.::.Jesus Lovers Forum .::. منتدى محب المسيح .::.
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

.::.Jesus Lovers Forum .::. منتدى محب المسيح .::.


 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  الدخول لشات محبى المسيحالدخول لشات محبى المسيح  قوانين المنتدىقوانين المنتدى  شروط التوقيعشروط التوقيع  

 

 تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : 1, 2, 3  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
زائر
زائر




تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة   تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Icon_minitimeالإثنين فبراير 19, 2007 9:11 pm

لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة المؤمنين فى كل عصر .


عاش النبى فى فترة عصيبة ، فمنذ حوالى قرن سقطت مملكة الشمال " إسرائيل " بأسباطها العشرة تحت السبى ، وزال مجدها بسبب ما اتسم بها ملوكها العتاة من عجرفة وفساد . أما مملكة الجنوب " يهوذا " فعوض أن تتعظ بما حل بأختها " إسرائيل " ، نست أو تناست ما صنعته الخطية بأختها ، حاسبة أن ذلك هو حكم الهي عادل لأنفصالها عن يهوذا وإقامتها مركزا للعبادة فى السامرة عوض هيكل أورشليم .



مفتاح السفر:

مع بداية خدمة إرميا كان الكل قد انحرفوا إلى عبادة الأوثان وانحطت أخلاقياتهم حتى حتى سكنت الشريرات حول بيت الرب يكرسن حياتهن لأرتكاب الشر مع القادمين للعبادة ، وانشغل رجال الدين مع الأنبياء الكذبة لمحبة المال والمجد الباطل . وإذ أراد يوشيا الملك الإصلاح قام بترميم الهيكل ، لكن الإصلاح لم يصل إلى القلوب . فجاء إرميا يحذر وينذر معلنا ضرورة التوبة والرجوع إلى الله بكل القلب ، مهتما بالأصلاح الداخلى للنفس وإلا سقطت المملكة !
هذا هو مفتاح السفر



وسط هذا الظلام الدامس أشرقت أشعة الرجاء بالرب على النبى الباكى الشجاع ، إذ رأى من بعيد المسيا المخلص قادما ليقيم عهدا جديدا ، فيه تنقش شريعة الله لا على لوحى حجر ، إنما داخل القلب الحجرى لتجعل منه سماء مقدسة ! .

هذا السفر فى حقيقته هو سفر كل نفس قد مالت فى ضعفها إلى تغطية ذاتها بالشكليات فى العبادة دون التمتع بعمل الله الخفى والأنشغال بالعريس السماوى .

فى هذا السفر نرى رجل الله مختفيا وراء كلمة الله النارية لكى يعلن الحق الذى كاد أن يرفضه الكل . يكشف أحكام الله وتأديباته فى غير مداهنة ولا مجاملة ، بل فى إتضاع مع حزم ، فى قوة مع بث روح الرجاء ... وقد كلفه ذلك احتمال اضطهادات كثيرة ومتاعب ، بل ودفع حياته كلها ثمنا لذلك .



إرميا النبى وظروف الكتابة :

أ – إن كان هذا السفر ينسب لإرميا النبى ، لكن البعض يرى أن صديقه الحميم " باروخ " الكاتب هو الذى سجله ( 36 : 23 ) ، إذ كان محتفظا بمنطوقات النبى ومدركا لدقائق حياته .

ب – كلمة " إرميا " تعنى " يهوه يؤسس أو يثبت " ، وربما تعنى " يهوه يرفع أو يمجد " . ففى أحلك الفترات ظلاما ، بينما كان إسرائيل مسبيا ويهوذا فى طريقه إلى السبى جاء إرميا من قبل الرب يعلن أن الله يود أن يؤسس شعبه ويثبته ، بل يرفعه ويمجده إن عاد إليه بالتوبة من كل القلب .

جـ - ولد إرميا فى منتصف القرن السابع ق . م . فى أواخر عصر الملك منسى المرتد ، من عائلة كهنوتية ، تقطن فى قرية صغيرة تسمى عناثوث فى أرض بنيامين ، وقد أفاده نسبه إلى عائلة كهنوتية فى معرفة الشريعة وإدراكه أعمال الله مع شعبه . أما كونه بجوار أورشليم ، فقد أتاح له وهو فى سن صغير أن يحضر المواسم والأعياد المقدسة ويرى التصرفات الفاسدة فى الأيام المقدسة للرب .

كان إرميا فى عينى نفسه أمام الله كطفل صغير ، أما أمام الناس فصاحب قلب أسدى لا يعرف الخوف ولا المهادنة .

كان حساسا للغاية ، رقيق المشاعر ، عاطفيا إلى أبعد الحدود ، لكنه قوى لا يعرف الضعف ، ولا يتراخى فى إعلان الحق مهما كلفه الأمر .

عاش باكيا ، تجرى دموعه كنهر ينساب ولا يجف ، فدعى بالنبى الباكى ، لكنه غير هزيل ولا متراخ فى جهاده .



دعى " أيوب الأنبياء " ، رجل آلام وضيقات بسبب جرأته .

- رفضه شعبه ورذلوه ( 11 : 18 – 21 ) .

- خانه إخوته ( 14 : 13 – 16 ؛ 28 : 10 – 17 ) .

- ضرب ووضع فى مقطرة ( 20 : 1 – 2 ) .

- هدد بالقتل ( 26 : 8 ، 36 : 26 ) .

- - سجن وأتهم بالخيانة الوطنية ( 32 : 2 ، 3 ؛ 37 : 11 – 15 ) .

- وضع فى جب ليموت ( 38 : 6 ) .

- قيد فى سلاسل ( 40 : 1 ) .

- أحرقت بعض نبواته ( 36 : 22 – 25 ) .

- حمل إلى مصر قسرا وهناك رجمه شعبه .

من يوم ميلاده إلى لحظة استشهاده نادرا جدا ما وجد إرميا تعزية من بشر ، لهذا فيعتبر سندا لكل مسيحى يدعى ليعيش " ضد العالم " إنه أشبه بمنارة عالية تنير له الطريق .

دعى " نبى القلب المنكسر " فقد كسرت رسالته الثقيلة قلبه ( 9 : 1 ) ، وسرت كلمة الله فى عظامه كنار ملتهبة ( 20 : 9 ) .

وجه أحاديثه إلى يهوذا فى أحرج اللحظات ... ولا تزال كلمات الله التى نطق بها تصرخ لتحذر كل نفس وكل قلب حتى اليوم !

عاصر إرميا ثلاثة معارك رئيسية ليهوذا : معركة ضد مصر ( 609 ق.م. ) ، ومعركتان ضد بابل ( 597 ، 587 ق.م. ) .



عاصر أيضا ثلاث مراحل للسبى ( 597 ، 587 ، 582 ق.م. ) . ويرى البعض أن إرميا عاصر السبى فى مراحله الأربع :

أ – السبى الأول : سنة 606 ق .م. فى أيام الملك يهوياقيم ، فيه سبى دانيال وأصدقاؤه الثلاثة ( 2 أى 6 : 36 ، 7 ، دا 1 : 1 ، 2 ، 6 ) .

ب – السبى الثانى : سنة 599 ق.م. فى أيام الملك يهوياكين ، ويسمى السبى العظيم ( 2 مل 24 : 8 – 16 ، 2 أى 36 : 9 ، 10 ) ، فيه سبى حزقيال النبى ( حز 1 : 1 ، 2 ) ، ومردخاى ( إش 2 : 6 ) .

جـ - السبى الثالث : سنة 588 ق.م. بسبب تمرد صدقيا الملك على نبوخذنصر ( 2 أى 36 : 2 ) ، حيث حوصرت أورشليم واشتد بها الجوع ( إر 37 : 5 – 7 ) ، لكن عاد جيش الكلدانيين يستأنف حصاره ، واضطر صدقيا إلى الهروب ، فقبض عليه .

د – السبى الرابع : سنة 584 ق.م. على يد نبوزردان رئيس الشرط ( إر 52 : 12 ، 30 ) ، حيث أحرق بيت الرب وبيت الملك وهدمت أسوار المدينة وبعد ثلاثة أيام انتهت أعمال التدمير الشامل ، فصار اليوم العاشر من الشهر الخامس يوم بكاء لسقوط أورشليم ( إر 52 : 12 ؛ زك 7 : 3 ، 5 ، 8 : 19 ) .

بدأ إرميا خدمته النبوية بعد 60 عاما من نياحة إشعياء النبى الإنجيلى . عاصر النبيين حبقوق وصفنيا اللذين ساعداه فى أورشليم . وحزقيال الكاهن ودانيال الذى يحمل دما ملوكيا ، وربما أيضا ناحوم الذى تنبأ عن سقوط نينوى ، وعوبديا الذى تنبأ عن دمار آدوم .

عاش إرميا بتولا ، لم يتزوج ، بأمر الهي ، حتى لا يقاسى أولاده مما سيعانى منه الشعب من جوع وسيف وعار ( إر 16 : 1 – 4 ) .



مميزات السفر :

1 – مال إشعياء النبى إلى الحديث بفيض عن تعزيات الله الفياضة مع لمسات خفية من جهة التوبيخ ، أما إرميا النبى فمال إلى التوبيخ بشدة مع فتح باب الرجاء .

2 – جاء السفر يكشف عن قلب نبى مملوء حبا وحنوا . يتحدث بقوة بأمثلة عملية وتشبيهات لكى يجتذب الشعب ، فاتحا أمامهم باب الرجاء . لقد انحرف الشعب إلى عبادة الأوثان ، وقدموا أحيانا أطفالهم ذبائح للآلهة الغريبة ، ومع هذا بحب شديد كان يصلى من أجلهم ، حتى حين أمره الله أن يكف عن ذلك ( 7 : 16 ، 11 : 14 ، 14 : 11 ) .

3 – العلاقة الشخصية مع الله فى عينى إرميا النبى تتكامل مع علاقة الله بشعبه ككل . فقد اختبر إرميا النبى هذه العلاقة المتكاملة ، فكان يطلب أن يرى الله ساكنا فى وسط شعبه ( 7 : 23 ) ، وفى نفس الوقت يطلبه ساكنا فى كل قلب . كان يطلب توبة جماعية مع توبة شخصية ! لهذا يربط النبى التاريخ الخاص بالخلاص بحياة الكنيسة كما بحياة الأشخاص ، إذ غايته تمتع الكل بعمل الله الخلاصى خلال التوبة ، وتمتع كل عضو بهذه الحياة .

4 – يرى البعض أن أرميا النبى كان متشائما كل التشاؤم ، متفائلا كل التفاؤل . إذ ينظر إلى فساد يهوذا وخيانته للعهد الإلهى بتشاؤم وإذ يتطلع إلى حب الله وطول أناته يمتلىء رجاء . إلهه إله الرجاء والوعد والقوة ، له إرادة لا تقهر من جهة إقامة شعب مقدس له .

5 – يقدم لنا سفر إرميا مفاهيم لاهوتية روحية حية :

أ – خطية الشعب هى فى جوهرها كسر الميثاق مع الله ، وبالتالى التوبة هى عودة إلى الحياة الميثاقية مع الله .

ب – كل جريمة يقترفها الإنسان ضد أخيه موجهة ضد الله نفسه .

جـ - نجح النبى فى تأكيد حب الله حتى فى لحظات السقوط تحت التأديب ، مؤكدا أن التأديب هو علامة اهتمام الله بهم وحبه لهم .

د – الدمار الذى حل بهم يحتاج إلى دخول فى عهد جديد ( 31 : 31 – 34 ) .

6 – فى هذا السفر تتجلى حياة النبى الروحية بكل وضوح فقد اتسم بأمانته لرسالته حتى النفس الأخير بالرغم من النفور الذى واجهه به الكل .

7 – حمل هذا السفر رسالة نبوية ، تحقق بعضها بعد حياته بزمن قليل ، لكن غايته الأسمى هى ما تحقق فى العهد الجديد . وجد الرائى اللاهوتى يوحنا أن ما حدث فى الأزمنة الأخيرة مطابقا لما ورد فى سفر إرميا ، من ذلك هلاك بابل ( رؤ 18 : 22 ، 14 : 8 ، 17 : 2 – 4 ، 18 : 2 – 5 يقابله إر 25 : 10 ، 51 : 7 – 9 ، 45 ، 63 ، 64 ) .

8 – سفر إرميا كرسائل معلمنا بولس الرسول يكشف عن طبيعة رجل الله الشديد الحساسية نحو شعب الله مستندا على العمل الإلهى . وقد تأثر الرسول بولس كثيرا بإرميا النبى فى شدة حبه للشعب كما فى معالجته لبعض المواضيع مثل الناموس والنعمة والحرية والختان الروحى [ راجع إر 31 : 31 – 34 مع 2 كو 3 : 6 الخ ورو 11 : 1 ؛ إر 1 : 5 مع غلا 1 : 15 ] .

9 – سفر إرميا هو سفر النبوات : كثيرا ما أشار الكاتب بكونه " إرميا النبى " إذ كان إرميا مدركا لرسالته ولدعوته الإلهية كنبى ( 1 : 5 ؛ 15 : 19 ) . كنبى حقيقى قاوم الأنبياء الكذبة الذين ينطقون بكلمات هى من وحى أفكارهم الخاصة . أما بالنسبة له فكرر العبارة " كلمة الرب التى صارت ... " أو ما يعادلها 151 مرة .

أما موضوع النبوات فهو :

أ – المسيا المخلص .

ب – يهوذا : سبيه وعودته .

جـ - مدن : أورشليم ، بابل ، دمشق .

د - شعوب أممية : مصر ، فلسطين ، موآب ، عمون ، آدوم ، عيلام ، بابل .

هذه النبوات تحقق بعضها فى وقت قريب من النطق بها ، وبعضها بعد زمن طويل .

10 – سفر إرميا هو سفر التساؤلات ، يحوى أسئلة ربما أكثر مما ورد فى سفر أيوب .



هو سفر الإصلاح ، خاصة فى الإصحاحات 30 – 33 .

سفر الرثاء والأضطهادات .

سفر الرموز : استخدم إرميا الكثير من الرموز بأمر الهي لأجل التعليم ، تارة يلبس منطقة بالية ، وأخرى يضع نيرا على عنقه كالثور ، وثالثة يكسر زقا أمام الوالى ، ورابعة يشترى حقلا ويدفن الوصية .



إرميا والأنبياء الكبار :

1 – إن كان إشعياء النبى قد قدم نبواته قبل سبى الأسباط العشرة ، فإنه مع ما أدركه من فساد الشعب كان مشتاقا إلى الخدمة . علة ذلك أنه رأى رؤى سماوية مجيدة ، منها تلك التى وردت فى الإصحاح السادس .. هذا دفعه للقول : " هأنذا أرسلنى " إش 6 : 8 .

أما دانيال الذى عاصر أمر لحظات الشر ، تردد فى قبول الخدمة قائلا : " آه يا سيد الرب إنى لا أعرف أن أتكلم لأنى ولد " 1 : 6 ، .... واحتاج أن يسحبه الله إلى الخدمة ويلزمه بها .

إنه لم يتمتع بالرؤى كإشعياء ، لكنه تحدث مع الله كصديق حميم جمعت بينهما الألفة ، ففى بساطة يقول : " فكانت كلمة الرب إلى قائلا " 1 : 4 .

2 – يتشابه إرميا النبى مع النبى حزقيال فى كونهما كاهنين ، دعيا للنبوة ، ولم يمارسا العمل الكهنوتى . كانت خدمة النبى بين المسبيين فى مملكة بابل ، أما خدمة إرميا النبى فكانت بين مساكين الشعب الذين تركوا فى الأرض . امتاز إرميا برقة المشاعر ، فكان يبكى ثكلى بنت شعبه واهتزت جدران قلبه فى أعماقه ، أما حزقيال فامتاز بالنشاط والحماس والألتزام بالمسئولية .

