارس ( الكبش ) التى تهاجمها مملكة المقدونيين ( التيس ) .

" فرأيت في الرؤيا وكان في رؤياي وانا في شوشن القصر الذي في ولاية عيلام.ورأيت في الرؤيا وانا عند نهر أولاي " [ 2 ] .

مدينة شوشان : كانت عاصمة فارس ، كان دانيال فى القصر فى بابل ، لكنه إذ كان فى الرؤيا شاهد نفسه كأنه عند نهر أولاى .

لعل الله سمح له بذلك ليطمئن أنه كما خدم شعبه خلال الحكم البابلى سيخدمه أيضا خلال الحكم الفارسى . غالبا لم يكن شوشان القصر قد بنى بعد لأنه لم تكن إمبراطورية فارس قد ازدهرت بعد .
( 2 ) رؤيا الكبش



فى الرؤيا السابقة رأى دانيال أربعة حيوانات ، أما هنا فينظر حيوانين ، الأول كبش له قرنان . إذ اقترب وقت انهيار بابل أمام فارس ومادى رأى دانيال هذه الرؤيا .
" فرفعت عينيّ ورأيت ،

واذا بكبش واقف عند النهر ،

وله قرنان والقرنان عاليان ،

والواحد اعلى من الآخر والاعلى طالع اخيرا.

رأيت الكبش ينطح غربا وشمالا وجنوبا ،

فلم يقف حيوان قدامه ، ولا منقذ من يده ،

وفعل كمرضاته وعظم " [ 3 – 4 ] .

فى دقة عجيبة شبهت مملكة فارس بالكبش ذى القرنين ، واحد أعلى من الآخر . لأن فارس صارت أعظم من مادى .

إذ شبه فارس بالكبش ، شبه الملوك الآخرون بالحيوانات ، التى لم تستطع الوقوف أمامه ، ولا أن تفلت من يديه .


( 3 ) رؤيا التيس



" وبينما كنت متأملا ،

اذا بتيس من المعز جاء من المغرب على وجه كل الارض ،

ولم يمسّ الارض ،

وللتيس قرن معتبر بين عينيه.

وجاء الى الكبش صاحب القرنين الذي رايته واقفا عند النهر ،

وركض اليه بشدة قوته " [ 5 – 6 ] .

إذ ظهر الكبش بقوة وسلطان ينطح كل حيوان يلتقى به ظهر له عدو هو تيس ذو قرن معتبر بين عينيه . رآه النبى قادما من الغرب ، حيث تقع اليونان غرب فارس . كان التيس سريعا جدا حتى أن أقدامه لم تكن تمس الأرض [ 5 ] . كان بجيشه أشبه بطائر يطير فى الهواء ، أكثر منه قادما على البر أو خلال الأسطول البحرى . لقد شبه فارس بالكبش بالمقارنة بالمملكة اليونانية التى شبهت بالتيس . فإن التيس أكثر رشاقة وسرعة حركة من الكبش . هكذا كان الأسكندر الأكبر أكثر سرعة فى تحركاته .

ضرب الكبش وكسر قرنيه وطرحه على الأرض وداسه ، ولم يكن للكبش منقذ من يده ( ع 7 ) .

" رأيته قد وصل الى جانب الكبش ،

فاستشاط عليه وضرب الكبش وكسر قرنيه ،

فلم تكن للكبش قوة على الوقوف امامه ،

وطرحه على الارض وداسه ولم يكن للكبش منقذ من يده " [ 7 ] .

إنها رؤيا صادقة تحققت بعد أكثر من 200 عاما . هنا يظهر الله لنبيه نصرة الأسكندر الذى أخضع الشرق كله ، حيث دخل فى معارك كثيرة ، لكنه يركز على فارس التى كانت مسيطرة على دول كثيرة ، والتى سبق فشبهت بالكبش الذى ينطح فى كل جهات المسكونة

" فتعظم تيس المعز جدا ،

ولما اعتزّ انكسر القرن العظيم ،

وطلع عوضا عنه اربعة قرون معتبرة نحو رياح السماء الاربع " [ 8 ] .

يقول القديس هيبوليتس الرومانى : [ يقصد بالتيس من الماعز القادم من المغرب الإسكندر المقدونى القادم من اليونان .. لقد أثار الإسكندر حربا ضد داريوس وغلبه ، وأقام نفسه سيدا على كل المملكة بعد أن هزمه هزيمة منكرة وحطم معسكره . بعد أن تمجد التيس انكسر قرنه العظيم ، وطلع أربعة قرون تحته نحو رياح السماء الأربع . فإنه عندما أقام الإسكندر نفسه سيدا على كل أرض الفرس وأخضع شعبها مات وانقسمت مملكته على أربعة رؤساء ] .

الأربعة ممالك التى ولدت هى : مقدونية ، وتراقيا ، وسوريا ، ومصر . ولم يكن أحد منهم فى قوته .



( 4 ) القرن الصغير :

" ومن واحد منها خرج قرن صغير وعظم جدا ،

نحو الجنوب ونحو الشرق ونحو فخر الاراضي.

وتعظم حتى الى جند السموات ،

وطرح بعضا من الجند والنجوم الى الارض وداسهم.

وحتى الى رئيس الجند تعظم ،

وبه ابطلت المحرقة الدائمة وهدم مسكن مقدسه.

وجعل جند على المحرقة الدائمة بالمعصية ،

فطرح الحق على الارض وفعل ونجح.

فسمعت قدوسا واحدا يتكلم فقال قدوس واحدا لفلان المتكلم :

الى متى الرؤيا من جهة المحرقة الدائمة ومعصية الخراب لبذل القدس والجند مدوسين. فقال لي الى الفين وثلاث مئة صباح ومساء فيتبرأ القدس " [ 9 – 14 ] .

ما هو هذا القرن الصغير إلا دجال العهد القديم أنطيخوس أبيفانس ، والذى يرمز أيضا إلى ضد المسيح فى أواخر الدهور . دعى بالقرن الصغير ليس بمقارنته ببقية الملوك فى عهده ، وإنما لأنه لم يكن أحد يتوقع أنه يتولى الحكم بعد والده ، لكنه استولى على الحكم بخبثه ودهائه .

ملك أبيفانس على سوريا ( مملكة الشمال ) وكان ذلك حوالى سنة 175 ق . م . تحدث عنه دانيال النبى بأكثر تفصيل فى دا 11 : 21 – 35 . دعى أدنس إنسان فى العهد القديم ، اضطهد اليهود ، التقى بعد وفاة أخيه بالشعب ، وتظاهر باللطف الشديد وخدعهم ، فاقاموه ملكا ، وذبح خنزيرا ورش دمه على المذبح والأوانى المقدسة ، ومنع تقديم الذبائح اليومية [ 11 ] ، وإلا تعرضوا للقتل .

قام انطيخوس المدعو أبيفانس من خط الإسكندر .... وإذ ملك على سوريا ، وأخضع مصر تحت سلطانه صعد إلى أورشليم ، ودخل الهيكل ، واستولى على كل كنوز بيت الرب ، والمنارة الذهبية والمائدة والمذبح وصنع مذبحة عظيمة على الأرض .

لقد حدث أن المقدس بقى خرابا . عندئذ ظهر يهوذا المكابى بعد موت والده متياس وقاومه وحطم معسكر أنطوخيوس ، وخلص المدينة وطهر المقدس وأصلحه بدقة حسبما ورد فى الشريعة .

لقد وصف هذا بوضوح فى سفرى المكابيين .

يتعظم انطيخوس ( أو ضد المسيح ) حتى على جند السماء ، ويطرح بعضا من الجند والنجوم على الأرض [ 10 ] . هكذا يعلن الله لنبيه دانيال عن كنيسته أنها سماء ، وأن المؤمنين هم جند المسيح وكواكبها .

لم يقف الأمر على اضطهاد شعب الله بل وإلى رئيس الكهنة اليهودى – ويرى القديس جيروم أنه يقصد برئيس الجند الله نفسه رب الجنود !

لم يترك انطيوخس جزءا من الهيكل مقدسا لعبادة الله الحى ، بل دنس كل الهيكل وملحقاته ، يقول القديس جيروم أن انطيوخس فعل هذا ليس بسبب شجاعته وإنما بسبب خطايا الشعب .

هذا كله يحمل رمزا لما سيفعله ضد المسيح الذى يقيم نفسه إلها .

ولا يقف الأمر عند مقاومة عبادة الله ، وإنما يمتد إلى إفساد التعاليم الإلهية ، إذ يقول عنه أنه " طرح الحق على الأرض " [ 12 ] .

إذ ارتفع قلب دانيال إلى السماء رأى ملاكا ( قدوسا ) يسأل ملاكا آخر ، وإن كان البعض يرون أنه يسأل كلمة الله : " إلى متى الرؤيا من جهة المحرقة ... ؟ فالملائكة لا يعرفون كل الأسرار ( أف 3 : 10 ) ، لكن فى حبهم للبشرية واشتياقهم إلى كمال مجدهم يتساءلون عما يخص الكنيسة ، ولعلهم خشوا أن تطول مدة الضيقة فيفقد المؤمنون إيمانهم وأكاليلهم .


( 5 ) تفسير الرؤيا



" وكان لما رأيت انا دانيال الرؤيا وطلبت المعنى ،

اذا بشبه انسان واقف قبالتي.

وسمعت صوت انسان بين أولاي فنادى وقال

يا جبرائيل فهّم هذا الرجل الرؤيا " [ 15 – 16 ] .

اشتهى دانيال النبى تفسير الرؤيا بصورة أكمل ، فقد عرف القليل ، لكن لنفعه ولنفع الكنيسة ككل اشتهى أن يبحث عن المعنى ، وقبل أن يسأل رأى " شبه إنسان " [ 15 ] ، غالبا ما يكون كلمة الله قبل التجسد الذى له سلطان أن يأمر رئيس الملائكة جبرائيل لكى يفسر له الرؤيا [ 16 ] . وكأن الله الذى يعرف خفايا القلب ، إذ يرى الداخل مشتاقا نحو الحق يقدمه له بفيض ، ويطلب من خدامه السمائيين أن يكشفوا له بعض الأسرار الخفية .

" فجاء الى حيث وقفت ،

ولما جاء خفت وخررت على وجهي.

فقال لي افهم يا ابن آدم ان الرؤيا لوقت المنتهى.

واذ كان يتكلم معي كنت مسبخا ( فى نوم عميق ) على وجهي الى الارض ،

فلمسني واوقفني على مقامي.

وقال هانذا اعرّفك ما يكون في آخر السخط.

لان لميعاد الانتهاء " [ 17 – 19 ] .

إذ اقترب رئيس الملائكة من دانيال سقط النبى فى رعب . ولعل دانيال اكتشف خطورة الرؤيا ، واهتمام الله بكشف أسرارها له عن طريق رئيس الملائكة ، فاستقبل هذا التفسير فى خوف ومهابة .

أوضح الملاك له أن هذه الرؤيا " لوقت المنتهى " [ ع 17 ] ، أى تخص المستقبل . هنا ربما يقصد إتمامها فى أيام أنتيخوس وبالأكثر قبيل مجىء المسيح الأخير . إنه يؤكد أن الرؤيا ستتحقق حتما وبالتمام ، ولكن فى الوقت المناسب والمحدد لها .

" اما الكبش الذي رأيته ذا القرنين فهو ملوك مادي وفارس.

والتيس العافي ملك اليونان والقرن العظيم الذي بين عينيه هو الملك الاول.

