احبائى اضع بين يديكم قصه قديس عظيم عاش فى العالم ولم يعش العالم فيه الا وهو القديس المتنيح الانبا اسطفانوس مطران كرسى النوبه وعطبره وامدرمان وشمال السودان.
ولد القديس من ابوين مسيحيين تقيين فى يوم 22/2/1925 فى مدينه جهينه بمحافظه سوهاج بالوجه القبلى بصعيد مصر واسمياه بخيت وكان والده فاكيوس من المعروفين بسعه الرزق فى المدينه. وكان الطفل بخيت يتمتع بموهبه عظيمه تتمثل فى جمال صوته الملائكى منذ نعومه اظافره وكان يحب الكنيسه ويتمسك بتعاليمها وكان شغفه زائدا بالالحان والطقوس وكان كل من حوله يلاحظ انه كان يفضل الوحده نشيطا لا يتوانى فى اى عمل يناط له وكان بسيطا طيب القلب.
كان يعمل بالزراعه وعندما راى ان هذا يقتضى منه البعد فترات طويله عن جو الكنيسه ويحرمه من التواجد فيها تركها واتجه الى مهنه النسيج لانه احس انها توفر له الوقت الكافى لكى يكون قريبا من الكنيسه ثم رسم شماسا بيد المتنيح الانبا مرقس مطران ابو تيج.
اباح برغبته فى الرهبنه الى اب اعترافه القمص جرجس سعيد الا ان اب اعترافه انتهره بشده ولكن هذا لم يثنيه عن عزمه اذ قام وتوجه الى دير السيده العذراء الشهير فى سفح جبل قسقام وعندما علم باختفائه القمص جرجس توجه الى الدير وعثر عليه هناك واعاده معه وكان ذلك فى عام 1943.
اما هروبه الثانى فكان فى اواخر عام 1944 حيث اعاده القمص جرجس مره اخرى مع والده.
لم يهدا باله فاتفق مع احد اصدقائه ويدعى جميل حنين ان يهربا الى مدينه اخميم لتضليل الاسره ويقضيا فيها مده اسبوع ثم يتوجها الى مدينه مير بالقوصيه ليقضيا فيها ثلاثه ايام. وبعد هروبهما توجه اخيه عزيز بصحبه شقيق جميل الذى هرب معه ولكنهما لم يجدانهما هناك لانهما لم يكونا قد وصلا بعد الى الدير وهناك قابلا وكيل الدير وطلبا منه عدم السماح للشابين بالمكوث فى الدير وان لا يقبلهما الا بموافقه والديهما. وفى هذى الاثناء قرر والدهما وكبار رجال الاسرتين ان يجريا قرعه بينهما لاكتشاف من منهما سيكون مطرانا فى المستقبل وكان ذلك على سبيل المزاح والذى تختاره القرعه يترك لحال سبيله وخرجت القرعه على الفتى بخيت.
عندما وصل بخيت وجميل الى الدير فوجئا برفض رئيس الدير قبولهما ما لم يوافق والديهما واعطاهما استمارتين خاصتين بموافقه الاسره حتى يقبلهما فى الدير ولكن ما ان رجعا الى البلده حتى قام والد جميل بتمزيق الاستمارتين وكان ذلك فى عام 1945.
وظل الفتى على هذا الحال ما يقرب من عامين اخرين فتمرد على العمل احتجاجا على اعتراضهم واعتزل الجميع موملا ان تلين قلوبهم وكان ينفرد كثيرا بنفسه ساعات ويطرح نفسه فى العراء وتحت الشمس احيانا لساعات طويله.
