ما هو الصوم ؟
ليس الصوم أن نمتنع عن تناول الطعام لفترات معينة ولا هو أن نسعى للتخلص من بعض عاداتنا السيئة .
الصوم هو أن نُسكت فينا أهواء الجسد والنفس من أجل أن يتيسر لنا أن نسمع صوت الله وأن نعمل ما يرضيه .
الطعام حاجة طبيعية عند الإنسان . أما السعي إلى لذة المذاق أو لذة الإمتلاء بغض النظر عن حاجة الطبيعة فهو هوى . كذلك الإهتمام بالذات أمر طبيعي , أما الأنانية ,أي السعي لتوفير اللذائذ كيفما اتفق فهي هوى .. والأهواء هي أضداد للطبيعة وأشبه ما يكون بالمرض . هذا لأنها تنشد اللذة ومن أجل اللذة بحيث تمسي اللذة حاجة أساسية قائمة بذاتها . وهذا ضد الطبيعة . فاللذة بحسب الطبيعة ليس حاجة بل هي ثمرة أسباع حاجات الطبيعة كالجوع والعطش والحب وما شابه ... , والأهواء تصبح خطايا إذا قبلناها وسلكنا فيها وهنا يأتي دور الصوم الذي يرفض الأهواء ونعمل على إسكاتها بدل أن نسلك فيها .
لماذا نصوم ؟
عدم الصوم ليس خطيئة كما أن الصوم ليس فضيلة . الصوم مفيد . فهم يمنع من جهة تسلط الأهواء علينا , كما يساعدنا من جهة ثانية على ممارسة الفضيلة . فالصوم عن الطعام مثلاً يحميني من الكسل والخمول ومن شهوة البطن التي تولد وتغذي شهوات أخرى كالغضب والحقد والزنى والمجد الباطل . ولا يخفى ما لهذه الشهوات من تأثير سيئ على علاقتي بالله والأخوة .ويساعدني الصوم عن الطعام أن أكون يقظاً أكثر وعلى أن يكون اهتمامي منصباً على ما هو لله كذلك .
الصوم عن الكلام يحميني من الثرثرة والكلام البطال وإدانة الآخرين والحديث عن النفس ويساعدني على أن أسمع وأن أزن كلامي قبل التفوه به لكي يعطي نعمة للسامعين .
إذاً أصوم لأن الصوم موافق
كيف أصوم ؟؟
الصوم موجه ضد الشهوات وليس ضد شهوة البطن وحدها . وعلى هذا فإن الصوم يشمل صوم الجسد بالإضافة إلى صوم القلب .
صوم الجسد :
قد تكون بداية صوم الجسد لمن لم يعتد الصوم عليه مصحوبة بدوخة بسيطة أو وجع رأس أو حيرة وعصبية . لا يهم . إذا لم يكن هناك أسباب صحية تحول دون متابعة الصوم فإن هذه العوارض لا تلبث أن تزول . وفي كل الأحوال لا يليق بالمؤمن أن يخرق الصوم إلا بعد التشاور مع الأب الروحي .
1 - لقد كانت العادة في كنيستنا قديماً أن يكون الصوم عن الطعام والشراب كلياً إلى ما بعد صلاة الغروب وأن لا يؤكل يومياً إلا وجبة واحدة : وجبة عشاء وفي أيامنا صار الصوم يمتد حتى الظهيرة فقط . على أن الصوم حتى الغروب لم يسقط كلية وتجدر الإشارة إلى أن بين الصوم والقطيعة فرق .
2 - تكون المائدة بسيطة ولا نقضي وقتاً طويلاً في اعدادها .
3 - نقلل كمية ونوعية ما نتناوله في كل وجبة بحيث يكون الطعام من النوع السريع الهضم كالخضار .
4 - ننقطع إلا عند الضرورة عن مشاهدة الأفلام والتلفزيون وقراءة المجلات التي بإمكاننا الإستغناء عنها . كل ذلك من أجل التفرغ لله .
5 - نقلل الكلام ونكف المزاح .
6 - نقلل الإهتمام بزينا أو تسريحة شعرنا وزينتنا ونخفف من استعمال العطورات والماكياج .
7 - نقلل من زيارتنا وسهراتنا ونتوقف عن لعب الورق والطاولة وسواهما .
8 - نعف عن سماع الكلام البطّال .
9 - نمتنع عن ارتياد المقاهي و التدخين والأرجيلة .
إن لصوم الجسد هذا فائدة لا تنكر على مدار السنة . لذلك نحن نصوم لنتجدد في الهمة والجهاد ضد استعباد الشهوات لنا آملين أن تكون فترة الصوم خميرة تخمّر حيانتا لأيام عديدة .
هذه الأصوام و غيرها مقرونة دائماً بالصلاة فالأصوام والصلاوات معاً ترهف حواسنا وتنشطنا على أن نلتصق بالله ونستدعي روحه القدّوس ونثمر محبة وفرحاً وسلاماً وطول أناة ولطفاً وصلاحاً وإيماناً ووداعة وتعففاً .