واذا انكسر وقام اربعة عوضا عنه ،

فستقوم اربع ممالك من الامة ولكن ليس في قوته.

وفي آخر مملكتهم عند تمام المعاصي يقوم ملك جافي الوجه وفاهم الحيل.

وتعظم قوته ولكن ليس بقوته ،

.يهلك عجبا وينجح ويفعل ويبيد العظماء وشعب القديسين.

وبحذاقته ينجح ايضا المكر في يده ،

ويتعظم بقلبه وفي الاطمئنان يهلك كثيرين ،

ويقوم على رئيس الرؤساء وبلا يد ينكسر " [ 22 – 25 ] .

هنا يؤكد رئيس الملائكة لدانيال معنى الكبش والتيس ، نازعا أدنى شك من جهة تفسيرهما

" فرؤيا المساء والصباح التي قيلت هي حق.

اما انت فاكتم الرؤيا لانها الى ايام كثيرة.

وانا دانيال ضعفت ونحلت اياما ثم قمت وباشرت اعمال الملك ،

وكنت متحيّرا من الرؤيا ولا فاهم " [ 26 – 27 ] .

يعلن الله أن الرؤيا هى حق بوجهها المظلم حيث الضيقة الشديدة ، ووجهها المشرق حيث يعلن الله عن نصرة شعبه .

على أى الأحوال لم يدرك دانيال كل أسرار الرؤيا ، ومستقبل ختومها مع الأزمنة إذ يقول : " كنت متحيرا من الرؤيا ولا فاهم " [ 27 ] .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




سفـــــر دانيـــال Empty
مُساهمةموضوع: رد: سفـــــر دانيـــال   سفـــــر دانيـــال Icon_minitimeالجمعة فبراير 23, 2007 11:23 pm



دانيال – الإصحاح التاسع

السبعون أسبوعا

إذ كان دانيال يحمل فى قلبه حبه لشعبه ، بل ولكل البشرية ، وهبه الله نعمة الحكمة والفهم مع النبوة . كشف للملوك أحلامهم وفسرها لهم ، كما أعلن له عن رؤى تخص الأحداث المستقبلية الخاصة بالعالم كله . الآن فى شيخوخته ، إذ لاحظ أن الله سبق فوعد بالعودة من السبى بعد سبعين عاما كما جاء فى سفر إرميا ، بدأ يسأل بروح الأتضاع عن هذا الوعد الإلهى ، يطلب من الله الصفح عن خطايا شعبه ، وتحقيق وعده معهم ، فوهبه الله رؤيا السبعين أسبوعا ، يعلن له فيها ليس فقط عن عودة الشعب إلى أورشليم ، بل وعودة البشرية إلى الأحضان الإلهية ، بتحديد موعد التجسد الإلهى وتقديم ذبيحة المسيح الفريدة .

جاءت هذه النبوة المسيحانية تصحح مفاهيم اليهود ، فإنهم إذ كانوا ينتظرون العودة من السبى لإقامة مملكة يهودية مجيدة ، أكد لهم أن كلمة الله المتجسد آت ليقيم مملكته بذبيحة نفسه ، فيهب المؤمنين مجدا داخليا ، لا مملكة زمنية .



( 1 ) دانيال دارس النبوات

" في السنة الاولى لداريوس بن احشويروش من نسل الماديين الذي ملك على مملكة الكلدانيين " [ 1 ] .

تمت أحداث هذا الإصحاح بعد سقوط بابل ، فى السنة الأولى من حكم داريوس بن أحشويرش .

بالقول " الذى ملك " يعنى أن داريوس لم يصر ملكا ببسالته ، إنما وهب له الملك من آخر ، أى من كورش ابن أخته وروج ابنته .

" في السنة الاولى من ملكه ،

انا دانيال فهمت من الكتب عدد السنين التي كانت عنها كلمة الرب الى ارميا النبي لكمالة سبعين سنة على خراب اورشليم " [ 2 ] .

يظهر دانيال ليس كنبى فحسب ، لكنه أيضا كدارس للنبوات ( إر 25 : 9 – 11 ، 29 : 10 ، 31 : 38 ، أى 36 : 21 ) ، يدرس كلمة الله والنبوات ، ويمزج دراسته بالصلاة ، مقدما ثلاث صلوات كل يوم . الهدف من دراسته هو التمتع بوعود الله .

كان دانيال قد كبر فى السن ، أما قلبه فلم يشخ قط ، ولا اعتزل العمل الألهى كرجل الله ، بل مع الزمن كانت نفسه تمتلىء قوة ورجاء فى مواعيد الله الصادقة ، لهذا التجأ دانيال إلى الكتاب المقدس ، يجد فيه كنز هذه المواعيد التى يتمسك بها . هذا وقد مزج دراسته للكتاب بحياة النسك والصلاة بروح الإنسحاق أمام الله .


( 2 ) دانيال رجل الصلاة



إذ فتح دانيال الكتاب المقدس واكتشف كنوز المواعيد السمائية أدرك أن التمتع بهذه الكنوز يحتاج إلى الصلاة الممتزجة بالصوم مع الإتضاع والإنسحاق . لقد كشف هذا السفر فى أكثر من موضع عن شخصية دانيال كرجل صلاة . يلاحظ فى صلاته هنا الآتى :

أ - الصلاة كلقاء حى مع الله :

إذ يعلم أنه لم يكن هو أو شعبه مستعدا روحيا لتحقيق ما وعد به الله ، إلتجأ إلى الله يعترف بخطاياه كما يعترف ببر الله [ 3 – 14 ] . بهذا يعترف دانيال أنه ينتظر العمل الإلهى ليس عن استحقاق خاص به أو بالشعب ، أى ليس عن بر بشرى [ 18 ] .

" فوجهت وجهي الى الله السيد ،

طالبا بالصلاة والتضرعات بالصوم والمسح والرماد " [ 3 ] .



ب – لم ينقص دانيال الإيمان أن الله يحقق مواعيده .

+ سأل دانيال الله بمسح ورماد لكى يحقق وعده ، ليس لأن دانيال كان ينقصه الإيمان بخصوص ما سيحدث فى المستقبل ، بل بالأحرى أراد أن يتجنب خطر الشعور بالأمان الذى يولد لا مبالاة ، واللامبالاة تولد عصيانا لله .



جـ - الشعور بالعلاقة الشخصية مع الله ، فيدعو : " الرب الهي " [ ع 4 ، 20 ] .

فإن كان يعترف بخطاياه هو وشعبه ، لكنه يتقدم لله لا فى رعب ، بل فى ثقة ويقين بالله صديقه الشخصى والمنتسب إليه ، واهب الوعود الصادقة .

" وصلّيت الى الرب الهي واعترفت وقلت :

ايها الرب الاله العظيم المهوب ،

حافظ العهد والرحمة لمحبيه وحافظي وصاياه " [ 4 ] .



د – الشعور بمشاركته شعبه خطاياه ، فلا يلقى باللوم عليهم وحدهم ، بل وعلى نفسه معهم . يقدم لنا دانيال النبى مادة صلاته واعترافه ، وهو يمزج بينهما ، إذ يعترف فى إتضاع بعظمة الله المهوب ومراحمه كما يعترف بخطاياه هو وشعبه . يبدأ صلاته بالأعتراف بمجد الله وعنايته الفائقة بشعبه .

" اخطأنا واثمنا وعملنا الشر ،

وتمردنا وحدنا عن وصاياك وعن احكامك " [ 5 ] .

إذ نقترب إلى الله بالصلاة مع الأعتراف لا نظن أننا ننال شيئا بصلواتنا ، لكننا كمجرمين فى حقه نسترضيه بإيماننا بحبه ومراحمه وبره .

التمرد أشر من الخطية ، لأن فيه تحدى لوصية الله وأحكامه . ففى التمرد رفض للنور الإلهى المقدم لنا ، كقول المرتل : " سراج لرجلى كلامك ونور لسبيلى " مز 119 : 105 ، وقبول للظلمة عن معرفة وبإرادة ، وليس عن ضعف أو جهل .

" وما سمعنا من عبيدك الانبياء ،

الذين باسمك كلموا ملوكنا ورؤساءنا وآباءنا وكل شعب الارض " [ 6 ] .

لم يقدم النبى تبريرا للخطأ ، بل على العكس يبرر تأديب الله الذى حذرهم عن طريق أنبيائه . هذا وقد اشترك الكل فى الخطأ ، سواء على مستوى القيادات المدنية أو الدينية أو على المستوى الشعبى ، فقد اندفع الكل نحو الشر بصورة جماعية .

" لك يا سيد البر.

اما لنا فخزي الوجوه كما هو اليوم .

لرجال يهوذا ولسكان اورشليم ولكل اسرائيل القريبين والبعيدين في كل الاراضي التي طردتهم اليها من اجل خيانتهم التي خانوك اياها " [ 7 ] .

إن كانوا قد سقطوا تحت الغضب الإلهى ، ففى غضبه هو بار ، أما هم فيليق بهم خزى الوجوه ، أى السقوط بوجوههم أمامه معترفين بخطأهم .

يقصد بالقريبين والبعيدين يهوذا وإسرائيل .

" يا سيد لنا خزي الوجوه لملوكنا لرؤسائنا ولآبائنا،

لاننا اخطأنا اليك.

للرب الهنا المراحم والمغفرة لاننا تمردنا عليه " [ 8 – 9 ] .

يعود فيكمل النبى اعترافه أمام الله عن نفسه وعن الشعب بقياداته . حقا استحق الكل خاصة الملوك والعظماء والآباء خزى الوجوه .

" وما سمعنا صوت الرب الهنا لنسلك في شرائعه .

التي جعلها امامنا عن يد عبيده الانبياء.

وكل اسرائيل قد تعدى على شريعتك ،

وحادوا لئلا يسمعوا صوتك ،

فسكبت علينا اللعنة والحلف المكتوب في شريعة موسى عبد الله ،

لأننا اخطأنا اليه " [ 10 – 11].

ارتكب إسرائيل خطأين خطيرين :

أ – عدم الطاعة لشريعة الله التى أعلنت لهم .

ب – لم ينصتوا لصوت الأنبياء الذين حذروهم [ 6 ] .

لم يحاول دانيال أن يبرر خطأ الشعب ، بل أكد أمانة الله فى مواعيده وعدم تقصيره من جهة شعبه . مرة أخرى يؤكد أن التعدى كان جماعيا .

" وقد اقام كلماته التي تكلم بها علينا ،

وعلى قضاتنا الذين قضوا لنا ،

ليجلب علينا شرا عظيما ،

ما لم يجر تحت السموات كلها كما أجري على اورشليم " [ 12 ] .

كأن ما حل بالشعب من تأديبات إنما هو تثبيت لما سبق أن أنبأ به على لسان موسى النبى منذ زمن بعيد . لقد سبق فحذر ليس فقط عامة الشعب ، ولكن حتى الذين وهبهم حق القضاء ، فإنه ليس أحد فوق القانون الإلهى . ليس لجسد أن يفتخر أمام الله ، ولا يعفيه مركزه المدنى أو الدينى من التأديب الإلهى .

لقد اختار الرب أورشليم مدينة مقدسة له ، لكنها إذ أخطأت وعصت وأصرت على عدم التوبة ، صار تأديبها عظيما ، لم يسمع عنه من قبل فى كل المسكونة [ 12 ] .

" كما كتب فى شريعة موسى قد جاء علينا كل هذا الشر ،

ولم نتضرع إلى وجه الرب إلهنا ،

لنرجع من آثامنا ، ونفطن بحقك " [ 13 ] .