3 – شاهد إرميا النبى دانيال الشاب وهو يساق أسيرا إلى بابل فى السنة الثالثة لحكم الملك يهوياقيم ( دا 1 ) . تحدث دانيال النبة عن انهيار الأمبراطوريات الأربع ( بابل ، مادى وفارس ، واليونان ، والرومان ) ليملك الرب الملك بالصليب على القلب ، كما تحدث عن مجىء المسيا الأخير . أما إرميا النبى فلم يتحدث عن إنهيار الممالك وإنما عن مدة السبى والرجوع منه بعد سبعين سنة ، وقد كانت نبوته معروفة لدانيال النبى وربما منها عرف مدة السبى ( دا 9 : 1 ، 2 ) .

هذا وقد عاصر إرميا النبى النبيين : صفنيا الذى تنبأ قبيل حدوث السبى ( صف 1 : 1 ) وحبقوق الذى تنبأ أيضا قبل السبى البابلى .



مصر وبابل فى سفر إرميا :

إن كانت مصر قد حملت البركة بإستقبالها العائلة المقدسة فتحقق لها الوعد الإلهى ( إش 19 ) وصار شعبها المصرى مباركا ، وفى وسطها أقيم مذبح للرب ، لكن مصر فى العهد القديم كانت تشير إلى محبة العالم إذ عرفت بنيلها الذى أكسب الوادى خصوبة ، كما عرفت بابل بكبريائها ، فصارت رمزا لكل كبرياء كما للزنا . لهذا فمن الجانب الرمزى جاء إرميا النبى يحذر المؤمنين من الإلتجاء إلى فرعون مصر ، أى إلى العالم فى محبته المهلكة ، أو إلى ملك بابل ، أى إلى الكبرياء المفسد للنفس ، وإنما يكون الألتجاء لله وحده الذى يحرر النفس والجسد معا من أسر محبة العالم والكبرياء !



المسيا فى سفر إرميا :

يبرز إرميا الحاجة إلى المسيا الملك البار ليحقق الخلاص . فإن كان ملوك بيت داود قد أساءوا القيادة ، وكان ذلك أحد العوامل التى شتت الرعية ، فإن الله يعد بالأنبياء عن مجىء ملك جديد من نسل داود ، بار وحكيم ، يخلص يهوذا القطيع الجديد ( 23 : 3 – 6 ) . وكأن إرميا النبى قد تطلع بنظرة نبوية إلى العصر المسيانى الذى فيه يحقق السيد المسيح التجديد الروحى الحق ، فيقدم الله عهدا جديدا لإسرائيل الجديد ، حيث يملك الله روحيا على القلب ( 23 : 5 – 8 ؛ 30 : 4 – 11 ؛ 33 ، 32 ) . وبظهور هذا العصر الجديد ينتهى الطقس اليهودى فى حرفيته ، وينفتح الباب لدعوة الأمم ( 3 : 17 ) .

لا يقف الأمر عند النبوات عن عصر المسيا وإنما كانت شخصية إرميا ترتبط كثيرا بشخصية السيد المسيح ، حتى عندما سأل السيد تلاميذه : من يقول الناس إنى أنا ابن الإنسان ؟ قالوا إن بعضا يقول إنه إرميا ( مت 16 : 14 ) .



أما أهم ملامح هذا الأرتباط فهى :

أ – عاش إرميا يحمل فى داخله أثقال شعب الله بمرارة ، إذ يقول " أحشائى أحشائى ، توجعنى ! جدران قلبى ! يئن فى قلبى ! لا أستطيع السكوت " 4 : 19 .

وبدموع يقدم مرثاة رائعة ، قائلا :

" يا ليت رأسى ماء وعينى ينبوع دموع ؟ ، فأبكى نهارا وليلا قتلى بنت شعبى " 9 : 1 ، حتى دعى بالنبى الباكى . وقد جاء السيد المسيح يبكى البشرية على خطاياها ورجاساتها ، خاصة أورشليم التى قدم لها الكثير وفى عناد قاومت عمل الله .

فقد قيل عنه : " رجل أوجاع ومختبر الحزن " إش 53 : 3 .

وجد السيد المسيح باكيا ( مت 23 : 37 ) ، إن لم يكن علانية ففى أعماقه دموع لا تجف من جهة الخطاة . اكتشف إرميا بعض الخطايا فلم يعد يحتمل نفسه مشتهيا أن يجد له مبيتا فى البرية ليترك شعبه وينطلق من عندهم لأنهم جميعا زناة جماعة خائنين ( 9 : 2 ) . أما السيد المسيح العارف بكل خطايا البشرية فى كل تفاصيلها الخفية والظاهرة بكل ثقلها ، فقد جاء ليحل وسط الخطاة ويسندهم مقدسا إياهم بدمه .

جاء السيد المسيح فحقق ما اشتهاه إرميا وغيره من الأنبياء فاتحا طريق الملكوت الجديد لكل من يدعو اسم الرب من جميع الأمم .

ب – أبغض الشعب مع القيادات إرميا النبى بسبب توبيخه لهم ، عاش حاملا صورة السيد المسيح محب البشرية ، الذى جاء يسلم ذاته من أجل الكل ، أما خاصته فلم تقبله ، بل وتكاتفت كل القوى تريد الخلاص منه خارج المحلة .

جـ - تنبأ إرميا النبى عن خراب أورشليم ( 1 : 15 ، 16 ) ، وأعلن السيد المسيح ما سيحل بأورشليم قائلا : " ياأورشليم ياأورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها ، ..... " ( مت 23 : 37 ، 38 ) .

د – مع ما حمله إرميا من مرارة تجاه شعبه ، فإن مرارته إمتزجت بحلاوة خلال رؤيته السيد المسيح المخلص بروح النبوة ، خلال الظلال ، فلم يحمل يأسا بل رجاء . ( 23 : 5 ، 6 ؛ 11 : 19 ) .

يُرى السيد المسيح فى سفر إرميا أنه :

أ – بلسان فى جلعاد ( 8 : 22 ) أى دواء النفس المنكسرة ...

ب – رجاء الكنيسة ومخلصها : 14 : 8 ؛ 50 : 34 ) .

جـ - الفخارى : ( 18 : 6 ) .

د – غصن بر : ( 23 : 5 ) .

هـ - داود الملك : ( 30 : 9 ) .

و – ينبوع الماء الحى : ( 2 : 13 ) .



أما أهم النبوات المسيانية فهى :

أ – ميلاده الجسدى كإبن داود ( 23 : 5 ؛ 33 : 15 ؛ أع 13 : 22 ؛ رو 1 : 3 ) .

ب – لاهوته : " الرب برنا " 23 : 6 ( 1 كو 1 : 30 ) .

جـ - قتل أطفال بيت لحم ( 31 : 15 ؛ مت 2 : 16 ، 18 ) .

د – تقديم نفسه ذبيحة حب ( 11 : 9 ) ، وحمله العار ( 15 : 15 ) ، وعدم جلوسه مجلس المازحين مبتهجا ( 15 : 17 ) .

+ + +

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Empty
مُساهمةموضوع: إرميا – الإصحاح الأول -الدعـوة للخدمة   تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Icon_minitimeالإثنين فبراير 19, 2007 9:13 pm



إرميا – الإصحاح الأول
الدعـوة للخدمة



افتتح السفر بمقدمة صغيرة أوضحت موطن النبى وتاريخ بدء الخدمة ونهايتها ، جاء الإصحاح الأول كله كمقدمة للسفر ، أشبه بدستور عملى للخادم الحقيقى .



( 1 ) إدراك الدعوة الإلهية :

تحدث السفر عن دعوة النبى ورسالته خلال أمرين : حوار بين الله وإرميا [ 4 – 10 ؛ 17 – 19 ] وخلال رؤيتين [ 11 – 16 ] ، ركز الحوار على دعوة إرميا الشخصية والرؤيتان على رسالته .

إذ تدخل الله فى حياة إرميا وتحدث معه فى حوار مفتوح ، فتح عن عينيه ليدرك إرميا من هو ، وما هى رسالته فى الحياة ، وما هى إمكانياته فى الرب .

افتتح النبى حديثه بعلاقته مع الله مرسله هكذا :

" فكانت كلمة الرب اليّ قائلا قبلما صورتك في البطن عرفتك وقبلما خرجت من الرحم قدستك " ع 4 ، 5 .

ما أعجب هذه العبارة ، فإنها تكشف عن سر الحب العميق بين الله والإنسان .

أدرك النبى أن علاقته بالله تمتد جذورها إلى ما قبل تكوينه كجنين فى أحشاء أمه ، فقد كان فى ذهن الله ، وموضوع محبته ، يمثل جزءا لا يتجزأ من خطة الله الخلاصية ! دعوته للعمل النبوى لم تقم من عندياته ولا بخطة إنسانية ، لكنها بتخطيط الهي !

لقد أدرك إرميا النبى أن حياته لم تأت جزافا نتيجة اتحاد جسدى بين والديه ، إنما هو أعظم من هذا . ميلاده الجسدى ليس هو بداية حياته الحقيقية ، ولا موته الجسدى هو نهاية حياته ! إنه من صنع الله نفسه !

كان اللقاء بين الله وإرميا لقاء طبيعيا وكأنهما صديقان حميمان ، وأن هذه الرسالة جاءت نتيجة علاقة قديمة تمتد جذورها إلى أيام تكوين إرميا فى أحشاء أمه .

سر هذا الإمتياز هو أن إرميا كان يرمز للسيد المسيح ، الذى تنطبق عليه هذه العبارة بمفهوم فريد رائع ، فإنه قبل تجسده منذ الأزل يعرف الآب إبنه وحيد الجنس ، وقد قدسه بمعنى أنه سلم إليه العمل الخلاصى من جهة الإنسان . لم يكن السيد المسيح فى عوز إلى تقديس خارجى ، إذ هو القدوس ، لكنه قدم ذاته للأب فى طاعة ليقوم بخلاصنا ، لعله لهذا قال : " لأجلهم أقدس أنا ذاتى ليكونوا هم مقدسين فى الحق " يو 17 : 19 .


( 2 ) اتساع القلب بالحب



يعلن الرب لإرميا النبى حدود خدمته ، قائلا له : " جعلتك نبيا للشعوب " ع 5 .

إن كان إرميا قد بدأ خدمته فى حدود قريته التى رفضته لكن قلبه لم يضق بالناس إنما اتسع ليشمل كل يهوذا التى أصرت على رفضه مرارا ، بل يؤكد الله له أنه قدسه " نبيا للشعوب " . وكأنه أراد أن يخرج به من الدائرة الضيقة لكى يئن مع أنات كل إنسان ، ولا يستريح قلبه ما لم يسترح الكل فى الرب .

وكأن الله قد جعل لإرميا دورا يمس لا حياة يهوذا فحسب ، بل وتاريخ الأمم الأخرى أيضا . يسحب قلب الشعوب الأخرى إلى الحياة السماوية . هكذا خدامه المرتبطون به يحملون ذات الروح ، مشتاقين بروح الأبوة الجامعة الحانية أن يضموا كل إنسان إن أمكن إلى ملكوت الله .


( 3 ) اتضاع النفس



إذ دعى إرميا للخدمة لم يرفضها بطريقة مطلقة وإنما اعتذر بضعفاته الشخصية ، قائلا :

" فقلت آه يا سيد الرب اني لا اعرف ان اتكلم لاني ولد " ع 6

وكانت إجابة الرب : " فقال الرب لي لا تقل اني ولد لانك الى كل من ارسلك اليه تذهب وتتكلم بكل ما آمرك به " ع 7

لم يعتذر إرميا عن الخدمة لبلادة فى قلبه ، ولا هربا من المسئولية ، وإنما شوقا إلى فترة خلوة مع الله ولو إلى حين مع شعوره بالضعف الشخصى أمام إدراكه لجسامة المسئولية ، فجاء هذا الشعور يؤكد تأهله لقبول عمل الله فيه ، إذ يعمل الله فى المتواضعين .

إن كان إرميا بحسب عمره صغيرا ، لكنه فى عينى الله ناضج روحيا .

يقول العلامة أوريجانوس : [ يمكن أن نكون أولادا صغارا حسب إنساننا الداخلى حتى وإن كنا شيوخا حسب الجسد ، كما يمكن أن نكون أولادا صغارا حسب إنساننا الخارجى ولكننا ناضجون حسب الإنسان الداخلى ، وهذا ما كان عليه إرميا .. ] .


( 4 ) شجاعة الخادم



الإتضاع لا يعنى الإستكانة ، إنما الشعور بضعف الإنسان وعجزه بذاته ، مع الإيمان بإمكانيات الله الجبارة التى تسنده ، فيعمل بشجاعة دون خوف أو اضطراب .

لقد أكد الرب لإرميا :

" لا تخف من وجوههم لاني انا معك لانقذك يقول الرب " ع 8

هذه كلمات صادرة عن الفم الإلهى ، يلتزم بها الله بإرادته المملوءة حبا نحو كل خدامه الأمناء ، ألا وهى " معية الله " ، أن يكون معهم .

الخدمة شاقة بل ومستحيلة بالأذرع البشرية ،.......

لأنها فى جوهرها خدمة إقامة من الأموات ، لا موت الجسد بل موت النفس ، الأمر الذى يمارسه الخالق المخلص خلال خدامه المتكئين عليه .

يؤكد له :
" هانذا قد جعلتك اليوم مدينة حصينة وعمود حديد واسوار نحاس على كل الارض ........ فيحاربونك ولا يقدرون عليك لاني انا معك يقول الرب لانقذك " ع 18 ، 19 .


لم يعد الله إرميا بإزالة المتاعب عنه ، لكنه وعده بمؤازرته أثناء الشدائد والضيقات ، لا لكى لا يسقط فحسب ، وإنما يجعل منه مدينة حصينة تحتضن الكثيرين ، وعمود حديد يبنى عليه هيكل الرب ، وأسوار نحاس يختفى وراءها الكثيرون فى المسيح يسوع .

الله لا يمنح قديسيه عدم التعرض للتجارب ، إنما يعطيهم القوة للغلبة .

العجيب أن الله لا يطمئن خدامه بنزع التجارب عنهم بل يهددهم إن تركوا روح الشجاعة ليس فقط ينهزمون بل هو أيضا يرعبهم ، إذ يقول : " لا ترتع من وجوههم لئلا أريعك أمامهم " ع 17 .

وكأن سر نجاحهم هو شجاعتهم فى الرب .



( 5 ) الإختفاء فى كلمة الله

" ومد الرب يده ولمس فمي وقال الرب لي ها قد جعلت كلامي في فمك " ع 9 .

يختفى خادم الله فى كلمة الله تماما ، ويخفيها فى أعماقه ليعيش بها . إنه يبتلع فى الكلمة ، والكلمة تبتلعه ....

بقدر ما يظهر الخادم بذاته ينمق الكلمات ، تخرج الكلمة مشوهة وضعيفة بلا سلطان ، وبقدر ذوبانه فيها تخرج فى بساطتها قادرة أن تخترق أعماق القلب لتهب سلاما وروحا وحياة !

سر القوة إذن فى حياة إرميا أن الله مد يده ، ولمس فيه ، وجعل كلامه فيه .

أما عمل الكلمة الإلهية فى حياة إرميا ، ورجال الله فهى :

" انظر.قد وكلتك هذا اليوم على الشعوب وعلى الممالك لتقلع وتهدم وتهلك وتنقض وتبني وتغرس " ع 10 .

