52 فَخَاصَمَ الْيَهُودُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَائِلِينَ:«كَيْفَ يَقْدِرُ هذَا أَنْ يُعْطِيَنَا جَسَدَهُ لِنَأْكُلَ؟» 53 فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا جَسَدَ ابْنِ الإِنْسَانِ وَتَشْرَبُوا دَمَهُ، فَلَيْسَ لَكُمْ حَيَاةٌ فِيكُمْ. 54 مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ (عدد 52-54).
مخاصمة الأعداء إنما قدَّمت فرصة للرب أن يوضح هذه الحقائق السامية أكثر فأكثر حتى لم يبقَ شيءٌ مبهم أو مستتر غير أننا لا نقدر أن ندرك هذا الكلام إلاَّ بمعونة الروح القدس. لأن ذات شخص الرب العجيب هو الموضوع، وإن كنا لا نعرفهُ بإعلان الآب تبقى مثل: اليهود، غير قادرين أن ندرك شيئًا. هذا جوهر إيمان المؤمنين وبهجة قلوبهم وأعظم عثرة لغيرهم.
فقال لهم يسوع: الحق الحق أقول لكم: إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمهُ فليس لكم حياة فيكم. لاحظ جيدًا أن الموضوع. كيفيَّة إعطاء جسد المسيح مأكلاً للناس كما أبتدأ يتكلم عنهُ على نوع خصوصي في (عدد 51). حيث ذكر صريحًا أنهُ يبذلهُ ذبيحةٌ من أجل حياة العالم. فإذًا يقتضي سفك دمهِ (راجع إصحاح 29:1؛ 14:3). فأضاف حقيقة أخرى هنا أي اقتضاء شرب دمهِ لأجل الحصول على الحياة. وكان محرَّمًا على اليهود مطلقًا كما نعلم. لأن الله نهاهم نهيًا مشدَّدًا عن أكل الدم.
من يأكل جسدي ويشرب دمي فلهُ حياة أبديَّة، وأنا أقيمهُ في اليوم الأخير. يجب أن نقرأ كلام الرب المدوَّن في هذا الإنجيل بالتأمل ومراجعة قرائنهِ في موضع ما وما سبقهُ أيضًا. فالكلام بسيط ونرى أن الوحي يجتهد ليجعلهُ واضحًا ولا يعسر علينا فهمهُ إلاَّ من حيثية غلاظة قلوبنا وعدم اقتدارنا أن ندرك النور السماوي المُضيء برونقهِ الخاص من أول هذا الإنجيل إلى آخرهِ. فسبق وصرح بضرورية الاشتراك في جسدهِ ودمهِ يعني: هذا لا بدَّ منهُ لمن يريد الحياة الأبديَّة. ثمَّ في هذا العدد يصرح بنتيجة ذلك لهُ حياة أبديَّة، ويكون محفوظًا للقيامة. ومعناهُ أننا نأكل جسدهُ ونشرب دمهُ بالإيمان يعني نأتي إليهِ ونراهُ ونؤمن بهِ. راجع كلامهُ السابق في (عدد 40، 50، 51) وترى أن هذه النتيجة نفسها منسوبة للذي يؤمن بهِ. فلا يوجد مدخل هنا للعشاء الرباني، لأن هذا الكلام لا يُصدق عليهِ مطلقًا لأن:
أولاً- يوحنا البشير لا يتكلم عن العشاء الرباني في كتاباتهِ، ولا يذكرهُ حتى في ما أدرج عن الحوادث المُتعلقة بالليلة التي أُسلم فيها الرب.
ثانيًا- أنهُ ليس صحيحًا أن كل من يأكل الخبز، ويشرب الخمر ينال الحياة الأبديَّة بواسطتهما، لأن العشاء الرباني عمل تذكاري، والرب إنما أُوجب حفظهُ علينا بناء على أننا قد آمنَّا بهِ ونلنا الحياة والسلام قبلاً كقولهِ. اصنعوا هذا لذكري، اصنعوا هذا كلما شربتم لذكري. فأنكم كلما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أُنهُ يجيءُ (كورنثوس الأولى 24:11، 26). فإذا راجعنا جميع الشهادات الصريحة الواردة في شأن العشاء الرباني لا نجد شهادة واحدة تقرنهُ مع نوال الحياة الأبديَّة، بل بالعكس نرى أنهُ يمكن لأُناس غير متجددين أن يتناولوهُ ويهلكوا. وأما الرب فيقول تكرارًا عن الموضوع الذي نحن في صددهِ: إن من يأكل جسدهُ ويشرب دمهُ فلهُ حياة أبديَّة، وهو لا بدَّ أن يقيمهُ في اليوم الأخير للسعادة الأبديَّة.