يعترف دانيال النبى أن تأديب الرب حل بهم ، ومع هذا لم ينتفعوا من هذا التأديب ، لم يتضرعوا إلى وجه الرب ، حقا لقد مارسوا صلوات كثيرة سواء الذين بقوا فى مدن إسرائيل ويهوذا أو الذين سبوا ، مارسوا الشكليات الظاهرة فى رياء ، أما قلوبهم فلم ترتفع نحو السماء ، ولا دخلت فى حوار حى مع الله . لم تصدر صلواتهم عن إيمان حى ، ولا عن حياة توبة صادقة .

لم يرجعوا عن آثامهم ، ولم يفطنوا بحق الله .

" فسهر الرب على الشر وجلبه علينا ،

لان الرب الهنا بار في كل اعماله التي عملها ،

اذ لم نسمع صوته " [ 14 ] .

" سهر الرب " يستخدم هذا الفعل ليعلن أن ما حدث من كوارث لم يأت مصادفة ، لكن الله الحارس للنفس والمهتم بخلاصها يسمح بحكمته أن تحل الضيقة أو ما نظنه شرا . لقد أطال أناته إلى أجيال طويلة ، وفى الوقت المناسب سمح بالسبى لبنيان شعبه بالتأديب ، حتى وإن بدى قاسيا .

" والآن ايها السيد الهنا ،

الذي اخرجت شعبك من ارض مصر بيد قوية ،

وجعلت لنفسك اسما كما هو هذا اليوم ،

قد اخطأنا عملنا شرا " [ 15 ] .

إذ اعترف دانيال النبى عن خطاياه وخطايا شعبه ، كما اعترف أنه بعدل سقطوا تحت التأديب ، يعلن عن ثقته فى الله مخلص شعبه ، إذ حمل خبرة الخلاص حين أخرج الشعب من أرض مصر بيد قوية ، الآن يستطيع أن يخرج بهم من بابل ، لكى يتمجد اسمه القدوس . آمن دانيال النبى أن الله الذى عمل فى القديم لا يزال يعمل الآن .

" يا سيد حسب كل رحمتك ،

اصرف سخطك وغضبك عن مدينتك اورشليم جبل قدسك ،

اذ لخطايانا ولآثام آبائنا صارت اورشليم وشعبك ،

عارا عند جميع الذين حولنا " [ 16 ] .

إن كانت خطايانا عظيمة وشرورنا كثيرة ونستحق الموت مئات المرات ، لكن مراحمك أيضا غير محصاة ، لذا نطلب " كل " رحمتك .

إذ ندخل بجرأة أمام عرش رحمتك ، تصرف غضبك عن مدينتك التى نعتز بها ، وعن جبل قدسك الذى اخترته لنتقدس نحن فيه ، إذ عليه نقدم لك الذبائح المرضية أمامك .

" فاسمع الآن يا الهنا صلاة عبدك وتضرعاته ،

واضئ بوجهك على مقدسك الخرب من اجل السيد " [ 17 ] .

كأنه يقول له : قدم لنا الدليل على مصالحتك لنا بإشراق نور وجهك علينا ، فنضىء بك . لم يطلب من الله أن يسمح لهم ببناء الهيكل الذى خرب ، وإنما أن يشرق بنوره على الهيكل ، فإنه ليس بالحجارة يبنى بيت الرب ، بل بسكناه فيه ورضاه على شعبه .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




سفـــــر دانيـــال Empty
مُساهمةموضوع: رد: سفـــــر دانيـــال   سفـــــر دانيـــال Icon_minitimeالجمعة فبراير 23, 2007 11:26 pm



يختم الصلاة بطلب تدخل الله السريع ليس عن شعور بالأستحقاق وإنما من أجل نعمة الله :

· " كل رحمة الله " [ 16 ] ... فمراحم الله عظيمة [ 18 ] ، ومتسعة وتغفر كل خطايانا وعصياننا .

· " من أجل مدينة الله جبل قدسه " [ 16 ] ، فقد صارت فى عار بسبب خطايانا ، لكنها هى مدينة الله وجبل قدسه .

· " من أجل السيد " [ 17 ] ، أى من أجل الله نفسه .

· " من أجل اسمه " الذى دعى على الشعب وعلى المدينة .



" أمل اذنك يا الهي واسمع ،

افتح عينيك وانظر خربنا والمدينة التي دعي اسمك عليها ،

لانه لا لاجل برنا نطرح تضرعاتنا امام وجهك ،

بل لاجل مراحمك العظيمة.

يا سيد اسمع يا سيد اغفر يا سيد اصغ واصنع.

لا تؤخر من اجل نفسك يا الهي ،

لان اسمك دعي على مدينتك وعلى شعبك " [ 18 – 19 ] .

لا يطلب من الله أن يستمع إليه وينظر إلى الخراب الذى حل بالمدينة ، إنما يطلب أن يميل الله بأذنه إليه . وأن يفتح عينيه ليرى . فإننا إذ نخطىء نشعر كأن الله يتجاهلنا تماما ، يبتعد بأذنيه كى لا يسمع ، ويغمض عينيه لكى لا يرى .

الآن يطلب دانيال باسم الشعب أن يغفر دون تأجيل ، فإنهم يطلبون التمتع بصلاحه ومراحمه .

لم يذكر الكتاب شيئا عن خطايا شخصية ارتكبها دانيال ، لكن هذا لا يمنعه من التوبة مع الشعب بشكل جماعى ، إذ يقول : " اعترف بخطيتى وخطية شعبى " ع 20 .



( 3 ) استجابة الصلاة :

" وبينما انا اتكلم واصلّي واعترف بخطيتي وخطية شعبي اسرائيل ،

واطرح تضرعي امام الرب الهي عن جبل قدس الهي " [ 20 ] .

+ يقول القديس جيروم : [ كما سبق وعرفنا أن دانيال لم يفكر فى خطايا الشعب فقط بل وفى خطاياه بكونه واحدا من الشعب ، أو فعل هذا بطريق الأتضاع ، فإنه وإن لم يكن قد ارتكب خطايا شخصية ، لكن هدفه هو نوال العفو بإتضاعه ] .



" وانا متكلم بعد بالصلاة ،

اذا بالرجل جبرائيل الذي رأيته في الرؤيا في الابتداء مطارا واغفا لمسني عند وقت تقدمة المساء .

وفهمني وتكلم معي وقال :

يا دانيال اني خرجت الآن لاعلمك الفهم.

في ابتداء تضرعاتك خرج الامر ،

وانا جئت لاخبرك لانك انت محبوب.

فتأمل الكلام وافهم الرؤيا " [ 21 – 23 ] .

يكشف دانيال النبى عن حب الله الفائق الذى يستمع إلى صلاته ، ويقبل اعترافه عن خطاياه وخطايا شعبه ، وينصت إلى تضرعه من أجل جبل قدس الرب ، أى من أجل مدينة أورشليم والهيكل وكل المقدسات الإلهية .

يسر الله بالمؤمنين المتضعين الذين يعترفون بضعفاتهم ، والذين فى غيرة متقدة ، لا يطلبون لأجل أنفسهم ، بل لأجل الغير ، كما لأجل المقدسات الإلهية .

- العجيب أن رئيس الملائكة جبرائيل يقول له : " فى ابتداء تضرعاتك خرج الأمر " [ 23 ] ، أى فى بدء الصلاة ، لأن الله استجاب لقلب دانيال قبل أن يعبر عما فيه بشفتيه .

- أرسل الله إليه رئيس ملائكة طائرا بسرعة ! اهتمام الهي عجيب . هنا لأول مرة نسمع عن أجنحة الملائكة أو أنها كائنات طائرة .

- " عند وقت تقدمة المساء " أى فى وقت الساعة الثالثة بعد الظهر . كان دانيال مسبيا منذ قرابة سبعين عاما ، لم ير ذبيحة المساء ، التى كان الكهنة يقدمونها فى هيكل الرب . لكن السنوات الطويلة لم تسحب قلبه عن الذبيحة ، ولم تحرمه عن التمتع ببركة بيت الرب الذى تهدمت حجارته ! .

- كشف رئيس الملائكة جبرائيل لدانيال عن مركزه لدى الله إذ يقول :

- " لأنك أنت محبوب جدا " [ 23 ] ، وبالمعنى الحرفى للكلمة العبرية " الرجل الذى يرغب فيه الله " ، أى موضع سرور الله .

- قدم له وصية إلهية : " فتأمل الكلام وافهم الرؤيا " [ 23 ] .


( 4 ) رؤيا السبعين أسبوعا



مقدمة :

لهذه الرؤيا أهميتها الخاصة عند اليهود كما عند المسيحيين ، وقد اتفق الفريقان على أن اليوم هنا يشير إلى سنة ، والأسبوع إلى سبع سنوات ، وكما جاء فى سفر اللاويين : " تعد لك سبعة سبوت سنين ، سبع سنين سبع مرات ... " لا 25 : 8 .
أولا : غاية الرؤيا



الكل يتفق أن مركز الرؤيا كله هو شخص السيد المسيح .

" سبعون اسبوعا قضيت على شعبك ،

وعلى مدينتك المقدسة ،

لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الاثم ،

وليؤتى بالبر الابدي ولختم الرؤيا والنبوة ولمسح قدوس القدوسين " [ 24 ] .

حددت هذه المدة ( سبعون أسبوعا ) لتحقيق غرض خاص له ست نتائج ، ثلاثة منها سلبية ، والثلاثة الأخرى إيجابية ، وقد تحققت هذه كلها فعلا بمجىء السيد المسيح :

أ - تكميل المعصية : أى إزالتها من أمام عينى الله ، وذلك بالكرازة بإنجيل الخلاص والتمتع بعطية الروح القدس التى وهبها الله لكنيسته فى استحقاقات الدم الثمين ، إذ صارت معصيتنا كأنها غير موجودة أمام الله .

ب – تتميم الخطايا : وتترجم " إنهاء " . إذ قدم السيد المسيح نفسه ذبيحة خطية مرة واحدة عن العالم كله ، هذا الذى لا يوجد عيب فى نفسه أو فى جسده ..

جـ - لكفارة الإثم : وتعنى ضمنا أن الضرورة تقتضى تقديم ذبيحة للمصالحة أو الكفارة .



الآن يحدثنا عن النتائج الإيجابية :

د – جلب البر الأبدى ، الذى يجلب سلاما دائما ، حيث يأتى به المسيا ويقدمه هبة إلهية ، يقدم نفسه برا فنتبرر به .

هـ - الختم على الرؤيا والنبوة : حيث تتحقق نبوات العهد القديم والرؤى الواردة فيه بمجىء المسيا ، والإعلان عن شخصه وعمله الفدائى ومجده الأبدى .

و – مسح قدوس القديسين ، إذ قدس ذاته لأجلنا ، مقدما نفسه رئيس كهنة وذبيحة فريدة وشفيعا عنا . وكما يقول السيد المسيح فى صلاته الوداعية : " لأجلهم أقدس أنا ذاتى ليكونوا هم مقدسين فى الحق " يو 17 : 19 .

لاحظ القديس جيروم أن الله يقول لدانيال النبى : " شعبك ، مدينتك المقدسة " ولم يقل : " شعبى ، مدينتى المقدسة " ، ذلك لأن الله قد طلق شعبه ، ورفض مدينتهم بسبب معاصيهم . أصبح شعبا مرفوضا ومدينة تحت التأديب !

