وقفت أمام مرآتها، ولم تكن على عجلة من امرها، كما هي حالها في كل الصباحات، وحتى الأمسيات حين تجهز نفسها للخروج لتناول العشاء أو للمشاركة في أي مناسبة اجتماعية. هذه المرة لم تنظر الى الساعة قبل وقوفها في حضرة المرآة... أجل حضرة المرآة، ولأن الرهبة التي شعرت بها لم تختبرها من قبل، وقفت مستقيمة الظهر، ثابتة العين، متيقظة الحواس، كمن يقف في قاعة محكمة أو على منبر قاعة تغصّ بأهل الاختصاص والنقّاد وحيث يقاس كل حرف ويكون لكل كلمة ألف حساب. وقفت ونظرت ملياً، كمن يعدّ قْطعَ ماسة بدون مكبّر، فكانت تركّز وتمعن النظر وتعيده مرات ومرات، وكأنها تكتشف ملامح وجهها للمرة الاولى، بكل تفاصيله التي اعتادت أن تزيّنها في كل صباح يوم. عيناها، حاجباها، خداها، شفتاها، وسحنتها... مرّرت يدها على وجهها وكأنها تتحسس قماشة مخملية ذات نوعية مميزة... لكم يزعجها ملمس الخطوط الصغيرة التي صادفتها في رحلتها الاستكشافية، توقفت عندها، كررّت تمرير أصابعها فوقها محاولة تحديد تاريخ كل منها، لم تستطع الوصول الى تاريخ معروف سألت نفسها: منذ متى وهذه الخطوط ترافقني? في أي يوم ظهرت ولماذا? وظلّت واقفة هناك في حيرة من أمرها، تحاول اعادة رسم تاريخها الشخصي، تاريخ شكلها والتغييرات التي مرّ بها، فوجدت نفسها عاجزة عن تحقيق أي تقدم، لامت نفسها، وأحست كأنها لا تحب نفسها، ولا تهتم بها والدليل أنها لم تستطع تذكّر تاريخ ظهور التجاعيد في وجهها... خافت أكثر حين فكرت كيف سيحبها الآخرون اذا، ويهتمون لأمرها اذا كانت هي نفسها لا تعير ذاتها اهتماماً، أيعقل بأن تكون الى هذه الدرجة غير مستحقة للعاطفة? وهل صحيح ما قالته تلك الصديقة الحاقدة التي تحولت الى عدو معلن حين نعتتها بالليمونة الحامضة، أي أن الجميع يعصرونها ويستغلونها ويتركونها محطمة?...
ارتعبت أكثر حين بدأت سلسلة الصور والمواقف الجارحة تكرّ في رأسها الواحدة تلو الثانية، بسرعة ومن دون توقف، وجميعها تدينها وتؤكد لها بأنها لم تحب نفسها يوماً، الى أن انتفضت وهمّت الى ضرب المرآة بيديها وكأنها تسكتها... وقبل أن تصل يدها الى الزجاج الذي يعكس صورتها، لمعت في رأسها جملة قرأتها في واحد من الكتب الكثيرة التي تطالعها وهي قول الماني مأثور مفاده أن هناك ثلاثة اشياء في الحياة هاربة ابداً، الصدى، قوس القزح وجمال المرأة... وتذكرت تلك اللحظة ان حديث المرآة أشبه بثرثرات العجائز، وبأن لا فائدة من اضاعة الوقت في التفتيش عن وقت ظهور كل تجعيدة في وجهها بل الأهم تخطي تلك التجاعيد التي تصيب القلب وتترك فيه اكثر من خط عميق ومؤلم.
ابتسمت للمرآة، مسحتها بيدها وأكملت يومها بطمأنينة و حيوية!