الوداعة هى الطيبة واللطف والهدوء كما سبق وقلنا.. ولكن المشكلة هى أن البعض قد يفهم الوداعة فهما خاطئاً وكأن الوديع يبقى بلا شخصية ولا فاعلية، وكأنه جثة هامدة لا تتحرك" بل قد يصبح مثل هذا الوديع هزأة يلهو بها الناس"
ويتحول هذا ( الوديع )إلى إنسان خامل، لا يتدخل في شيء!
كلا، فهذا فهم خاطيء للوداعة، لا يتفق مع تعليم الكتاب، ولا مع سير الآباء والانبياء... حقاً إن الانسان الوديع هو شخص طيب وهادىء. ولكن هذه هى أنصاف الحقائق.
النصف الاخر من الحقيقة أن الوداعة لا تتعارض مع الشهامة والشجاعة والنخوة. وإنما لكل شىء تحت السموات وقت (جا 1:3
نعم، هكذا قال الكتاب وقال أيضاً. للغرس وقت، ولقلع المغروس وقت.. للسكوت وقت، وللتكلم وقت.." المهم أن يعرف الوديع كيف يتصرف ومتى؟..
لقد سئل القديس الأنبا أنطونيوس عن أهم الفضائل: هل هى الصلاة.. الصوم، الصمت.. ألخ . فأجاب عن أهم فضيلة هى الأفراز. أى الحكمة فى التصرف. أو تمييز ما ينبغى أن يفعل.
فالطيبة هى الطبع السائد عند الوديع، ولكن عندما يدعوه الموقف إلى الشهامة أو الشجاعة أو الشهادة للحق. فلا يجوز له أن يمتنع عن ذلك بحجة التمسك بالوداعة...
لأنه لو فعل ذلك وامتنع عن التحرك نحو الموقف الشجاع لاتكون وداعته وداعة حقيقية، إنما تصير رخاوة فى الطبع وعدم فهم للوداعة . وعدم فهم للروحانية بصفة عامة فالروحانية ليست تمسكا بفضيلة واحدة تلغى معها باقى الفضائل. إنما الروحانية هى كل الفضائل معاً متجانسة ومتعاونة فى جو من التكامل..
وأمامنا مثلنا الأعلى السيد المسيح له المجد.
كان وديعا ومتواضع القلب (مت 29:11) قصبة مرضوضة لايقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفىء(مت 20:12).. ومع ذلك:
فإنه لما رأى اليهود قد دنسوا الهيكل وهم يبيعون فيه ويشترون.. أخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون فى الهيكل وقلب موائد الصيارفة وكراسى باعة الحمام. وقال لهم مكتوب بيتى بيت الصلاة يدعى، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص.(مت 21:12،13) (يو14:2-16).
أكان ممكنا للسيد المسيح ? بأسم الوداعة ? أن يتركهم يجعلون بيت الاب بيت تجارة أم أنه مزج الوداعة بالغيرة المقدسة كما فعل؟ فتذكر تلاميذه أنه مكتوب غيرة بيتك أكلتنى(يو2:16،17).
وكما قام المسيح الوديع بتطهير الهيكل هكذا وبخ الكتبة والفريسيين.. حقا لكل أمر تحت السموات وقت.. للهدوء وقت.. وللغيرة وقت..