ثانيا : مراحل السبعين أسبوعا الثلاث :

" فاعلم وافهم انه من خروج الامر لتجديد اورشليم وبنائها الى المسيح الرئيس سبعة اسابيع ،

واثنان وستون اسبوعا يعود ويبنى سوق وخليج في ضيق الأزمنة.

وبعد اثنين وستين اسبوعا يقطع المسيح وليس له وشعب رئيس آت يخرب المدينة والقدس وانتهاؤه بغمارة والى النهاية حرب وخرب قضي بها.

ويثبت عهدا مع كثيرين في اسبوع واحد ،

وفي وسط الاسبوع يبطل الذبيحة والتقدمة ،

وعلى جناح الارجاس مخرب حتى يتم ويصبّ المقضي على المخرب " [ 24 – 27 ] .

لقد حدد الله وقتا معينا لمجىء كلمة الله المتجسد إلى العالم ، وبحكمة فائقة حدد الساعة التى يولد فيها المسيا ، واللحظة التى فيها يقدم حياته كفارة عن خطايا العالم ، فإن مجىء السيد وعمله الخلاصى هما فى عينى الله مركز التاريخ ، وعصب العناية الإلهية ، وإكليل النعمة .

جاءت هذه النبوة أشبه بكوكب مضىء فى وسط أحزان المسبيين الذين يعانون من ظلمة الحزن القاتل .

لقد فهم كثيرون النبوة ، حتى أنه عندما جاء المسيح كان هناك توقعا عاما بين اليهود عن مجىء المسيا .

سمعان الشيخ ، ......

وحنة النبية ، .......

بل والسامريون كانوا يتوقعون قرب مجيئه كما يظهر من حديث المرأة السامرية : " أنا أعلم أن مسيا الذى يقال له المسيح يأتى " يو 4 : 25 .

حتى بين الأمم كان يترقب البعض مجيئه كما حدث مع المجوس الذين رأوا نجمه .
ثالثا : ما هو معنى الأسبوع ؟



جاءت كلمة أسبوع فى العبرية ، لا بمعنى سبعة أيام ، بل وحدة من سبعة ..

وقد أجمع علماء ومفسرو اليهود والمسيحيون فى تفسيرهم لهذه النبوة ، مع اختلاف اتجاهاتهم ، على أن عبارة " سبعون أسبوعا " تعنى سبعين وحدة من سبعات ، وهى بهذا تعنى سبعين أسبوعا من السنين . رأى غالبية المفسرين أن هذه الفترة تبدأ فيما بين 457 ، 445 ق . م . وتنتهى فيما بين 26 ، 70 م .



رابعا : المراسيم الخاصة بالعودة إلى أورشليم وإعادة بناء الهيكل وأورشليم :

صدرت ثلاثة مراسيم أو أوامر ملكية خاصة بالعودة إلى أورشليم وإعادة بناء الهيكل وأورشليم :

المرسوم الأول : أصدره كورش عام 538 ق . م . .. بعد استيلائه على بابل ( إش 44 : 8 ، 45 : 1 ؛ عز 1 : 1 - 2 ؛ 2 أى 36 : 22 ، 23 ) .

يليق بنا أن نلاحظ أن كورش أصدر أمرا ببناء الهيكل فقط لكنه لم يصدر أمرا بتجديد مدينة أورشليم وبنائها .

يوجد بين الأمرين فرق عظيم ، فبناء الهيكل يعتبر نهاية مدة السبى وهى 70 سنة .

المرسوم الثانى : أصدره الملك أرتحشستا الأول عام 457 ق . م . وحمله عزرا الكاهن والكاتب ( عز 8 ) بعد حوالى 80 عاما من العودة الأولى .

سمح المرسوم للراغبين من اليهود أن يعودوا إلى أورشليم ( عز 7 : 13 ) ، وتنظيم القضاء وتطبيق شريعة موسى ( عز 7 : 7 ) ، وترتيب الأمور المالية الخاصة بالهيكل ( عز 7 : 15 ، 20 ) .

كان اهتمام عزرا هو إعادة بناء الشعب نفسه أخلاقيا وروحيا ( 7 : 9 ) .

للأسف لم يقدم التاريخ لنا شيئا عما حدث من إصلاحات خاصة بالبناء ، .. هذا ما يظهر مما قاله فيما بعد حنانى لنحميا : " هناك فى البلاد هم فى شر عظيم وعار ، وسور أورشليم منهدم ، وأبوابها محروقة بالنار " نح 1 : 3 .

المرسوم الثالث : أصدره ارتحشستا الأول فى 445 ق . م . ، حمله نحميا ، ساقى الملك ( نح 1 : 11 ) ، وقام نحميا ببناء سور أورشليم وبناء المدينة إذ يقول للملك : " إذا سر الملك ، وإذا أحسن عبدك أمامك ترسلنى إلى يهوذا ، إلى مدينة قبور آبائى فأبنيها " نح 2 : 5 .
خامسا :حسابات المراحل الثلاث



طالب دانيال النبى – بإيمان – أن يحقق الله مواعيده ، وهى عودة الشعب بعد سبعين عاما من السبى ، فإذا بالله يقدم له ما هو أعظم ، يتحقق لا بعد 70 سنة بل بعد سبوتها ( 70 × 7 = 490 سنة ) ، فيتمتع هو وكل البشرية بسبت جديد ، وراحة فائقة وبر الله ، وهيأها لها عبر الأجيال ، واشتهاها الآباء والأنبياء وهى رجوع البشرية إلى الله خلال عمل الله الخلاصى . وذلك بتجسد الكلمة وتقديم ذاته كفارة عن خطايا العالم .

لقد حدد موعد مجىء هذا المخلص وصلبه كما كشف عن أحداث مجيئه الأخير .

وقد قسمت المدة هكذا :

أولا : 7 أسابيع ، أى 7 × 7 = 49 عاما ، وهى الفترة ما بين صدور الأمر بإصلاح الهيكل وبناء السور بواسطة منشور أرتحشستا الأول سنة 445 ق . م .

ثانيا : 62 أسبوعا ( 62 × 7 = 434 عاما ) . هذه الفترة التى تبلغ أربعة قرون تمثل أظلم فترات الشعب روحيا ، إذ لم يوجد فيها أنبياء إلى ظهور القديس يوحنا المعمدان ، فحسبوا بحق جالسين فى الظلمة حتى يشرق عليهم شمس البر بصليبه .

[ من هنا نفهم معنى قول السيدة العذراء للسيد المسيح فى عرس قانا الجليل : " ليس لهم خمر ... !! " ] ...


إذ جاء فى ع 27 أن إبطال الذبيحة الحيوانية فى وسط الأسبوع ، أى فى وسط الأسبوع الأخير من الـ 69 أسبوعا فيعنى هذا أن الصلب يتم فى الأسبوع 68 ونصف ، أى بعد ( 68 ونصف ×7 ) 479 عاما ونصف ، من صدور المنشور بالعمل بتجديد الهيكل بواسطة نحميا ( عام 455 ق . م . ) ، بهذا يكون الصلب بعد 33 سنة ونصف من الميلاد وهذا تحقق ، إذ صلب السيد المسيح وهو فى هذا السن . أما نهاية الأسبوع الأخير فيكون بعد الصلب بحوالى 35 عاما ( 3 ونصف عاما )، أى حوالى سنة 70 م حيث نقض الهيكل تماما على يد تيطس الرومانى .

ثالثا : الأسبوع السبعون ، أو الأسبوع الأخير " ويثبت عهدا مع كثيرين فى أسبوع واحد وفى وسط الأسبوع يبطل الذبيحة والتقدمة ... " [ ع 27 ] .

يوجد رأى أو تأمل فى تفسير هذه الآية بأن هذا الأسبوع يشير إلى اسبوع الآلام بأيامه السبعة حيث دخل السيد المسيح إلى الهيكل يوم الأحد كحمل وأخرج الخراف ( التى كانت ترمز إليه ) ، وظل يبيت فى بيت عنيا كأنه تحت الحفظ إلى اليوم الرابع عشر ( الخميس ) حيث عمل الفصح الأخير مع تلاميذه وأبطله .

وكان العشاء حيث قدم لتلاميذه ذبيحة العهد الجديد بجسده ودمه المتحولان من الخبز والخمر كطقس ملكى صادق .

+ + +
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




سفـــــر دانيـــال Empty
مُساهمةموضوع: دانيال – الإصحاح العاشر   سفـــــر دانيـــال Icon_minitimeالسبت فبراير 24, 2007 5:09 am



دانيال – الإصحاح العاشر
رؤية مجد الله



تقدم الإصحاحات 10 – 12 الرؤيا الرابعة والأخيرة لدانيال النبى

ص 10 : افتتاحية للرؤيا ، تصف ظهور ملاك أو ربما كلمة الله نفسه لدانيال ودخوله فى حوار معه .

ص 11 : الرؤيا ذاتها ، تقدم نبوات خاصة بالعلاقة بين بطالسة مصر والسلوقيين بسوريا ، وتنتهى بموت أنطيوخس .

ص 12 : خاتمة الرؤيا ، تحدثنا عن الضيقة العظيمة ونهاية الأزمنة .

فى الإصحاح السابق قدم لنا رؤياه الخاصة بالسبعين أسبوعا التى حددت موعد مجىء السيد المسيح لتحرير المؤمنين به كما وجهت أنظارنا إلى مجيئه الثانى أو الأخير ، الآن يؤكد لنا النبى فى الرؤيا التالية الأحداث الرئيسية ما بين العودة من بابل إلى مجىء السيد المسيح فى شىء من التفصيل ، وفى دقة فائقة .


( 1 ) تاريخ الرؤيا



" في السنة الثالثة لكورش ملك فارس كشف امر لدانيال الذي سمي باسم بلطشاصر.

والامر حق والجهاد عظيم وفهم الأمر ،

وله معرفة الرؤيا " [ 1 ] .

فى السنة الثالثة من ملك كورش ملك فارس . بمقارنة ذلك بما جاء فى دانيال 1 : 21 " وكان إلى السنة الأولى لكورش الملك " يفهم أن دانيال أحيل على المعاش وترك الخدمة فى الثمانين من عمره ، بعد تولى كورش الملك بسنة واحدة .

أما سبب عدم رجوعه إلى أورشليم مع زربابل ، بل بقى فى بابل ، فلم يخبرنا عنه الكتاب ، ربما بأمر الهي ليتمم رسالة خاصة بخدمة شعبه يمارسها وهو فى أرض السبى .

وهبت له هذه الرؤيا بعد عامين من تركه العمل ، قبيل نياحته . وقد تأكد أن ما يراه سيحققه الله حتما ( رؤ 22 : 6 ) ، إذ يقول : " الأمر حق " ، لا يوجد مجال للشك ، بالرغم من أن الأحداث غير متوقعة . على أى الأحوال قرر دانيال أن الزمن المحدد طويل . يرى البعض أن الزمن طويل لأن الرؤيا الرابعة ( ص 10 – 12 ) تمتد إلى قيامة الأموات وانقضاء الدهر .

بالنسبة للرؤيا السابقة كان دانيال مرتبكا وغير قادر على فهمها ، أما هذه النبوة فيؤكد أنه قد فهمها تماما .


( 2 ) تمتعه بالرؤيا



أ – فترة صوم وندامة

" في تلك الايام انا دانيال كنت نائحا ثلاثة اسابيع ايام.

لم آكل طعاما شهيّا ولم يدخل في فمي لحم ولا خمر،

ولم ادهن حتى تمت ثلاثة اسابيع ايام " [ 2 ] .

