في الصعيد كل شيء متطور و حديث حسب تطور العصر، في الصعيد كل شيء
جديد وعلى احدث موضة، في الصعيد تصل كل وسائل التكنولوجيا في لباسها
الجديد. كل شيء أصبح مُعولم تضفي عليه العولمة لمستها الساحرة. الأذواق و
الأسواق و المباني حتى الإنسان في الصعيد أصبح جديد فيما عدا بعض القرى
المنفية عن العالم عامة والصعيد خاصة. ربما و أنت تمضي بأحد شوارع مدينة
ما في الصعيد تجد راكب حمار يتحدث على الهاتف المحمول، وربما تأخذك قدماك
لأحد المقاهي وليس بالضرورة مقهى سياحي لتجد فتاة تجلس مع زميلها و تشرب
الشيشة وتراه منهمك في النظر إلى طريقتها في أخذ النفس من الشيشة، وإن كنت
سعيد الحظ ربما سترى بالمقهى مجموعة من الفتيات وليست واحدة فقط. ستجد
بالصعيد أندية على طراز حديث ومقاهي ووسائل ترفيه كثيرة، وكل ما تريده
سيكون متوفر وبأشكال متعددة تخدم كل فئات المجتمع إلا .... ذوي الاحتياجات
الخاصة
تطور الصعيد وتمدن وتخللت إليه العولمة بطريقة أو بأخرى. وفي
مقالي هذا لست بصدد الحديث عن أشكال التقدم في الصعيد ومظاهره ونتائج
العولمة الحديثة، ولكني أردت في البداية أن أشير إلى مدى التقدم والانفتاح
الذي وصلنا إليه هنا في الصعيد. والسؤال: أين الأشخاص الغير قادرين على
الاستفادة بهذا التطور؟ ماذا يفعلون؟ إذ أنهم غير قادرين على الاستفادة
إلا من القليل منها. خلال ثمان سنوات مضت زرت فيها تقريبا كل محافظات
الوجه القبلي ومدن و قرى كثيرة بها، كما أنني أعيش بأسيوط واحدة من
محافظات الصعيد. لا استطيع أن اصف المعاناة التي يعيشها شخص به إعاقة و
خاصة الحركية منها أي الذين يجلسون على كرسي متحرك مثلي. وبالرغم من كل
وسائل الترفيه و التقدم التي نالها الصعيد في السنوات الأخيرة في ظل
العولمة والتكنولوجيا إلا أن فئة ذوي الاحتياجات الخاصة هي أكثر الفئات
المنسية في مصر كلها و خاصة الصعيد. حكاياتي مع الاحتياجات الخاصة لا
تنتهي، فهي صعوبات كثيرة لا حد لها، صعوبات تخص المواصلات بكافة أنواعها،
كل الطرق الغير مهيأة، كافة المصالح الحكومية و الغير حكومية، المحال
التجارية، المتنزهات، لم أجد حتى الآن سوى مكان واحد يخص الآباء اليسوعيين
بالمنيا يصلح لوجود ذوي احتياجات خاصة به وهو مركز للتأهيل
عام 2002
أردت أن اذهب إلى مركز التأهيل الحكومي بأسيوط لرؤية الأجهزة التعويضية
وما يخص الإعاقات الحركية، ومع الأسف المكان الذي من المفترض أن يكون مُعد
لمن يجلسون على كراسي متحركة اقل من الأماكن العادية حيث أن بكل مكان هناك
سلالم لابد من اجتيازها للوصول، غير أن مداخل اغلب الأبواب لا تكفي لدخول
الكراسي المتحركة
كل البشر يتنقلون بوسائل المواصلات التي تناسبهم، كل
سفر بوسيلته الملائمة والمريحة. مع الجالس على كرسي متحرك تختلف الأمور،
فنحن لا نبحث عن ما يناسبنا من تلك الوسائل وإنما نبحث عن المتاح لنا
منها. فجميعها غير مناسبة بالمرة. ليس هناك رامب (مسطح خاص للكراسي
المتحركة) أو إشارات أو مصعد كهربائي أو أي من الوسائل التي تساعد على
الحركة و التنقل لمختلف الإعاقات. الكفيف، الأصم، الجالس على كرسي متحرك
جميعهم ليس لهم سوى الحاجة للآخرين بشكل مستمر عندما يفكرون بالتنقل.
عندما
يُطالب شخص معاق بحقه في العمل، تكون هناك استجابة ليست سريعة و لكنها
تأتي يوماً. وبعد تعيينه بأحد المصالح، يصدر قرار بعدم مجيئه للعمل لعدم
توافر إمكانيات مناسبة لوجوده بالعمل أو ربما يُكتب في القرار لظروفه
الصحية وبالطبع لا يكن إلا السبب الأول ويكتفي بمجيئه مرة كل شهر لأخذ
راتبه الشهري.
الشخص المعاق ليس بحقه التفكير بالذهاب إلى السينما أو
إلى احد الأماكن الترفيهية أو استخراج مستخرج رسمي لأنه بكل الأماكن لن
يستطيع المرور، إلا لو اخذ معه مرافق و على الجالسون على كرسي متحرك اخذ
أربعة مرافقين لإنجاز المهمة. ثماني سنوات لم أدخل كنيسة واحدة كانت مجهزة
لذوي الاحتياجات الخاصة، و أظن بل متأكدة أن نفس الحال لكل المساجد.
فالمعاقين خارج الحسبان، مشاريعهم و احتياجاتهم مجرد شعارات وإعلانات و
ليس أكثر.
حقيقة لا نرغب نحن ذوي الاحتياجات الخاصة في كل هذه
الاحتياجات دفعة واحدة، ولا نرغب بها في يوم وليلة. يكفي أن تكون هناك
بداية لخطة منهجية لمساعدتنا في الحياة كالباقين. نقطة بداية تعطي أمل في
المساواة في الإنسانية. فالإعاقة ليست اختيار و لكنها تُصبح طريقة حياة
لكل معاق. لم تقف يوماً إعاقتي كسبب لضعفي، و لم يكن الكرسي المتحرك إلا
رفيق لي في دربي. لكن كل ما احتاج إليه و يحتاج إليه كل المعاقين هو نظرة
إنسانية من مَن لهم السلطة و الأمر في هذا البلد.
أدرك أن فئات كثيرة
مهضومة الحق و تبحث عن حقها، حقها في العمل، السكن، الآمان، المساواة،
حرية الرأي،........و نحن نسبقهم جميعاً ببحثنا عن حقنا في الحياة . فهل
سأتمكن يوماً أو يتمكن أي معاق بالحركة بمفرده أو دخول مكان أي كان يريده
دون عقبات وإعاقات؟ هل سيأتي يوماً يكون لنا فيه عمل ومكان يحتاج إلينا
كما نحتاج إليه؟
منقول للامانة