31 فَتَنَاوَلَ الْيَهُودُ أَيْضًا حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ. 32 أَجَابَهُمْ يَسُوعُ:«أَعْمَالاً كَثِيرَةً حَسَنَةً أَرَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَبِي. بِسَبَبِ أَيِّ عَمَل مِنْهَا تَرْجُمُونَنِي؟» 33 أَجَابَهُ الْيَهُودُ قَائِلِينَ:«لَسْنَا نَرْجُمُكَ لأَجْلِ عَمَل حَسَنٍ، بَلْ لأَجْلِ تَجْدِيفٍ، فَإِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلهًا» 34 أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَلَيْسَ مَكْتُوبًا فِي نَامُوسِكُمْ: أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ؟ 35 إِنْ قَالَ آلِهَةٌ لأُولئِكَ الَّذِينَ صَارَتْ إِلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللهِ، وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ الْمَكْتُوبُ، 36 فَالَّذِي قَدَّسَهُ الآبُ وَأَرْسَلَهُ إِلَى الْعَالَمِ، أَتَقُولُونَ لَهُ: إِنَّكَ تُجَدِّفُ، لأَنِّي قُلْتُ: إِنِّي ابْنُ اللهِ؟ 37 إِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَعْمَلُ أَعْمَالَ أَبِي فَلاَ تُؤْمِنُوا بِي. 38 وَلكِنْ إِنْ كُنْتُ أَعْمَلُ، فَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِي فَآمِنُوا بِالأَعْمَالِ، لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا أَنَّ الآبَ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ». (عدد 31-38.
يظن الإنسان المقاوم النور أنهُ يقدر أن يتخلَّص من عذابهِ بأماته الذين يستخدمهم الله لإيصالهِ لهُ. هكذا عمل أولئك اليهود المساكين، ولكن النور إذا رفُض لا يزال يعذّب ضمائر رافضيهِ منذ رفضهِ إلى الأبد فيكون عليهم أعظم شهادة وقت الدينونة. ففهموا معنى الرب أنهُ مساوٍ للآب وبادروا أن يعاملوهُ كمُجدف، فأجابهم جوابين في هذا الفصل ليس لأجل الإقناع لأن ذلك لم يكن لهُ موضع فيهم بل لأجل التخجيل والتسكيت.
أولاً- أعمالهُ الحسنة التي صنعها بينهم بكثرةٍ ليست مما يبرهن أنهُ مجدّف لأنهُ كان يعملها كما أراهُ الآب طاعة لهُ فهل يرجمونه بسبب عمل حسن. فلم يقدروا أن ينكروا أعمالهُ الحسنة ومع ذلك زعموا أنهُ مجدّف إذ جعل نفسهُ الله. نرى أنهُ لم يغلطهم في فهمهم معنى كلامهِ الذي مضمونهُ أنهُ الله لأنهُ قال صريحًا أنا والآب واحد فلا يمكن أن يكون ذلك صحيحًا إن كان هو ليس مساويًا للآب في الجوهر كما ورد عنهُ في أول هذا الإنجيل.
ثانيًا- أقتبس شهادة من التوراة لكي يعمل مقابلة بين نفسهِ وبين الملوك والقضاة ويستنتج منها نتيجة صحيحة أنهُ أعظم منهم بما لا يوصف حتى في مقامهِ كإنسان ظاهر في وسطهم وعامل أعمالاً حسنة باسم أبيهِ. كانوا قد قالوا: فأنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهًا. فأجابهم على ذلك: أليس مكتوبًا في ناموسكم أنا قلت أنكم آلهة. (انظر مزمور 6:82) حيث يخاطب الله الملوك والقضاة باعتبار مقام السلطان والسياسة الذي أقامهم فيهِ لأنهُ يلبس جميع السلاطين البشريين سلطة خصوصية إلهية منهُ بقطع النظر عن كيفية تصرفهم فيها. نعم يجب عليهم أن يحكموا بالحق والعدل بالنظر إلى تقديمهم الحساب لمصدر سلطانهم فيما بعد. ولكن كيفما تصرفوا في الوقت الحاضر يجب علينا أن نعتبرهم كنواب الله في مناصبهم مادام الله يبقى السلطان في أيديهم (انظر رومية 1:13-7) وشهادات أخرى كثيرة على هذا الموضوع.ومن المعلوم أن الوحي يطلق لفظة ألوهيم العبرانية التي معناها آلهة على القضاء والحكام. إن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله. ولا يمكن أن ينقض المكتوب. لاحظ
أولاً- أن الأشخاص المشار إليهم كانوا كبشر تحت المسئولية لله بواسطة كلمتهِ بخلاف الابن الوحيد الظاهر على هيئة إنسان الذي كان الكلمة الأزلي بذاتهِ مع أنهُ أتخذ مقامًا اقتضى أنهُ يطيع الذي أرسلهُ.
