الإصحاح الثاني عشر
1 وَابْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ بِأَمْثَال:«إِنْسَانٌ غَرَسَ كَرْمًا وَأَحَاطَهُ بِسِيَاجٍ، وَحَفَرَ حَوْضَ مَعْصَرَةٍ، وَبَنَى بُرْجًا، وَسَلَّمَهُ إِلَى كَرَّامِينَ وَسَافَرَ. 2 ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى الْكَرَّامِينَ فِي الْوَقْتِ عَبْدًا لِيَأْخُذَ مِنَ الْكَرَّامِينَ مِنْ ثَمَرِ الْكَرْمِ، 3 فَأَخَذُوهُ وَجَلَدُوهُ وَأَرْسَلُوهُ فَارِغًا. 4 ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَيْضًا عَبْدًا آخَرَ، فَرَجَمُوهُ وَشَجُّوهُ وَأَرْسَلُوهُ مُهَانًا. 5 ثُمَّ أَرْسَلَ أَيْضًا آخَرَ، فَقَتَلُوهُ. ثُمَّ آخَرِينَ كَثِيرِينَ، فَجَلَدُوا مِنْهُمْ بَعْضًا وَقَتَلُوا بَعْضًا. 6 فَإِذْ كَانَ لَهُ أَيْضًا ابْنٌ وَاحِدٌ حَبِيبٌ إِلَيْهِ ،أَرْسَلَهُ أَيْضًا إِلَيْهِمْ أَخِيرًا، قَائِلاً: إِنَّهُمْ يَهَابُونَ ابْنِي! 7 وَلكِنَّ أُولئِكَ الْكَرَّامِينَ قَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: هذَا هُوَ الْوَارِثُ! هَلُمُّوا نَقْتُلْهُ فَيَكُونَ لَنَا الْمِيرَاثُ! 8 فَأَخَذُوهُ وَقَتَلُوهُ وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْكَرْمِ. 9 فَمَاذَا يَفْعَلُ صَاحِبُ الْكَرْمِ؟ يَأْتِي وَيُهْلِكُ الْكَرَّامِينَ، وَيُعْطِي الْكَرْمَ إِلَى آخَرِينَ. 10 أَمَا قَرَأْتُمْ هذَا الْمَكْتُوبَ: الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ، هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ؟ 11 مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هذَا، وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا!» 12 فَطَلَبُوا أَنْ يُمْسِكُوهُ، وَلكِنَّهُمْ خَافُوا مِنَ الْجَمْعِ، لأَنَّهُمْ عَرَفُوا أَنَّهُ قَالَ الْمَثَلَ عَلَيْهِمْ. فَتَرَكُوهُ وَمَضَوْا. (عدد 1-12).
إن عجز رؤساء اليهود وقصور فهمهم وضحا وضوحًا صريحًا. فقد ادَّعوا بالقضاء على يسوع غير أن الحكمة الإلهية الخارجة من فمهِ قضت عليهم وأرغمتهم على الاعتراف بعجزهم. فشرعَ السيد أن يُبين لكل رُتب اليهود في نويتهِ حالتهم الحقيقية وأوضح أولاً حال كل الشعب عمومًا. ولا يخفى أن إسرائيل كان كرم الرب فوضعهُ تحت عناية كرَّامين مُعينين ليأخذ أثمارهُ في حينها. فقد فعل كل ما يستطيع عليهِ لكرمهِ وكان يستحيل عليهِ أن يفعل أكثر مما فعل. وتمتع إسرائيل بكل الامتيازات والحقوق التي يمكن لأُمة أن تتمتع بها. ثم بعث السيد بعبيدهِ في إبان الثمر ليأخذ من الكرَّامين غلة الكرم. فإن الأنبياء طلبوا تلك الأثمار من الشعب بالنيابة عن الله الذي هو رب الكرم أما الكرَّامون فأخذوا عبدًا وضربوهُ وأخذوا آخر وقتلوهُ ورفضوهم جميعًا. وعلى هذا المنوال عامل إسرائيل خُدامهُ تعالى المُرسلين لإرجاعهم إلى سبيل الواجبات. فأرسل أخيرًا ابنهُ الوحيد المحبوب قائلاً: أنهم يهابون بني ولكنهم أخذوهُ وقتلوهُ وأخرجوهُ خارج الكرم. فإنهم أرادوا أن يملكوا الكرم بقتل الوارث الحقيقي.
