الأصحاح السابع
التوبة طريق النصرة
كان صموئيل النبى يهيىء الشعب للتوبة قرابة 20 عاما ، وأخيرا نادى بالتوبة الجماعية من كل القلب ، والعودة الكاملة لله ، ورفض كل عبادة غريبة ، وبعد الصلاة والصوم قدم عنهم ذبيحة ، وعندئذ إذ تقدم الفلسطينيون لمحاربتهم أرعدهم الرب نفسه وأزعجهم لينكسروا أمام الشعب .
لقد برز صموئيل النبى فى هذا الأصحاح كقاض وكممثل للحكم الإلهى مثل موسى ( إر 15 : 1 ) ومثل يشوع ( يش 24 ، 1 صم 12 ) ، وكأحد القضاة لكن على مستوى أعلى فى الشفاعة .
يعتبر هذا الأصحاح مقدمة للأصحاح التالى ، فيه أبرز فساد النظام الملكى المقام من أجل مظاهر بشرية .
تابوت الرب فى بيت أبيناداب :
أثار تابوت العهد رعبا ليس فقط فى مدن فلسطين العظمى وإنما أيضا فى بيتشمس ، أما أهل قرية يعازيم فقد أدركوا أنه يمثل حضرة الله ، هو نار آكلة بالنسبة للمرتدين عنه والمنحرفين أما بالنسبة لمحبيه فحافظ لهم وسر فرحهم وتعزيتهم . لهذا صعدوا بفرح وأتوا به فى احترام ووقار ، وجاءوا به إلى بيت أبيناداب ليبقى هناك قرابة مئة عام حتى نقله داود النبى ( 2 صم 6 : 1 – 4 ) .
كلمة " أبيناداب " تعنى " أبا الكرم أو النبل " ، وكأنه لا يمكن التمتع بالحضرة الإلهية ما لم تحمل النفس الداخلية نوعا من الكرم أو السخاء فى العطاء .
وضع التابوت فى بيت فى الأكمة أى على مكان عال ، وقدس أليعازر ( تعنى الله معين ) بن أبيناداب لأجل حراسة التابوت ، غالبا ما كان لاويا وليس كاهنا .
كان التابوت فى قرية يعازيم بينما أقيمت الخيمة فى نوب بلا تابوت مما عطل العبادة فيها أو جعلها عبادة غير كاملة ، وكان هذا إعلانا عن حالة الخمول الروحى والأنحطاط التى بلغ إليها الشعب .
سار صموئيل يجول بين الشعب ليعدهم لحياة التوبة والرجوع إلى الله .
( 2 ) الرجوع القلبى والعملى لله :
بعد موقعة أفيق التى مات فيها أبنا عالى الكاهن وعالى نفسه ، بدأ صموئيل النبى يمارس عمله القيادى الهادىء والبناء . اتخذ إقامته غالبا فى الرامة حيث التف حوله بعض الشباب وصاروا نواة لأول مدرسة للأنبياء ، فى هذه الفترة تزوج صموئيل وأنجب ابنين دعاهما :
يوئيل " يهوه هو الله " ، ......أبيا " الرب هو أبى " .
فى هذه الفترة عاد تابوت العهد إلى إسرائيل ووضع فى قرية يعازيم بينما نقلت الخيمة إلى نوب ، وتعطلت بعض الشعائر الدينية ، أما صموئيل فلم يكف عن العمل الهادىء البناء على المستوى الفردى والأهتمام بالشباب ، مع ممارسة حياة الصلاة . خلال هذا الأصلاح الهادىء انفتحت القلوب بالحب لله وبالتالى تجمعت القلوب معا بالحب الأخوى وروح الوحدة . بعد عشرين سنة من وجود تابوت العهد فى قرية يعازيم وجد صموئيل الفرصة سانحة للمناداة بالتوبة الجماعية والرجوع لله مع الكشف عن سر فشل الشعب وعن طريق النصرة ، إذ تحدث صموئيل مع كل بيت إسرائيل ( أى مع الجماعة كلها ) قائلا : " إن كنتم بكل قلوبكم راجعين إلى الرب فانزعوا الآلهة الغريبة والعشتاروت من وسطكم ، وأعدوا قلوبكم للرب وأعبدوه وحده فينقذكم " 1 صم 7 : 4 .
سر ضعف الأنسان التعريج بين الطريقتين وعدم رجوعه بكل القلب إلى الرب ، كأن يتمسك بشكليات العبادة الخارجية بينما يقيم فى أعماقه إلها خفيا " كـ الأنا " .
( 3 ) الصلاة والصوم والذبيحة :
التوبة بما يلازمها من تغيير القلب الداخلى وعبادة هى أمر شخصى يمس حياة المؤمن وعلاقته الخفية مع الله ، لكنها فى نفس الوقت هى ممارسة جماعية ، إذ يقول صموئيل النبى : " اجمعوا كل إسرائيل إلى المصفاة " 7 : 5 توبة خاطىء واحد تفرح ملائكة السماء ( لو 15 : 10 ) ، وتسند الكثيرين على الأرض وتدفعهم للتوبة معه ، ومع كل سقوط واستهتار خفى نسيىء إلى الجماعة كلها .
جاءت التوبة القلبية تحمل أعمالا ظاهرة أيضا :
+ نزع الآلهة الغريبة ( 1 صم 7 : 4 ) .
+ التقاء جماعى فى المصفاة للعبادة بروح واحد ( 1 صم 7 : 4 )
+ صموئيل النبى يصلى إلى الرب لأجلهم ( 1 صم 7 : 5 )
+ استقاء ماء وسكبه أمام الرب ( 1 صم 7 : 6 )
+ صوم جماعى ( 1 صم 7 : 6 ) .
+ الأعتراف بالخطايا للرب أمام صموئيل النبى ( 1 صم 7 : 6 )
+ الحاجة إلى ذبيحة للمصالحة مع الله ( 1 صم 7 : 9 ) .
يبرز صموئيل النبى دور الله فى حياة شعبه ، فإنهم إذ يجتمعون للتوبة يحتاجون إلى يد الله الخفية تعمل فيهم لذلك يقول : " فأصلى لأجلكم إلى الرب " 1 صم 7 : 5 . هنا يبرز صموئيل النبى كراع روحى ، يعرف أنه لن يقدر أن يقود شعب الله بدون الصلاة .
" فاجتمعوا إلى المصفاة واستقوا ماء وسكبوه أمام الرب " 1 صم 7 : 6
يرى البعض أنه اشارة إلى سكب قلوبهم بالتوبة أمام الرب ، أو علامة الأعتراف بالضعف ، أو تأكيد للقسم ،
فى ذلك الوقت كان صموئيل النبى يقضى بينهم كقاض ، لا خلال السلطة وإنما بعد تقديم صلوات طويلة مستمرة وإصلاح دائم بينهم وعمل روحى هادىء ثم توبة جماعية ورجوع إلى الله .
( 4 ) الرب واهب النصرة :
مع كل جهاد روحى هادف يثور عدو الخير لا لخطأ أرتكبه الأنسان أو ارتكبته الجماعة ، وإنما هى علامة رفض الظلمة للنور ، ومقاومة عدو الخير لمملكة الله .
لقد اجتمع أقطاب الفلسطينيين أيضا وصعدوا إلى إسرائيل ( 1 صم 7 : 7 ) ، فخافوا أن يتكرر معهم ما حدث فى موقعة أفيق ( 1 صم 4 ) ، لكنهم إذ كانوا تحت قيادة روحية سليمة يمارسون التوبة طلبوا من صموئيل النبى ألا يكف عن الصراخ من أجلهم إلى الرب ليخلصهم ... قدم صموئيل محرقة للرب علامة تسليم نفوس الشعب ليد الرب تماما ، واستجاب الرب خلال الطبيعة بواسطة رعد أو زلزال ، واهبا إياهم الغلبة والنصرة ، إذ ضربوا العدو إلى ما تحت بيت كار ( تعنى بيت الخرفان ) غرب المصفاة ، يظن أنها بيت كارم الحالية ، أو عين الكروم .
مع كل نمو روحى نواجه حربا جديدة ، تؤول إلى تزكيتنا وتكليلنا ما دمنا فى يد الله .
تحققت النصرة فى ذات الموقع الذى حدثت فيه الهزيمة قبلا وأخذ التابوت ( 1 صم 4 : 1 ) ، لذلك أخذ صموئيل حجرا ونصبه ، ودعاه :
" حجر المعونة " ........، لكى يكون شاهدا على عمل الله فى حياة شعبه الراجعين إليه . هذا التذكار يجدد روح الشعب باستمرار حتى لا ينحرفوا عن الله .
يقول رب المجد يسوع :
" إن سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ " لو 19 : 40 ....
إذ أقام صموئيل هذا الحجر لكى يبعث حياة الشركة فى كل من يتطلع إليه .
لعل هذه النصرة لإسرائيل أعطت مجالا للمصالحة بين إسرائيل والأموريين ( 1 صم 7 : 14 ) ليعيش الشعب إلى حد ما فى جو من السلام والطمأنينة .
( 5 ) قضاء صموئيل فى مواضع متعددة :
يعتبر صموئيل النبى هو المصلح الروحى الحقيقى فى تلك الآونة حتى كادت عبادة البعل تختفى تماما فى الفترة ما بين بدء النظام الملكى حتى أوائل عصر سليمان الحكيم .... يلاحظ أن صموئيل النبى أقام أكثر من مكان للعبادة مثل بيت إيل والجلجال والمصفاة ، لقد أراد صموئيل أن يؤكد أن سر القوة هو فى العلاقة الخفية فى القلب مع الله ، دون تجاهل العبادة الجماعية بروح الوحدة والحب .
لقد بقى الأمر كذلك حتى جاء سليمان الحكيم وأقيم هيكل الرب الواحد فى أورشليم بأمر إلهى ، ليجمع الكل معا بالروح الواحد حول هيكل واحد للرب
+ + +