ثانيًا- شهادتهُ العجيبة لما كُتب في التوراة أنهُ لا يمكن أن ينقض شيءٌّ منهُ لأن كلمة الله ثابتة إلى الأبد ولم يكتب حرف واحد أو نقطة واحدة إلاَّ بالوحي الكامل ولمقصد إلهي. فالذي قدَّسهُ الآب وأرسلهُ إلى العالم أتقولون لهُ أنك تجدّف لأني قلت أني ابن الله. قدَّسهُ يعني افرزهُ. فنرى أنهُ يحافظ على عظمة ذاتهِ. إذ لا يجمع نفسهُ مع الذين صارت إليهم كلمة الله إلاَّ باعتبار المقام الذي تعيَّن لهم من الله والكرامة التي يكرمهم بها إذ يلقبهم آلهة لكونهم نوابًا عنهُ في ممارسة مناصبهم. وأما هو من جهة شخصهِ فابن الآب الذي أُفرز وأُرسل إلى العالم ثمَّ ظهر في وسطهم بمقام الاتضاع ومع ذلك لم يقدر أن يكون أقلَّ مما هو عليهِ منذ الأزل بحيث أنهُ الكلمة الشخصي ومصدر الكلمة المكتوبة أيضًا. فكانت كتبهم تكفي لتكيتهم لو انتبهوا إليها. فأن كان الله يلبس بعض البشر سلطانًا إلهيًّا فكم بالحري يمكن أن يلبس ابنهُ سلطانًا خصوصيًّا وهو على هيئة إنسان. ولكن الرب لا يقصد هنا أن يتتبع هذا الموضوع بل إنما يبكمهم في الوقت الحاضر. قد ذُكر في التوراة أشخاص كثيرون كانوا رموزًا إلى واحد أعظم وأمجد منهم كان عتيدًا أن يظهر في الجسد مع أنهُ بالحقيقة الله.
إن كنت لست أعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا بي. إعلان النسبة الكائنة بين الأقنوم الأول والأقنوم الثاني كأبٍ وابن هو مصدر النعمة لنا لأن أساس الإنجيل هو، لأنهُ هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنهُ الوحيد حتى لا يهلك كل من يؤمن بهِ بل تكون لهُ الحياة الأبديَّة. فالأعمال التي عملها كانت منسوبة لله كأبيهِ يعني كانت متصفة بالنعمة وموافقة للنسبة الكائنة بينهما. وبرهنت إرسالية الابن. ولكن إن كنت أعمل فإن لم تؤمنوا بي فآمنوا بالأعمال لكي تعرفوا أن الآب فيَّ وأنا فيهِ. فعلى الأقل كان يجب عليهم أن يميّزوا صفة أعمالهِ وينسبوها لمصدر إلهي حتى ولو فرضنا أنهم لم يقدروا في وقتهِ أن يجزموا في مسألة شخصهِ من هو وهكذا قد عمل البُسطاء أوقاتًا كثيرة إذ شهدوا أن أعمالهُ كانت حسنة. فكل من تعقَّل واعتبر أعمالهُ كما يجب صار مستعدًّا أن يتعلم حقيقة شخصهِ يعني أن الآب فيهِ وهو في الآب أي أنهما واحد في الحياة والجوهر. وسيذكر هذا الموضوع ثانيةً في (إصحاح 10:14، 11).
39 فَطَلَبُوا أَيْضًا أَنْ يُمْسِكُوهُ فَخَرَجَ مِنْ أَيْدِيهِمْ، 40 وَمَضَى أَيْضًا إِلَى عَبْرِ الأُرْدُنِّ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ يُوحَنَّا يُعَمِّدُ فِيهِ أَوَّلاً وَمَكَثَ هُنَاكَ. 41 فَأَتَى إِلَيْهِ كَثِيرُونَ وَقَالُوا:«إِنَّ يُوحَنَّا لَمْ يَفْعَلْ آيَةً وَاحِدَةً، وَلكِنْ كُلُّ مَا قَالَهُ يُوحَنَّا عَنْ هذَا كَانَ حَقًّا». 42 فَآمَنَ كَثِيرُونَ بِهِ هُنَاكَ. (عدد 39-42).
كانوا قد اعتمدوا على قتلهِ قبل وطلبوا أن يمسكوهُ ولم يتيسر ذلك لهم بعناية اله التي حفظت الابن من أيديهم إلى الوقت المعيَّن لتسليمهِ. وقد رأيناهُ من (إصحاح 5) إلى هنا أكثر الأوقات في أورشليم في المحاورات مع اليهود عن موضوع شخصهِ فاستمرَّ يعرض نفسهُ عليهم بموجب صفاتهِ السامية إلى أنهم أظهروا كل البغض والإهانة لهُ فنراهُ هنا يتركهم أخيرًا ومن الآن فصاعدًا سنراهُ متمّمًا أنواعًا أخرى من خدمتهِ. فتنحى عن أورشليم وقتيًّا إلى عبر الأردن وأتى إليهِ كثيرون من الذين كانوا قد استفادوا من كرازة يوحنا وشهادتهِ للمسيح فآمنوا بهِ بموجب آياتهِ وشهادة سابقة فكان إيمانهم صحيحًا إلى درجةٍ ما غير أن الوحي لا يذكر شيئًا من نتائجهِ. لا شك بأن كثيرين من أمثالهم صاروا مستعدين لقبول الإنجيل بعد موت المسيح وقيامتهِ. لأنهم لم يكونوا كالذين رفضوا النور أهانوا المسيح فحكم عليهم بأن يموتوا بخطاياهم.