فلنتأمل قليلاً بهذا المَثل فبأية مهابة وسكون أوضح السيد سلوك الأمة الإسرائيلية في الزمان العابر وتصرُّفها في الوقت الحاضر أيضًا. على انهُ كان متأهبًا كل التأهب للآلام وقد آتى لتجرُّع كأس الموت ولكن كان لابد لهُ من بيان سلوك أعدائهُ بيانًا جليًا. فقد أملأُوا مكيال إثمهم بأعين مفتوحة فيا لسوء حالة الأمة اليهودية! على أن الله سيترأف عليها بنعمتهِ الفائقة ويعيدها بعهد جديد إلى مقامها كشعب الله المعترف بهِ.
ان مرقس الإنجيلي يرد الحوادث بسرعة وإنما يدرج هنا العواقب المترتبة على خطية إسرائيل غير ان من الأناجيل الأخرى ان اليهود التزموا بجوابهم أن يفوهوا بدينونتهم الخاصة إذ فهموا كل الفهم معنى المَثل. فقد أنباهم الرب هنا عن حقيقة الأمر كما هي وما ذلك إلا الخراب والدمار المُتَحتم عليهما لرفضهم المسيح ابن الله. فإن سيد الكرم رب الجنود سوف يأتي ويُهلك أولئك الكرامين الأشرار ويسلم الكرم إلى آخرين.
ثم اقتبس الرب مرة أخرى من المزمور المئة والثامن عشر وسأل رؤساء الشعب سؤالاً يُشير إليهِ كل الإشارة وهو أما قرأتم هذا المكتوب؟ الحجر الذي رفضهُ البناؤون هو قد صار رأس الزاوية. من قِبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا فما أجلى هذا الإعلان النبوي! للدلالة على حال إسرائيل والعواقب المترتبة عليها فإنهُ لهُ المجد أوضح بهذه الآيات الوجيزة مختصر التاريخ الإسرائيلي ووضعهُ على أتم منوال وبكلمات قليلة أعلن سلوك الأمة اليهودية من موسى حتى الصليب وخطيتها أيضًا نحو يهوه إلهها والمسيح والأنبياء والعواقب الهائلة الناشئة لها من ذلك وأفكار الله من نحوها. أي انهُ تعالى سوف ينزع منها كل امتيازاتها ويعطي الكرم إلى آخرين يعطونهُ الأثمار في حينها وقد أظهر انهُ بهذهُ الحقيقة العظمى وهي خطية الإنسان وعدم إيمان اليهود المدلول عليهِ برفض رب المجد وصلبهِ سيرتفع إلى يمين الله ويصير رأس الزاوية. ثم نرى بهذه الحادثة أيضًا كشف الحجاب عن أسرار العهد القديم المدرجة في النبوة لأن نشاهد بلمحة بصر إبلاغ طرق الله كلها للفهم الروحي. فلا تعلن لنا أفكار الله وأعمال الإنسان إلا الحكمة الإلهية والوحي السماوي فهما الواسطة لإبلاغ ذلك للبشر.
فقد رأينا ان كل رتب اليهود أتت ليقضي عليها فتقدم الفريسيون والهيروديسيون أولاً- ليصطادوهُ بكلمة؛ لأنهم لم يتجرأوا ان يلقوا عليهِ يدًا على أنهم كانوا يرغبون في ان يفعلوا ذلك لمعرفتهم ان مَثل الكرم الكرامين إنما قيل عليهم. غير ان الشعب كانوا لم يزالوا تحت سطوة كلامهِ وأعمالهِ فكانوا يهابونهُ رغمًا عن عدم إيمان قلوبهم الغليظة. فكان الرؤساء يخشون الشعب فكانوا بذلك عبيدًا لا لاميالهم الطبيعية وعدم إيمانهم فقط بل للشعب نفسهِ أيضًا فكانوا يجزعون من ان يفعلوا شيئًا ضد يسوع معتقدين ان الشعب ينحاز إليهِ فلم تكن لهم قوة الإيمان ولا الحرية التي هي نتيجة الاستقامة بل كانوا يُراعون رضى الشعب.