55 لأَنَّ جَسَدِي مَأْكَلٌ حَق وَدَمِي مَشْرَبٌ حَق. 56 مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ. 57 كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ الْحَيُّ، وَأَنَا حَيٌّ بِالآبِ، فَمَنْ يَأْكُلْنِي فَهُوَ يَحْيَا بِي. 58 هذَا هُوَ الْخُبْزُ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. لَيْسَ كَمَا أَكَلَ آبَاؤُكُمُ الْمَنَّ وَمَاتُوا. مَنْ يَأْكُلْ هذَا الْخُبْزَ فَإِنَّهُ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ». 59 قَالَ هذَا فِي الْمَجْمَعِ وَهُوَ يُعَلِّمُ فِي كَفْرِنَاحُومَ. (عدد 55-59).
يبغي لنا أن نجعل الرب ذاتهُ أمام أعين إيماننا بينما ندرس كلمة الله لكي نفهمها ونستفيد منها روحيًّا وإذا أبدلناهُ بشيء من الطقوس أو من العناصر الرمزية التذكارية خسرنا كل شيء. فبقولهِ: لأن جسدي مأكل حقٌّ يعمل مقابلة بينهُ وبين المَنَّ المار ذكرهُ الذي كان من الطعام البائد الذي لا يجوز أن نهتَّم بهِ ومن وجه آخر كان رمزًا إليهِ كخبز الحياة الحقيقي النازل من السماء. ودمي مشرب حق. يعني بالمقابلة مع الماء الذي شربهُ آباؤهم في البرية وأما وجه الشبه فهو حقيقة الفوائد الناتجة لنا من الإيمان بدم المسيح لنوال الحياة والغفران. انظر شرح يوحنا نفسهُ على هذا الموضوع. بهذا أُظهرت محبة الله فينا أن الله قد أرسل ابنهُ الوحيد إلى العالم لكي نحيا بهِ. في هذا هي المحبة ليس أننا نحن أحببنا الله بل أنهُ هو أحبَّنا، وأرسل ابنهُ كفارة لخطايانا (يوحنا الأولى 9:4، 10).
من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيهِ. الفعلان هنا أعني: يأكل ويشرب يفيدان الاستمرار، ويشيران إلى حالة المؤمن الدائمة باعتبار إيمانهِ بجسد الرب ودمهِ. كان الرب في كلامهِ الماضي عن هذا الموضوع يتكلم عن إتياننا إليهِ بالإيمان أول مرة لكي نحيا ونجد الغفران، وأما هنا فيصرح أن المؤمن الحقيقي لا يزال يعيش بالإيمان بجسد الرب ودمهِ. وهذا يطابق شهادات كثيرة عن عيشتنا الدائمة للذي مات لأجلنا وقام. مع المسيح صلبتُ فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ. فما أحياهُ الآن في الجسد فإنما أحياهُ في الإيمان إيمان ابن الله الذي أحبني، وأسلم نفسهُ لأجلي (غلاطية 20:2). ليس هو ميتًّا الآن، ولكننا نعرفهُ كالذي بذل جسدهُ وسفك دمهُ لأجلنا. فلا يُخفى أن هذا هو الركن العظيم لنا كمسيحيين في كل ما يتعلق بسلوكنا اليومي، وعبادتنا لله وخدمتنا للآخرين أيضًا، ومقصدنا بممارسة العشاء الرباني نفسهِ هو لأجل تذكيرنا بموت الرب إلى أن يجيء. يثبت فيَّ وأنا فيهِ. يعني هذه عيشة المؤمن الحقيقي. فأن ثبوتنا فيهِ يشير إلى ثقتنا الدائمة فيهِ كفادينا وربنا الذي اشترانا بدمهِ وعلاقتنا بهِ كالأغصان بالكرمة كما سنرى أيضًا بالتفصيل في (إصحاح 15) وأما ثبوتهُ هو فينا فهو كونهُ حياتنا ومصدر كل شيء صالح لنا.
