الإصحاح التاسع عشر
ذهاب المسيح الخير من الجليل لأورشليم
(عدد 1، 2؛ مرقس 1:10، 32؛ لوقا 51:9؛ 11:17)
«ولما أكمل يسوع هذا الكلام انتقل من الجليل وجاء إلى تخوم اليهودية من عبر الأردنّ وتبعته جموع كثيرة فشفاهم هناك» (عدد 1، 2).
لا يُخفى أن الرب هنا صاعد إلى أورشليم آخر مرة قبل موته بمدة وجيزة تبلغ نحو ثلاثة أشهر أو أقل من ذلك (انظر يوحنا 22:10-41). مَتَّى لا يذكر حضوره إلى أورشليم وقت عيد التجديد بل مدة إقامته في عبر الأردنّ بعد تركه الجليل. فأنه جاء إلى هناك ثم عاد إلى بيت عنيا لإقامة لعازر (يوحنا 17:11). وبسبب الاضطهاد أيضًا مضى من هناك إلى مدينة أفرايم ومكث بها حتى قبل عيد الفصح بستة أيام. ثم عاد منها إلى بيت عنيا (يوحنا 53:11-55؛ 1:12).
شريعة الزواج في الجنة هي شريعته في ملكوت السماوات
(عدد 3-12؛ مرقس 2:12-12)
«وجاء إليه الفريسيون ليجربوه قائلين له هل يحل للرجل أن يطلق امرأته لكل سبب؟ فأجاب وقال لهم، أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكرًا وأنثى؟ وقال من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدًا واحدًا. إذًا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد. فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان. قالوا له، فلماذا أوصى موسى أن أجل قساوة قلوبكم أذن لكم أن تطلقوا نساءكم. ولكن من البدء لم يكن هكذا. وأقول لكم، إن من طلق امرأته إلا بسبب الزنا وتزوج بأخرى يزني. والذي يتزوج بمطلقة يزني» (عدد 3-9). راجع (إصحاح 31:5، 32) حيث رأينا في كلام الرب «أما قرأتم … إلخ؟» فهو يستشهد في شأن الزواج بما جاء في (تكوين 27:1؛ 24:2) «خلقهما ذكرًا وأنثى» أي ذكرًا واحدًا لأنثى واحدة وأنثى واحدة لذكر واحد. فلا طلاق (ملاخي 14:2-16؛ أمثال 17:2) ولا تعدد زوجات.
«يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدًا واحدًا» أي أن اقتران أحدهما بالآخر كاقتران أعضاء الجسد ببعضها، هذا الاقتران الذي يدوم بدوام الحياة ولا يفكه وينهيه إلا الموت (كورنثوس الأولى 39:7؛ رومية 2:7، 3؛ مرقس 12:10). فضلاً عن أنه يدل على اتحادهما قلبًا وقالبًا وعلى اهتمام كل منهما بالمحبة لإسعاد الآخر (أفسس 28:5، 29).
«فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان» يتبين من هذا أن الزواج رباط إلهي لا بشري. ومن ثم لا يقوى إنسان على فكه. والخلاصة هي أن مبدأ الزواج هو ترتيب الله الأصلي الذي رتبه للإنسان وقت الخليقة. فبحسب مشيئة الله عقد الزواج لا يُحل ولا يُفسَّخ، لأنه يُنظر إلى الذكر والأنثى المقترنين معًا كجسد واحد، فلا يجوز للإنسان أن يفرقهما. وإن زنى واحد منهما فقد أبطل العقد. ويصح هذا على الرجل وعلى المرأة على حد سواء.
«قالوا له، فلماذا أوصى موسى أن يُعطى كتاب طلاق فَتُطَلَّقُ؟ قال لهم، إن موسى من أجل قساوة قلوبكم… ». قال «قلوبكم» مع أن الكلام عن أسلافهم، ليس فقط لأن اليهود في نظره أمة واحدة، بل وأيضًا لأن قلوبهم في نفس قساوة قلوب آبائهم. وإلا لِما سألوه عن الطلاق.