13 ثُمَّ أَرْسَلُوا إِلَيْهِ قَوْمًا مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالْهِيرُودُسِيِّينَ لِكَيْ يَصْطَادُوهُ بِكِلْمَةٍ. 14 فَلَمَّا جَاءُوا قَالُوا لَهُ:«يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ صَادِقٌ وَلاَ تُبَالِي بِأَحَدٍ، لأَنَّكَ لاَ تَنْظُرُ إِلَى وُجُوهِ النَّاسِ، بَلْ بِالْحَقِّ تُعَلِّمُ طَرِيقَ اللهِ. أَيَجُوزُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ أَمْ لاَ؟ نُعْطِي أَمْ لاَ نُعْطِي؟» 15 فَعَلِمَ رِيَاءَهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ:«لِمَاذَا تُجَرِّبُونَنِي؟ اِيتُونِي بِدِينَارٍ لأَنْظُرَهُ.» 16 فَأَتَوْا بِهِ. فَقَالَ لَهُمْ:«لِمَنْ هذِهِ الصُّورَةُ وَالْكِتَابَةُ؟» فَقَالُوا لَهُ:«لِقَيْصَرَ». 17 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ:«أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا ِللهِ للهِ». فَتَعَجَّبُوا مِنْهُ. 18 وَجَاءَ إِلَيْهِ قَوْمٌ مِنَ الصَّدُّوقِيِّينَ، الَّذِينَ يَقُولُونَ لَيْسَ قِيَامَةٌ، وَسَأَلُوهُ قَائِلِينَ: 19 «يَا مُعَلِّمُ، كَتَبَ لَنَا مُوسَى: إِنْ مَاتَ لأَحَدٍ أَخٌ، وَتَرَكَ امْرَأَةً وَلَمْ يُخَلِّفْ أَوْلاَدًا، أَنْ يَأْخُذَ أَخُوهُ امْرَأَتَهُ، وَيُقِيمَ نَسْلاً لأَخِيهِ. 20 فَكَانَ سَبْعَةُ إِخْوَةٍ. أَخَذَ الأَوَّلُ امْرَأَةً وَمَاتَ، وَلَمْ يَتْرُكْ نَسْلاً. 21 فَأَخَذَهَا الثَّانِي وَمَاتَ، وَلَمْ يَتْرُكْ هُوَ أَيْضًا نَسْلاً. وَهكَذَا الثَّالِثُ. 22 فَأَخَذَهَا السَّبْعَةُ، وَلَمْ يَتْرُكُوا نَسْلاً. وَآخِرَ الْكُلِّ مَاتَتِ الْمَرْأَةُ أَيْضًا. 23 فَفِي الْقِيَامَةِ، مَتَى قَامُوا، لِمَنْ مِنْهُمْ تَكُونُ زَوْجَةً؟ لأَنَّهَا كَانَتْ زَوْجَةً لِلسَّبْعَةِ». 24 فَأَجَابَ يَسُوعُ وقَالَ لَهُمْ:«أَلَيْسَ لِهذَا تَضِلُّونَ، إِذْ لاَ تَعْرِفُونَ الْكُتُبَ وَلاَ قُوَّةَ اللهِ؟ 25 لأَنَّهُمْ مَتَى قَامُوا مِنَ الأَمْوَاتِ لاَ يُزَوِّجُونَ وَلاَ يُزَوَّجُونَ، بَلْ يَكُونُونَ كَمَلاَئِكَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ. 26 وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الأَمْوَاتِ إِنَّهُمْ يَقُومُونَ: أَفَمَا قَرَأْتُمْ فِي كِتَابِ مُوسَى، فِي أَمْرِ الْعُلَّيْقَةِ، كَيْفَ كَلَّمَهُ اللهُ قَائِلاً: أَنَا إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ؟ 27 لَيْسَ هُوَ إِلهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلهُ أَحْيَاءٍ. فَأَنْتُمْ إِذًا تَضِلُّونَ كَثِيرًا!». (عدد 13-27).