وقد تبدو هذه الملاحظات للبعض مضنية وخانقة والحق أن مثلنا هو انسان مريض عليه أن يحتمل مرارة الدواء من أجل حلاوة العافية وهذا شيء من الصليب لمن ينشدون فرح القيامة .
صوم القلب :
إن صوم الجسد هو معين على صوم القلب ومدخل له . فصوم القلب هو أساس المعركة ضد الشهوات هذا لأن خطايا الإنسان كلها كالكبرياء والحقد والزنى والطمع والحسد والأستغلال والنهم , تنبع من القلب على شكل أفكار والآن
كيف نواجه هذه الأفكار ؟؟؟
1 - إن ورود الأفكار الشريرة في الذهن هو كالهواء , أمر طبيعي ولكن المهم أن نتوقف عندها وأن لا نترك لها المجال لتتسلط علينا وتأسرنا .
2 - عندما يخطر فكر شرير على بالنا نرفضه ونقطع ولا نعيره أي انتباه .
3 - نلتجئ إلى الله طالبين العون " اللهم بادر إلى معونتي , يارب أسرع إلى إغاثتي " .
4 - إن انشغالنا بأمور التقوى هو حصن منيع به نرد كل هجمات الأفكار . فالصلاة وأعمال المحبة ( كاطعام الجياع وإيواء المشردين ومساعدة اليتامى والفقراء وتعزية المضنوكين وزيارة المسجونين ... ) بالإضافة إلى قراءة الكتاب المقدس وخاصة كتاب المزامير والكتب الروحية والتأمل , فيها , كلها تساعد على صد أفكار الزنى والحقد والطمع والإستغلال وسواها .
5 - إن الصبر والتواضع هما الصخرة التي تتكسر عليها الأفكار الشريرة وهذان يكتسبان من الله بنعمة من الله وبسعي من الإنسان . فنحن إن تعلمنا مرة بعد مرة أن نتحمل بصمت وأن نترقب خلاص إلهنا دونما تذمر أو استسلام لليأس فإننا نقتني فضيلة الصبر . كذلك إن سعينا أن نكون أول من يخدم وآخر من يظهر وامتنعنا عن التحدث عن أنفسنا ونسينا كل خير لله وكل سقطة لضعفنا فإن الله لا يلبث أن يمنحنا نعمة من عنده .
هنا أيضاً لا بد من التنبه إلى أن هذا الجهاد الروحي على مستوى القلب ليس محصوراً بأزمنة الصوم وحدها بل يمتد مدى العمر . وما أزمنة الصوم إلا مناسبات للتفرغ للجهاد والتمرس عليه .
متى أصوم ؟؟؟
الصوم على نوعين : صوم شخصي وصوم كنسي . فالصوم الشخصي عائد إلى الشخص نفسه وشعوره بالحاجة إليه , كما في حالات الخلوة الروحية والتفرغ للصلاة من أجل انسان ما , أو من أجل التكفير عن سقطة ما , أو من أجل انحلال مصيبة أو كارثة أو ما شابه . أما الصوم الكنسي فهو الذي تحدده الكنيسة من أجل بنيان شركة المؤمنين . ولعل أهم مواسم الصوم الكنسية هي التالية :
1 - صيام الميلاد ( من 15 تشرين الثاني إلى 25 كانون الأول )
2 - صيام الفصح " الصوم الكبير " ( من الإثنين بعد مرفع الجبن إلى الفصح )
3 - صيام السيدة العذراء ( من 1 آب وإلى 15 منه )
وتجدر الإشارة أن يومي السبت والأحد ليسا يومي صوم ولا يستثنى إلا سبت النور . من جهة ثانية تدعو الكنيسة أبناءها إلى الصيام عن الطعام والشراب قبل الإشتراك في جسد الرب ودمه " المناولة " . وهذا يعني الامتناع عن وجبة الصباح إذا كان القداس صباحاً وعن وجبة الغداء إذا كان القداس مسائياً .
ولا ننسى أن فترة الصوم مهما قصرت أو طالت هي فترة توبة واستعداد للإشتراك في مائدة الرب .
الصوم والقطاعة :
إن صوم الجسد لا يعني القطاعة فبينما يشير الصوم إلى الإمتناع الكامل عن كل مأكل ومشرب , تشير القطاعة إلى الإنقطاع عن الكلي عن منتجات الحيوان وجرت العادة الكنسية أن يكون الصوم مصحوباً بالقطاعة . كذلك جرت العادة أن يكون يوما الأربعاء والجمعة على مدار السنة يومي قطاعة دون أن يكونا بالضرورة يومي صوم .
استدراك
إن الأمثلة والإقتراحات الواردة في هذه المقالة ليست إلزامية بحال , بل هي مجرد توجيهات غرضها مساعدة المؤمن في سعيه , ولا بد من الحكمة والتمييز في كل الأحوال . على أن المهم هو أن يكون موقف كل منا شخصياً لائقاً بالله وبكنيسة الله وأن يكون لسان حالنا على الدوام : " إن كنا نعيش بالروح فلنسلك أيضاً حسب الروح " ( غلاطية 5 :
25 )