«أذن لكم» قال الفريسيون في سؤالهم «أوصى» فقال المسيح في جوابه «أذن» وبين اللفظتين فرق في المعنى لا يُخفى.
«وأقول لكم، إن من طلق امرأته إلا بسبب الزنى وتزوج بأخرى يزني والذي يتزوج بمطلقة يزني» كان الإذن لهم تحت الناموس بتطليق نسائهم كاشفًا لأمرين:
أولاً- عجز الطبيعة البشرية بسبب سقوطها عن تنفيذ شريعة الله الأصلية للزواج.
ثانيًا- عجز الناموس نفسه عن إصلاح الطبيعة البشرية الساقطة.
فالمسيح بفضل نعمته في بني الملكوت رجع بهم من حيث الزواج إلى شريعة الله في الجنة مُتجاوزًا عما حصل تحت الناموس كجملة مُعترضة، مُصادقًا على ما رتبه الله في الخليقة لبركة الإنسان ولم يُصادق على القساوة التي وصلت إلى قلب الإنسان عن طريق دخول الخطية. إذن، موسى كمُشترع أذن لهم بالطلاق. ولكنه لم يكن بحسب قانون الله الأصلي للزواج. فأرجعه المسيح إلى أصله. وهذا هو قانونا المسيحي المطلق. وجميع الرؤساء والمجامع الكنائسية لا يستطيعون أن يحللوا ما حرمه الله. معلوم أن أكثرهم قد أجاز الطلاق لأسباب غير الزنا ولكنهم إنما أظهروا قساوة قلوبهم وعصيانهم على تعليم الرب الصريح. ومن حاول أن يتداخل بين الرجل وامرأته زاعمًا أن له سلطانًا كنائسيًا في ذلك يُظهر نفسه ضد المسيح تمامًا.
«قال له تلاميذه إن كان هكذا أمر الرجل مع المرأة فلا يوافق أن يتزوج. فقال لهم ليس الجميع يقبلون هذا الكلام بل الذين أُعطيَّ لهم. لأنه يوجد خصيان وُلدوا هكذا من بطون أمهاتهم. ويوجد خصيان خصاهم الناس. ويوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السماوات. من استطاع أن يقبل فليقبل».
فحتى التلاميذ استصعبوا القانون الإلهي للزواج. وبحسب أفكارهم اليهودية وقتئذ قالوا أن الأوفق للرجل أن لا يتزوج البتة إن كان ملتزمًا بالارتباط مع امرأته التزامًا مُطلقًا غير مُنقطع كل مدة حياتهما الطبيعية. فقال لهم الرب ليس الجميع يقدرون أن يقبلوا هذا الكلام أي كلامهم في الامتناع عن الزواج لأن الإنسان قد خُلق مُحتاجًا إلى الزواج (تكوين 18:2-24) ولا يوجد إلا القليل من الناس يستطيع بدونه. (أنظر كورنثوس الأولى 1:7-7، 9، 36). غير أن بعض الذكور قد ولدوا بأجساد معابة أو غير كاملة التركيب. ومن ثم فهم بطبيعتهم غير قابلين للزواج. والبعض الآخر قد أصبحوا هم أيضًا، بظلم الناس، غير قابلين للزواج بأن أجروا لهم عملية جراحية. وهذا النوع من الخصيان هو الذي كثر ذكره في الكتاب1 . (انظر إرميا 2:29؛ دانيال 3:1؛ أعمال الرسل 27:8؛ ملوك الثاني 32:9). ولكن يوجد أيضًا فريق ثالث هم الخصيان معنويًا لا حرفيًا. وهم الذين يستطيعون الامتناع عن الزواج اختياريًا لأجل خدمة الرب، إذ أنهم بنعمة خاصة من الله يضبطون أنفسهم غير منهمكين بالهموم المقترنة بحالة الزواج. انظر (كورنثوس الأولى 7:7، 17).