إن ساعة آلام الرب لم تكن قد أتت. فأرسلوا جواسيس يصطادونهُ بكلمة؛ لأن الفريسيين كانوا مفعميين بالكبرياء والافتخار بامتيازات أمة اليهود ومتأهبين لإثارتها ضد الرومانيين وكانوا يستخدمون التمليق والتدليس لأهاجة أطماعها، وكانوا خاضعين لغير الأمم بسبب خطاياهم ولم يكونوا يُحسبون بعد في منزلة شعب الله. أما مسيا الموعود بهِ فكان قد آتى من قِبل الآب فلم يشأوا أن يقبلوهُ لأنهُ أعلن الله ومثَّلهُ على الأرض ولم تصبو قلوبهم القاسية لله بل أرادوا ان يتباهوا ويُمجدوا أنفسهم بأنهم شعب الله ولكنهم لم يقبلوهُ تعالى ويخضعوا لهُ. فكان عصيان قلوبهم على الله مقترنًا بتمردهم القلبي على حكومة الأمم وكبريائهم الوطنية.
أما الهيرودسيين فبالعكس لأنهم قبلوا السلطة الرومانية ولم يتعبوا أنفسهم بامتيازات إسرائيل بل كانوا يصبون جدًا للفوز برضى ذلك الشعب القوي الذي ضبط إسرائيل تحت نير دينونة الله الثقل. فلو قال الرب: أنهم لا يجب ان يؤدوا الجزية لأظهر نفسهُ عدوًا للسلطة الرومانية وباَدرَ الهيرودسيين للشكوى عليهِ، ولو قال بلزوم تأديتها لم يكن هو المسيا المنتظر ان يُعتقهم من النير الروماني المقوت؛ لأنهم لم يكونوا يعتقدون بإمكانية وجود وسيلة أخرى للنجاة ومن ثم كان يفقد رضى الشعب ومحبتهم. فقد اتفق الهيرودسيون والفريسيون واجتمعت كلمتهم للإيقاع بيسوع غير ان الحكمة الإلهية لا تعجز عن حل المشاكل العسرة.
فكان ينبغي ان اليهود يخضعون للنير الذي وضعهُ الله نفسهُ على أعناقهم إلى ان يُحررهم الله بنعمتهِ، وكان يجب ان يقبلوا التأديب من يدهِ، ولكنهم لم يفعلوا هذا ولا ذاك لأنهم كانوا مرائين أمام الله ومتمردين نحو البشر فطلب منهم يسوع ان يروهُ قطعة من النقود المرسوم عليها رأس الإمبراطور وسألهم لمن هذه الصورة والكتابة فأجابهُ اليهود: لقيصر. فقال لهم: يسوع أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله فذهب اليهود منذهلين من حكمتهِ الباهرة وما كان ذلك الجواب إلا عادلاً لأنهُ لم يدفع شكاويهم فقط بل أعلن حالة إسرائيل الحقيقية ودينونة الله عليهِ.
ثم آتى الصدوقيون بعدئذ وهم طائفة أخرى من اليهود لا تعتقد بعالم غير منظور ولا بالملائكة ولا بالقيامة بل كانوا يذهبون إلى ان الله أعطى الناموس لشعبهِ إسرائيل وان هذا هو كل الوحي والإعلان. فكانوا قد أعتقادوا على مجادلة الناس ولم يتوقعوا ان يصادفوا الحكمة الإلهية ولا قوة كلمة الله المستحيلة مقاومتها. فأتوا بذكر حادثة صورها لهم الوهم فلو صدقت لجعلت تعليم القيامة أمرًا متعذر وجدير بالاستخفاف ؛ لأنهم خالوا ان نسبة الإنسان وحالهُ في هذا العالم تستمر ان على ما كانتا عليهِ في العالم الآتي. فهذا هو طبقَ ما يفعلهُ الناس لا سيما الذين يميلون إلى الكُفر فإنهم يمزحون أفكارهم مع كلام الله وبما ان هذه الأفكار لا تتفق مع تلك فيظنونها غير مفهومة ويرفضونها، وأما قيامة الأموات فمن الحقائق الأساسية الجوهرية التي يجب الاعتقاد بها فالسيد لم يُسَكت أعدائهُ فقط بحكمة جوابهِ واكتشاف ريائهم بل أعلن الحق نفسهُ الوارد تحت حجاب في تعليم العهد القديم مثبتًا إياهُ بقوة سلطانهِ ذلك لحق خطير أي القيامة وعليهِ تتعلق كل الأشياء فإنها برهان على أن يسوع هو ابن الله وان