النصّ الإنجيليّ، خاتمة إنجيل لوقا، يروي لنا ظهور المسيح الأخير بعد قيامته لتلاميذه. في هذا الظهور يخرج المسيح بتلاميذه إلى جبل الزيتون، ويرتفع عنهم هناك إلى السماوات. الصعود كان آخر ظهور للربّ وآخر حدث أرضيّ له مع تلاميذه.
المشهد، على الفور، يوحي بالحزن؛ لأنَّ المسيح يترك تلاميذه. لكنَّ التلاميذ عادوا بفرح عظيم! فما هي دواعي هذا الفرح؟
إنَّ ترتيلة العيد تعلن عن ذلك، فصعود المسيح أفرح تلاميذه "بموعد الروح القدس، إذ أيقنوا من البركة أيضاً أنّه ابن الله المنقذ العالم". إنَّ الوعد بالروح والبركة أعطيا فرحاً كبيراً للتلاميذ، كما أكّدا يقين التلاميذ بألوهيّة المسيح ومجده. وهذا سبب آخر للفرح.
لكنَّ النصّ يخزن بداخله أسباباً عديدة أخرى بثَّت في قلوب التلاميذ فرحهم الذي لا يوصف. إنَّ خروج المسيح بتلاميذه إلى بيت عنيا، وإلى جبل الزيتون بالذات، حمل في سرّه مواعيد بركات كثيرة. جبل الزيتون هذا، يرد ذكره في العهد القديم مرّات عدّة حيث أعطى الله منه بركات روحيّة جديدة، وجدّد عليه علاقته مع الناس بشكل روحيّ أكثر. إنّه جبل بركات وتجديد.
أضفْ إلى ذلك الحدثَ حين فتح يسوع يديه وباركهم، وهذا حدث يدعو لكثير من الفرح. أنَّ الحركة بحدّ ذاتها تحمل معاني أخرى عميقة، عندما نفهمها ندرك دواعي الفرح العميق لدى التلاميذ. إنَّ صعود يسوع وارتفاعه عن التلاميذ كان على نمط اختطاف إيليا إلى السماوات، حين تبعه تلميذه أليشع وطلب منه سهمَين من روحه، أي حصة الابن الأكبر، فقال له إيليا: إن رأيتني وأنا صاعدٌ يكون لك ذلك، ولقد رأى أليشعُ سيّدَه إيليا صاعداً ونال روحه وقوته وتسلَّم منه رسالته. الحدث عينه يتمّ هنا مع التلاميذ. سفر أعمال الرسل، للإنجيليّ لوقا، يوضح أكثر أنَّهم "رأوه صاعداً". فما دام التلاميذ قد رأوا الربّ صاعداً فهذا يعني على الفور أنَّهم سينالون روحه القدّوس وأنَّ الربّ باركهم ليسلّمهم رسالته وقوته ليتابعوها في العالم. وأيُّ فرحٍ للإنسان المسيحيّ أفضل من هذا الفرح، أن يصير شاهداً ليسوع المسيح من أورشليم إلى العالم أجمع، وأن يكون مزوّداً بقوته ونعمة روحه؟
هذا هو عيد الصعود، إنّه عيد التجلّي الأخير لمجد الربّ على الأرض وتجلّي لاهوته. كما إنّه عيدُ تسليم الرسالة إلى كلّ تلميذ. وهذه الرسالة لا نستلمها وكأنّنا يتامى، بل ننال معها موعد الروح القدس. في أعمال الرسل، يتابع النصّ على لسان الملائكة: "أيّها الرجال الجليليّون، ما بالكم شاخصين هكذا (من الفرح)، إنَّ يسوع هذا الذي ترونه صاعداً سيعود هكذا على السحاب ليدين المسكونة".
هذه الكلمات الملائكيّة توقظ التلاميذ من دهشة الفرحة إلى خدمة الرسالة. فرح التلميذ هو أن يكون في خدمة مجد سيّده. إنَّ الصعود يضعنا أمام حقيقة الحياة الحاضرة، التي ما هي إلاَّ "زمن مبارك للعمل من أجل الربّ". إنَّ الرسم الكنسيّ يعتبر أنَّ أيقونة الصعود هي ذاتها أيقونة المجيء الثاني من حيث الأقسام الأساسيّة للحركة فيها. وما بين زمن هاتين الأيقونتين تأتي حقيقة وقيمة وفرح الحياة الحاضرة.
عيد الصعود، هو عيد الفرح الكبير بتقلّد رسالة الشهادة ليسوع المسيح. إنَّ يسوع يغادرنا بالجسد ليكون معنا بشكلٍ أقوى بالروح القدس. وهذا ما قاله الربّ في إنجيل يوحنا: "خيرٌ لكم أن أنطلق، لأني سأرسل لكم معزّياً روح الحقّ الذي يرشدكم إلى كامل الحقيقة …". فرح التلميذ الحقيقيّ هو مجدُ سيّده. فرحنا هو أن نصير تلاميذ الكلمة وخدَّامها. فرحنا الحقيقيّ أن تقع علينا "قرعة الخدمة" فنصير شاهدين مع الرسل بقيامة الربّ ونُحسَب نحن أيضاً مع الاثني عشر رسولاً (أعمال 1، 24-25).
في الصعود يغادرنا الربّ بالجسد ليبقى معنا دائماً بروحه القدس. يترك الربّ العالم أمامنا ليرسلنا عوضاً عنه فيه، يرتفع عنا لا لنحزنَ وإنّما لنسجدَ له بفرحٍ عظيم.
آمين