صام دانيال ثلاثة أسابيع كاملة ، حقا لقد عاد البعض إلى أرض الموعد ، لكنهم صاروا فى عار وخزى ، غير قادرين على إعادة الحياة الروحية فى بلدهم . ولعله أيضا سمع عن عدم مبالاة الراجعين إلى أورشليم بشأن بناء الهيكل ، بيت الرب .

يميز بين الأسبوع فى الرؤيا السابقة كرمز لسبع سنوات وبين الأسبوع هنا إذ يدعوه " اسبوع أيام " أى بمعناه الحرفى لا الرمزى .

" وفي اليوم الرابع والعشرين من الشهر الاول اذ كنت على جانب النهر

العظيم هو دجلة " [ 4 ] .

يرى البعض أنه رأى نفسه فى الرؤيا على شاطىء نهر الدجلة ، ولم يكن بالفعل هكذا ، ولا قاطنا فى هذه المنطقة ، والبعض يرى أن ذلك تم حرفيا حسب كلام الرؤيا ..

عوض العيد كان دانيال حزينا وصائما ، لا يأكل لحما ولا يشرب خمرا ولا يدهن بزيت كعادة الفارسيين ، ظهرت له الرؤيا وهو يبكى على خطايا شعبه .

كانت هذه الرؤيا فى اليوم الرابع والعشرين من الشهر الأول ، أى فى عيد الفطير ( خر 12 : 18 ) الذى يأتى بعد الفصح مباشرة لمدة أسبوع .

" رفعت عينيّ ونظرت فاذا برجل لابس كتانا وحقواه متنطقان بذهب اوفاز .

وجسمه كالزبرجد ووجهه كمنظر البرق ،

وعيناه كمصباحي نار ،

وذراعاه ورجلاه كعين النحاس المصقول ،

وصوت كلامه كصوت جمهور " [ 5 ، 6 ] .

كلمة أوفاز تعنى " نقيا " – يرى البعض أن اللباس الكتانى هنا يشير إلى كهنوت السيد المسيح ، والمنطقة الذهبية إلى العمل الرعوى للسيد المسيح . فقد اعتادوا فى الشرق أن يلبسوا مناطق على الحقوين ، لأن ثيابهم طويلة تبلغ إلى القدمين فتعوق حركتهم . فالمنطقة ترفع الثوب وتساعد الإنسان على الخدمة وسرعة الحركة .

جسمه كالزبرجد ، وهو أحد الأحجار الكريمة التى توضع على صدر رئيس الكهنة ضمن 12 حجرا يمثلون أسباط إسرائيل الأثنى عشر . فإننا وقد صرنا سبطا واحدا ننتسب إلى سبط يهوذا ( روحيا ) ، وصرنا أعضاء فى جسد السيد المسيح ، فإننا لا نجد أنفسنا على صدرية المخلص ، بل بالحرى أعضاء جسده ، لنا حق الدخول إلى الأقداس السماوية مع الرأس السماوى .

كان صوته كصوت جمهور عظيم ، شاهد دانيال النبى شخصا أوصافه تطابق ما ورد عن السيد المسيح فى رؤيا القديس يوحنا اللاهوتى ( رؤ 1 : 13 – 15 ) . يرى البعض أنه نظر ملاكا قديرا ، بينما يرى آخرون أنه كلمة الله قبل التجسد . فإن كان نائحا على خطايا شعبه ظهر له ذاك الذى يحمل خطايا العالم كله .

" فرأيت انا دانيال الرؤيا وحدي ،

والرجال الذين كانوا معي لم يروا الرؤيا ،

لكن وقع عليهم ارتعاد عظيم فهربوا ليختبئوا.

فبقيت انا وحدي ورأيت هذه الرؤيا العظيمة ،

ولم تبق فيّ قوة ونضارتي تحولت فيّ الى فساد ،

ولم اضبط قوة.

وسمعت صوت كلامه ولما سمعت صوت كلامه ،

كنت مسبّخا على وجهي ووجهي الى الارض " [ 7 – 9 ] .

أدرك دانيال – وهو أفضل من كان فى زمانه – أن كماله قد تحول كما إلى فساد فلم يفتخر ببر ذاتى ، إذ غلبه مجد الرب سقط النبى على الأرض كمن قد فقد وعيه وخارت قواه تماما ، لكنه أدرك صوت الرب .

وقع خوف على الذين كانوا مع دانيال النبى وهربوا ليختبئوا ، لقد ارتعبوا .

هذا ما حدث مع شاول الطرسوسى فى الطريق إلى دمشق حيث رأى وسمع ، فتحدث مع يسوع المسيح الذى ظهر له فى السماء ، أما الذين حوله فرأوا وكأنهم لم يروا وسمعوا صوتا ولم يفهموا شيئا ..

لقد سمح الله لهؤلاء أن يكونوا مع دانيال وقت الرؤيا ، حتى لا يظن أحد أن ما أعلنه دانيال كان وهما أو تخيلا .


( 3 ) خدمة ملائكية



" واذ بيد لمستني ،

واقامتني مرتجفا على ركبتيّ وعلى كفيّ يديّ " [ 10 ] .

واضح أن دانيال شاهد الرؤيا وهو منبطح على الأرض ، وكان مستندا على ركبتيه ويديه ، وكان محتاجا إلى عون سماوى ليقيمه .

" وقال لي يا دانيال ايها الرجل المحبوب ( جدا ) ،

افهم الكلام الذي اكلمك به ،

وقم على مقامك ،

لاني الآن أرسلت اليك.

ولما تكلم معي بهذا الكلام قمت مرتعدا " [ 11 ] .

لمست يد سمائية دانيال وأقامته ، ربما كانت يد رئيس الملائكة جبرائيل الذى يفسر الرؤى ( 9 : 23 ) ، هذا الذى يدعو دانيال بالمحبوب جدا ، لتشجيعه ومساندته .

" فقال لي لا تخف يا دانيال ،

لانه من اليوم الاول الذي فيه جعلت قلبك للفهم ولاذلال نفسك قدام الهك سمع كلامك ،

وانا اتيت لاجل كلامك " [ 12 ] .

تمتع دانيال بعطايا إلهية مجانية ، لكن ليس وهو متهاون فى حياته ، يحيا لا بروح الترف والتدليل ، بل بروح الجدية ، ملتجئا إلى الله واهب الفهم والمعرفة .

" ورئيس مملكة فارس وقف مقابلي واحدا وعشرين يوما ،

وهوذا ميخائيل واحد من الرؤساء الاولين جاء لاعانتي ،

وانا أبقيت هناك عند ملوك فارس

وجئت لافهمك ما يصيب شعبك

في الايام الاخيرة لان الرؤيا الى ايام بعد " [ 13، 14 ] .

يبرر الملاك سبب تأخيره 21 يوما أو ثلاثة أسابيع ، وهى الأسابيع التى كان فيها دانيال النبى صائما ومتذللا أمام الله ، لكن لم يعرف دانيال ذلك حتى تمت الثلاثة أسابيع ، فقد كان الملاك يعمل لصالح النبى وهو لا يدرى .

أوضح رئيس الملائكة جبرائيل سر تأخره فى الإجابة على صلاته ، إذ له ثلاثة أسابيع يقاوم " رئيس مملكة فارس " حتى جاء رئيس الملائكة ميخائيل ، شفيع شعب الله ومعينا له ، لا يقصد هنا رئيس مملكة فارس ( الشخص ) ، بل الشيطان الذى يحركه .

هذا الحديث يكشف عن روح العمل الجماعى حتى بين السمائيين ، وأيضا يعلن عن اهتمام الله بشعبه ، فيرسل لا رئيس ملائكة واحد بل أكثر من أجل شعبه .



( 4 ) خدمة إلهية :

" فلما تكلم معي بمثل هذا الكلام جعلت وجهي الى الارض وصمت.

وهوذا كشبه بني آدم لمس شفتي ،

ففتحت فمي وتكلمت وقلت للواقف امامي :

يا سيدي بالرؤيا انقلبت عليّ اوجاعي فما ضبطت قوّة.

فكيف يستطيع عبد سيدي هذا ان يتكلم مع سيدي هذا ،

وانا فحالا لم تثبت فيّ قوّة ولم تبق فيّ نسمة ؟! [ 15 – 17 ] .

إذ غلب دانيال بالضعف مرة أخرى سقط على الأرض . وبلطف اهتم الله به ، لكن دانيال كان عاجزا عن الحديث حتى فتح الرب شفتيه ، إذ جعل ملاكه يمس شفتيه ..

يرى البعض أن الذى ظهر فى شبه بنى آدم هو كلمة الله الذى لمسنا بحبه الإلهى ، وأعطانا قوة للدخول معه فى حوار مفتوح .



مقدمة للنبوة الأخيرة :

" فعاد ولمسني كمنظر انسان وقوّاني.

وقال لا تخف ايها الرجل المحبوب ،

سلام لك.

تشدد، تقوّ .

ولما كلمني تقويت وقلت : ليتكلم سيدي لانك قوّيتني " [ 18 ، 19 ] .

كان دانيال محتاجا إلى عمل سماوى مستمر ، إذ عاد ولمسه الملاك ، ثم قواه ، مؤكدا له أنه إنسان محبوب جدا من قبل الله والسمائيين ، معطيا إياه السلام ، ومشددا إياه بالوصية الإلهية : " تشدد ، تقو " .

نحن فى حاجة إلى نمو روحى دائم ، خلال لقائنا المستمر مع الله ، وتمتعنا الدائم بالشركة مع السمائيين والقديسين .

إذ تحدث معه الملاك وتقوى لم يكتف دانيال بذلك ، بل طلب المزيد قائلا : " ليتكلم سيدى لأنك قويتنى " .

" فقال هل عرفت لماذا جئت اليك ؟

فالآن ارجع واحارب رئيس فارس " [ 20 ] .

+ ما يعنيه هو هذا : حقا أتيت لأعلمك الأمور التى تتسلمها كإجابة للصلاة ، لكننى ها أنا أعود مرة أخرى لأصارع رئيس فارس فى عينى الله ، لأنه لا يريد أن يحرر شعبك من السبى .

" .فاذا خرجت هوذا رئيس اليونان ياتي.

ولكني اخبرك بالمرسوم في كتاب الحق.

ولا احد يتمسك معي على هؤلاء الا ميخائيل رئيسكم " [ 21 ] .

أرسل الرب الملاك لدانيال حيث تحدث معه عن رئيس ثان ، هنا يتحدث عن اليونانيين . كما أعلن أن الشيطان يبعث بملائكته الأشرار لإثارة الأمم للشر ، وهو يقوم بخطة محكمة

لقد أكد الملاك له وجود خطة إلهية سماوية يحتفظ بها الله ، ويعلنها لنا تدريجيا ، وأن الله قد عهد لميخائيل رئيس الملائكة حماية شعبه ضد قوى إبليس وملائكته الأشرار .

إن إرسالية الله لملائكته لحماية الكنيسة مستمرة لأن قوى الشر لا تتوقف .
+ + +
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




سفـــــر دانيـــال Empty
مُساهمةموضوع: دانيال – حادى عشر -الرؤيا الأخيرة   سفـــــر دانيـــال Icon_minitimeالسبت فبراير 24, 2007 5:14 am



دانيال – حادى عشر
الرؤيا الأخيرة
عن
فارس واليونان ونهاية الأزمنة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


يحوى هذا الإصحاح تفاصيل نبوية عجيبة لأحداث العالم تخص شعب الله لمدة تزيد عن ثلاثة قرون جاءت مطابقة تماما للأحداث التاريخية . إنها تطابق تماما التاريخ العلمانى لملوك مصر وسوريا لأكثر من 350 عاما . الآيات 5 إلى 31 تقدم لنا نبوات عن الحروب التى نشبت بين ملوك الشمال ( سوريا ) وملوك الجنوب ( مصر ) .


