فقال من أنت : فقالت أنا راعوث أمتك. فابسط ذيل ثوبك على أمتك لأنك ولي. .... والآن صحيح أني ولي ولكن يوجد ولي أقرب مني.... ويكون في الصباح انه ان قضى حق الولي فحسنا ليقض. وان لم يشأ أن يقضي لك حق الولي فأنا أقضي لك ... (راعوث 3)
من أجمل مقاطع سفر راعوث هو ذلك المقطع الذي فيه تلجأ راعوث الى بوعز بتحريض من حماتها نعمي ليكون وليا لها. والولي في العهد القديم له معنى المسؤول عن والمهيمن على الشخص المحتاج للولاية. فالزوجة وليها هو زوجها. فإذا مات الزوج يكون لها ولي هو أقرب أقرباء زوجها. فيكون أخ الزوج هو الولي ... فإذا لم يوجد يكون ابن العم وهكذا.
والولي له أهمية كبرى في أكثر من مجال. منها الحماية والرعاية. وأيضا لإقامة نسل للشخص المتوفي وابقاء اسمه مذكورا بين العائلة. وأيضا أمور تتعلق بالارث والارض التي لا ينبغي أن تذهب لغريب.
وقد رأينا راعوث وقد فقدت زوجها، وأيضا مات أخو الزوج ولكنها أصرت أن تبقى في كنف العائلة لتقول لنعمي حماتها مقولتها الشهيرة " لا تلحي علي أن أتركك وأرجع عنك، لأنه حينما ذهبت أذهب وحيثما بت أبيت. شعبك شعبي وإلهك الهي. حيثما مت أموت وهناك أندفن. هكذا يفعل الرب بي هكذا يزيد. إنما الموت يفصل بيني وبينك" راعوث1: 16، 17
لقد أصبح على نعمى مسؤولية تجاه راعوث أن توجد لها الولي الذي يرعاها ويحميها ويوجد لنعمي من خلالها النسل الذي يرث ميراث عائلة نعمي.... ولكن الولي الذي يجب أن يتحمل مسؤوليته تجاه نعمي وراعوث لم يكن يستطيع أن يتحمل المسؤولية ... لذلك فكرت نعمي بصورة جدية لتغيير هذا الولي . دعونا نستنتج صفات الولي الذي اضطرت نعمي لتغييره
صفات الولي القديم
• نكرة, وضعيف الشخصية
لقد رفض المقدس أن يعطيه أسما- أي اسم – بل أسماه فلان الفلاني.(راعوث4: 1) وربما سلك هذا الاسلوب ليوضح ان هذا الرجل لم يكن ذا أهمية بين قومه، فهو بالنسبة لبلدته شخص غير مؤثر، وأيضا بالنسبة لكل من حوله.
• مصلحته هو فوق كل شئ :
فتجد في الاصحاح الرابع يبدأ بوعز كلامه بذكاء حتى يفضح ذلك الشخص الذي يريد أن يستفيد من كل شئ ولا يقدم أي تنازلات. فيبدأ كلامه بالاستفاده فيعلن أن هناك أرض (لأخينا) ابيمالك تريد زوجته أن تبيعها. وهنا يوضح بوعز حاجة المرأة الى المال حتى انها أرادت أن تبيع أرض كانت بالنسبة للأهالي في هذا الوقت كالعرض الذي لا يفرط فيه. أيضا أوضح له مسؤوليته إذ أراد أن يعطيه الارض وكأنه يقول له أنت الولي المسؤول عن هذه العائلة. ولكننا نجد هنا فلان الفلاني يتجاهل تلك الرسالة الموجهة له من قبل بوعز ويفكر في انتهاز الفرصة لكي يشتري قطعة الارض متجاهلا كل الاعتبارات الاخرى ( الشاهد ). انه شخص يهتم جدا بمصلحته ولو على حساب أقرب الاقربين له.
• غني
وهو واضح جدا من سياق الحديث. الشخص الذي قرر أن يشتري قطعة الارض بدون تفكير, وخاف على ميراثه لئلا يفسد مما يدل على انه شخص ذا ثراء واسع. وفي الواقع هنا مفارقة عجيبة إذ أن الغني في العادة يكون ذا شهرة واسعة بحيث اسمه يكون واضحا. ولكن مع هذا يظل اسمه بالنسبة للكتاب المقدس (فلان الفلاني)
• بخيل
هذا من الواضح وتوجد اشارة له بصورة واضحة. فماذا يفعل بوعز لكي يحصل على بغيته منه، في البداية يعطيه المميزات التي يحصل عليها من ابيمالك, ولكنه يتبعه بشئ آخر يجعله يشعر أن الصفقة خاسرة. لو كان قد بدأ بالعكس أنه عليه أن يتحمل مسؤوليات راعوث وحماتها وبالتالي سيستفيد من الحقل .... لكان قد تغير الوضع من الناحية الذهنية لفلان الفلاني. لأنه سيكون آخر ما وصل الى ذهنه مكاسب. ولكننا نرى أن أخر ما وصل اليه عبارة عن خسارة. وبالتالي استغل بوعز نقطة ضعفه وهو حبه للمال حتى يجعله يفك.