بعد ذلك حلم اخيه الاكبر عزيز باخيه بخيت وهو بصحبه مجموعه من رجال الشرطه وهم فى زيهم المعروف وكل منهم برتبته العسكريه وسلاحه وكان اخيه مسرورا فى وسطهم وعندما رغب عزيز فى اخذ اخيه من بينهم لم يستطع وحاول مره تلو الاخرى ولكنه لم يفلح من شده دفاع رجال الشرطه عنه وحمايتهم له ولما استيقظ فى الصباح كان منزعجا من هذا الحلم فحكاه للقمص جرجس وكذلك للمقدس ابو حلقه الذى كان يشتهر بتفسير الاحلام فاعلماه كلاهما بان هذه دعوه من الله لاخيه للرهبنه ومع كل ذلك استمرت الاسره تعارض محاولين ان يثنوه عن عزمه فتضايق منهم وخاصه من اخيه عزيز الذى بدا يتقيا دما من جوفه بصفه متواصله وكان سببا فى فزع اسرته وحول فراش المريض ناقشت الاسره امر السماح للفتى بخيت بالذهاب الى الدير واكدوا رفضهم القاطع لهذه الفكره مما دعا اخيهم الاصغر سعيد الذى كان فى الرابعه من عمره )حاليا جناب القمص انطونيوس فاكيوس وكيل المطرانيه بامدرمان بالسودان ( ان يطلب منهم ان يتركوه وحال سبيله قائلا سيبوه يمشى الدير وانا هقعد مكانه كما كان يلقنه اخيه بخيت فانتهره اخاه لبيب ولطمه على وجهه بشده طالبا منه السكوت وعندها لم يستطع الفتى بخيت ان يكتم غضبه على اخيه الاوسط لبيب فكان ان احتد غضبه فى داخله احتدادا قويا واراد الله ان يحدث للاخ لبيب مثل ما حدث لاخيه الاكبر عزيز مما ازعج الاسره وفى اليوم التالى كرر الاخ الاصغر سعيد رجاءوه لهم بان يتركوه يذهب للدير ومره اخرى اراد اخيه لبيب ان يفتك به فما كان من بخيت الا ان وبخهم قائلا الا يكفيكم ما انتم فيه وعندها فقط تنبه الاخوان وطلبا منه السماح وان يصلى من اجلهما وان تم شفائهم فلن يتاخرا ابدا فى الموافقه له وبالفعل صلى بخيت فاستجاب الله لطلبته فطالبهما بتنفيذ وعدهما فطلبا منه الانتظار حتى يعود والدهم من الحقل ولكنه لم يستمع لهما وترك المنزل باتجاه الدير المحرق وهناك سمح له بالدخول بدون شروط بعكس المرات السابقه بل واكثر من ذلك تصريح وكيل الدير للراهب المسئول عن الباب حينما اعلمه بان طالب رهبنه جديد بالخارج يطلب الدخول فاجابه دعه يدخل لعله يصير مطرانا. اما والده فعند رجوعه طلب من ابنه عزيز ان يتوجه للاطمئنان على اخيه ولكن عند وصوله وجد ان وكيل الدير قد قبله وبعد ان اطمئن عليه عاد الى منزله وهكذا تمت سيامته راهبا فى 23/ 02/1947 باسم اغابيوس المحرقى ثم تدرج حتى صار قسا ثم قمصا وكان اينما حل يكسب محبه الشعب.
خدم القمص اغابيوس فى اماكن عديده فخدم فى كنائس الاسكندريه وخدم فى حى امبروزو وفى القبارى ورشيد وكنائس اخرى عديده وبعد ذلك جاءت فتره الترشيحات للكرسى البابوى وكان القمص دميان المحرقى الذى ربطته علاقات وطيده بالقمص اغابيوس من بين المرشحين لذا فقد كان هو من اكثر المتحمسين للقمص دميان وكان يتمنى فوزه وكان وقوفه من وراء القمص دميان بكل ما كان يحمل فى قلبه من حماس نابع من حبه العميق واقتناعه الكامل بشخص القمص دميان كرجل اداره حكيم مؤهل لهذا المنصب الرفيع لما كان يتحلى به من علم وحكمه وحزم واداره وحدث فعلا من اثر ذلك ان حصل القمص دميان على اعلى الاصوات فى الانتخابات ولكن رغم حصوله على اعلى الاصوات الا ان القرعه الالهيه قد حسمت الامر وقال الله كلمته فى ذلك الخصوص وكان القمص مينا المتوحد صاحب اقل الاصوات هو المختار من قبل الله ليصير البابا كيرلس السادس.