كما أرسلني الآب الحيّ، وأنا حيٌّ بالآب فمن يأكلني فهو يحيا بي. الآب الحيّ أي الآب باعتبار كونهِ مصدر الحياة للمؤمنين. وذكر الآب يقترن دائمًا بالنعمة وهذا خاصٌّ، فأنهُ ليس أبًا للجميع وأما العبارة: الله الحي، الواردة في عدَّة محلات فهي وصف لله باعتبار كونهِ مصدر الحياة للجميع، وهذا مطلق. فالآب مصدر الحياة في النعمة قد أرسل ابنهُ ليعلن لطفهُ كما قد رأينا في هذا الإنجيل. وقولهُ: وأنا حيٌّ بالآب، يعني حياة الابن كمُرسل، وحرف الباء هنا يعني بسبب حياة الآب وبالشركة معها. لاحظ جيدًا أنهُ يتكلم بالنظر إلى مقامهِ الذي قيل عنهُ مطلقًا فيهِ كانت الحياة (راجع إصحاح 4:1). فمن يأكلني فهو يحيا بي، يعني أن المؤمن المُتجدد الثابت فيهِ كما تقدم في (عدد 56) يحيا أو يستمرُّ حيًّا بهِ أو حياتهُ هي بسبب حياة المسيح الابن وبالشركة معها كما سنرى في (إصحاح 15) وما يليهِ. لأننا نحن ننتسب إلى المسيح في حياتهِ كما اشترك هو مع أبيهِ في حياتهِ.
هذا هو الخبز الذي نزل من السماء. فهذه خاتمة كلامهِ وفحواهُ عن هذا الموضوع من (عدد 32 إلى هنا). فأنهُ أوضح لهم نفسهُ كالذي يستطيع أن يسدَّ احيتاجاتهم من عدَّة أوجه كأموات يحتاجون إلى الحياة ومذنبين إلى الكفارة وكجياع وعطاش أيضًا فليس لهم ملجأ إلاَّ أ، يأتوا إليهِ ويؤمنوا بهِ. ليس كما أكل آباؤكم المَنَّ وماتوا. من يأكل هذا الخبز فأنهُ يحيا إلى الأبد. فينهي كلامهُ كما ابتدأه، إذ يعمل مقابلة بين الذين أكلوا المَنَّ البائد الرمزي وماتوا بعصيانهم، وبين الذي يأكل منهُ كالخبز الحقيقي فيحيا إلى الأبد بحيث أنهُ مقترن مع المسيح كمصدر الحياة، ويثبت فيهِ بالإيمان الذي لا بدَّ أن يحفظهُ إلى قيامة الحياة.
تابع إنجيل يوحنا من تكملة الإصحاح السادس (لبنيامين بنكرتن)
قال هذا في المجمع وهو يعلم في كفرناحوم. أني قلت آنفًا أن يوحنا لا يدرج إلاَّ قليلاً من أقوال الرب التي نطق بها خارجًا عن أورشليم. لأنهُ غالبًا يخبرنا بأفعال الرب وأقوالهِ في تلك المدينة المتصفة من زمان بكبرياءها وعصيانها على إلهها. والموضوع الذي جرى الحديث عنهُ هناك كان دائمًا حقيقة شخصهِ إذ يصرح بلاهوتهِ ويقاومهُ الرؤساء. وأما مضمون هذا الإصحاح فاستثنائي نوعًا يعني من جهة الموضع الذي كان الرب فيهِ حين نطق بهِ. غير أنهُ يطابق تمامًا مقصد الوحي بهذا الإنجيل. وبالحقيقة بعض رؤساء أورشليم حضروا إلى كفرناحوم وصادروا الرب بالكلام وألزموهُ بأن يتكلم عن هذا الموضوع. فالويل لكفرناحوم لأنها ارتفعت إلى السماء بواسطة حضور ابن الله فيها، ولكنها كانت عمياء نظير أورشليم المُتكبرة فهبطت إلى الجحيم.
60 فَقَالَ كَثِيرُونَ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، إِذْ سَمِعُوا:«إِنَّ هذَا الْكَلاَمَ صَعْبٌ! مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَسْمَعَهُ؟» 61 فَعَلِمَ يَسُوعُ فِي نَفْسِهِ أَنَّ تَلاَمِيذَهُ يَتَذَمَّرُونَ عَلَى هذَا، فَقَالَ لَهُمْ:«أَهذَا يُعْثِرُكُمْ؟ 62 فَإِنْ رَأَيْتُمُ ابْنَ الإِنْسَانِ صَاعِدًا إِلَى حَيْثُ كَانَ أَوَّلاً! 63 اَلرُّوحُ هُوَ الَّذِي يُحْيِي. أَمَّا الْجَسَدُ فَلاَ يُفِيدُ شَيْئًا. اَلْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ، 64 وَلكِنْ مِنْكُمْ قَوْمٌ لاَ يُؤْمِنُونَ». لأَنَّ يَسُوعَ مِنَ الْبَدْءِ عَلِمَ مَنْ هُمُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ، وَمَنْ هُوَ الَّذِي يُسَلِّمُهُ. 65 فَقَالَ:«لِهذَا قُلْتُ لَكُمْ: إِنَّهُ لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ إِلَيَّ إِنْ لَمْ يُعْطَ مِنْ أَبِي». (عدد 60-65).