• ليس به صفات الولي الحقيقي
فهو لم يحاول أن يقدم الرعاية الكافية لنعمي أو راعوث. لم نجده يستقبلهما في البلدة. لم يحاول أن يعرف الطريقة التي بها يعيشون. تركهم للجوع والاعواز والتسول في أراضي الغير لجمع الفتات الساقط.
لكل هذه الاسباب كان يجب أن تسعى نعمي لايجاد ولي جديد لراعوث. وقد فكرت في بوعز الذي كانت به كل صفات الولي.
صفات بوعز
• معطاء وفي الخفاء
فنجده عندما وجد راعوث لأول مرة تلتقط الحزم وراء الحصادين انه قال لها "لاتذهبي الى أي حقل آخر بل كل يوم تعالي الى ههنا " راعوث2: 8... ثم بعدها أوصى خدمه أن يرموا لها عمدا في طريقها الحزم حتى تلتقطها دون خجل... انه حاول مساعدتها دون جرح لمشاعرها. بل وبعد هذا جعلها تشارك في الطعام والشراب
• يشعر بالمحبة تجاه راعوث ونعمي
عندما قرر بوعز نقل الولاية له من فلان الفلاني لم نجه يفكر كثيرا في سلبيات هذا أو تأثيره عليه من تقديم تضحيات واجبة للرعاية. الامر الذي فكر فيه كثيرا الولي الاول (فلان الفلاني) فخاف أن يفسد ميراثه من الزواج من أجنبية. ولكن محبة بوعز كانت أكبر من ان يفكر في أي تضحية.
• ينظر الى الأمور الايجابية ويشجع عليها
فنجده يقول لراعوث أني قد سمعت ما فعلته مع حماتك... لقد مدح بوعز تصرفات راعوث في أكثر من موضع في السفر (راعوث 3: 10 & 2: 12 )
• أراد أن يحصل على هذه المسؤولية وسعى اليها
تقول نعمي لراعوث " أجلسي يا بنيتي حتى تعلمي كيف يقع الامر لأن الرجل لا يهدأ حتى يتمم الامر كله " راعوث 3: 18 وقد صدقت نعمي في توقعاتها إذ أننا نجده من الصباح يبكر وينتظر حتى يأتي الرجل (فلان الفلاني) وينتقي كلامه حتى يستخلص منه الامر كله. انه سعى باخلاص نحو هذا الامر فنجح فيه . انه كانت شهوة ورغبة قلبه لذلك لم يؤجل أو يؤخر طلب راعوث.
عزيـــــــزي
قد تضع ثقتك في من هو غير أهل للثقة. وقد يكون الامر في هذا الوقت أن لك ولي نكرة غير مقدر للمسؤولية تجاهك. قديحتاج الامر الى تغيير هذا الولي. يقول أيوب الصديق " ولكني أعلم أن وليي حي" . لقد أحسن أيوب اختيار الولي الذي وضع فيه ثقته. وعليك أنت تغير وليك. هل تضع ثقتك في المال؟ في السلطان؟
لقد أحسنت نعمي ومعها راعوث صنعا إذ قررتا أن تسلما أمر رعايتهن الى شخص آخر غير هذا الولي القديم الذي لم يكن جديرا بأن يراعهما ... لقد اكتشفا هذا إذ كانا في ظل تلك الرعايا يتسولان الاهتمام والعناية والمطالبة الطبيعية. لذلك كان يجب عليهن اكتشاف هذه الحقيقة والسعي وراء تغيير الولي الى شخص محب صالح
وأنا يا عزيزي القارئ ربما تكتشف الآن انك تحتاج أن تغير ذلك الولي الغير قادر على اسعادك.... وتضع ثقتك في ذلك الولي الحي الذي من خلاله تستطيع ان تشعر بالامان في ظل عنايته
الجدير بالذكر أن راعوث لم تحاول أن تفعل شيئا سوى إعلان رغبتها في أن يكون بوعز هو وليها. وليس فلان الفلاني. أعلنت رغبتها أن يتولى بوعز مسؤولية رعايتها. ولم تفعل شيئا آخر. كل التصرفات جاءت من ناحية بوعز. هو الذي دبر الامور بالكامل حتى استطاع أن يحصل على حق الولاية.
والهنا لا يريد منا الا إعلان تلك الرغبة في تبعيته. وأن نوليه أمورنا. وهو الذي سيعمل فينا وداخلنا حتى نستطيع أن نشعر بالامان والطمأنينة.
والآن عزيزي ... هل تغير وليك"