ما من شك أن الوقت هو مفتاح لكل ما يمر في
حياة الإنسان ، فهي عبارة عن أيام ، و الأيام ما هي إلا ساعات لهذا على
الإنسان مجهود مستمر في التفكير كيف تكون الساعات ؟ و من ثم يأتي السؤال
الأهم كيف ستكون حياته ؟ أو بالأحرى بأي شكل يُريد أن يمضى ساعاته ؟ قال
سقراط " حياة لم تُفحص لا تُستحق أن تُعاش " فهل هناك أشخاص مازالوا
يؤمنون بهذا و يعيشون حياتهم تاركين ما يمكن أن يُفحص و يُقدر فيها .
أيامنا
هي نحن كما عبر عنها حسن البصري فقال " يا ابن آدم .. إذا ذهب يوم ذهب
بعضك " ، كل يوم كما قال البصري هي جزء من الإنسان ، لابد أن يدركه و يعمل
على أن يكون له قيمة ، فلا يمر كأنه لم يأتي . فاليوم هو ما نحن عليه ، ما
نفعله ، ما ندركه ، ما نقضي فيه حياتنا يوم تلو الأخر ، بغض النظر إذا كنا
نفعل ما نريد أو نفعل ما لا نريد فهذا أمر آخر .
يعتبر الوقت هام جداً
لكثير من الناس ، حيث أن الوقت بالنسبة لهم من ذهب ، مكسب و خسارة ، كل
ساعة لها ثمن . و في نفس الوقت لكثير من الناس أيضاً ليس له أي قيمة فهو
لا يساوى سنتاً واحداً . أتسأل هل مازال الوقت ثمين لبعض الناس ؟ و
الإجابة تعصف بذهني .. نعم مازال الوقت هام جداً و الساعة التي بأيدينا هي
كنز لا يعرفه سوى من تعودوا أن تكون لكل دقيقة بساعاتهم لها سعر ، يشترون
بالساعة ، يقررون بالساعة ، يدفعون بالساعة ، حياة امة تبدأ أو تنتهي في
ساعة معينة . فرجال الأعمال يديرون حياتهم بالساعة ، و رؤساء الدول يديرون
شئون أوطانهم بالساعة ، و البائعون يبيعون و يشترون بالساعة . هذه الدائرة
الصغيرة التي يدور حولها العالم و هي ثابتة تدور بداخلها عقارب صغيرة تكاد
في بعض ماركات الساعات العالمية من صغر حجمها لا تُرى . إذاً الوقت هاماً
لكثير من الناس و السؤال التالي بذهني : هل هو هاماُ بنفس المقدار لمستقبل
شخصاً أو مستقبل دولة ؟! يقولون مستقبل الأمم في شبابها ، نعم فهذا صحيح
على اعتبار أن هذا الشباب يتعلم و ينمو في جو من الآمان و السلام و التقدم
، على اعتبار أن هذا الشباب يعمل و يبتكر و يحقق انجازات تعلو بوطنه ، على
اعتبار أن بلادهم تعرف بقيمتهم و تُساعدهم ليقدموا لها المزيد ، على
اعتبار أن هذا الشباب يُقدر الوقت و يستخدمه و يعرف قيمته . و لكن ماذا
إذا كان اغلب شباب بلادنا العربية ضائع لا يعرف قيمة للوقت ! بعض البلاد
تقوم و تصحو على أصوات المدافع و الدبابات و طلقات الرصاص هؤلاء الشباب
يفتقدون للأمان فالوقت لهم هو الحرب ، حياتهم تبنيها الحرب ، طفولتهم
تُبنى على مُقاومة الاحتلال ، فمتى سيكون لديهم الوقت ليبنوا بلادهم
بعيداً عن الدمار . و بعض الدول الأخرى تُعانى لكثرة شبابها من البطالة ،
فبعد معاناة طويلة في أيام طفولتهم في ظل الفقر و معاناة أكثر لأهلهم التي
تظل تكافح و تُعانى من التربية و التعليم و الدروس الخصوصية على أمل أن