ابن الله قَبِلَ ذبيحتهُ وهي أيضًا كناية عن غلبة الموت وأن كل الأمور المختصة بحال الإنسان الساقط السيئة قد تُركت، وغض النظر. عنها ودخل الإنسان حديثًا حسب مشورة الله في حالة جديدة وفي أمجاد أبدية وأصبح بشبه صورة المسيح. لا شك بأن الأشرار يقومون للدينونة ولكن الرب إنما ينظر هنا إلى خاصتهِ وأحوالهم ولاهتمام بهم كما في (كورنثوس الأولى إصحاح 15) فكأنهُ قال: ان العهد القديم يتضمن إعلان هذا الحق. أما النظر لشخصهِ فقد تنبئ عنهُ صريحًا في المزمور السادس عشر. ولكن يُقال ان الصدوقيين لم يعتقدوا إلا بناموس موسى. فذلك الناموس يتعلق أولاً- بما أسسهُ الله على الأرض لشعبهُ الأرضي أما الحياة وعدم الفساد فأُعلنا بالإنجيل وبقيامة يسوع نفسهُ غير ان النور في العهد القديم وإن كان أحيانًا تحت غمام لكنهُ لم يكن ناقصًا للسُيَاح، والغرباء على الأرض الطالبين موطنًا أفضل ومدينة سماوية. فالتعليم الوارد هنا يُشير إلى سيادة الله وحكومتهِ على الأرض. غير أن قلوب المؤمنين تَجد بها بالإيمان كل ما تفتقر إليهِ للاستدلال على وطن أبدي وسماوي.
ان الفريسيين آمنوا بالقيامة ولم يكونوا أغبياء بفهم هذه الحقيقة. غير أن السيد أراد أن يُبين ان الصدوقين إذا كانوا يقبلون الناموس فقط فالناموس نفسهُ المُعطى من الله كان كافيًا لإنارة الفهم الروحي وحملهِ على توقُّع أمور أفضل من الأشياء الأرضية وأن يزيد علاقتهُ معهُ تعالى زيادة أعظم مما يستطيع الإنسان ان يتمتع بها في سلطة الله على العالم أو على شعبهِ وإن كان كانت هذه السلطة مما لا ريب فيهِ. ثم عنف الرب الصدوقيين تعنيفًا عامًا لجهلهم الكتب وقوة الله وأعلن أولاً- هذا الحق وهو أن الإنسان حالما يُقام من الأموات يكون مثل الملائكة ولا علاقة لهُ بالزواج. ثم أوضح نسبة الله للإنسان الفائقة بحياة وراء الموت فينشأ من ذلك بالضرورة تعليم القيامة؛ لأن الإنسان مركب حسب مشورة الله من روح وجسد. فإبراهيم وإسحاق ويعقوب كانوا قد أسلموا الروح مذ زمن مديد غير أن الله لم ينفكَّ عن كونهِ إلهًا لهم فمن ثمَّ كانوا لم يزالوا أحياء لهُ لأن الموت إنما يستولي على الجسد إلى حين ولا يستطيع ان ينقص علاقة الروح مع الله فإذًا لابد من إقامة أجساد الذين هم خاصة الله.
فالصدوقيين المعتقدون بناموس موسى فقط كانت تعوزهم بينة صريحة على هذه الحقيقة مقتبسة من الناموس نفسهِ. أما نحن فيهمنا فهم هذه الحقيقة أيضًا كيفما كانت علاقتها مع الصدوقيين وعلينا ان نذكر ان الله لما دخل منذ البدء بنسبة مع الإنسان ودخلت الخطية والموت جعل تعليم القيامة أساسًا أوليًا في جميع إعلاناتهِ. ولا أساس آخر حقيقيًا للبركة فإن المواعيد نفسها المعطاة لإسرائيل إنما كانت مؤسسة على هذا الحق ولا سيما إتمامها انظر (أعمال الرسل 34:13) فالأمر الأول المُعلن بالإنجيل مؤسس بوحي الله الأول الصريح على نسبتهِ تعالى للبشر تلك نسبة مقترنة كل الاقتران بالفداء على أنها كانت لإسرائيل على سبيل الرموز ولكنها تمت إتمامًا حقًا بالمسيح ومؤبدًا فكما أن حق الديانة المسيحية العظيم اعني بهِ حالة الإنسان الجديدة قد توطد بكلمة الله كذلك أيضًا كمال الناموس الذي هو دستور الواجبات الإنسانية قد أنجلى جلاء بينًا كما سيظهر في الفصل القادم.