( 1 ) نبوات عن فارس



" وانا في السنة الاولى لداريوس المادي وقفت لاشدّده واقويه " [ 1 ] .

يظن البعض أن الحديث هنا عن مساندة رئيس الملائكة ميخائيل لرئيس الملائكة جبرائيل ، ولكن هذا غير مقبول هنا . إنما الحديث لرئيس جبرائيل الذى وقف بجانب داريوس الملك وقواه لكى يسند كورش ملك فارس ضد بابل . بمعنى آخر إن كان بعض ملوك فارس يقاومون الله فى شعبه فإن ما نالوه من نصرات هو بسماح الهي ، وبقوة قدمت لهم خلال ملائكة الله . هنا لا يفتخر الملاك بقوته وإمكانياته الخاصة ، إنما يتحدث كوكيل الله ، وبأسم الله العامل بملائكته .

" والآن اخبرك بالحق.

هوذا ثلاثة ملوك ايضا يقومون في فارس ،

والرابع يستغني بغنى اوفر من جميعهم وحسب قوّته بغناه يهيّج الجميع على مملكة اليونان " [ 2 ] .

غاية ما ورد فى هذا الإصحاح من نبوات تخص مملكتى فارس واليونان ثم الصراع بين مصر وسوريا ، ليس أن نستعرض أحداثا مستقبلية تثير فى النبى حب الأستطلاع ، وإنما تعلن عن عناية الله بكنيسته ، وتحث المؤمنين على الإتكال على الله والثقة فى عنايته الإلهية حتى فى اللحظات الحرجة .

حقا يبدو من الظاهر وجود صراعات عالمية بين الدول العظمى مثل بابل وفارس ومادى واليونان ، وبين شقين من الأمبراطورية اليونانية وهى دولة البطالسة ودولة السلوقيين ، لكن وراء هذه الأحداث يد الله الخفية التى تحول كل مجريات الأمور لبنيان كنيسته ، وأن الله يعطى لعهده مع شعبه أولوية خاصة حتى وإن لم يلحظ أحد ذلك .

تحدث رئيس الملائكة عن ملك رابع فاق ثلاثة ملوك سابقين له هم [ قمبيز بن كورش ( 527 – 522 ق . م . ) ، والمدعو سميردس ( 522 – 521 ق . م . ) ، داريوس هيستاسبس ( 521 – 486 ق . م . ) ] .

كان غنيا جدا ، هو أحشويرش بن داريوس ( 480 – 465 ق . م . ) الذى تزوج أستير .

كان جيشه ضخما جدا ، لكن ضخامته أفقدته السيطرة والقدرة على تنظيمه ، وانهزم فى موقعة سلاميس .

اعتبر الملاك ما تبقى من ملوك فارس أشبه بالساقطين ، إذ انحدرت دولة فارس وتحطمت نفسية الشعب وصار الملوك فيما بعد كأن لا كيان لهم حتى تسلط الأسكندر المقدونى على العالم .


( 2 ) نبوات خاصة باليونانيين



" ويقوم ملك جبار ويتسلط تسلطا عظيما ويفعل حسب ارادته.

وكقيامه تنكسر مملكته وتنقسم الى رياح السماء الاربع ،

ولا لعقبه ولا حسب سلطانه الذي تسلط به ،

لأن مملكته تنقرض وتكون لأخرين غير أولئك " [ 3 – 4 ] .

يشير بكل وضوح إلى أنه فى الوقت المناسب يقوم الأسكندر الأكبر ( 356 – 323 ق . م .) وبقدرة عظيمة يهزم فارس وغيرها من الدول .

مات فجأة فى بابل بعد فتوحات ونصرات متوالية وسريعة ، لكنه سكر بالنجاح الفائق والغنى ، ومات وهو مخمور . لا يعلم أحد إن كان قد مات بمرض أو مات مسموما .

" لأن مملكته تنقرض ، وتكون لآخرين غير أولئك " [ 4 ] . فى دقة تحققت هذه النبوة حرفيا إذ لم يرث أحد أبنائه العرش ، تسلم العرشقواد غرباء ، مع أنه كان له إبنان هما هيراقليوس والأسكندر الثانى ، لكن لم يتولى أحدهما الحكم بل قتلا ، أحدهما قبل موت أبيه والآخر بعده .

هذا كله أعلنه الملاك لدانيال النبى قبل ولادة الإسكندر الأكبر بسنين كثيرة .


( 3 ) نبوات خاصة عن الصراع بين مصر وسوريا



هذا القسم يغطى فترة زمنية طويلة ، حوالى قرنين من الزمان ، وعندما يتحدث عن ملك الشمال أو ملك الجنوب لا يقصد ملكا معينا واحدا لكل من الدولتين .

أ – الحرب الأولى

" ويتقوى ملك الجنوب .

ومن رؤسائه من يقوى عليه ويتسلط ،

تسلط عظيم تسلطه " [ 5 ] .

كان أول ملك للجنوب ( مصر ) قويا هو وإمرأته ، وهو بطليموس لاغوس الأول ( 323 – 285 ق.م. ) أما المقصود بأحد رؤسائه الذى صار أقوى منه وأكثر سلطة ، فيقول عنه القديس جيروم : [ ... هو بطليموس فيلادلفيوس ، ملك مصر الثانى ، وإبن بطليموس السابق ذكره ، قيل أنه فى عهده قام السبعون بترجمة الكتاب المقدس إلى اليونانية ] . لقد أرسل أيضا كنوزا كثيرة إلى أورشليم إلى أليعازر رئيس الكهنة وأرسل أوان للهيكل .

" وبعد سنين يتعاهدان ،

وبنت ملك الجنوب تأتي الى ملك الشمال لاجراء الاتفاق ،

ولكن لا تضبط الذراع قوة ،

ولا يقوم هو ولا ذراعه.

وتسلّم هي والذين اتوا بها والذي ولدها ومن قوّاها في تلك الاوقات " [ 6 ] .

يتنبأ عن أواخر الأيام حيث تمت معاهدة بين ملكى مصر وسوريا عام 250 ق.م. ، وكان طريق هذه المعاهدة هو زواج ملك سوريا إبنة ملك مصر ( الأميرة بيرينيس ) .

كان هدف ملك مصر من زواج إبنته من ملك سوريا هو السيطرة على سوريا ، ولكن الخطة فشلت فى النهاية بسبب صراع الزوجات الذى أنتهى بأعمال قتل وغدر ...

لقد تحققت النبوة حرفيا ، فقد فشلت خطة ملك مصر تماما : فمن جهة لم ينل الملك مأربه بتقديم ابنته زوجة لملك سوريا ، وقتلت الإبنة ومن حولها ، وأيضا زوجها الذى كان سندا لها ، كما قتل ابنها .

ب – الحرب الثانية :

" ويقوم من فرع اصولها قائم مكانه ويأتي الى الجيش ،

ويدخل حصن ملك الشمال ويعمل بهم ويقوى.

ويسبي الى مصر آلهتهم ايضا ،

مع مسبوكاتهم وآنيتهم الثمينة من فضة وذهب ويقتصر سنين عن ملك الشمال.

فيدخل ملك الجنوب الى مملكته ويرجع الى ارضه " [ 7 – 9 ] .

يشير إلى أن فرعا من عائلة بيرنيس يأتى ويغلب ملك الشمال ، بالفعل جمع بطليموس ( الثالث ) إبرجيتس ؛ أخ بيرينيس غالبا أصغر منها ، الملك الثالث لمصر الذى خلف والده فيلادلفيوس ، جيشا عظيما للأنتقام لأخته . وبالفعل تغلب على حاكم سوريا وفتح مدنا كثيرة محصنة . وكاد أن يتسلط على كل آسيا لولا عودته لمصر بسبب تمرد حدث بها .. كما حمل إلى مصر بالإضافة للمسبيين أطنانا من الذهب والفضة ..
جـ - الحرب الثالثة



" وبنوه يتهيجون فيجمعون جمهور جيوش عظيمة ،

ويأتي آت ويغمر ويطمو ويرجع ويحارب حتى الى حصنه.

ويغتاظ ملك الجنوب ويخرج ويحاربه اي ملك الشمال ،

ويقيم جمهورا عظيما فيسلّم الجمهور في يده " [ 10 – 11 ] .

يتنبأ عن إبنى كالينيكوس ملك سوريا ، اللذين جمعا جيشا للأنتقام من المصريين بعد موت أيرجيتس .

لكن أحدهما قتل ، وانفرد أخيه أنطيوخس الكبير ملكا مرموقا ، قاد جيشا ضخما ضد مصر .

دارت معركة بين جيشى مصر وسوريا فى رفح ، وانتصر ملك مصر على حاكم سوريا ، ليس بسبب شجاعته أو قوته ، لكن الرب سمح بذلك ليكسر كبرياء الأخير .

وإذ كان متهاونا فى متابعة نصرته ، صنع سلاما مع أنطيوخس بطريقة غير كريمة :

" فاذا رفع الجمهور يرتفع قلبه ويطرح ربوات ولا يعتزّ " [ 12 ] .

بعد أن اشتهر بالنصرات ، وكان الشرق كله يخشاه ، انغمس فى السكر مع الكسل والتراخى ، ولم يعد يشغله شىء سوى الولائم والسهرات والملذات ، بهذا ارتفع قلبه إلى سحب نصراته ليسقط منطرحا فى خزى .

" فيرجع ملك الشمال ويقيم جمهورا اكثر من الاول ،

ويأتي بعد حين بعد سنين بجيش عظيم وثروة جزيلة.

وفي تلك الاوقات يقوم كثيرون على ملك الجنوب وبنو العتاة من شعبك يقومون لاثبات الرؤيا ويعثرون. " [ 13 – 14 ] .

هنا يعلن الملاك للنبى عن قيام حروب جديدة ، فبعد موت بطليموس فيلوباتير ، صارت مصر بلا ملك ، إذ كان إبنه بطليموس إبيفانس ( الخامس 203 – 181 ق.م. ) طفلا صغيرا يبلغ عمره أربع سنوات ..

ثارت المقاطعات الخاضعة لمصر وتمردت على الحكم ، وقام أنطيوخس بالهجوم على مصر وانتصر على مصر ، وصار لمصر أعداء كثيرون .
ماذا نعنى ببنى العتاة الذين من شعب دانيال يقومون لإثبات الرؤيا ؟



يرى القديس جيروم فى هذا نبوة عن رئيس الكهنة أونياس الصغير الذى خان مذبح الرب ودنسه فى أورشليم . هرب إلى مصر آخذا معه عددا كبيرا من اليهود ، فاستقبله بطليموس بكرامة عظيمة . قدم له الملك منطقة هليوبوليس ( مصر الجديدة ) ، هناك بنى مذبحا للرب ، مدعيا أنه يتمم نبوة إشعياء النبى الخاصة بإقامة مذبح للرب فى أرض مصر ( إش 19 : 19 ) ، وذلك كما أخبرنا سفر المكابيين وأيضا يوسيفوس المؤرخ . يقول القديس جيروم أن الهيكل بقى قائما حتى عصر فسبسيان لمدة 250 عاما . وقد دعيت المدينة نفسها " مدينة أونياس " ، وقد خربت أثناء الحرب بين اليهود والرومان . ولم يعد باقيا أى أثر للهيكل ولا للمدينة فى أيام القديس جيروم .


