كانت أسرة صغيرة تعيش فى هناء : الأب، والأم، والطفلان.. صبى.. وصبية.. ولكن أنقلب الهناء شقاء عندما مات الأب والأم في حادث مؤلم، وبقى الطفلان يتيمين في البيت، الذي شعر بأنه أتسع عليهما أكثر مما يجب !.
وسكت مالك العمارة، ولم يطالبهما فى بادىء الأمر بإيجار المسكن. وأهتم بهما الجيران وصاروا يرسلون إليهما كل يوم بعض الطعام. ولكن هؤلاء المحسنين - للأسف - لم يتحملوا الاستمرار فى تقديم المعونة.....!
وجلس الولد وأخته يتباحثان في أمورهما، كما يفعل الكبار: ما رأيك يا أختي؟ وما رأيك يا أخى؟ وبعد تفكير طويل، أسقر رأيهما على أمر اعتقدا فيه الخلاص، فخرج الصبي وعاد ومعه ورقة وقلم وظرف..
ثم كتب الصبي على الورقة" إلى ربنا الذى فى السماء "
أخذت منا أمنا وأبانا، وتركتنا وحيدين فى هذا البيت الكبير علينا، الذي جاء صاحبه أمس وطلب منا إخلاءه. وإذا رفضنا فإنه سيطردنا. وسننام فى الشارع ويقتلنا البرد. ألا يكفى أننا لا نجد طعام نأكله، حتى نحرم من الركن الذي ننام فيه؟ نرجو منك يا ربنا الذي في السماء. أن تأمر صاحب البيت بأن يتركنا فيه، ولك وافر الشكر. ونحن - على كل حال - من عبادك المخلصين....
وكتب الأخ والأخت اسميهما وعنوانهما فى ذيل الخطاب ووضعا الورقة فى ظرف،
وكتبا على الظرف: "إلى ربنا الذى فى السماء - بالبريد المستعجل - مع رجاء الرد".
وألقيا الظرف فى صندوق البريد، وباتا ينتظران الرد. ووصل الخطاب إلى إدارة البريد، فجعل الموظفون يتناقلونه من يد إلى يد، الواحد بعد الآخر، ويتهامسون فيما بينهم وقد أثار ذلك العنوان العجيب، عجبهم.
وانتهى الخطاب إلى مدير التوزيع، الذي حمله بدوره إلى المدير العام. وأحل المدير لنفسه فتح الخطاب وقراءة ما فيه، ثم وضعه في جيبه وأنصرف إلى بيته. وجلس الرجل إلى المائدة مع زوجته، وهى امرأة شديدة الاهتمام بشئون منزلها، تحب زوجها ويبادلها زوجها حباً بحب. ولكن الله لم يرزقها ولداً. وكان هذا يحز في نفسها وفى نفسه. وفى أثناء تناول الطعام قال الزوج: " يا حبيبتي، لقد وصلني اليوم حولته إلينا عناية إلهية... إنه موجه إلى المنقذ الأكبر، وهو الذي أراد أن ينتهي مسيره إلينا.. ليكون ذلك الحطاب نفسه منقذاً لنا من حالة يشكو منها كلانا..
ولم تفهم الزوجة، فقالت: وضح يا حبيبي... لا أفهم ماذا تعنى... فنتناول الرجل الخطاب من جيبه، ودفعه إلى زوجته.. وقرأته الزوجة.... وانحدرت من عينها دمعة تبعتها دمعة أخرى.. وقالت وهى تضم الخطاب إلى صدرها: يجب أن ترد على الطفلين بأن الخطاب وصل، وأن ربنا الذي فى السماء حوله إلينا لكي ننفذ ما فيه، وننقذ الطفلين من شقائهما. سوف نتخذهما أبناً وإبنة لنا..
وفى اليوم التالى
كان الأخ وأخته قد أخذا مكانهما بين الزوج والزوجة، وكان الخطاب منقذاً للأسرتين
" لقد أصبح للرجل وزوجته ولدان، وأصبح للطفلين والدان ! ".