يقول الرسول بولس : " لأن كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذى حدين " عب 4 : 12 . فهى تفصل بين الشر والخير .

هكذا كان الله صريحا مع نبيه إرميا منذ اللحظة الأولى ، علمه التمسك بكلمة الله التى تهدم وتبنى ، وتقلع وتغرس ! رسالة صعبة وقاسية تثير الشعوب والممالك ضده . لم يرسله ليقدم كلمات لينة مهدئة ، وإنما ليعمل بالهدم والنقض والأقتلاع ، وفى نفس الوقت البناء والغرس .

بكلمة الله يقتلع خادم الله الغرس الغريب لكى يقوم الآب بتقديم غرسه فى النفس ، ويهدم مملكة الخطية لكى يقيم الرب مملكته السماوية ، ويطرد الشعوب الغريبة الدنسة ( الرجاسات ) لكى يتمجد الله فى شعبه .

هذه الكلمة الإلهية التى بها يهدم ويبنى ، ويقلع ويغرس ، يهتم بها الله نفسه ، إذ هى كلمته ، يقول النبى : " ثم صارت كلمة الرب إلى قائلا : ماذا أنت راء يا إرميا ؟ فقلت أنا راء قضيب لوز . فقال الرب لى : أحسنت الرؤية ، لأنى أنا ساهر على كلمتى لأجريها " ع 11 ، 12 .

لقد رأى إرميا " قضيب لوز " هو القضيب الذى أفرخته عصا هرون الجافة ، التى وإن كانت لا تحمل حياة فى ذاتها لكنها أثمرت كلمة الله الحية لإشباع المخدومين .

يلاحظ أن " قضيب اللوز " يعنى فى العبرية " الساهر " وعلة هذه التسمية أن شجر اللوز يزهر مبكرا فى شهر فبراير قبل سائر الأشجار .

هذا يعنى أن وقت الموت ( للنبات ) قد انتهى ، لتحل الحياة من جديد ، تشهد شجرة اللوز لعمل الله الفائق الذى يخرج الحياة من الموت ! وكأن هذه الشجرة تبقى " ساهرة " على بقية الأشجار ، فتشير إلى الله الذى يسهر على كلمته لتعمل فى حياة الناس ، إذ يقول :

" لأنى أنا ساهر على كلمتى لأجريها " ع 11 .

إن كان الله يجرى بنفسه كلمته وهو ساهر عليها لكنه يطلب من جانبنا نحن أيضا أن نسهر لئلا يحل بنا الشر . لهذا بعد رؤية قضيب اللوز ، جاءت رؤية القدر المنفوخة ووجهها من جهة الشمال حيث الشر قادم .

" ثم صارت كلمة الرب اليّ ثانية قائلا :

ماذا انت راء.فقلت اني راء ؟ قدرا منفوخة ووجهها من جهة الشمال.

فقال الرب لي من الشمال ينفتح الشر على كل سكان الارض " ع 11 – 14 .

يرى العلامة أوريجينوس أن التطلع نحو الشمال يشير إلى السهر والحذر من الشر القادم على النفس البشرية لتحطيم خلاصها .


( 6 ) الأمانة فى العمل



إن كان النبى قد أقيم كوكيل لله ، إذ يقول له الرب : " أنظر . قد وكلتك هذا اليوم على الشعوب ... " فهو ملتزم أن يعمل بروح موكله ، يقلع ويغرس ، ويهدم ويبنى . هذا العمل أجرته ضيق ومرارة من العالم نحو العاملين به .

قدم الله لإرميا النبى رؤيا ثانية ، إذ نظر قدرا منفوخة من جهة الشمال تنفتح فوهتها بالشر نحو الشعب ، ويفسر له الرؤيا هكذا : " لاني هانذا داع كل عشائر ممالك الشمال يقول الرب.فيأتون ويضعون كل واحد كرسيه في مدخل ابواب اورشليم وعلى كل اسوارها حواليها وعلى كل مدن يهوذا ، واقيم دعواي على كل شرهم لانهم تركوني وبخروا لآلهة اخرى وسجدوا لاعمال ايديهم " ع 15 ، 16 .

بهذه الرؤيا أوضح الله لإرميا كل شىء مقدما ، كموكل قدم لوكيله خطته الإلهية بكل وضوح حتى لا يفاجأ بها الوكيل فيضطرب عندما يرى الضيق قد حل بأورشليم وكل مدن يهوذا .

لما كانت أغلب متاعب إسرائيل تأتى من الشمال ( من الأشوريين والأراميين والبابليين ) لذا صار الشمال رمزا لقوى الظلمة .

يلاحظ أن الرؤيا الأولى مفرحة حيث تقدم كلمة الله كلوز مشبع للنفس له لذته ، والثانية مرة ومؤلمة خاصة بالتأديب الحازم . وكأن الله يود أن يقدم كلمته العذبة لكل نفس لتنعم وتشبع بها ، فإن رفضتها يسمح لها بالتأديب الذى يبدو قاسيا ومرا . وفى هذا كله يطلب الله ودنا وحبنا ومجدنا الأبدى !

ولا تقف الأمانة عند تبليغ الرسالة فحسب وإنما تمس الحياة الداخلية ، فأمانة الوكيل تعلن من خلال تقديسه الداخلى اللائق به كوكيل للقدوس . لهذا يقول له :

" أما أنت فنطق حقويك ، وقم ، وكلمهم بكل ما آمرك به . لا ترتع من وجوههم لئلا أريعك أمامهم " ع 17 .

طالبه أن يمنطق حقويه ويقوم ، فإنه إذ يمنطق حقويه يكون كمن يشترك فى وليمة الفصح ( خر 12 : 11 ) ، يشترك فى العبور مع الشعب من عبودية الخطية للدخول فى أورشليم العليا .

أما قوله " قـــم " فتؤكد أنه لن يقدر أن يتمم رسالته الكرازية والشهادة للكلمة مالم يقم مع المسيح يسوع ربنا فيقيم إخوته معه !

علامة الأمانة فى العمل الكرازى هو التمنطق ، أى الدخول إلى الموت مع المسيح والتمتع بقوة قيامته ، عندئذ يستطيع الخادم أن يتكلم بكل ما يأمره به الرب ، إذ تخرج الكلمة حية وفعالة ، عاملة فيه أولا ، فيقبلها الناس كحياة ، وبهذا أيضا لا يرتاع من وجوه الناس لأنه إذ مات وقام هل يخاف الموت بعد ؟! بهذا يقيمه الله مدينة حصينة وعمودا حديديا وأسوار نحاس على كل الأرض ( ع 18 ) ، يصير سر بركة للكثيرين ، يسندهم ويعينهم ويكون بالمسيح الصخرة هو أيضا صخرة لكثيرين .

بهذا يسمع الصوت الإلهى ع 19 :
" يحاربونك ولا يقدرون عليك ، لأنى أنا معك يقول الرب لأنقذك "
+ + +
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Empty
مُساهمةموضوع: إرميا – الإصحاح الثانى -سر الخصومة   تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Icon_minitimeالإثنين فبراير 19, 2007 9:17 pm



إرميا – الإصحاح الثانى

سر الخصومة

أراد الله كمحب البشر فى بدء عتابه أن يتحدث إرميا مع أورشليم فى أذنيها ( ع 1 ) وكأنه لا يريد أن يفضحها ، ولا يهوى عقابها فى ذاته ، إنما يود الإصلاح بحديث ودى فى السر ما أمكن .

يرى البعض أن الله فى هذا الإصحاح يقيم " قضية خيانة زوجية " ضد عروسه المحبوبة لديه ، لا للحكم ضدها ، وإنما ليكشف لها ضعفها فترجع إليه .

قيل إن كلمة الله تريح التعابى ، وتتعب المستريحين ، فهى تقدم راحة للنفوس المعترفة بخطاياها ، وتبعث تعبا للنفوس المستكينة التى تبرر نفسها ... هنا تقدم الكلمة تعبا لشعب استكان للخطية وبرر نفسه .



( 1 ) فضائلها الأولى :

" اذهب وناد في اذني اورشليم قائلا.هكذا قال الرب.قد ذكرت لك غيرة صباك محبة خطبتك ذهابك ورائي في البرية في ارض غير مزروعة " ع 2 .

بدأ السيد عتابه بكلمة تشجيع إذ يعلن لأورشليم أنه لن ينسى يوم خطبها وهى بعد فى صباها فى مصر ، كيف قبلته عريسا لها ، وخرجت معه من مصر إلى البرية ، فى أرض غير مزروعة . وكأنه يعلن أنه مدين لها بهذا الحب ، مع أنه هو الذى سمع صرختها فى العبودية واهتم بها ورعاها ، مقدما نفسه سحابة تظللها من حر النهار وعمود نور يضىء لها ويقودها ليلا ، أرسل لها منا سماويا فلا تحتاج إلى طعام ، وقدم لها صخرة ماء تتبعها أينما ذهبت . كان لها المربى والطبيب والمهندس ... يشبع كل إحتياجاتها .

يذكر الله اللحظات العذبة التى فيها استمع الشعب لصوت موسى النبى ووثق فى الوعود الإلهية ، فكانوا كعروس فى " شهر العسل " مع عريسها ، ولم يذكر كيف كانوا قساة القلب ، كثيرى التذمر !

عجيب هو الله فى حبه ، فإنه لا ينسى كأس ماء بارد يقدمه الإنسان باسمه ، أما خطاياه فيود ألا يذكرها بل يتناساها . إنه محب للإنسان .

حقا إن كلمة التشجيع تسند كل نفس خائرة !



( 2 ) مركزها لديه :

" اسرائيل قدس للرب اوائل غلته.كل آكليه ياثمون.شر يأتي عليهم يقول الرب " ع 3

إن كان الله فى هذا السفر يتحدث مع إسرائيل بصراحة كاملة ، ويدخل معه فى عتاب شديد ، ويعلن تأديبه له بحزم ، ليس انتقاما منه ولا لفضحه ، وإنما لأنه " قدس للرب ، أوائل غلته " . ماذا يعنى هذا ؟

كان رئيس الكهنة يدخل إلى قدس الأقداس مرة واحدة فى السنة ، بعد تقديم ذبائح عن خطاياه وخطايا الشعب ، ثم يضع صفيحة ذهبية على جبهته مكتوب عليها :

" قدس للرب " خر 28 : 36 – 38 . هى فى الواقع خاصة بالسيد المسيح وحده ، البكر وموضوع رضى الآب ، يدخل إليه نيابة عن البشرية كلها ، أو بمعنى آخر حاملا فيه البشرية كجسده المقدس ، فتكون مقدسة فيه ومقبولة لدى أبيه . ما كان يصنعه رئيس الكهنة قديما إنما يمثل مسيح الرب الذى يقول :

" لأجلهم أقدس أنا ذاتى ليكونوا هم أيضا مقدسين فى الحق " يو 17 : 19 .

إن كان إسرائيل هو " قدس للرب " إنما يحسبهم أشبه برئيس كهنة بالنسبة لبقية الشعوب والأمم ، لهم وحدهم حق التمتع بمقدساته . لذا يطالبهم بالتقديس لا كقانون يلتزمون به ، ولا كفريضة يتثقلون تحتها وإنما كإمتياز يليق بهم أن يتمسكوا به .

بحسب الشريعة أيضا يلزم تقديم البكور للرب ، فأوائل الغلة تعطى له فيتقدس الحصاد كله ، هكذا كان الرب يرى هذا الشعب بكر الشعوب وأوائل غلته ، هم من نصيب الرب لكى يتبارك العالم بسببهم ... لهذا يعاتبهم فى مرارة ، إنه له !

لما كان " إسرائيل قدس للرب ، أوائل غلته " فهو بهذا ملك له ، بكور العالم المقدسة لله وحده ، من يغتصبه يغتصب حق الله ، ومن يأكله ينتهك مقدسات الله ، لذا يقول : " كل آكليه يأثمون ، شر يأتى عليهم " إن كان الله يسلمه للكلدانيين للتأديب ، فإن الكلدانيين إذ يغتصبونه بعنف إنما يسيئون إلى حق الله نفسه ونصيبه !

حقا يا للعجب ، فيما يسمح الله لنا بالتأديب أو الضيق للتزكية يرانا قدسه وأوائل غلته ، من يمد يده علينا إنما يأثم فى حق الله نفسه ، وينتهك مقدساته ! لهذا يؤكد الرب نفسه :

" فمتى أسلموكم فلا تهتموا كيف أو بما تتكلمون ، لأنكم تعطون فى تلك الساعة ما تتكلمون به ، لأن لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم الذى يتكلم فيكم " مت 10 : 19 .


( 3 ) عدم إهماله لها



لكى يكشف الله لشعبه عن ضعفاته ، لم يكتف بإبراز فضائله لتشجيعه وإعلان مركزه لديه بكل الطرق ، تارة كقدس للرب ، وأخرى أول غلته ، وثالثة إبنه ، ورابعة شعبه / وخامسة كعروس له الخ .... فإنه يذكر شعبه أيضا بأعماله الإلهية معه خلال التاريخ الطويل ، كيف كان يهتم به ويرعاه بلا إهمال ، قائلا :

" ماذا وجد فيّ آبائكم من جور حتى ابتعدوا عني ؟!

وساروا وراء الباطل وصاروا باطلا.

ولم يقولوا اين هو الرب الذي اصعدنا من ارض مصر ،

الذي سار بنا في البرية ، في ارض قفر وحفر ، في ارض يبوسة وظل الموت في ارض لم يعبرها رجل ولم يسكنها انسان.

واتيت بكم الى ارض بساتين لتأكلوا ثمرها وخيرها " ع 5 – 7 .

فى عتاب قدم ملخصا سريعا وواضحا عن رعايته لشعبه ، إذ أخرجهم من أرض الجور والعبودية ، ورافقهم كل الطريق فى البرية ، لم يكن بها إلا ظل الموت ، لم يسبق أن عبر هذا الطريق إنسان قط ... وأتى بهم إلى أرض الموعد ، البساتين المملوءة ثمرا وخيرات ، إن كان هذا بالنسبة لأعماله فى العهد القديم فماذا نقول نحن الذين تمتعنا بخلاص هذا مقداره ؟!

دخل إلى طريق لم يعبرها إنسان ، إذ إجتاز عنا ومعنا المعصرة قائلا : " قد دست المعصرة وحدى ، ومن الشعوب لم يكن معى أحد " إش 63 : 3 ،

" وتتركونى وحدى ، وأنا لست وحدى لأن الآب معى " يو 16 : 32 .

إن كان الله فى محبته لم يهمل شعبه بل اهتم برعايتهم ، للأسف أهمل الكهنة والخدام كرم الرب ، فلم يتذوقوا محبة الله ولا استطاعوا أن يقدموها لشعبه ، بل انحرفوا إلى عبادة البعل ، وسحبوا قلوب الشعب معهم .

" الكهنة لم يقولوا اين هو الرب واهل الشريعة لم يعرفوني والرعاة عصوا عليّ والانبياء تنبأوا ببعل وذهبوا وراء ما لا ينفع " ع 8 .

تحدث هنا عن ثلاث فئات :

الكهنة : كان اليهود يظنون أن دورهم قائم على تقديم الذبائح ، ولم يدركوا أن رسالتهم الأولى المصالحة مع الله مخلص البشر ...

الرعاة : أو الحكام ينظر إليهم كممثلى الرب ، يهتمون بكل الشعب ، ... لكنهم عصوه لأنهم أنانيون .

الأنبياء الكذبة : لم يشهدوا للرب بل تنبأوا لحساب البعل .