ثم مرت الايام وطلب البابا كيرلس من القمص اغابيوس ان يتولى الخدمه فى كنيسه مارمينا بمصر القديمه خلفا له وبالفعل بدا القمص اغابيوس خدمته هناك وفى هذه الفتره توطدت العلاقه بينه وبين البابا كيرلس الى ان جاء يوما عرض فيه قداسه البابا كيرلس امر رسامته اسقفا على ايبارشيه امدرمان بالسودان خلفا للمتنيح الانبا باخوميوس الا ان القمص اغابيوس شكر البابا وطلب منه ان تكون هذه البركه من نصيب صديقه القمص دميان فوافق البابا على رسامه القمص دميان باسم الانبا توماس الذى يعنى التؤام اعلانا على عمق العلاقه والمحبه التى ربطت القمص اغابيوس والقمص دميان وبعد الرسامه طلب الانبا توماس ان ياخذ معه القمص اغابيوس كوكيل للمطرانيه ولكن القمص اغابيوس رفض شاكرا مفضلا البقاء فى خدمه كنيسه مارمينا.
وبعد اربعه سنوات فقط تنيح الانبا توماس مما جعل البابا كيرلس يستدعى القمص اغابيوس عارضا عليه امر رسامته على ايبارشيه امدرمان خلفا لتؤامه الروحى المتنيح الانبا توماس ولكنه اعتذر مما جعل البابا يدعوه للصلاه وليفعل الرب مايريد وفى كل مره يستدعيه فيها البابا كان يساله عما اذا كان قد راى شيئا فكان يجيبه بالنفى وبعد نهايه اسبوع قال للبابا لتكن اراده الله وهكذا تمت رسامته باسم الانبا اسطفانوس وذلك فى عام 1963.
قام الانبا اسطفانوس بانجازات كثيره من اهمها بنائه لكنيسه شفيعه مارمينا واعد فيها مقبرته تحت مذبح القديس استفانوس اول الشهداء كما اتسم نيافته بالحزم والحنكه والاداره وكان له صوت جميل ملائكى يشعر كل من يسمعه بانه فى السماء لدرجه انهم اطلقوا عليه بلبل السودان ولكن رغم ذلك فانه كان متضعا بسيطا يخفى قداسته وراء حزمه يصنع المعجزات دون ان يشعر به احد وان شعر احدهم كان يطلب منه الا يروى ماراه وهكذا كان يشعر بالكل ويحب الكل دون تفرقه.
وتمر الايام ويصبح الانبا اسطفانوس مطرانا يخدم شعبه بكل امانه عارفا انه سيعطى عنهم حسابا فى اليوم الاخير مما جعل عدو الخير لا يحتمل وابتدا محارباته لتبدا رحلته مع المرض الذى رافقه لاعوام طويله عاش من خلالها حياه الشكر والصلاه الدائمه.
علم نيافته بقرب رحيله وكان يقول هسافر اول يوم فى الصوم وكان يقول ايضا لا السنه دى انا مش هصوم معاكم وهكذا وفى يوم 24/11/1992 الموافق عيد حبيبه وشفيعه مارمينا انطلقت روحه الطاهره وكان موكب نيافته مهيبا تكرر فيه ظهور الحمام الابيض لتوكد السماء مشاركتها فى مراسم الوداع الاخير وفى تمام الساعه الثامنه واربعون دقيقه انزل الصندوق وهنا كانت المعجزه اذ انه بمجرد وضع الصندوق فى مكانه الا وتوقفت الساعه الموضوعه على حائط الهيكل لتعلن عن نهايه رحله الاتعاب والغربه فى هذا العالم الفانى.
اننا نغبط انفسنا كثيرا لاننا عاصرنا هولاء القديسين الذى لم يكن العالم مستحقا لهم وهاهو الانبا اسطفانوس الذى هو واحد من سحابه القديسين وبعد ان جاهد الجهاد الحسن وضع له اكليل البر وهاهو الان يشفع عن اولاده فى كل مكان ليكمل الرب زمان غربتهم فى هذا العالم بسلام.
شفاعه هذا القديس العملاق تكون معنا جميعا امين.