هناك سيكون مستقبل لأولادهم إذا دخلوا الجامعة و تخرجوا منها ، و بعد
فرحتهم العارمة بالتخرج يدركون انها أصبحت مجرد كلمة تُذكر في البطاقة
الشخصية لأولادهم ، مجرد شهادة ليس لها قيمة . و يبدءون من جديد يُعانون و
هذه المرة ليست من التعليم و لكن من ما نتج عن التعليم ، فالتعليم دائما
هو بداية لطريق و لكن ببلادنا هو نهاية لمشوار ملايين من الشباب . فما
ينتظرهم هو البطالة و الإحباط و الذل من اجل ما يستطيعوا أن ينجزوه لتستمر
الحياة هذا إذا استطاعوا أن يجدوا عمل اقل ما يقال عليه انه إهدار للشباب
. منذ عشرات السنين لم يعد للشهادة الجامعية أي قيمة ، فما نتعلمه لا نعمل
به هذا إذا توافر لنا فرصة عمل . و تظل الأجيال تواسي أجيال بان هناك حل
قريب و مستقبل آتٍ ، و رغم أن هذا الحل لا يأتي و المستقبل لا يُشرق إلا
على قلة هي من أسعدهم الحظ بأن يكون أبائهم من أصحاب الساعات ذو الماركة
العالمية ، لا يفقدون الأمل و لا يكفون عن الحديث أن هناك فرص للحياة لم
تأتي بعد و أنها قادمة .
أفكر .. هل مازال الأمل موجود في استعادة
الوقت ، في بداية لاستعماله استعمال هادف ! هل نستطيع من جديد كشباب عربي
أن نقدر قيمة الوقت ! نحتاج لكثير من المعجزات ليس بالضرورة معجزات سماوية
كما اعتدنا ، فالمعجزات أصبحت لها أشكال كثيرة غير التي اعتدنا عليها ،
فنهاية حرب أصبحت معجزة ، و نهاية حاكم أصبحت معجزة ، و انتخابات نزيهة
معجزة ، حكم ديمقراطي حر معجزة ، و تشغيل شاب هو أيضاً معجزة . فمتى
سينتهي عصر المعجزات الحديثة . متى تصبح حياة كل شخص في بلادنا هي من صنعه
يُديرها و يعيشها كما هو يُريد و ليس كما يُريد الآخرون .
الجميع ممن
يجلسون على كراسي ثابتة يديرون العالم من حولهم يتكلمون عن الوقت و إدارة
الوقت و مستقبل الأمم و الشعوب و يجهلون أن من خلفهم طوفان قادم اسمه
الفراغ ، طوفان قادم من قلوب و عقول شباب لا حصر له ، إن لم يستخدموا
عقولهم و قوتهم الآن فلا يحسبون ان ما تؤل إليه الأحوال الآن من جهل و
إرهاب و عنف و جرائم ليس إلا القليل مما هو آتٍ إذا لم ينزلوا عن عروشهم
ليبدءوا العمل و يكفون عن أحاديث الفضائيات و المؤتمرات التي لم يعد
الشباب الذي هو اكبر فئة في المجتمع يسمعها مجرد السمع . أمام هؤلاء
المسئولون مشوار كبير لإعادة الثقة لهم هذا إذا تحركت ضمائرهم يوماً
لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مستقبل غامض لا يعلمه إلا الله .
فالوقت
مازال أمام الجميع ليحسنوا استعماله ، فمن عليه مسئولية مازال يستطيع
انجازها ، و من لديه قرار أمامه فرصة أن يتخذه ... فإدارة الوقت هي حالة
نفسية , أنها استعداد للالتزام الشخصي و إعادة ترتيب للأولويات وعادات
الحياة أو العمل . و الجميع أمامهم هذه الفرصة . و إما أن يُدركها و إما
أن يتركها تمضي كغيرها