( 4 ) عدم تمثلها حتى بالأمم



الآن إذ رفضته كعريس لها انطلق بها من بيت الزوجية الذى دنسته إلى دار القضاء ، قائلا : " لذلك اخاصمكم بعد يقول الرب وبني بنيكم اخاصم " ع 9 .

الإصحاح كله أشبه بمذكرة دعوة مقامة بسبب خيانة زوجية .

" فاعبروا جزائر كتيم وانظروا وارسلوا الى قيدار وانتبهوا جدا وانظروا هل صار مثل هذا ؟

هل بدلت امة آلهة وهي ليست آلهة ؟!

اما شعبي فقد بدل مجده بما لا ينفع " ع 10 ، 11

جزائر كتيم هى جزيرة كريت ، وقيدار فى الصحراء العربية ، وكأن الله يطلب من شعبه أن يجول غربا حتى كريت أو شرقا حتى قيدار ليرى بنفسه كيف تتمسك الأمم الوثنية بآلهتها التى هى بحق ليست آلهة ، بينما يتجاهل شعبه علاقته بالله الحقيقى .


( 5 ) سر ضعفها



بعد هذا العتاب اللطيف ، كشف لهم سر ضعفهم من جوانب كثيرة :

أولا : تركها ينبوع الحياة الحقيقى واتكالها على ذاتها .

" ابهتي ايتها السموات من هذا واقشعري وتحيري جدا يقول الرب.

لان شعبي عمل شرين :

تركوني انا ينبوع المياه الحية لينقروا لانفسهم ابآرا ابآرا مشققة

لا تضبط ماء " ع 13

من الصعب أن نتصور إنسانا ما يفضل مياة الأحواض على مياة الينابيع ، لكنه لأجل راحة جسده يلتزم بالشرب من مياة الأحواض التى حفرها لنفسه فى فناء منزله عن أن يقطع مسافات طويلة ليشرب من الينبوع . هذا يحمل رمزا للإنسان الذى يختار الطريق الواسع السهل عن طريق الصليب الضيق .

الإنسان الروحى هو الذى يقبل روح الله فيه ينبوع المياة الحية ، عاملا فى روحه وجسده معا ، مقدسا إياه بالكامل .

ربنا يسوع المسيح هو الينبوع الحى يفيض على الكنيسة فيفجر فى أولادها ينابيع حية ، ويصيرون هم أنفسهم أنهارا .

فى أيام إرميا ترك الشعب الله ينبوع المياة الحية ونقروا لأنفسهم أبارا لا تضبط ماء . فقد تظاهر فرعون مصر بالصداقة ، وأعلن رغبته فى حمايتهم من أشور ، لكنه فى الحقيقة كان يريد أن يقتنصهم لنفسه ويبتلعهم ، وذلك كسيده إبليس الذى يقدم طرقا تبدو كأنها للخلاص وهى مهلكة وخبيثة ، لهذا يقول :

" زمجرت عليه الاشبال ، اطلقت صوتها ، وجعلت ارضه خربة.أحرقت مدنه فلا ساكن. وبنو نوف وتحفنيس قد شجّوا هامتك " ع 14 ، 15 .

بنو نوف ( ممفيس ) وتحفنيس هما مدينتان مصريتان يمثلان مملكة فرعون كلها ، هذه التى اتكلت عليها لإنقاذهم من أشور ، فزمجرت عليهم كالأشبال وحولت أرضهم خرابا وأفقدت مدنهم سكانها !

لعل تكراره لكلمة " آبار " مرتين يشير أيضا إلى تأرجح الشعب فى ذلك الحين بين اعتمادهم على ملك بابل ضد فرعون مصر ، أو العكس ، فيرغبون فى الحماية البشرية ، يطلبون أن يرتووا من مياة الفرات أو نيل مصر عوض مياة الله الحية .

يقول : " أما صنعت هذا بنفسك اذ تركت الرب الهك حينما كان مسيّرك في الطريق. والآن ما لك وطريق مصر لشرب مياه شيحور ،

وما لك وطريق اشور لشرب مياه النهر " ع 17 ، 18 .

يقصد بمياة شيحور مياة النيل ، إن كانت مصر تشير إلى محبة العالم بسبب خيراتها الكثيرة ، وبابل تشير إلى الكبرياء بسبب ما وصلت إليه من كرامة زمنية وسطوة ، فإن المؤمن كثيرا ما ينسحب قلبه من الإتكال على عمل الله ليشبع شهوات جسده ويحقق محبته للأرضيات ، أو بسبب روح الكبرياء التى يثور فيه ، وفى كليهما يحرم نفسه من الأرتواء بالحق .



ثانيا : ارتباطها بالآلهة الباطلة جعلها باطلة

ليس فقط رفضت الله ينبوع المياة الحية لتطلب مالذاتها ، بل استعاضت عن الله الحى بالآلهة الوثنية الباطلة ، يقول الرب لها عن تركها له :

" يوبخك شرّك وعصيانك يؤدبك.فاعلمي وانظري ان تركك الرب الهك شر ومر وان خشيتي ليست فيك " ع 19 .

لو دققنا فى العبارة لرأينا الله يكشف لنا عن حقيقة كثيرا ما تغيب عن ذهننا ، أن الذى يربخ الإنسان شره ، والذى يؤدبه عصيانه ... حقا يقوم الله بالتوبيخ وفى محبته يؤدب بحزم ، ربما يبدو قاسيا للغاية ، لكننا لا نلوم الله بل أنفسنا فإن ما يحل بنا من توبيخ أو تأديب هو ثمرة طبيعية للشر والعصيان .

كشف لها عن ضعفها بثلاث تشبيهات أخذها من الحيوانات والبشر والنباتات :

أ – وصفها كحيوان جامح ، لا يريد العودة إلى صاحبه ( ع 20 ) .

ب – كزانية تمارس الفساد علانية بلا خجل .

ككرمة منتقاة : لكنها قدمت عنبا لا نفع منه . ( ع 20 ، إش 5 ) .

لقد رفضت عروسه الأرتباط به وأحلت البعل عوضا عنه :

" لانه منذ القديم كسرت نيرك وقطعت قيودك وقلت لا اتعبد.لانك على كل اكمة عالية وتحت كل شجرة خضراء انت اضطجعت زانية " ع 20 .

لقد قبلت البعل عريسا لها عوض رجلها فصارت زانية

وإذ أراد تأكيد مسئوليتها عما تفعله ، يقول لها : " وانا قد غرستك كرمة سورق زرع حق كلها ، فكيف تحولت لي سروغ جفنة غريبة ؟! " ع 21 .

وكأنه يقول لها : لقد خلقتك كلك حق بلا بطلان ولا فساد ، زرعتك كرمة مختارة من بذار طيبة ، فلماذا تحولت إلى كرمة غريبة دنيئة ؟‍‍ ‍ ‍‍‍‍‍‍

لم يقف الأمر عند إفساد نفسها بنفسها باعتزالها إلهها وعدم انتسابه إليها وانتسابها إليه . إنما حتى عندما أرادت إصلاح نفسها أتكأت على ذراعها البشرى عوض الرجوع إليه كمخلص لها . كأنها حتى فى ندامتها يزداد انشقاقها عن الله الحقيقى لأنها عوض الأعتراف بخطاياها حاولت تبرير نفسها . لذا يقول لها : " فانك وان اغتسلت بنطرون واكثرت لنفسك الاشنان فقد نقش اثمك امامي يقول السيد الرب " ع 22

إذ تكون النفوس عنيدة للغاية يهدد الله بالعقوبة دون أن يفتح بابا للرجاء ، ليس لكى يسقطوا فى اليأس ، وإنما لكى لا يحولوا هذا الرجاء إلى استهانة واستخفاف .

ظنت أنها قادرة بذاتها أن تغسل بالنطرون أو بالإشنان ( صابون أو منظف ) .. ولم تدرك أن هذا من عمل الخالق نفسه ، هو وحده الذى يغسل النفس ويقدس الجسد ‍ .

إذ حاولت تغطية خطاياها بتبريرها لذاتها فضحها أمام نفسها ، قائلا لها : " كيف تقولين لم اتنجس.وراء بعليم لم اذهب.انظري طريقك في الوادي " ع 23 .

هنا يقصد وادى بنى هنوم ( 2 مل 23 : 10 ، إر 7 : 31 – 32 ) . الذى فيه كانوا يقدمون أطفالهم محرقات للأوثان .

عاد مرة أخرى يوبخها على تركها إياه وجريها وراء البعليم الغريب : " اعرفي ما عملت يا ناقة خفيفة ضبعة في طرقها يا اتان الفراء قد تعودت البرية.في شهوة نفسها تستنشق الريح " ع 23 ، 24 .

لقد صارت كأنثى الجمل التى بلا قائد لها ، تتحرك بخفة وبغير توقف بلا هدف ولا نفع ، تجرى فى كل اتجاه متخبطة ، وكالضبعة التى تحفر القبور لتأكل الجثث ، رائحتها كريهة ، جبانة بطبعها ، ‍ صارت كأنثى الحمار الوحشى التى تعودت الحياة فى برية القفر ، ولا تستريح وسط الخيرات والبركات ، ... تقضى وقتها تبحث عن إرضاء شهوتها .

صارت فى خطر كمن يسلك فى أرض وعرة حافيا ، وقد جف حلقه من الظمأ ، ومع ذلك لا يريد أن يلبس نعلا ولا أن يشرب ماء ‍ : " احفظي رجلك من الحفا وحلقك من الظمإ فقلت باطل لا ،لاني قد احببت الغرباء وورائهم اذهب " ع 25 .

يتوسل إليها أن ترجع ليحفظ قدميها من العثرة ويروى حلقها عوض الظمأ ، لكنها فى إصرار ترفض قائلة : " لا " ، لأنها تظن أن جريها وراء الغرباء مع التعرض للخطر والظمأ أفضل لها من التمتع بأحضان عريسها الإلهى ونوال بركاته المشبعة .

لذا يبدأ بالتهديد بعد التوسل ، قائلا : " كخزى السارق إذا وجد ، هكذا خزى بيت إسرائيل ، هم وملوكهم ورؤسائهم وكهنتهم وأنبياؤهم " ع 26 .

يبقى السارق متهللا بسرقته حتى ولو لم يستخدم المسروق ، ويفتخر أنه استطاع أن يسرق ولم يدر به أحد ، لكنه متى قبض عليه صار فى خزى ولا ينفع الندم .

ثالثا : التعريج بين الفريقين :

إن سر ضعفهم هو تركهم ينبوع المياة الحية لينقروا لأنفسهم آبار مياة ذاتية من عندياتهم . هذا من جانب ومن جانب آخر تركوا آباهم الحى ليقبلوا العشتاروت الخشبى وهى إلهة الخصوبة الأنثى أبا لهم ، أو من الإله الذكر الحجرى أما لهم . إذ يقول :

" قائلين للعود انت ابي وللحجر انت ولدتني " ع 27 .

هنا نوع من السخرية ، إذ يعلن لهم النبى أنهم فقدوا كل إدراك طبيعى وكل منطق بشرى ، فجعلوا من الأنثى أبا ، ومن الذكر أما ولودا لهم ! إنهم لم يفقدوا فقط قدرتهم على التمييز بين الله الحقيقى والآلهة الباطلة ، وإنما حتى التمييز بين الذكر والأنثى ، والأب والأم !

وأخيرا فإنهم حتى فى وسط الضيق لا يرجعون إلى الرب بكل قلوبهم بل يعرجون بين الفريقين ، يطلبون الله ليخلصهم أما قلبهم فملتصق بالبعل .

يقول : " وفي وقت بليتهم يقولون قم وخلصنا. فاين آلهتك التي صنعت لنفسك.فليقوموا ان كانوا يخلّصونك في وقت بليتك " ع 27 ، 28 .


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Empty
مُساهمةموضوع: يتبع.....إرميا – الإصحاح الثانى -سر الخصومة   تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Icon_minitimeالإثنين فبراير 19, 2007 9:18 pm

( 6 ) ثمار خطاياهم



إذ كشف لها عن جوانب من سر ضعفها حدثها عن ثمار خطاياها ، ألا وهى :

أولا : صار الله بالنسبة لها كبرية أو أرض ظلام

يقول الرب : " هل صرت برية لإسرائيل أو أرض ظلام دامس ؟! لماذا قال شعبى : قد شردنا لا نجىء إليك ؟ " ع 31 .

كأن الله يعاتب شعبه قائلا : لماذا تهربون منى ، هل رأيتمونى برية تهربون منها ، أو أرض ظلام تخافونها ؟! .

لا يمكن أن يكون الله " برية " لأحد وهو الذى " يشرق شمسه على الأشرار والصالحين " . ولا يمكن أن يكون أرض ظلام وهو الذى " يمطر على الأبرار والظالمين " .

كيف يمكن أن يكون أرض ظلام وهو الذى عمل النهار ، وأيضا أعطانا الليل للراحة ؟

يوجه الله الوعيد لهؤلاء الذين لم يكن لهم أبدا فى يوم من الأيام برية أو أرض ظلام ، فيقول لهم : لم أكن لكم برية ولا أرض ظلام ، ولكن أنتم الذين قلتم : " قد شردنا ( سوف لا يكون لنا إله ) لا نجىء إليك بعد " إر 2 : 31 . هل كان ذلك يأسا من شعب إسرائيل عندما قالوا : " لا نجىء إليك بعد ، سوف لا يكون لنا إله ؟ .

يدهش الله كيف يريد شعبه أن يتحرر منه مع أنه هو سر حياتهم واستنارتهم وشبعهم وزينتهم ، لهذا يعاتبهم قائلا : " هل تنسى عذراء زينتها او عروس مناطقها.اما شعبي فقد نسيني اياما بلا عدد " ع 32 .

يقدم لهم العذراء والعروس مثالين ، لأنه يتطلع إلى شعبه كعذراء عفيفة مقدمة له ، يليق بها ألا تفقد عفتها وبتوليتها بخداعات العدو ولهو العالم ، وكعروس مقدسة له تجد فى الله عريسها سر بهائها ومجدها المعلن فى ثياب عرسها !

يقول : " لماذا تحسّنين ( تهندم نفسها ) طريقك لتطلبي المحبة.لذلك علّمت الشريرات ايضا طرقك ؟" ع 33 .

عوض قبولك لى كسر زينتك السمائية مددتى يدك للزينة الخارجية ، وعوض قبولك حبى الإلهى تطلبين محبة الأشرار ، وتعلمين بناتك الشر ! .

" ايضا في اذيالك وجد دم نفوس المساكين الازكياء.

لا بالنقب وجدته بل على كل هذه " ع 34 .

فيما أنت تزينين نفسك بالزينة الخارجية لتطلبى محبين يصنعون الشر معك ، إذا بالجريمة ملتصقة بأذيال ثيابك . ولما كانت الثياب رمزا للجسد ، فكأنه يقول إن علامات الجريمة قد التصقت بكل جسدك حتى أذياله .
ثانيا : تبرير ذاتها



لا تقف آثار الخطية عند الهروب من الله كما من البرية وأرض ظلام دامس لترتبط بالشر والخطية فى زينة خارجية ، وإنما هى تبرر ذاتها ، ولا تدرك خطأها : " وتقولين لاني تبرأت ارتد غضبه عني حقا.هانذا احاكمك لانك قلت لم اخطئ " ع 35 .

هذا هو أبشع ما يصل إليه الإنسان ، يشرب الإثم كالماء ولا يدرى ، يرتكب الشر ولا يراه شرا ! بهذا يغلق الإنسان على نفسه داخل الخطية فلا تجد التوبة لها موضعا فيه .


