روح الله في الأزمنة الأخير
أمّا الذي سيحلّ عليه روح الرب بشكل دائم فهو المسيح، كما جاء في نبؤة أشعيا: "ويخرج قضيب من جذر يسَّى، ويَنمي فرع من أصوله. ويستقرّ عليه روح الرب، روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوّة، روح العلم وتقوى الرب" (أش 11: 1، 2). ويرى أشعيا الثاني روح الرب يحلّ على المسيح ليوصل رسالة الرب إلى جميع الأمم: "هوذا عبدي الذي أعضده، مختاري الذي سارت به نفسي، قد جعلتُ روحي عليه، فهو يبدي الحكم للأمم، لا يصيح ولا يجلّب، ولا يُسمِع صوتَه في الشوارع. قصبة مرضوضة لا يكسر، وكتّانًا مدخنًا لا يطفئ. يبرز الحكم بحسب الحق. لا يني ولا ينكسر، إلى أن يجعل الحكم في الأرض، فلشريعته تنتظر الأمم" (أش 42: 1- 3)؛ "إنّ روح السيّد الرب عليّ، لأنّ الرب مسحني لأبشّر المساكين، وأرسلني لأجبر المنكسري القلوب، وأنادي بعتق للمسبيّين وبتخلية للمأسورين، لأنادي بسنة الرب المقبولة" (أش 61: 1- 3).
وبواسطة المسيح سيحلّ روح الرب على جميع الناس ليسلكوا بحسب وصايا الله. وهذا ما يعلنه حزقيال، "نبي الروح": "أعطيهم قلباً واحدًا وأجعل في أحشائهم روحًا جديدًا، وأنزع من لحمهم قلب الحجر، وأعطيهم قلبًا من لحم، لكي يسلكوا في رسومي ويحفظوا أحكامي ويعملوا بها، فيكونون لي شعبًا وأكون لهم إلهًا" (حز 11: 19، 20؛ راجع أيضاً 36: 26- 28).
وهذا ما يتنبّأ به يوئيل للأزمنة الماسياوية الأخيرة: "وسيكون بعد هذه أني أفيض روحيي على كلّ بشر فيتنبّأ بنوكم وبناتكم، ويرى شبّانكم رؤى، ويحلم شيوخكم أحلامًا. وعلى عبيدي أيضاً وإمائي أفيض روحي في تلك الأيام" (يوء 2: 28، 29).
وهكذا لن يعود حلول الروح هبة خاصة بالملوك والأنبياء، بل يعطى لشعب الله بأجمعه. وهذا الروح هو الذي سيجدّد قلب الإنسان من الداخل ليحمله على السلوك بحسب وصايا الله فالخاطئ يُحزن الروح القدس: "لكنّهم تمرّدوا وأحزنوا روَحه القدوس" (أش 63: 10). لذلك يطلب المزمور الخمسون: "قلباً طاهراً فيّ يا الله، وروحاً مستقيمًا جدّد في أحشائي. لا تطّرحني من أمام وجهك، ولا تنزع مني روحك القدوس" (مز 50: 13). ويقول سفر الحكمة في هذا الصدد: "من علم مشورتك لو لم تؤتِ الحكمة، وتبعث روحك القدوس من الأعالي؟" (حك 9: 17). وهذا الروح القدس يدخل إلى أعماق الإنسان و يملأه حكمة: "انّ الحكمة مهندسة كلّ شيء هي علّمتني. فإنّ فيها الروح الفهِم القدوس، المولود الوحيد ذا المزايا الكثيرة، اللطيف السرج الحركة، الفصيح الطاهر النيّر السليم، المحبّ للخير، الحديد الحرّ المحسن، المحبّ للبشر، الثابت الراسخ، المطمئن القدير، الرقيب الذي ينفذ جميع الأرواح الفهمة الطاهرة اللطيفة" (حك 7: 21- 23).
وهذا الروح لن يترك الإنسان: "هذا عهدي معهم، قال الرب: روحي الذي عليك وكلامي الذي جعلته في فمك لايزول من فمك، ولا من فم نسلك، ولا من فم نسل نسلك، قال الرب، من الآن وإلى الأبد" (أش 59: 21).
والروح الذي سيرسله الرب في الأيام الأخيرة سيُحيي الأموات، كما جاء في نبوءة حزقيال على العظام اليابسة:
"وكانت عليّ يد الرب، فأخرجني الرب بالروح، ووضعني في وسط البقعة، وهي ممتلئة عظامًا... وقال لي: تنبّأ نحو الروح، تنبّأ يا ابن البشر، وقل للروح: هكذا قال السيد الرب، هلمّ أيها الروح من الرياح الأربع، وهبّ في هؤلاء المقتولين فيحيوا. فتنبّأت كما أمرني. فدخل فيهم الروح، فحيوا وقاموا على أرجلهم جيشًا عظيمًا جدًّا جدّاً... هكذا قال السيد الرب: ها أناذا أفتح قبوركم وأصعدكم من قبوركم... وأجعل روحي فيكم فتحيون" (حز 37: 1- 14).
خلاصة القول انّ الروح في العهد القد يظهر على ثلاثة أوجه يظهر أوّلاً كقدرة حياة تحيي كل خليقة، ويظهر ثانياً في كلام الأنبياء والمعجزات التي يقومون بها باسم الله، ويظهر أخيراً كوعد للأزمنة الأخيرة التي فيها سيأتي المسيح ممتلئًا من الروح القدس، وبواسطته سيحلّ الروح القدس على جميع الشعب وفي داخلهم، كقوّة قداسة وينبوع حياة جديدة.
وفي جميع هذه الوجوه، لا يبدو الروح كقدرة مستقلّة عن الله، بل كقدرة مرتبطة بالله. وحضوره هو حضور واقعي وسرّي في آن واحد، فالله يعمل بواسطة روحه القدوس في قلب العالم، ولكنّه يبقى متعاليًا عن العالم.