" فيأتي ملك الشمال ويقيم مترسة وياخذ المدينة الحصينة ،

فلا تقوم امامه ذراعا الجنوب ولا قومه المنتخب ولا تكون له قوة للمقاومة.

والآتي عليه يفعل كارادته وليس من يقف امامه ،

ويقوم في الارض البهيّة وهي بالتمام بيده.

ويجعل وجهه ليدخل بسلطان كل مملكته ويجعل معه صلحا ويعطيه بنت النساء ليفسدها فلا تثبت ولا تكون له " [ 15 – 17 ] .

يقول القديس جيروم إن أنطوخيوس لكى يسترد اليهودية وبعض مدن سوريا دخل فى معركة مع بطليموس ، وذلك بجوار الأردن ، وانتصر على قائد بطليموس وجلس فى أرض فلسطين ، التى صارت تحت سلطانه ، وتسمى " أرض المسرة " ويقصد بها الأرض موضع سرور الله . سبق فأعلن الله لدانيال ما سيحدث حتى متى سقطت فلسطين فى أيدى أنطيوخس العنيف لا تتحطم نفسية الأتقياء ، بل يدركوا أن الله سبق فأعلن عن ذلك . هكذا تصير هذه النبوة سبب تعزية لهم وسط الضيق والسقوط تحت الألم والأضطهاد . ولكى تصير مصر فى قبضة يده أعطى أنطيوخس ابنته الجميلة كليوباترا لبطليموس الشاب ، ظانا أنه بهذا يخضع مصر تحت سلطانه . لكنها لم تقف بجانبه [ 17 ] ، بل وقفت بجانب زوجها ، فحول وجهه من مصر إلى آسيا الصغرى بإسطوله البحرى فاستولى على كثير من الجزائر .

" ويحول وجهه إلى الجزائر ، ويأخذ كثيرا منها ،

ويزيل رئيس تعبيره فضلا عن رد تعبيره عليه " [ 18 ] .

يقصد بالجزائر آسيا الصغرى وسواحل البحر المتوسط واليونان وقبرص وجميع الجزائر بالبحر . فقد كانت عادة اليهود أن يدعو كل المناطق التى تقع بعد البحر بالجزائر ، إذ لم تكن لهم خبرة فى الشئون البحرية .

استطاع انطيوخس بجيش صغير أن يتقدم إلى آسيا الصغرى ومعه صديق اسمه هانيبال ، وأحرز انتصارات حتى وصل إلى اليونان وتزوج هناك من فتاة جميلة ، وكانت البلدان ترتعب من اسمه ، وكما يعلن الملاك لدانيال : " ويحول وجهه إلى الجزائر ، ويأخذ كثيرا منها " [ 18 ] .

وبسبب غروره ورفضه نصائح معاونيه انهزم من الرومان وردوا عليه تعييراته للرومان ، لهذا يعلن الملاك : " ويزيل رئيس تعييره فضلا عن رد تعييره عليه " [ 18 ] .

بهذا انهار انطيوخس أمام اليونان المتحالف مع الرومان .

" ويحوّل وجهه الى حصون ارضه ويعثر ويسقط ولا يوجد " [ 19 ] .

ضعف انطيوخس أمام القائد الرومانى فعاد إلى بلاده فى خيبة أمل لكى يتحصن فى بلاده بعد أن فقد الكثيرين [ 19 ] . ثم قتل فيما بعد .

" فيقوم مكانه من يعبر جابي الجزية في فخر المملكة ،

وفي ايام قليلة ينكسر لا بغضب ولا بحرب " [ 20 ] .

خلفه ابنه سلقوس فيلوباتير ، وكان هذا مبالغا فى طلب الضرائب ( ع 20 ) ليدفع الجزية لروما فأرسل رئيس وزرائه إلى أورشليم لينهب الهيكل هناك . بعد قليل أغتيل وتولى أنطيوخس إبيفانس الحكم .

" فيقوم مكانه محتقر لم يجعلوا عليه فخر المملكة ،

ويأتي بغتة ويمسك المملكة بالتملقات " [ 21 ] .

لقد أجمع كل المؤرخين أن أنطيوخس إبيفانس كان ماكرا وعنيفا إلى أبعد الحدود . وقد استلم الحكم بلا حق ، لذلك يقول عنه الملاك : " لم يجعلوا عليه فخر المملكة " ، ويكمل " ويمسك المملكة بالتملقات " .

" واذرع الجارف تجرف من قدامه وتنكسر وكذلك رئيس العهد " [ 22 ] .

لقد وجد انطيوخس مقاومة من شعبه ، الذى اكتشف خداعه وتولى الحكم بدلا من إبن أخيه ، كان ملك مصر بطليموس فيلوميتور ولدا ، وكان مشيروه على علاقة طيبة مع إبن سلقوس الذى استبعده عمه ، فأرسلوا له معونة سرية لمقاومة عمه ، ولكنهم فشلوا لغرض الهي لتأديب اليهود .

بطليموس فيلوميتور هذا كان إبنا لبطليموس فيلوباتور وكليوباترا أخت سلقوس ، وكان رئيس عهد بكونه ملك مصر .

" ومن المعاهدة معه يعمل بالمكر ويصعد ويعظم بقوم قليل " [ 23 ] .

فى البداية كان أنطيوخس محتقرا فى سوريا ، وكانت هناك محاولات تسندها مصر لكى يستلم الملك الشرعى " إبن سلقوس " الحكم . لكن أرسل أنطيوخس إلى ملك مصر ( إبن أخته ) يطلب صداقته ، خاصة وأن كليوباترا أخت أنطيوخس كانت لا تزال على قيد الحياة . أطمأن بطليموس لخاله أنطيوخس وصارا فى صداقة ، لكن إذ ثبت أنطيوخس أقدامه قام فجأة بحملة قوامها عدد قليل واستولى على بعض مدن مصر من إبن أخته الذى لم يكن يتوقع قيام هذه الحملة .

" يدخل بغتة على اسمن البلاد ويفعله ما لم يفعل آباؤه ولا آباء آبائه ،

.يبذر بينهم نهبا وغنيمة وغنى ،

ويفكر افكاره على الحصون وذلك الى حين ،

وينهض قوّته وقلبه على ملك الجنوب بجيش عظيم ،

وملك الجنوب يتهيّج الى الحرب بجيش عظيم وقوي جدا ،

ولكنه لا يثبت لانهم يدبرون عليه تدابير " [ 24 ، 25 ] .

ع 21 – 25 ركزت على أنطيوخس إبيفانس الذى أشير إليه قبلا فى الإصحاح 8 ، والذى دعى " ضد المسيح فى فترة العهد القديم " .

كان عنيفا ومخادعا وهاجم مصر أكثر من مرة .

" والآكلون اطايبه يكسرونه وجيشه يطمو ويسقط كثيرون قتلى.

وهذان الملكان قلبهما لفعل الشر ،

ويتكلمان بالكذب على مائدة واحدة ولا ينجح ،

لان الانتهاء بعد الى ميعاد " [ 27 ] .

لقد سمح الله لبطليموس أن ينغلب أمام أنطيوخس بخيانة رجاله ، كان الملكان ، الخال وإبن اخته شريرين ومخادعين ، لهذا إذ انكسر بطليموس رأى الأثنان حاجتهما إلى الصلح [ كهدنة ] .

يقول الملاك : " لأن الإنتهاء بعد إلى ميعاد " [ 27 ] ، لأن الله حدد لكل شىء وقت للنهاية .

" فيرجع الى ارضه بغنى جزيل وقلبه على العهد المقدس فيعمل ويرجع الى ارضه ،

وفي الميعاد يعود ويدخل الجنوب ولكن لا يكون الآخر كالاول.

فتأتي عليه سفن من كتّيم ،

فييئس ويرجع ويغتاظ على العهد المقدس ،

ويعمل ويرجع ويصغى الى الذين تركوا العهد المقدس " [ 28 – 30 ] .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




سفـــــر دانيـــال Empty
مُساهمةموضوع: رد: سفـــــر دانيـــال   سفـــــر دانيـــال Icon_minitimeالسبت فبراير 24, 2007 5:15 am


إذ تمت المعاهدة بين أنطيوخس وإبن أخته وجلسا معا على مائدة واحدة ، بدون سبب هيأ أنطيوخس جيشه وكسر العهد ودخل مصر ، ولكن جاءت إرسالية من روما ( من كتيم ) ، وطلبوا منه ترك مصر فرضخ فى الحال .

هذا الواقع التاريخى أعلنه الملاك لدانيال النبى .

لم يحقق أنطيوخس أطماعه فى مصر فاتجه إلى أورشليم والهيكل المقدس .

" وتقوم منه اذرع وتنجس المقدس الحصين ،

وتنزع المحرقة الدائمة وتجعل الرجس المخرب " [ 31 ] .

هذه الأذرع هم الخونة لله ، الذين نسوا الشريعة ، وساندوا هذا الملك .

حدثت صدامات مع اليهود ، وخداع مع إرساليات رومانية ، ودنس الهيكل بممارسات وثنية جنبا إلى جنب مع عبادة الله . ثم أوقف العبادة اليهودية ، وأقام نفسه إلها ! وذبح خنزيرا على المذبح . ثار الأمناء الأتقياء ضده تحت قيادة أسرة المكابيين الأبطال ، فقتل منهم الآلاف . ما فعله يحسب " رجسة خراب للهيكل " رمزا لرجسة الخراب التى ستحدث فى أواخر الدهور والتى أشار إليها السيد المسيح ( مت 24 : 25 ) .

" والمتعدون على العهد يغويهم بالتملقات .

اما الشعب الذين يعرفون الههم فيقوون ويعملون.

والفاهمون من الشعب يعلّمون كثيرين.

ويعثرون بالسيف وباللهيب وبالسبي وبالنهب اياما.

فاذا عثروا يعانون عونا قليلا ويتصل بهم كثيرون بالتملقات.

وبعض الفاهمين يعثرون امتحانا لهم للتطهير وللتبييض الى وقت النهاية.

لانه بعد الى الميعاد " [ 32 – 35 ] .

يوضح الملاك كيف انقسم الكهنة وأيضا الشعب إلى فريقين ، فريق خدعته تملقات أنطيوخس ، وآخر تمسكوا بمعرفة الله فيهبهم الله قوة وفهما أكثر .

رفض الحكماء من الشعب ( غالبا من الكهنة ) تملقات أنطيوخس وعلموا كثيرين أن يستهينوا بكل وسائل التعذيب سواء كان القتل بالسيف أو الحرق بالنار أو سبيهم الخ ....

هنا يؤكد أنه يسقط بعض الفاهمين ، لكن هذا لا يعنى تخلى الله عنهم ولكن لتزكيتهم .



( 4 ) نهاية الأزمنة – ضد المسيح :

ع 36 – 39 تقدم نفس الشخصية الواردة فى دا 7 : 8 ؛ 9 : 26 عن " القرن الصغير " ، هنا يدعوه الملك الذى يعمل حسب إرادته [ 36 ] .

" ويفعل الملك كارادته ويرتفع ويتعظم على كل اله ،

ويتكلم بامور عجيبة على اله الآلهة ، وينجح الى اتمام الغضب لان المقضي به يجرى.

ولا يبالي بآلهة آبائه ولا بشهوة النساء وبكل اله لا يبالي ،

لانه يتعظم على الكل" [ 36 – 37 ] .