ثالثا : يحطم مكاسبها الشريرة



إذ يرتمى الإنسان على الشر يظن أنه ينال شيئا لم ينله فى طريق البر . فمن محبة الله لنا أنه يسمح بتحطيم ما نلناه لندرك أن الشر غير قادر على تقديم شىء . هكذا إذ إتكأ شعبه تارة على ملك بابل وأخرى على فرعون مصر ، جعله يخزى فى بابل كما فى مصر ليتكىء على صدر الله الأبدى القادر أن يهب راحة .

" لماذا تركضين لتبدلي طريقك ؟!

من مصر ايضا تخزين كما خزيت من اشور.

من هنا ايضا تخرجين ويداك على راسك ،

لان الرب قد رفض ثقاتك فلا تنجحين فيها " ع 36 ، 37 .

لقد أبدلت ثقتها فأحلت مصر عوض أشور لكى تحميها ، لكنها كمن هو فى مأتم قد مات من يعولها ، فتضع يديه على رأسها لتندب من أتكلت عليه ، لقد تحطمت كل خطتها البشرية . كما يشير وضع اليدين على الرأس إلى السبى ، حيث غالبا ما يقاد المسبيون إلى أرض السبى بهذه الصورة .
+ + +
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Empty
مُساهمةموضوع: إرميا – الإصحاح الثالث -الله يطلب عروسه   تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Icon_minitimeالإثنين فبراير 19, 2007 9:20 pm



إرميا – الإصحاح الثالث

الله يطلب عروسه

فى الإصحاح السابق كشف لنا الله عن سر الخصومة ، الأمر الذى يكرره كثيرا ، ليس فقط فى سفر إرميا بل فى كثير من الأسفار المقدسة ، فإن الله إن أدب يود أن يوضح سبب التأديب ، حتى يحقق هدفه . فهو لا يؤدب ليظهر سلطانه كما يفعل الإنسان عندما يستحوز على سلطة ، ولا لكى ينتقم ، وإنما لكى يحاور ويحاجج حتى يرجع الإنسان إليه

فى الإصحاح الثالث يعلن بوضوح رغبته فى رجوع عروسه التى تنجست مع كثيرين ، وأفسدت الأرض ، وقد سبق فطلقها ، لكنه يضع خطة إلهية ليفتح أمامها باب التوبة ، ويردها الله مكرمة وممجدة .


( 1 ) العريس يطلب مطلقته الزانية



كشف الله عن حبه اللانهائى نحو شعبه ، ونحو كل مؤمن ،

" قائلا اذا طلق رجل امرأته فانطلقت من عنده وصارت لرجل آخر فهل يرجع اليها بعد ألا تتنجس تلك الارض نجاسة ؟!

اما انت فقد زنيت باصحاب كثيرين ،

لكن ارجعي اليّ يقول الرب " ع 1

يقول العلامة أوريجينوس :

[ هذا نوع جديد من الصلاح ، فإن الله يقبل النفس حتى بعد الزنا إن رجعت وتابت من القلب ...

هنا يظهر الله كغيور ، يطلب نفسك ويشتهى أن تلتصق به ، إنه غير راض . إنه يغضب مظهرا نوعا من الغيرة عليك ، لتعرف أنه يترجى خلاصك ! ] .

لم يبحث عنها الأشرار ليطلبوها ، بل تجرى فى كل الطرقات تطلب الشر ، ليس من طريق تعبر فيه إلا وترتكب فيه الخطية :

" ارفعي عينيك الى الهضاب وانظري اين لم تضاجعي.في الطرقات جلست لهم كاعرابي في البرية ونجست الارض بزناك وبشرك " ع 2

تشهد الطبيعة لشرها ، فبسببها " فامتنع الغيث ولم يكن مطر متأخر " ع 3 .

المطر المتأخر فى شهرى مارس وإبريل حيث يساعد النباتات على نضوج المحصول .

عندما يصر الإنسان على الخطأ ، معاندا وصية إلهه ، تعانده الطبيعة التى خلقت لأجله ، لتشهد أنه قد فسد وانحرف عن تحقيق رسالته ، فلماذا تسنده وتخدمه ؟!

" لها جبهة زانية " ع 3 ، أى وجه نحاس لا يعرف الخجل أو الحياء .

يرى البعض فى العبارة :

" ألست من الآن تدعينني يا ابي ؟! اليف صباي انت ! هل يحقد الى الدهر ؟ او يحفظ غضبه الى الابد ؟

ها قد تكلمت وعملت شرورا واستطعت " ع 4 ، 5 .

قد اتكلت إسرائيل على أنها إبنة لله تمتد علاقتها معه منذ صباها حين كانت فى مصر تحت العبودية ... وكأنها استغلت أبوة الله وحنانه فتكلمت كإبنة لكنها عملت كعاصية وتممت العصيان بقدرة وعنف .

لم تقف عند حد الزنا والخيانة الزوجية لكنها مخادعة ، لها شفتا الغش تنطق بغير ما تعمل ( 3 – 5 ) . وهى مكروهة لدى الناس فكم لدى الله ؟! الله لا يقبل صلوات الشفاة الغاشة ، بل يطلب سكب النفس ( 1 صم 1 : 15 ) وسكب القلب ( مز 62 : 8 ) .


( 2 ) خطة إلهية لعودتها



يكشف الله ليهوذا عن خطته لخلاصها معلنا أن مملكة إسرائيل ( 10 أسباط ) سبق ففسدت وقد حذرها مرة ومرات وأخيرا سمح لها بالسبى لكى تتوب وتكون درسا عمليا ليهوذا . لكن مملكة يهوذا ( سبطان : يهوذا وبنيامين ) عوض أن تتعظ فقد تركها قرنا كاملا بعد سبى إسرائيل لكى تتوب ، إذا بها هى أيضا تخونه على منوال أختها ...

ربما لأنها اتكلت على أن الله لن يسمح بسبى مدينته أورشليم وخراب هيكله فيها ، لكن سرعان ما يفتح الله باب الرجاء لا أمام يهوذا وحدها بل أمام المملكتين معا ، بل وأمام كل الأمم بكونه مخلص العالم كله .

أحد أسباب التأديب هو أن يصير المؤدب مثلا حيا أمام الخطاة :

" وقال الرب لي في ايام يوشيا الملك :

هل رأيت ما فعلت العاصية اسرائيل ؟

انطلقت الى كل جبل عال والى كل شجرة خضراء وزنت هناك.

فقلت بعدما فعلت كل هذه ارجعي اليّ ، فلم ترجع.

فرأت اختها الخائنة يهوذا.

فرأيت انه لاجل كل الاسباب اذ زنت العاصية اسرائيل فطلقتها واعطيتها كتاب طلاقها لم تخف الخائنة يهوذا اختها بل مضت وزنت هي ايضا .

وكان من هوان زناها انها نجست الارض وزنت مع الحجر ومع الشجر.

وفي كل هذا ايضا لم ترجع اليّ اختها الخائنة يهوذا بكل قلبها بل بالكذب يقول الرب. فقال الرب لي قد بررت نفسها العاصية اسرائيل اكثر من الخائنة يهوذا " ع 6 – 11 .

كان على يهوذا أن تتعظ بعد سبى إسرائيل ( 10 أسباط ) بيد الأشوريين ، ولم تكتف برفض هذا الدرس ، بل أضافت إلى خطاياها آثاما أكثر ، حتى بدت أن خطايا شعب إسرائيل بالمقارنة بخطايا شعب يهوذا كأنها بر وصلاح .

عرفت إسرائيل بالعصيان العلنى ومقاومة عبادة الله ، ( 1 مل 12 : 28 ، 31 ) .

أما يهوذا فعرفت بالخداع والكذب ، انشغلت مملكة يهوذا بالعبادة الظاهرية مع خيانة خفية ، حيث كانت القلوب منصرفة إلى نجاسة الأمم .

عند قراءتنا عن المصائب والأهوال التى حلت بشعب إسرائيل يلزمنا أن نرتعد ، ونقول : " إن كان الله لم يشفق على الأغصان الطبيعية فلعله لا يشفق عليك أيضا " رو 11 : 21

فى بداية المسيحية وجد مؤمنون قليلون لكنهم كانوا مؤمنين حقيقيين ، اتبعوا الطريق الضيق الكرب المؤدى إلى الحياة . أما الآن فقد صرنا كثيرين من جهة العدد ، لكن من غير الممكن أن يوجد كثيرون منتخبون ، لأن يسوع له المجد لا يكذب حين قال :

" كثيرون يدعون وقليلون ينتخبون " .

يقول : " إنها نجست الأرض ، وزنت مع الحجر ومع الشجر " ع 9

من أجل الإنسان وجدت الأحجار وكل الأشجار ... أما وقد أقام من الحجارة تماثيل يتعبد لها ، ومن الأشجار هياكل لمذابح الوثن ، حسب بهذا كمن يزنى مع الحجارة والأشجار ، ففسدت بسببه . الله لم يخلق الطبيعة لكى نتحد بها ونتعبد لها ، وإنما لكى نستخدمها فتشترك معنا فى التسبيح لله ! .

يقول القديس يوحنا الذهبى الفم أن الله لا يحزن على خطايانا قدر ما يحزن على عدم رغبتنا فى الرجوع عنها بالألتجاء إليه . إنه أب ينتظر أولاده ، وعريس سماوى يطلب عروسه .

[ ليته لا ييأس أى إنسان يحيا فى الشر !

ليته لا يغفو أى إنسان يحيا فى الفضيلة !

ليته لا يثق الأخير فى ذاته ، فغالبا ما يسبقه الزناة .

ولا ييأس الأول ، فإنه يستطيع أن يسبق الأخير ...

إن رجعنا إلى محبة الله الغيورة لا نعود نذكر الأمور السالفة .

الله ليس كالإنسان ، فإنه عندما نتوب لا يلومنا على الماضى ، ولا يقول : لماذا كنتم غائبين كل هذا الزمان الطويل ؟

ليتنا نقترب إليه كما يليق .

لنلتصق به فى غيرة ،

لنسمر قلوبنا بخوفه ! ]

[ لقد جاء كطبيب وليس كديان ] .

" لم ترجع ...... بكل قلبها بل بالكذب يقول الرب " ع 10 .

كثيرون يظنون أنهم يرجعون إلى الرب لا بالتوبة والأعتراف بل بتبرير أخطائهم .


( 3 ) طريق التوبة



كثيرا ما يكرر الرب على لسان إرميا النبى الكلمتين : " ارجعى ... اعرفى ... " ع 12 ، 13 .

" اذهب وناد بهذه الكلمات نحو الشمال وقل ارجعي ايتها العاصية اسرائيل يقول الرب.لا اوقع غضبي بكم لاني رؤوف يقول الرب.لا احقد الى الابد. اعرفي فقط اثمك انك الى الرب الهك اذنبت وفرّقت طرقك للغرباء تحت كل شجرة خضراء ولصوتي لم تسمعوا يقول الرب. ارجعوا ايها البنون العصاة يقول الرب " ع 12 – 14

" ارجعوا أيها البنون العصاة فأشفى عصيانكم " ع 22 .

تحدد العبارات الإلهية السابقة مفهوم التوبة فى الخطوات التالية :

أ – التوبة هى قبول دعوة الله للنفس بالرجوع إلى محبوبها . فإن الله فى حبه للنفس لا يتوقف عن النداء " ارجعى إلى " . فى أحلك لحظات الخطية ، وفى وسط قساوة قلوبنا يتطلع إلينا ينتظر صرخة قلب خفية ، أو نظرة عين نحوه ، أو تنهدا داخليا ، ليحملنا على الأذرع الأبدية . إنه يشتاق إلى رجوعنا وخلاصنا ومجدنا أكثرمن إشتياقنا نحن إلى خلاص أنفسنا . لكنه فى محبته لا يريد أن يغتصب النفس بغير إرادتها ، فإنه يقدس حرية إرادتها ويكرم إنسانيتنا !

ب – اكتشاف شخص الله : " لأنى رؤوف يقول الرب ، لا أحقد إلى الأبد " .

يؤكد الله اخلاصه وحبه ، فقد تخونه عروسه ، لكنه يبقى الإله الرءوف المخلص لها . يغضب لتأديبها ، لكن ليست هذه هى كلمته الأخيرة ، فإنه كما يقول :

" لا أحقد إلى الأبد " .

ج ـ اكتشاف حقيقة ضعفنا : " اعرفى فقط إثمك " . لتحكم النفس على ذاتها ، وتعترف بإثمها ، فتجد مخلصها الرؤوف يبررها .

د – إدراك أن كل خطأ فى الحقيقة موجه ضد الله : " إلى الرب إلهك اذنبت " ع 13 . وكما يقول داود النبى فى مزمور التوبة : " لك وحدك أخطأت والشر قدامك صنعت " مز 51 ، حتى وإن كانت الخطية فى الفكر لم تؤذ أحدا . لأن كل خطية هى كسر لوصية الله الذى يريدنا أن نتشكل على صورته ونصير على مثاله : " ولصوتى لم تسمعوا يقول الرب " ع 13 .

هـ - ادراكنا لموقفنا أو مركزنا كبنين ، فإنه ما أصعب أن يهان الشخص من إبنه ؟!

" ارجعوا أيها البنون العصاة " ع 14 .

و – ثقتنا فى المخلص كأب قادر أن يشفى جراحاتنا ، وينزع عنا طبيعة العصيان :

" ارجعوا أيها البنون العصاة فأشفى عصيانكم " ع 22 .

من هم هؤلاء البنون العصاة الذين يطالبون بالرجوع إلى الله ؟ .

المؤمنون الذين صاروا أولادا لله ، لكن أحيانا يعصون الله أبيهم ، ومع هذا يدعوهم إلى الرجوع إليه ... أبواب التوبة مفتوحة أمام الجميع !


( 4 ) بركات الرجوع إلى الله



إذ يدعونا الله يكشف عن بركات الرجوع إليه ممتزجة بخطورة البعد عنه . يمكن تلخيص بركات الرجوع إليه فى الآتى :

أولا : يضمنا إلى كنيسته ( صهيون الجديدة ) :

" لاني سدت عليكم فآخذكم واحد من المدينة واثنين من العشيرة ،

وآتي بكم الى صهيون " ع 14 .

إن كانت الدعوة عامة موجهة إلى كل الشعب ، لكنها أيضا شخصية ، فى وسط رغبته فى اقتناء كل الشعب يقبل واحدا من وسط مدينة بأكملها أو اثنين من عشيرة . إنه لا يحتقر نفسا واحدة راجعة إليه ، ولو رفضته المدينة كلها . ففى وقت ما كان العالم كله وثنيا ما عدا إبراهيم وسارة زوجته ، ومع هذا دعاهما إليه ليقيم من نسلهما شعبا مقدسا وكنيسة طاهرة ! .

ثانيا : يرسل فعلة مقدسين له ، لهم معرفة روحية :

" واعطيكم رعاة حسب قلبي فيرعونكم بالمعرفة والفهم " ع 15 .

حين يرجع الشعب إلى الله ، يغير الله على كنيسته فيرسل رعاة حسب قلبه ، لهم معرفة روحية وفهما صادقا ، يقودون الشعب بروح الله إلى الحياة السماوية .

لعله من أهم صفات الخادم النقى ، الذى له روح سيده ، هو تمته بالمعرفة والفهم ! يقدم مرعى المعرفة للشعب ، فلا يخدم بروح التسلط والعنف فى جهالة وغباوة .



ثالثا : الثمر المتكاثر

" ويكون اذ تكثرون وتثمرون في الارض في تلك الايام يقول الرب .... " ع 16

كثيرون يظنون أن الرجوع إلى الله مضيعة للوقت وتحطيم للطاقات ، ناظرين إلى الصلاة كأنها عمل باطل ، والصوم حرمانا ، والتسابيح والعبادة الجماعية خسارة .. ونسى هؤلاء فى حياتهم عنصر " البركة " ..