كان للمسيح في ذلك الوقت تلاميذ كثيرون عدا الاثنى عشرة. ولكنهم كانوا يتبعونهُ كمسيح حيّ على أمل أنهُ يخلصهم خلاصًا عالميًّا فلم يقدروا أن يحتملوا تعليمهُ عن موتهِ واشتراهم فيهِ كمن مات فديةً عنهم وقام أيضًا. فقالوا إن هذا الكلام صعب من يقدر أن يسمعهُ. معلوم أن لزوم موت المسيح كان أعظم عثرة لليهود من الأول إلى الآخر. فعلم يسوع بما في أفكارهم فقال لهم: أهذا يعثركم؟ فإن رأيتم ابن الإنسان صاعدًا إلى حيث كان أولاً. فكان أمر الموت في بالهم وعثروا بهِ فيخاطبهم الرب باعتبار الموضوع الذي يستصعبونهُ، ولم يقدر أن يلطفهُ لكي يستميلهم إليهِ بل أضاف إليهِ إشارة مختصرة إلى صعودهِ إلى السماء التي كان فيها قبل حضورهِ في وسطهم. وأما الجملة فمقطوعة فحواها إذا عثرتم بالكلام عن نزولي من السماء كخبز الحياة فكيف تكون الحالة معكم إذا رأيتموني صاعدًا إلى مركزي الخاص السماوي. فأن ذلك يكون آخر برهان على أني متعلق بالسماء كموطني. ولكن كلامهُ ليس سوى إشارة مبهمة لأنهم لم يستطيعوا أن يدركوا صعودهُ إن لم يفهموا موتهُ وقيامتهُ أولاً. ويتضح أنهُ نطق بهذا الكلام للتلاميذ بعد انصراف الآخرين من المجمع أو على القليل وهو منفرد معهم.
الروح هو الذي يحيي أما الجسد فلا يفيد شيئًا. فالجسد عبارة عن الطبيعة البشرية أي حالة الإنسان بعد السقوط. فهذا لا ينفع شيئًا في أمور الله كما سبق، وقال لنيقوديموس: إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى أو يدخل ملكوت الله، لأن المولود من الجسد هو جسد. وأما الروح القدس فهو الذي يحيينا روحيَّا، ويعطينا بصيرة لكي تنظر إلى ابن الإنسان
أولاً- وهو مرفوع على الصليب كفارةٌ لنا.
ثانيًا- وهو مُمجَّد عن يمين الله.
هذه من الحقائق المعلومة جيدًا عند جميع المولودين من الله لأنهم يعبدون الله بالروح، ويفتخرون بالمسيح، ولا يتكلون على الجسد. الكلام الذي أكلمكم بهِ هو روح وحياة. فيشير خصوصًا إلى كلامهِ المار أدراجهُ في هذا الإصحاح، ولكن المبدأ الذي يذكرهُ يصدق على كلامهِ كلهِ سواء نطق بهِ شخصيًّا أو استخدم آنية الوحي وقولهُ أن كلامهُ روح وحياة يعني أن الروح القدس يرافقهُ لإحياء المؤمنين وصيرورتهم روحيين لكي يفهموا كلمة الله فهمًا روحيًّا (انظر كورنثوس الأولى 9:2-16). راجع ما قبل سابقًا عن اجتذاب الآب البعض إليهِ وتعلُّمهم من الآب. ولكن منكم قوم لا يؤمنون. فقال هذا لتنبيههم، لأنهُ لم يكن ينتظر ثمرًا جيدًا من الإنسان الساقط تلك الشجرة الردية التي لا تقدر أن تصنع ثمرًا صالحًا. فلم يكن يسوع قد أنغش في الذين تبعوهُ وتظاهروا بأنهم قبلوهُ. والقول: لأن يسوع من البدء علم من هم الذين لا يؤمنوا ومن هو الذي يسلَّمهُ. هو من يوحنا البشير الذي أضاف بحسب عادتهِ، هذه الجملة التفسيريَّة في وسط كلام الرب، فقال: لهذا قلت لكم أنهُ لا يقدر أحد أن يأتي إليَّ أن لم يعطَ من أبي، فيكرر هنا لتلاميذه ما سبق، وقال للجميع في (عدد 44) عن حالة البشر عمومًا بحيث أن ليس أحد يأتي إليهِ حقيقةً أن لم يجتذبهُ الآب. فالركن في هذا الإنجيل لخلاص أحد هو لاختيار الآب البعض منذ الأزل، وفعلهِ فيهم بكلمتهِ وروحهِ لكي يجعلهم مؤمنين بالحق فلا نقدر أن نخطو خطوة واحدة في درس هذا السفر بدون ما نقتنع تمامًا بعدم نفع الإنسان الساقط، وبأن الله يجري كل عمل صالح معنا.