يرى آباء الكنيسة أن الحديث هنا عن " ضد المسيح " ، إنه يضع نفسه حتى فوق الله نفسه ، يمثل تمجيد ذاته ، الأمر الذى يقاومه الإيمان المسيحى .

أما " شهوة النساء " فإنه سيتظاهر بالعفة لكى يخدع الكثيرين .

" ويكرم اله الحصون في مكانه ،

والها لم تعرفه آباؤه ، يكرمه بالذهب والفضة وبالحجارة الكريمة والنفائس.

ويفعل في الحصون الحصينة باله غريب .

من يعرفه يزيده مجدا ،

ويسلطهم على كثيرين ويقسم الارض اجرة " [ 38 – 39 ] .

يتحدث هنا عن " ضد المسيح " الإله الذى لم يعرفه آباؤه وهو يعنى " نفسه " ، إذ ينسب لنفسه الكرامات الإلهية ، ويطلب كل غنى وسلطان لذاته ، فهو الإله الغريب . وسيقدم هدايا للذين يخضعون له ، وينخدعون به .

يرى البعض أن هذا ينطبق أيضا على الدولة الرومانية التى رفضت عبادة الله الحى ، وكان إلهها هو القوة والحصون المنيعة .

" ففي وقت النهاية يحاربه ملك الجنوب ،

فيثور عليه ملك الشمال بمركبات وبفرسان وبسفن كثيرة ،

ويدخل الاراضي ويجرف ويطمو.

ويدخل الى الارض البهيّة ،

فيعثر كثيرون وهؤلاء يفلتون من يده ادوم وموآب ورؤساء بني عمون.

ويمد يده على الاراضي وارض مصر لا تنجو.

ويتسلط على كنوز الذهب والفضة وعلى كل نفائس مصر.

واللوبيون والكوشيون عند خطواته.

وتفزعه اخبار من الشرق ومن الشمال ،

فيخرج بغضب عظيم ليخرب وليحرم كثيرين.

وينصب فسطاطه بين البحور وجبل بهاء القدس ويبلغ نهايته ولا معين له " [ 40 – 45 ] .

ع 40 – 45 تقدم لنا بعض أحداث الأيام الأخيرة التى للملك المعتد بذاته وغيره .

يلاحظ أنها تقدم لنا ثلاثة شخصيات :

1 – الملك المعتد بذاته " ضد المسيح " .

2 – ملك الجنوب ( مصر ) .

3 – ملك الشمال ( سوريا ) .

سيقيم " ضد المسيح " مركزه فى أورشليم ، ويمتد سلطانه إلى البحار [ 45 ] ، خاصة البحر الأبيض المتوسط والبحر الميت ، سيقيم مركزه على الجبل البهى المجيد ، أى جبل صهيون . ومع كل ما يبلغه من قوة وسلطان فإنه لن يقدر أحد أن يسنده ، سينهار ضد المسيح أمام إيليا وأخنوخ اللذان يسندان الكنيسة فى عصره ويهيئان المؤمنين لمجىء السيد المسيح الأخير .

يقول القديس جيروم : [ مدرستنا الفكرية تصر على أن ضد المسيح سوف يهلك فى نفس البقعة التى فيها صعد الرب إلى السماء ( جبل الزيتون ) . ] .
+ + +
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




سفـــــر دانيـــال Empty
مُساهمةموضوع: دانيال – الإصحاح الثانى عشر -الضيقة العظيمة والقيامة   سفـــــر دانيـــال Icon_minitimeالسبت فبراير 24, 2007 5:16 am



دانيال – الإصحاح الثانى عشر
الضيقة العظيمة والقيامة



يرى القديس هيبوليتس الرومانى أن دانيال تحدث عن الضيقة العظيمة أو رجسة الخراب التى تحققت جزئيا وعلى مستوى محلى فى أيام أنطيوخس إبيفانس ، وتتحقق على مستوى العالم كله فى أواخر الدهور أيام ضد المسيح . لكن الكثير من الآباء ، خاصة القديس جيروم ، يرون أن الحديث هنا واضح عن ضد المسيح وانقضاء الدهر .


( 1 ) الضيقة العظيمة



" وفي ذلك الوقت يقوم ميخائيل الرئيس العظيم القائم لبني شعبك ،

ويكون زمان ضيق لم يكن منذ كانت امة الى ذلك الوقت ،

وفي ذلك الوقت ينجى شعبك كل من يوجد مكتوبا في السفر " [ 1 ] .

إنه يكمل ما جاء فى الإصحاح السابق ، ففى قمة سلطان ضد المسيح يقوم رئيس الملائكة ميخائيل ويعمل لحساب الكنيسة ( كما جاء فى رؤ 12 ) ، وذلك فى فترة الضيقة العظيمة التى يعلن عنها السيد المسيح ( مت 24 : 15 – 22 ) .

وسط الضيق ينجى الله شعب دانيال ، أى كنيسة المؤمنين المكتوبة أسمائهم فى سفر الحياة . إنها تتعرض دوما للضيق ، لكنها ليست منسية أمام الله ، بل كلما اشتدت الضيقة أظهر الله بالأكثر اهتمامه بها . إنها فى يد مخلصها السيد المسيح الذى يعمل لبنيانها ، ويستخدم ملائكته ورؤساء ملائكته لحمايتها .


( 2 ) القيامة



" وكثيرون من الراقدين في تراب الارض يستيقظون ،

هؤلاء الى الحياة الابدية وهؤلاء الى العار للازدراء الابدي.

والفاهمون يضيئون كضياء الجلد والذين ردوا كثيرين الى البر ،

كالكواكب الى ابد الدهور " [ 2 – 3 ] .

يعتبر البعض سفر دانيال هو أهم سفر فى العهد القديم يتحدث بوضوح وبقوة عن القيامة ويحدد زمانها . عندما يأتى يوم الرب العظيم ويضىء الحكماء الذين أطاعوا الله ككواكب أبدية . وإن كان قد حسب هذا الأمر فوق قدرة دانيال نفسه ، إذ يقول " وأنا سمعت وما فهمت " [ 8 ] .

واضح أن الحديث هنا عن قيامة واحدة ، ودينونة أبدية ، ومجد أو عذاب أبدى .

+ من أقوال القديسين :

القديس جيروم : [ أما هؤلاء السادة والمعلمون الذين لهم معرفة الناموس ، فسيضيئون كالسماء ، والذين يحثون الشعوب المتخلفة عن الإيمان على الإهتمام بعبادة الله فيتلألأون ككواكب فى الأبدية ] .

الأب قيصريوس : [ لنهرب بكل قوتنا من معوقات هذا العالم ونطلب بعض الساعات حيث نستطيع أن نكرس أنفسنا للصلاة أو قراءة الكتاب المقدس لأجل خلاص نفوسنا . هذا يحقق فينا المكتوب : " والفاهمون يضيئون كضياء الجلد " ] .


( 3 ) خاتمة



" اما انت يا دانيال فاخف الكلام واختم السفر الى وقت النهاية.

كثيرون يتصفحونه والمعرفة تزداد " [ 4 ] .

أمر دانيال أن يختم على السفر حتى " إلى وقت النهاية " ، لكن المعرفة تزداد ، وإن كان يبقى الإنسان كما فى لغز حتى يتحقق ما ورد فى السفر تماما . ربما قصد بالختم هنا بقاء النبوات غير واضحة حتى يتحقق الخلاص فى ملء الأزمنة ، وتنكشف أسرار المجىء الثانى كما فى سفر الرؤيا ( رؤ 22 : 10 ) .

لهذا يرى كثير من الدارسين أن سفر الرؤيا هو مفتاح سفر دانيال .

" فنظرت انا دانيال واذا باثنين آخرين قد وقفا ،

واحد من هنا على شاطئ النهر وآخر من هناك على شاطئ النهر.

وقال للرجل اللابس الكتان الذي من فوق مياه النهر :

الى متى انتهاء العجائب ؟

فسمعت الرجل اللابس الكتان الذي من فوق مياه النهر ،

اذ رفع يمناه ويسراه نحو السموات ،

وحلف بالحي الى الابد انه الى زمان وزمانين ونصف .

.فاذا تم تفريق ايدي الشعب المقدس تتم كل هذه.

وانا سمعت وما فهمت.فقلت يا سيدي ما هي آخر هذه.

فقال اذهب يا دانيال لان الكلمات مخفية ومختومة الى وقت النهاية.

كثيرون يتطهرون ويبيّضون ويمحّصون.

اما الاشرار فيفعلون شرا ولا يفهم احد الاشرار لكن الفاهمون يفهمون " [ 5 – 10 ] . لكى يختم دانيال السفر رأى ملاكين آخرين واللابس الكتان ، أى كلمة الله قبل التجسد ( 6 : 10 ) .

سأله أحد الملاكين عن مدة هذه الضيقة ، وجاءت الإجابة إلى زمان وزمانين ونصف زمان ، أى إلى ثلاث سنوات ونصف . وهو نصف الأسبوع الذى تحدث عنه دانيال قبلا ، فترة الأضطهاد المرة جدا ، تنتهى بكسر عهد الملك المفترس .

" ومن وقت ازالة المحرقة الدائمة واقامة رجس المخرب الف ومئتان وتسعون يوما.

طوبى لمن ينتظر ويبلغ الى ،

الالف والثلاث مئة والخمسة والثلاثين يوما " [ 11 – 12 ] .

يحدد المدة بالأيام لا السنوات 1290 يوما وتعنى ثلاث سنوات ونصف ، تعانى فيها الكنيسة من الضيق الشديد ، مضافا إليها 45 يوما ( 1335 يوما ) ، ولعل هذه الفترة هى ما بين قتل ضد المسيح ومجىء السيد المسيح . إنها فترة راحة ليرجع ويتوب من أنحرف وراء ضد المسيح ، وفى نفس الوقت فترة تذكية للمؤمنين حيث يترقبوا بفرح مجىء المسيح بعد الخلاص من ضد المسيح . لذلك يطوب دانيال النبى من ينتظر ويبلغ 1335 يوما .

" أما انت فاذهب الى النهاية فتستريح وتقوم لقرعتك في نهاية الايام " [ 13 ] .

أخيرا يطلب من دانيال أن يستريح حتى يقوم حين يأتى رب المجد القائل : " ها أنا آتى سريعا " رؤ 22 .

إن كانت الآراء قد تعددت بخصوص موعد مجىء السيد المسيح ، اعتمادا على تفسيرات مختلفة للنبوات أو على الظواهر الطبيعية مثل كثرة الحروب والزلازل وغيرها .. فإن الكنيسة تترقب بفرح مجيئه سريعا .. فى يقين أنه قادم ، وأنه قادم سريعا ، لكن فى غير استهتار بالإلتزامات الزمنية ولا تراخ ، وقد كشف لها السيد المسيح عن علامات مجيئه الأكيدة لكى تستعد بالصبر وتواجه الضيقات ، خاو الضيقة العظيمة ورجسة الخراب ، كما تستعد بالفرح والرجاء أن لها نصيبا معه فى الأحضان الأبوية .

إنه قادم حقا ! وستعبر الأزمنة سريعا ، ونفرح ونتهلل بقيامتنا مع الأموات ، ولقائنا معه على السحاب .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
سفـــــر دانيـــال
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
.::.Jesus Lovers Forum .::. منتدى محب المسيح .::. :: القسم الدينى المسيحى :: قسم شرح الاناجيل المقدسة والرسائل :: قسم تفسير العهد القديم-
انتقل الى: