الباب الثانى
الأصحاح الثامــــن
بـــــدء عصر الملـــوك
انشغل الشعب بمظاهر العظمة والأبهة التى لملوك الأمم المحيطين بهم ، وحسبوا ذلك مجدا وكرامة حرموا هم منها ، لذا استغلوا شيخوخة صموئيل النبى وعدم سلوك أبنيه فى طريق أبيهما ليطلبوا من صموئيل إقامة ملك يقضى لهم كسائر الأمم ( 8 : 5 ) .
( 1 ) طلب ملك :
ربما يتساءل البعض : لو لم يطلب الشعب ملكا ، هل كان الله قد أعد لهم إقامة مملكة ؟
( أ ) لا نجد للنظام الملكى موضعا حقيقيا فى الشريعة الموسوية إلا ما جاء فى تث 17 : 14 – 20 . ربما كان هذا نبوة عن إقامة نظام ملكى فى أرض الموعد ، وربما كانت نصائح تقدم للشعب إن اختار له ملكا وقواعد يلتزم بها الملك ليعيش كما يليق كعضو فى الجماعة المقدسة .
( ب ) كان الخطأ لا فى طلب إقامة ملك إنما فى تعجل الأحداث وفى إساءة فهم النظام الملكى ، فمن جهة الزمن كان الله يدبر لهم إقامة ملك قلبه مثل قلب الله ، فقد سمح بمجىء راعوث من بين الأمم ، تلك التى من نسلها يخرج داود النبى والملك لو أنتظروا قليلا لنالوا أفضل مما طلبوا ، ولما أقيم شاول الجميل الصورة الذى سبب لهم شقاء عظيما .
كان يمكنهم اختيار قائد للحرب دون الأرتباط بالنظام الملكى وتسليم القيادة فى أيدى نسله بالوراثة
لماذا لم يوبخ الله صموئيل على انحراف أبنيه كما فعل مع عالى ؟ ربما لأن عالى كان رئيس كهنة وقد ارتكب ابناه الكاهنان خطايا بشعة ورجاسات تستوجب لا العزل بل القتل حسب الشريعة ، وكان الأبنان يعملان مع أبيهما وتحت مئوليته كرئيس كهنة ، أما بالنسبة لأبنى صموئيل ، فيحتمل أن يكون انحرافهما – قبول الرشوة – جاء مؤخرا بعدما تسلما العمل بفترة ، فابتدأ الأثنان بالأستقامة لكن محبة المال أغوتهما ، هذا وكان الأثنان يعملان فى بئر سبع وليس مع أبيهما فى الرامة ، وربما جاء اختيارهما بناء على رغبة الشعب لأنهما لا يرثان المركز ( القاضى ) بالخلافة .
اعتراض شيوخ إسرائيل على انحراف ابنى صموئيل يكشف عن وجود ضمير حى فيهم ، على خلاف فترة حكم عالى الكاهن إذ لا نجد أحدا يعترض على تصرفات أبنيه البشعة .
يليق بكل قائد أن يحذر من محبة المال والرشوة فقد أفسد المال قلبى القاضيين وسبب متاعب لهما ولأبيهما كما للشعب .
( 2 ) صموئيل النبى يحسب ذلك إهانة له :
لقد حسب صموئيل النبى ذلك الطلب رفضا لعمله القضائى ، وحسب الرب ذلك رفضا له هو شخصيا كملك على شعبه ، إذ قال لصموئيل نبيه :
" إسمع لصوت الشعب فى كل ما يقولون لك ، لأنهم لم يرفضوك أنت بل إياى رفضوا حتى لا أملك عليهم " 8 : 7 .
ما أعظم حكمة صموئيل ، فإنه كرجل صلاة لم يثر عليهم ولا وبخهم بل طلب أولا مشورة الله وإرشاده ، وقد وهبه الله راحة أن الشعب لم يرفض صموئيل بل رفض الرب نفسه ، والعجيب أن الله يطلب من صموئيل :
" اسمع لصوت الشعب فى كل ما يقولون لك " .
إنه يقدس الحرية الأنسانية ، ويستجيب للطلبات الجماعية وإن كان يكشف لهم الحق منذرا إياهم بسبب سوء رغبتهم .
إنه لا يلزمهم ولا يقهرهم على نظام معين بل يطلب منهم أن يتفهموا الحق بكامل حريتهم .
( 3 ) الله يقبل طلبتهم مع تحذيرهم :
استجاب الله لطلبتهم ، هذا لا يعنى رضاه عن ذلك ، إنما كما يقول المزمور : " يعطيك سؤل قلبك " مز 37 : 4 . فإن كان سؤل قلبنا سماويا ننعم بالسماويات كبركة لنا ، وإن كان سؤل قلبنا لغير صالحنا أو بنياننا يسمح بتحقيقه لأجل التأديب ، وكما يقول المرتل : " فأعطاهم سؤلهم وأرسل هزالا فى أنفسهم " مز 106 : 15 .
( 4 ) صموئيل يحذر الشعب :
تحدث صموئيل النبى مع الشعب فى صراحة ووضوح بجميع كلام الرب ، ليكشف لهم عن مساوىء طلبتهم لإقامة ملك ، والتى تتلخص فى الآتى :
( أ ) تسخير بنيهم للخدمة العسكرية لا لصالح الشعب إنما بالأكثر لصالحه الشخصى كعبيد له .
( ب ) يستغل بناتهم كعطارات وطباخات وخبازات لترفه عنه هو وعائلته ورجاله .
( ج ) يغتصب أجود حقولهم لحساب خصيانه ( كبار موظفيه ) وعبيده .
( د ) استغلال طاقاتهم فى زراعة أرضه الخاصة والعمل لحسابه .
( هـ ) إذ يحل بهم الظلم لا يجدون من يصرخون إليه ، فإن الله نفسه لا يسمع لهم لأنهم هم اختاروا ملكهم حسب هواهم الشخصى .
لم يسمع الشعب لنصيحته بل أصروا على إقامة ملك ( 1 صم 8 : 19 ) ، عندئذ فض صموئيل الأجتماع ليذهب كل واحد إلى مدينته ( 1 صم 8 : 22 ) ، وقد تأكد الجميع أن صموئيل يدبر لهم الأمر .
+ + +