بسبب يوسف بارك الرب بيت فوطيفار ..

وبسبب إبراهيم بارك الله شعبا عبر الأجيال حتى بعد موته !

برجوعك تتبارك ، بل وتصير بركة لمن هو حولك ، بل ومثمرا حتى بعد رحيلك !

رابعا : يرجع إلينا بنفسه

" لا يقولون بعد تابوت عهد الرب ، ولا يخطر على بال ولا يذكرونه ، ولا يتعهدونه ، ولا يصنع بعد " ع 16 .

بمعنى آخر يصير اللقاء مع الله لا خلال الرموز كتابوت العهد ، وإنما يتحقق لقاء حق ... يسكن الله وسط شعبه ، ويدرك المؤمن حضرة الرب فى أعماقه .

كان تابوت العهد يشير إلى الحضرة الإلهية وسط شعبه ، الآن وقد جاء كلمة الله نفسه ، الخبز النازل من السماء ، لم تعد هناك حاجة إلى تأكيد الحضرة الإلهية ... إنه يسكن وسط شعبه ويحل فى قلوبهم .

خامسا : رجوع الأمم إليه

لم تعد هناك حاجة إلى تابوت العهد لتأكيد الحضرة الإلهية ، إذ صارت أورشليم – مدينة الملك العظيم – جذابة للأمم . يأتى البشر من كل أمة ولسان ليروا أورشليم العليا أمنا ، يعيشون فيها ، ويحملون سماتها ، قائلين مع الرسول :

" أجلسنا معه فى السماويات " أف 2 : 6 .

إذ يطلب الله رجوع شعبه القديم إليه يعلن لنبيه عن رجوع الأمم ، وقبول الشعوب الإيمان به : " ويجتمع اليها كل الامم الى اسم الرب الى اورشليم ولا يذهبون بعد وراء عناد قلبهم الشرير " ع 17 .

مع توبتك تجتذب كثيرين إلى الرب وتدخل بهم إلى سمواته !

سادسا : الشفاء من طبيعة الفساد العاملة فينا

" أرجعوا أيها البنون العصاة فأشفى عصيانكم " ع 22 .

الراجع إلى الله يشعر بعمل روح الله القدوس اليومى لتجديده المستمر ، حتى يصير على مثال الله !

أخيرا بعدما تحدث عن بركات الرجوع إلى الله أشار إلى خطورة العصيان والإصرار على العناد والتمسك بالشرور ، أو خيانة الإنسان أو الجماعة لله :

أولا : " سمع صوت على الهضاب بكاء تضرعات بني اسرائيل.لانهم عوّجوا طريقهم.نسوا الرب الههم " ع 21 .

فى الموضع الذى كانوا يصنعون فيه الرجاسات ، أى فى الهضاب ، يسمع صوت نحيبهم ، حيث يساقون إلى السبى فى مذلة .

لا تقدر الخطية أن تهب الإنسان فرحا حقيقيا ، بل تخدره إلى حين ليجد نفسه قد فقد سلامه الداخلى وفرحه وحياته نفسها . هذا هو ثمر الدخول فى الطريق المعوج ونسيان الرب إلهنا !

ثانيا : يدخل إلى الباطل لا إلى الحق

" حقا باطلة هي الآكام ثروة الجبال.حقا بالرب الهنا خلاص اسرائيل " ع 23 .

هنا يقارن بين عبادة الأوثان على الآكام والجبال التى يحسبها الأشرار ثروة وغنى للنفس ، حيث يجدون الطريق الواسع والحياة السهلة ، وبين خلاص الرب إلهنا .

الترجمة الحرفية لكلمة " آكام " هنا تعنى " الخلاعة " .

ثالثا : الدخول إلى الخزى والعار

" وقد اكل الخزي تعب آبائنا منذ صبانا ،

غنمهم وبقرهم بنيهم وبناتهم.

نضطجع في خزينا ويغطينا خجلنا ( ببرقع ) ،

لاننا الى الرب الهنا اخطأنا نحن وآباؤنا ،

منذ صبانا الى هذا اليوم ،

ولم نسمع لصوت الرب الهنا " ع 24 ، 25 .

لا يقف عمل الخطية عند فقدان السلام الداخلى وتحطيم روح التمييز ليعيش الإنسان يتخبط ، يظن الحق باطلا ، والباطل حقا ، الحياة الزمنية خالدة ، والسماء خيالا ، وإنما تدخل به الخزى الذى يحطم كل تعبه منذ صباه .

يقول سليمان الحكيم : " البر يرفع شأن الأمة ، وعار الشعوب الخطية " 14 : 34 .

عندما دخل الشعب أرض كنعان وقدموا عبادة مقدسة ، دعى الموضع " الجلجال " ويعنى " الدحرجة " إذ دحرج عنهم العار ( يش 5 : 9 ) ، عار العبودية رمز الخطية .

لقد دعى شاول ابنه " إيشبوشت " 2 صم 2 : 8 ، " أى رجل العار " ... هذا هو ثمر الخطية !

الذين لا يمارسون أعمالا مخزية لا يكون عندهم البرقع ، هذا ما يقوله بولس الرسول :

" ونحن جميعا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما فى مرآة " 2 كو 3 : 18 .

طالما وجدت الخطايا فى فكرنا يكون البرقع موجودا على وجوهنا الداخلية بصورة تحجب عنا رؤية مجد الله المضىء .

الله لا يخفى عنا مجده ، إنما نحن بوضعنا برقع الخطية على نفوسنا نحرم أنفسنا من رؤية مجد الله .

بالتوبة الصادقة يرفع روح الله عن قلوبنا برقع الخزى والعار فنرى مجد الله ، وندرك أسراره الفائقة السماوية .

هذا هو طريق التوبة ، الذى فيه نصرخ ، قائلين :

" لأننا إلى الرب أخطأنا نحن وآباؤنا منذ صبانا إلى هذا اليوم ، ولم نسمع لصوت الرب إلهنا " ع 25 .

من أقوال الآباء :

+ أول طريق التوبة هو إدانتنا لخطايانا .

+ من يمارس التوبة بعدما يخطىء يستحق تهنئة لا الحزن عليه ، إذ يعبر إلى خورس الأبرار .

+ لينتبه ( الخاطىء ) إلى خطورة الجرح ،

ولا ييأس من عظمة الطبيب .

الخطية مع اليأس هى موت أكيد ... .
+ + +
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Empty
مُساهمةموضوع: إرميا – الإصحاح الرابع -زينة العروس   تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Icon_minitimeالإثنين فبراير 19, 2007 9:21 pm



إرميا – الإصحاح الرابع

زينة العروس

أكثر عبارات هذا الإصحاح والأصحاحين التاليين ، منظومة فى العبرية شعرا ، لذلك يرجح أن تكون مجموعة خطب أو أقوال ألقاها النبى منظومة مقفاة ، ليدفع الشعب إلى التوبة ، ويحفظهم من الخطر المصلت على رقابهم .

إذ يطلب الله من شعبه الرجوع إليه ، كاشفا عن غيرته عليهم ، وحبه الشديد نحوهم ، يطلب إليهم ألا يرجعوا إليه بفسادهم ورجاساتهم ، وإنما أن يتزينوا بجمال داخلى كعروس سماوية مقدسة .


( 1 ) التوبة وسيلة التزين



إنه يلح فى طلب رجوعها إليه ، لكنه يطلبها ترجع مقدسة له ، إذ يقول :

" إن رجعت يا إسرائيل يقول الرب ، إن رجعت إلى ، وإن نزعت مكرهاتك من ( فمك ) من أمامى فلا تتيه " ع 1 .

يطلب من عروسه أن تتخلى عن العبادة الوثنية ، وعن جحودها له . هذه هى المكروهات ... يبغضها الله لأنها تحتل قلب الإنسان ، وتغتصب ملكوت الله ، وتفسد الحياة الداخلية ، فتجعل النفس فى حالة تيه ، لا تعرف رسالتها ولا حتى تقدير الله لها .

يطالبها ألا تحلف بالآلهة الوثنية بل به ، تحلف بالحق والعدل والبر ( ع 2 ) .

يعلق العلامة أوريجينوس على القول الإلهى :

" وإن حلفت حى هو الرب بالحق والعدل والبر فتتبرك الشعوب به ، وبه يفتخرون " ع 2 ، قائلا : إننا نعلم أن الرب قال لتلاميذه فى الإنجيل :

" وأما أنا فأقول لكم : لا تحلفوا البتة " مت 5 : 34 .

لندرس هذه الآية ، ونضع الآيتين معا . ربما يلزمنا أن نبدأ بالقول : " احلفوا بالحق والعدل والبر " حتى إذا ما تقدمنا ونمونا فى النعمة بعد ذلك نستعد ألا نحلف البتة ، بل يكون لنا الـ " نعم " الذى لا يحتاج إلى تأكيد الأمور بالقسم ، ويكون لنا الـ " لا " الذى لا يحتاج إلى شهادة إثبات أن الأمر ليس هكذا .


( 2 ) ختان القلب



إذ كانت يهوذا يعتزون بكونهم أهل الختان ... بينما قلوبهم غير مختتنة ، لهذا جاءت الوصية إليهم تلزمهم بالدخول إلى الأعماق ، ليمارسوا ختان القلب الخفى ، ويهتموا بالمجد الداخلى :

" لانه هكذا قال الرب لرجال يهوذا ولاورشليم :

احرثوا لانفسكم حرثا ولا تزرعوا في الاشواك.

اختتنوا للرب وانزعوا غرل قلوبكم يا رجال يهوذا وسكان اورشليم .

لئلا يخرج كنار غيظي فيحرق وليس من يطفئ بسبب شر اعمالكم " ع 3 ، 4 .

جاءت الدعوة هنا إلى رجال يهوذا وأورشليم ، يستحيل أن يرجى ثمر روحى الهي ممن يزرعون فى أرض قفر مملوءة بالأشواك الخانقة ، إنما يجب أن تشق بشفرة المحراث لتبكيت تربة القلب القاسية ... ففى مثل الزارع يقول السيد المسيح : " وسقط آخر على الشوك فطلع الشوك وخنقه " مت 13 : 7 .

إن كانت تربة قلوبنا مملوءة أشواكا فبصليب ربنا يسوع المسيح تحرث فتصير صالحة ، ينزع عنها الشوك بكونه الغرلة . هذا هو ختان القلب الذى يرتبط بالصليب ، ولا يختنق بأشواك هموم الحياة وملذاتها الباطلة .

من لا يقبل عمل الروح النارى فيه يسقط فى نار الغضب الإلهى ، أى يسقط فى مرارة تجلبها أعماله الشريرة عليه ، كما جلبت خطايا يهوذا السبى بكل مذلته ، هذا الذى يصفه إرميا النبى بصورة قاسية حتى لم يعد يقدر أن يحتمل المنظر ( ع 10 ) ...

كان صوت التحذير مستمرا حتى لحظات السبى ، إذ يقول :

" اخبروا في يهوذا وسمّعوا في اورشليم وقولوا ،

اضربوا بالبوق في الارض.

نادوا بصوت عال وقولوا :

اجتمعوا فلندخل المدن الحصينة.

ارفعوا الراية نحو صهيون.

احتموا.لا تقفوا.لاني آتي بشر من الشمال وكسر عظيم.

قد صعد الاسد من غابته وزحف مهلك الامم.

خرج من مكانه ليجعل ارضك خرابا.

تخرب مدنك فلا ساكن.

من اجل ذلك تنطقوا بمسوح

الطموا وولولوا ،

لانه لم يرتد حمو غضب الرب عنا.

ويكون في ذلك اليوم يقول الرب ،

ان قلب الملك يعدم وقلوب الرؤساء ،

وتتحير الكهنة وتتعجب الانبياء " ع 5 – 9 .

الله القدوس الذى يطلب عروسه مزينة بالقداسة ، إذ يراها تمارس الشر الذى يدفعها إلى السبى ينذرها ، ويبقى ينذرها حتى اللحظات الأخيرة ، فإنه يشتاق ألا تسقط فى مرارة السبى ... لقد أرسل من يخبرها ، ويضربوا بأبواق كلمته ، وينادوا بصوت عال ، لعلهم يتركون القرى الغير الحصينة ويدخلون إلى المدن الحصينة ويرفعون راية صهيون ، أى يدخلون بالتوبة إلى حصن إلهى ويحملون راية الكنيسة ، راية الحب الإلهى ، فيحتمون من الخطر .

الله يريدنا أن ندخل إلى مدينة حصينة ، فقد تحصنت كنيسة الله بالحق الذى فى المسيح يسوع ، هو نفسه حصنها ، كما يقول داود النبى فى المزمور :

" الرب صخرتى وحصنى ومنقذى " مز 18 : 2 .

انتم الذين كنتم فى تقدم ونمو احتموا فى صهيون ، " قد صعد الأسد من غابته وزحف مهلك الأمم " ع 7 .. هذا الأسد هو الذى ينبهنا عنه القديس بطرس ، قائلا :

" إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسا من يبتلعه هو ، فقاوموه راسخين فى الإيمان " 1 بط 5 : 8 – 9 .

بما أن الأسد قد صعد إليك ليهددك ويخرب أرضك ، ألبس المسوح وإبك وتنهد وتضرع إلى الله بالصلوات ، فيهلك هذا الأسد ، وتتخلص أنت منه ، ولا تقع بين أنيابه .


( 3 ) ترك الأنبياء الكذبة



كان قلب إرميا الرقيق يعتصر وهو يرى : " قد بلغ السيف النفس " ع 10 .

لقد ظنوا أن الله خدعهم وخدع مدينته المقدسة أورشليم ، ظنوه يتحدث على فم الأنبياء الكذبة ، القائلين : " يكون لكم سلام " ع 10 . إنها كلمات الأنبياء الكذبة المعسولة التى تعطى طمأنينة كاذبة ومؤقتة .

لترفض الكنيسة هذه الكلمات ، ولتتقبل كلمات الله النارية ، حتى وإن بدت قاسية ومرة ، لكنها هى نار إلهية قادرة أن تهيئها كعروس مزينة لرجلها ( رؤ 21 : 2 ) .

إلى يومنا هذا لا تزال النفس تنخدع لا بكلمات الأنبياء الكذبة بل بالذين هم فى داخلها ، الأفكار الخطيرة المخادعة ، لتستكين للخطية وتضرب بالشركة الإلهية والوصية عرض الحائط . مثل هذه النفس يبكى عليها السيد المسيح كما على أورشليم ، قائلا :

" إنك لو علمت أنت أيضا حتى فى يومك هذا ما هو لسلامك ، ولكن الآن قد أخفى عن عينيك ، فإنه ستأتى أيام ويحيط بك اعداؤك بمترسة ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة ، ويهدمونك وبنيك فيك ولا يتركون فيك حجرا على حجر لأنك لا تعرفين زمن افتقادك " لو 19 : 42 – 44 .

بعدما يقدم الله تأديبه يحذر من العقوبة الأبدية ... فقد سمح لهم بالسبى ، لكن إن لم يرجعوا يسقطون فى دينونة أبدية ، إذ يقول : " في ذلك الزمان يقال لهذا الشعب ولاورشليم ريح لافحة من الهضاب في البرية نحو بنت شعبي لا للتذرية ولا للتنقية. ريح اشد تأتي لي من هذه.الآن انا ايضا احاكمهم " ع 11 ، 12 .

إنه يتحدث مع شعبه كإبنته " بنت شعبى " ، مؤكدا مدى اهتمامه بالشعب المنتسب إليه كإبنة له ، وإن كانت تقابل حبه واهتمامه بالعصيان .


( 4 ) إدراك خطة الله وقبول التأديب



شبه السبى القادم بصعود أسد من غابته وزحف مهلك الأمم لتخريب الأرض ( ع 7 ) . مرة أخرى يشبهه بهبوب ريح عاصفة سريعة التدمير :

" هوذا كسحاب يصعد ،

وكزوبعة مركباته.

اسرع من النسور خيله ،

ويل لنا لاننا قد أخربنا " ع 13

إنها صورة مؤلمة لهجوم عنيف يثيره العدو .. يظهر كسحاب من يقدر أن يصعد إليه ليحاربه أو يمسك به ؟! وكزوبعة عاصفة قادمة من الصحراء من يقدر أن يصدها ؟! وكخيل له سرعة النسور من يقف أمامها ؟! .

ما يحل بنا من تأديبات إلهية هو بسماح إلهى ، إذ يسمح لنا أن نذوق عربون ثمر الخطية لعلنا نرجع عنها ونلتجىء إليه . لهذا يكمل حديثه ، مقدما علاجا شافيا للنفس :

" اغسلي من الشر قلبك يا اورشليم لكي تخلّصي.

الى متى تبيت في وسطك افكارك الباطلة " ع 14

بالتأديب أفلهى تدرك النفس حاجتها للغسل لكى تخلص ، أى لتنعم بشركة المجد ... فتحمل جمال عريسها وبهاءه عليها .

يعود فيذكرنا بأن التأديب قد أوشك حلوله قريبا جدا ، إذ بلغ صوت القادمين جبل دان وانتقل بسرعة البرق إلى جبل افرايم ( ع 15 ) ليبلغ أورشليم ذاتها . فلا مجال للتأخير بعد !

لا يليق بها أن تلوم الرب المؤدب أو تلوم أداة التأديب ، بل تلوم نفسها ، إذ يقول :

" لانها تمردت عليّ يقول الرب.

طريقك واعمالك صنعت هذه لك ،

هذا شرّك ، فإنه مر ، قد بلغ قلبك " ع 17 ، 18 .

بإرادتك اخترت الشر والعصيان ، فاحتلت المرارة قلبك عوض ملكوت الله المفرح !


( 5 ) قبول الأنبياء الحقيقيين



إن كان يليق بالعروس أن ترفض كلمات الأنبياء الكذبة المعسولة لتدرك خطة الله لخلاصها من خلال التأديب ، فتغتسل لا بالمياة بل بدموع التوبة ، فإن النبى لا يقف ناقلا لكلمات الله فحسب وإنما كعضو فى العروس يئن ويتوجع لآلامها .

لا يمكننا أن نظن فى الأنبياء أو المعلمين أنهم ناقلون لكلمة الله فحسب ، ومعلنون عن مشيئته الإلهية ، ومصلون لأجل الشعب ، وإنما هم رجال الله المملؤون حبا ... أعضاء فى الجسد ، يئنون ويذوبون مع كل ألم ! لهذا يقول إرميا النبى :

" احشائي.احشائي !

توجعني جدران قلبي !

يئن فيّ قلبي.

لا استطيع السكوت ! ع 19 .

هنا يكشف النبى عن حبه الشديد لشعبه ، يتحدث لا كمعلم قاس ، ولا كمنذر فحسب ، وإنما يتكلم من خلال أحشائه الداخلية ، إنها تتمزق ، وجدران قلبه تتوجع ... أنينه الداخلى لا ينقطع ، وهو يرسم أمامه صورة بلوى تلحق بأخرى هذه التى ستحل بهم ! كم كان يود ألا يحمل إليهم هذا النبأ المر .

إذ حمل السيد خطايانا قال على لسان النبى : " كالماء انسكبت ، انفصلت كل عظامى ، صار قلبى كالشمع . قد ذاب فى وسط أمعائى " ( مز 22 : 14 ) ، يا لبشاعة الخطية !

" سمعت يا نفسي صوت البوق وهتاف الحرب.

بكسر على كسر نودي

لانه قد خربت كل الارض.

بغتة خربت خيامي وشققي في لحظة.

حتى متى ارى الراية واسمع صوت البوق " ع 19 ، 20 .

سمع النبى بنفسه لا بأذنيه ، بروح النبوة ، ووقف على أحداث الحرب القادمة كأنه حاضر ، يسمع ويرى أمورا لا تحتمل . إنه لم يطق أن يتطلع إلى ذلك اليوم الرهيب .

فى مرارة نفسه صرخ نحو الله : متى تنتزع هذه الكارثة ؟ إلى متى يرى الحرب ويسمع صوت البوق ؟ يجيبه الله قائلا بأن الأمر فى أيديهم هم ، فإن شرهم وغباوتهم وجهلهم للحق وإصرارهم على الفساد هو السبب ، ولا علاج إلا التوبة والرجوع إلى ، إذ يجيب النبى ، قائلا له :

" لان شعبي احمق.

اياي لم يعرفوا.

هم بنون جاهلون وهم غير فاهمين.

هم حكماء في عمل الشر ولعمل الصالح ما يفهمون " ع 20 .


( 6 ) الشبع والأستنارة



يجيب إرميا النبى مؤكدا أن الجهل هو سبب الخراب الذى يحل بالشعب :

" نظرت الى الارض واذا هي خربة وخالية ،

والى السموات فلا نور لها.

نظرت الى الجبال واذا هي ترتجف .

وكل الاكام تقلقلت.

نظرت واذا لا انسان ،

وكل طيور السماء هربت.

نظرت واذا البستان برية ،

وكل مدنها نقضت من وجه الرب من وجه حمو غضبه " ع 23 – 26 .

التصوير الذى يقدمه لنا إرميا النبى هنا يذكرنا بما ورد فى الإصحاح الأول من سفر التكوين حين كانت الأرض خربة وخالية ، وكان الظلام سائدا ، ولم تكن هناك حياة !

يكرر النبى كلمة " نظرت " أربع مرات ، وكأنه تطلع إلى العالم بجهاته الأربع ( الشمال والجنوب والشرق والغرب ) ، فماذا رأى ؟ رأى شبه عودة إلى ما قبل الخلقة كما وردت فى سفر التكوين . عالم قفر لا يسكنه إنسان وبلا نباتات !

ما هى الأرض إلا جمهور الشعب الذى كرس طاقاته للعبادة الوثنية ورجاساتها ، فصاروا كأرض خربة .

وما هى السموات إلا القيادات الدينية والمدنية التى كان يجب أن تنير الطريق للعامة ، لكنها صارت كسموات بلا نور ، تبعث حالة من الضيق والكآبة .

وما هى الجبال إلا النفوس التى كان لها دورها القيادى الشعبى ، يظن الكل أنهم راسخون كالجبال ، فإذا بهم يرتجفون ...

اختفاء كل إنسان إشارة إلى اختفاء كل تعقل حكيم ، وهروب طيور السماء إشارة إلى فقدان الأمان ، وتحول البستان إلى برية علامة الخراب الكامل ...

الله الذى يطلب شبعنا واستنارتنا حين يؤدب يعطينا فرصة للرجوع إليه ، إذ يقول :

" خرابا تكون الأرض ، ولكننى لا أفنيها " ع 27 .

إنه يترك بقية يقدسها وينميها ... إنه لا يود أن يفنى ، بل أن يقدس ويبنى !

لئلا بقوله : " لا أفنيها " يتهاون الشعب ويستغل مراحم الله ، عاد ليؤكد التأديب القاسى : " من اجل ذلك تنوح الارض وتظلم السموات من فوق من اجل اني قد تكلمت قصدت ولا اندم ولا ارجع عنه " ع 28 ،

إنه لا يرجع عن تأديبه لهم ماداموا لا يرجعون إليه ...


( 7 ) ترك البر الذاتى



إن كان الله يطلب شبع العروس واستنارتها ، فإنه يؤكد عجزها عن تحقيق ذلك بنفسها ، فهى فى حاجة إليه بكونه مصدر جمالها وشبعها واستنارتها :

" وانت ايتها الخربة ماذا تعملين ؟

اذا لبست قرمزا اذا تزينت بزينة من ذهب اذا كحلت بالاثمد عينيك فباطلا تحسّنين ذاتك فقد رذلك العاشقون " ع 30 .

إن ظنت نفسها غنية تلبس القرمز ، وإن خزائنها مملوءة بالجواهر الذهبية ، وجميلة تكحل عينيها بالإثمد ... تبقى مرذولة ليس من الله فقط بل حتى من عاشقيها ..

مسكين الإنسان الذى فى جهاده الروحى يتكىء على بره الذاتى ، يفقد كل جمال داخلى بل ويصير قاتلا لنفسه ، ويسمع التوبيخ الإلهى :

" لأنك تقول إنى أنا غنى وقد استغنيت ولا حاجة لى إلى شىء ، ولست تعلم أنك أنت الشقى والبائس وفقير وأعمى وعريان ، أشير عليك أن تشترى منى ذهبا مصفى بالنار لكى تستغنى ، وثيابا بيضا لكى تلبس فلا يظهر خزى عريتك ، وكحل عينيك بكحل لكى تبصر " رؤ 3 : 17 – 18 .

+ + +
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Empty
مُساهمةموضوع: إرميا – الإصحاح الخامس -سر التأديب   تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Icon_minitimeالإثنين فبراير 19, 2007 9:23 pm



إرميا – الإصحاح الخامس

سر التأديب

إن كان الله قد دعى عروسه لكى تتجمل له بالزينة الداخلية ، ففى عتاب تسأله : " لماذا صنع الرب إلهنا بنا كل هذه ؟ " ع 9 لماذا يستخدم الله كلمته النارية المؤدبة بقسوة ؟

الله كعريس سماوى يتجاوب مع عروسه بروح الحوار المفتوح ، وكأب يوضح لأولاده سر معاملاته معهم حتى لا يسقطوا فى التذمر أو اليأس ، ولا يظنوا أن الأمور تسير اعتباطا ، إنما يليق بهم أن يتفهموا خطة أبيهم حتى يثقوا فيه ويرجعوا إليه .


( 1 ) لم يجد بينهم بارا واحدا



إن كان الله هو الذى يتساءل أو نبيه إرميا عن إمكانية وجود شخص واحد يعمل بالعدل ، فإن الأمر حقا محزن للغاية .

" طوفوا فى شوارع أورشليم وانظروا واعرفوا وفتشوا فى ساحتها ،

هل تجدون إنسانا أو يوجد عامل بالعدل طالب الحق فأصفح عنها ؟! ع 1

حاول أبونا إبراهيم أن يتشفع من أجل سدوم وعمورة ولم يجد فيها عشرة أبرار تك 18 : 23 ، 24 .

أما هنا فالله يطلب أن يجد فى أورشليم إنسانا واحدا عاملا طالبا الحق لكى يصفح عنها . لم يجد إنسانا بارا بين القادة المدنيين والدينيين ولا بين العامة من الشعب !

كان يوسف الشاب الصغير بارا ، من أجله بارك الرب بيت فوطيفار ، ومن أجله أنقذ مصر كلها والبلاد المحيطة بها من المجاعة .

الله يطلب إنسانا لكى يصفح عن أورشليم . ترى من هو هذا إلا ابن الإنسان ، الله الكلمة ، الذى صار بالحق إنسانا لكى بدمه يكفر عن خطايا العالم كله ؟! " إن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار ، هو كفارة لخطايانا ، ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضا " 1 يو 2 : 1 ، 2 .

( 2 ) لم يقبلوا التأديب الأولى

إن كانوا يعبدون الله الحى ويحلفون به ، لكن عبادتهم غير مقبولة ، ولا تبررهم .

أولا : لأنهم إذا ما حلفوا بالله الحى ، يحلفون بالكذب ( ع 2 ) .

ثانيا : كانوا غير مستقيمين ، يحلفون بالله الحى كما يحلفون بالآلهة الوثنية ، إذ يقول فى نفس الإصحاح : " كيف أصفح لك عن هذه ؟! بنوك تركونى بما ليس آلهة " ع 7 .

مما أحزن قلب الله أن الجميع – الفقراء والعظماء – قد أبوا قبول التأديب الإلهى ، وعوض الرجوع إلى الله ازدادوا قساوة ، فصارت وجوههم أكثر صلابة من الصخر .

" يا رب أليست عيناك على الحق ( الأمانة ) ؟

ضربتهم فلم يتوجعوا.

افنيتهم وابوا قبول التأديب.

صلّبوا وجوههم اكثر من الصخر.

ابوا الرجوع " ع 3 .

قبل أن يتحدث عن التأديب يؤكد النبى أن الله فى تأديباته كما فى لطفه يتطلع إلى الأمانة . يريد " الإيمان " الحى عاملا فينا ، لنكون أمناء حقيقيين ، فننعم بالحق .

بائسون هم الذين لا يتألمون من سياط الله ، ومطوبون هم الذين يتألمون منها .

من جهة رفض التأديبات الإلهية التى تعين النفس على تجميلها روحيا يرى النبى وجود فريقين :

1 – فريق دعاه " المساكين " ، هؤلاء ليسوا مساكين بالروح ، أى ليسوا متواضعين فينالوا ملكوت الله ( مت 5 : 3 ) ، إنما هم مساكين بسبب الجهل الروحى ، لا يدركون ما وراء التأديبات الإلهية من عمل إلهى ، يتذمرون على الضيق ولا يتوبون . هم هؤلاء يقول إرميا النبى : " إنما هم مساكين ، قد جهلوا لأنهم لم يعرفوا طريق الرب قضاء إلههم " ع 4 .

2 – فريق آخر دعاه " العظماء " : إذ شعر بمرارة من جهة غير المتعلمين روحيا انطلق إلى أصحاب المعرفة ، أى القيادات الدينية ، ليتحدث معهم ، فوجد الكبرياء عائقا عن قبولهم تأديبات الرب . وكأن المساكين يرفضون التأديب عن جهالة ، والعظماء عن كبرياء ..

" أنطلق الى العظماء واكلمهم لانهم عرفوا طريق الرب قضاء الههم.اما هم فقد كسروا النير جميعا وقطعوا الربط " ع 5

إذ رفضوا تأديبات الرب ، وأبوا الرجوع إليه سقطوا فريسة لعدو الخير ، الذى يشبه أسد الوعر ، وذئب المساء ، والنمر الكامن حول مدنهم ، قائلا :

" من اجل ذلك يضربهم الاسد من الوعر.

ذئب المساء يهلكهم.

يكمن النمر حول مدنهم.

كل من خرج منها يفترس ، لان ذنوبهم كثرت ، تعاظمت معاصيهم " ع 6 .

إذ ازداد الجهلاء والمثقفون فى عنادهم ومقاومتهم لإرادة الله لم يبق أمامهم إلا الهلاك الأكيد الذى لا مفر منه ، وذلك بواسطة :

الأسد : يستخدم الأسد كرمز لرعاية الله وحراسته لأولاده ( رؤ 5 : 5 ) ، كما يستخدم لغضبه ( إر 25 : 30 ) . استخدم أيضا كرمز لأبليس المفترس ( 1 بط 5 : 8 ) ، وللأنبياء الكذبة المهلكين ( حز 22 : 5 ) وللملك الغاضب ( أم 25 : 30 ) .

هنا : يضرب الأسد من الوعر ، يهلك بلا رحمة ، قادما من البرية !

الذئب : إشارة إلى حلول الهلاك ليلا وهم فى غير يقظة روحية .

النمر : المعروف عنه بالصبر لأصطياد فريسته ، إشارة إلى غفلة الخطاة ممن يحيطون بهم من أعداء وهم منغمسون فى خطاياهم .



