مخاض المحبة
اعتصمت أمام باب المحبة بقلب تثلج من اللامبالاة، وانصهر بنار القسوة البشرية، وتدلى من بوابة الفكر المتراوح بين القدرية والتعنت. هناك، اعتصمت طالباً من المحبة أن تكشف النقاب عن نفسها، وتعلن التجلي، فناديتها:
متى تفتحين بابك ايتها الفتاة الخجلة، متى ترأفين بحالقلبي الهرم، المنكسر؟ كيف تسألين القلب الخاضع، المُحتَل، المخدَّر أن يجذل حدوده وينظر الى نفسه من خلالك ؟ كيف تسألين الشاة المعلقة أن تتحرر، فهل بامكان ملائكة القدرة أن تفك القيود وتحرر الضحية من أيدي كهنة الزمن المزدرد ؟ الا يكفي توسيع الضحية احلاما تتحدث عن حرية عرجاء، وهي في طريقها الى وداع الحياة ؟
أليسَ الموت فيك هو قمة التحرر، أم التحرر يتجسد في نبذ صوتك المخنوق. في عالم اليوم، بات الأمر سيان، فصوتك أمسى اهزوجة يتغنى بها الاطفال قبل النوم، وفردوسك بات جحيما في قلوب الالهة الصغار. هل يصح أن تكوني محض خيال، تقفزين بين حقبة وحقبة في عالم الفكر، ولا تكوني يوما واقعا يُعاش؟ أم يا ترى أنك مصلوبة في جلجثة القلب البشري وهو يعلن الاحتضار ؟
تقفين أمام الشر مكبلة الأيدي، عرجاء، خرساء، طرشاء، لا حول لك ولا قوة سوى سحر نظرتك، وهشاشة رغبتك وعمق حضورك الى درجة الانطمار تحت طبقات الغباء والجهل الانساني. مُسَيْطَر عليك، تعربين عن خلجاتك باسلوب الجبناء، قائلة :" طوبى لك ايتها النفس حين تعلنين حرية الوجود! " وهل حرية الوجود هي أن أُشعِر الخصم بقدرته وسطوته، واعلنه البطل ؟ لربما أن قداستك تكمن في صيرورة هوجاء في قلب المهانة والرذل. لم أجدك يوما مُكرّمة، مُرَفعَّة، من يرفعك في كلماته، يطمرك بافعاله، ومن يقدس حضورك بأفعاله، يرذله الكون بقسوته. في كل مرة أجد دعاتَك إما مصلوبين، أو مقتولين أو مُهَمَشين. فهل أن شرعة وجودك تضادد الوجود نفسه أم انك تجوهرين قداستك في قلب خفاءك ؟
طرقت أبواب الصمت، باحثاً عمن جبل قداستك، ووهب لحضور كحياة العمق ، طالبا معرفة الوصفة السحرية التي أُعِدَت لطرحك في العالم، ما هي تلك الأنامل الغريبة التي شكلت جسدك الموهون في صحن الزمن. انه السامي، ها هو يأتي، حاملاً معه نسيم عذب يتزاوج بشعاع الشمس الذي يرتجف معلنا الكسوف أمام شمس المتسامي، انها شمس تنبع من عيون لا مكان لها سوى في القلب. خفت من حضرته، هاربا خلف شجرة تعرشت اغصانها، حتى اخفتني بالكاملز جاء ينظر الى الكون بعين تبكي واخرى تبتسم للطبيعةوهي تخر ساجدة أمام باريها ..
فنادى بصوت أم فقدت وليدها، قائلاً :
ايتها المحبة .. ايتها المحبة
اين أنت ؟
جبلتك، لكنك انسللت هاربة من بين أناملي،
هربت نحو جلجثتك ؟
لم لم تتركيني أكمل خلقتك،
وأعلن ولادة العمق في قلب الوجود،
بألق الكشف ؟
لكنك أجبتيني في خلسة الكون :" يا ايها الباري الحنون
اتركني أكتمل بأيادي من جبلته ، بايدي انسان، خالقي الجديد .
انا أعلم أنه سيحتضنني كما تحتضن الام وليدها، بل سيقدمني الى الوجود
كمن ينبت وردة في حديقة الخلود".
ولكن أيتها المحبة لم أشهد مذ تلك اللحظة سوى وقائع صلبك.
ولم أسمع سوى صوت آهاتك وهي تتوسل ولوج رحم الكون من جديد .
سألتك أن تأتي وتعتلي عرش الخلق الفريد والاكتمال.
الا انك اعلنت أن ألمك هو مخاض الحقيقة في حقيقيتها
حين يولد العمق وقداسة المعنى كتوأم في رحمك .
طوبى لك ، وأنت تنزفين معنى
تزاوجين الألوهة بانسانية الاله
وتعدين طريقا نحو العمق، حيث تتجلى صورة المحب
وهو في انتظار ...
هكذا.. تركت المتسامي، قافلا نحو مضجعي...
مسدلا الستار عن تساؤلاتي