( 3 ) أساءوا استخدام عطاياه

كشف لهم عن سبب تأديباته لهم ، إنه يعاتبهم :

" كيف اصفح لك عن هذه ؟!

بنوك تركوني وحلفوا بما ليست آلهة.ولما اشبعتهم زنوا وفي بيت زانية تزاحموا. صاروا حصنا معلوفة سائبة.

صهلوا كل واحد على امرأة صاحبه.

أما اعاقب على هذا يقول الرب ؟!

او ما تنتقم نفسي من امة كهذه ؟! ع 7 – 9

يرى العلامة أوريجينوس أن الإنسان إذ تسيطر عليه الشهوات يصير كالحيوانات العجموات ، يفقد روح التمييز ، بل وأحيانا يصير فى حالة أدنى منهم ، لأنه عندما تحبل أنثى الحيوانات تعرفن ألا تقتربن من الذكور .

ما أرهب هذا الإتهام ؟! هوذا الشعب الذى كان يجب أن يشهد لقداسة الله ويكون بركة لغيره من الشعوب قد صار فاسدا ، يشبع بخيرات الله فيزنى علانية ، محتقرا الوصية الإلهية ، ومتجاهلا حق أخيه ، إذ يشتهى إمرأة أخيه ! أما يستحق هذا الشعب العقاب ؟!


( 4 ) قبلوا كلمات المخادعين



يعتبر الله قبولهم كلمات المخادعين وعدم تصديقهم إنذاراته على ألسنة الأنبياء الحقيقيين خيانة للرب نفسه ، تستحق التأديب كنار مطهرة ، لكنها ليست للفناء ، لذا يكرر تعبير " لا تفنوها " ع 10 و " لا أفنيكم " ع 18 .

يوجه الله كلامه للعدو المقبل ، معلنا أنه وإن سمح له بالتدمير والتخريب ، لكنه لن يسمح له بالفناء : " اصعدوا على أسوارها واخربوا ولكن لا تفنوها " ع 10 .

لقد تم تأديبهم ولم يأت عليهم الفناء إلا عند مجىء السيد المسيح " ..... هوذا بيتكم يترك لكم خرابا " لو 21 : 20 .

الله يتطلع إلى الكنيسة بكونها كرمه الخاص ، يسمح بالتأديب لكن ليس بالأبادة :

" انزعوا افنانها لانها ليست للرب.

لانه خيانة خانني بيت اسرائيل وبيت يهوذا يقول الرب.

جحدوا الرب وقالوا ليس هو ،

ولا يأتي علينا شر ولا نرى سيفا ولا جوعا " ع 10 – 12 .

لقد أنكروا الرب أو جحدوه بعدم تصديقهم تهديداته على لسان أنبيائه ... إنهم يقولون : " ليس هو " ، لا لأنهم ملحدون ينكرون وجوده ، لكنهم ملحدون بعدم قبولهم كلماته ، وعدم الثقة فى كلمات أنبيائه .

ماذا يفعل الرب بهم إذ قبلوا خداع الأنبياء الكذبة ولم يصدقوه ؟

أولا : إذ ينطق الأنبياء الكذبة بالباطل يصيرون هم باطلا ، كالريح الذى لا يدوم ، يهب فيختفى ... يصيرون خيالا .

" والانبياء يصيرون ريحا ، والكلمة ليست فيهم ، هكذا يصنع بهم " ع 13 . يختفون سريعا ويظهر بطلان كلماتهم لأن كلمة الرب ليست فيهم .

ثانيا : يجعل كلامه نارا فى فم نبيه إرميا ، تحرق الشعب كالحطب فتأكلهم ( ع 14 ) . لو أنهم كانوا ذهبا أو فضة أو حجارة كريمة لصيرتهم النار أكثر بهاء ونقاوة ، لكن لأنهم حطب وعشب وقش تحرقهم !

ثالثا : يسمح بسبيهم بواسطة أمة بعيدة قوية لا يعرفون لسانها ، ولا يفهمون ما تتكلم به ، أمة تتكلم بلغة غريبة ، لغة العنف والقسوة والأستعباد بغير حوار أو تفاهم !

سمات هذه الأمة تكشف عن طبيعة الخطية التى تسبى النفس :

أمة من بعد ( ع 15 ) : حين ترفض النفس وصية إلهها القريب إليها جدا ، وكلمته الساكن فينا ، نخضع للخطية الغريبة عن طبيعتنا والمعادية لنا .

- أمة قوية ، أمة منذ القديم ( ع 15 ) : الخطية خاطئة جدا وقتلاها أقوياء ، تحارب البشرية منذ القدم .

- أمة لا تعرف لسانها ( ع 15 ) : لا يمكن التفاهم معها ، قانونها الظلم والعنف وعدم التفاهم .

- جعبتهم قبر مفتوح ( ع 16 ) : غايتها التدمير والموت .

- كلهم جبابرة ( ع 16 ) : عملها الحرب الدائمة ضد أولاد الله .

- " يأكلون حصادك وخبزك الذى يأكله بنوك وبناتك ، يأكلون غنمك وبقرك ، يأكلون جفنتك وتينك " ع 17 عملها إفساد كل ثمر للنفس ( البنون ) وللجسد ( البنات ) ، تحطيم كل الإمكانيات ليعيش الإنسان فى جوع وحرمان حتى الموت .

- يهلكون بالسيف مدنك الحصينة ( ع 17 ) : يفقد الإنسان الملجأ والحصن ، ليعيش كطريد وهارب فى خوف دائم وقلق مستمر ، فتتحطم نفسه تماما .

هذا كله ثمرة قبول كلمات الأنبياء الكذبة المنادين بالسلام ، والناطقين بالناعمات كذبا وخداعا !

ما حدث مع الشعب قديما يحدث حاليا حيث ننصت إلى روح التهاون والأستهتار ، روح الأنبياء الكذبة ، فنسقط تحت سبى الخطية عوض التجاوب مع تأديبات الله التى تحثنا على التوبة والرجوع إليه .



( 5 ) فقدوا البصيرة الداخلية

إذ قبلوا كلمات الأنبياء الكذبة الناعمة سقطوا تحت التأديب الإلهى ، أى فى السبى ، وعوض أن يكتشفوا خطاياهم ويقدموا توبة صاروا فى عمى روحى يتهمون الله بالعنف والقسوة .

" ويكون حين تقولون : لماذا صنع الرب إلهنا بنا كل هذه ؟

تقول لهم : كما أنكم تركتمونى وعبدتم آلهة غريبة فى أرضكم هكذا تعبدون الغرباء فى أرض ليست لكم " ع 19 .

بعد أن شرح لهم عدالته بدأ يعاتبهم ، قائلا :

" اسمع هذا أيها الشعب الجاهل والعديم الفهم ،

الذين لهم أعين ولا يبصرون ،

لهم آذان ولا يسمعون " ع 21 .

لقد فقدوا البصيرة والقدرة على الأستماع : [ إش 6 : 9 ، مت 13 : 14 – 15 ] ، ليس من جهة تأديبات الرب فحسب وإنما من جهة الكلمة المتجسدة ، المسيا المخلص ، عوض الأرتماء فى أحضانه اتهموه أن به شيطان .

يعاتبهم الله قائلا :

" إياى لا تخشون يقول الرب ؟

أولا ترتعدون من وجهى أنا الذى وضعت الرمل تخوما للبحر ، وتعج أمواجه ولا تتجاوزها ؟ " ع 22 .

لم يضع الشعب لنفسه حدودا ، وعوض الطاعة كالبحار والرمال وكل الطبيعة صار لهم " قلب عاص ومتمرد ، عصوا ، ولم يقولوا بقلوبهم لنخف الرب إلهنا الذى يعطى المطر المبكر والمتأخر فى وقته ، يحفظ لنا أسابيع الحصاد المفروضة " ع 23 ، 24 .


( 6 ) اصطادوا الآخرين



أحد أسباب التأديب أنهم نصبوا الشباك والفخاخ للآخرين لأصطيادهم حتى يغتنوا ويصيروا سمناء ، لكن شرهم لم يجلب عليهم إلا الغضب الإلهى والخسارة .

يلاحظ فى شرهم هذا الآتى :

شرهم ليس ثمرة ضعف بشرى ، أو تحقق بطريقة لا إرادية ، إنما جاء نتيجة خطة منظمة وإصرار مسبق ، إذ يقول : " لأنه وجد فى شعبى أشرار ، يرصدون كمنحن من القانصين ، ينصبون أشراكا يمسكون الناس " ع 26 .

- خططوا لأستعبادهم وتحطيم حرية الناس : " مثل قفص ملآن طيورا هكذا بيوتهم ملآنة مكرا " ع 27 .

- لا يقفون عند ارتكاب الشر وإنما يوجهون كل طاقاتهم لإصطياد الناس بمكر كى يسقطوهم فى الخطية .

" من أجل ذلك عظموا واستغنوا ،

سمنوا ، لمعوا ( أى مملؤون جمالا ) ،

أيضا تجاوزوا فى أمور الشر " ع 27 ، 28 .

ظنوا أنهم صاروا عظماء أصحاب سلطان ، أغنياء لا يعوزهم شىء ، مملؤون صحة ، ولم يدركوا أنهم فى الواقع جمعوا لأنفسهم شرا عظيما

- فقدوا كل رحمة وامتلأوا ظلما وقساوة قلب

" لم يقضوا فى الدعوى ، دعوى اليتيم ،

وقد نجحوا .

وبحق المساكين لم يقضوا " ع 28 .


( 7 ) تجاوبوا مع الرعاة فى الشر



صار الجرح داميا لا علاج له حتى " صار فى الأرض دهش وقشعريرة " ع 30

اشترك الشعب مع القيادات الدينية فى هذا الشر " الأنبياء يتنبأون بالكذب والكهنة تحكم على أيديهم ،

وشعبى هكذا أحب " .

أحب الشعب الكذب والفساد إذ وجد الفرصة للملذات الجسدية والرجاسات جاءت تصرفات القيادات الشريرة متجاوبة مع قلب الشعب الفاسد .
+ + +
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Empty
مُساهمةموضوع: إرميا – الإصحاح السادس -اقتراب التأديب   تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Icon_minitimeالإثنين فبراير 19, 2007 9:28 pm



إرميا – الإصحاح السادس

اقتراب التأديب

يختم الله حديثه على لسان نبيه وهو يحدثهم فى الأذن عن اقتراب موعد التأديب النارى . إذ أشاع المخادعون نبوات كاذبة ، قائلين : " سلام سلام " ع 14 . يحذرهم الله من الإستسلام لهذه الكلمات المخادعة ، مؤكدا كذبهم واقتراب موعد التأديب . إنه يقدم وصفا نبويا عن خراب أورشليم الذى تم بعد ذلك فى أيام إرميا نفسه . إنه يعلن أن العدو على الأبواب ، ويحذرهم مرة تلو الأخرى ، مؤكدا أنه لا طريق للهروب إلا التوبة فيتحدث عن :


( 1 ) العدو على الأبواب



وقف إرميا النبى يضرب بوق كلمة الله ، وجرس الخطر معلنا أن العدو على الأبواب ، قائلا : " اهربوا يا بنى بنيامين من وسط أورشليم ،

واضربوا بالبوق فى تقوع ،

وعلى بيت هكاريم ارفعوا علم نار ،

لأن الشر أشرف من الشمال وكسر عظيم " ع 1 .

أ – إن كان الشعب الجاهل قد أصيب بعدم الفهم ، وظنوا أنهم عظماء وأغنياء وأصحاء ومملوئين جمالا ( 5 : 27 ، 28 ) ، هوذا الآن يفقدون سلامهم وحريتهم .

فى الإصحاح الرابع يطلب منهم أن يهربوا من القرى إلى أورشليم ليحتموا فيها ، لكن إذ اقترب الخطر جدا لم تعد أسوار أورشليم قادرة على حمايتهم ، لهذا يسألهم أن يهربوا من أورشليم ليختفوا فى كهوف الجبال .

ربما وجه الحديث إلى بنى بنيامين لأنهم كانوا أقل فسادا من الباقين ، وقد وفدوا إلى أورشليم من القرى مؤخرا ، فلم يوغلوا فى الفساد كما أوغل أهل المدينة الأصليون .

ب – إنهم يسقطون تحت تأديب نارى ، إذ يقول " ارفعوا علم نار " ، علم " كلمة الله " النارى التى تحرق الأشواك بينما تنقى الذهب والفضة من الشوائب .

جـ - يتحقق هذا التأديب النارى بخطة إلهية محكمة وليس محض صدفة كما يظن البعض ، إذ يقول : " قدسوا عليها حربا " ع 4 . وكأن هجوم البابليين على أورشليم هى " حرب مقدسة " فى عينى الرب ، لا لينتصر شعبه على أعدائهم ، بل ليسقطوا تحت التأديب لعلهم يتقدسون ، بعد أن كانوا متمسكين بالشر .

د – بقوله : " إليها تأتى الرعاة وقطعانهم ينصبون عندها خياما حواليها يرعون كل واحد فى مكانه " ع 3 .

يقصد أن أورشليم العظيمة تتحول إلى مرعى غنم ، حيث تأتى البلاد المحيطة بها والشامتة بغنمها ، فتجدها خرابا بلا بيوت ، ينصبون فيها خيامهم كما فى برية قفر ، ويرعون كل واحد غنمه فى طمأنينة وشماتة ! .

هـ - تأديب علنى ومستمر ، يتحقق فى وسط النهار ويستمر حتى الليل :

" قوموا فنصعد فى الظهيرة ،

ويل لنا لأن النهار مال ،

لأن ظلال المساء امتدت ،

قوموا فنصعد فى الليل ونهدم قصورها " ع 5 .

لقد هجم العدو بالظهيرة ، لم يحتملوا أن يهدأوا بالليل بل قاموا بهدم القصور والحصون ليصيروا فى مأمن من العودة إلى حرب جديدة فى النهار القادم .

يقول : " ويل لنا لأن النهار مال " ، إن ما حل بنا من تأديبات إنما هو لرفضنا شمس البر فمال بنا النهار لنعيش تحت ظلال الخطية وظلمتها .



( 2 ) شر أورشليم هو السبب

وراء كل هذا شر أورشليم التى إن أصرت عليه يجفوها الله ويجعل أرضها خربة غير مسكونة ( ع 8 ) ، كقول السيد المسيح : " ستأتى أيام ويحيط بك أعداؤك بمترسة ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة ويهدمونك وبنيك فيك ، ولا يتركون فيك حجرا على حجر لأنك لم تعرفى زمان افتقادك " لو 19 : 41 .

يبدو كأن الله يشارك الأعداء فى استعدادهم للهجوم على أورشليم ، إذ قيل :

" لأنه هكذا قال رب الجنود .

أقطعوا أشجارا ،

أقيموا حول أورشليم مترسة هى المدينة المعاقبة .

كلها ظلم فى وسطها " ع 6 .

يصف الله شر أورشليم ، قائلا :

" كما تنبع العين مياهها هكذا تنبع هى شرها .

ظلم وخطف يسمع فيها .

أمامى دائما مرض وضرب " ع 7 .

شرها كالعين الذى يفجر الماء بلا توقف ، هكذا لا تعرف أورشليم لشرها نهاية ... إنها مصدر شر مستمر . تقدم العين ماء متجددا بغير توقف ، ويصدر عن أورشليم شرورا جديدة واختراعات فى الفساد .

" تأدبى يا أورشليم لئلا تجفوك نفسى ،

لئلا أجعلك أرضا غير مسكونة " ع 8 .

يعلق العلامة أوريجينوس قائلا :

[ عندما يريد أن يكون رحيما يقول إنه غير راض وفى غضب ...

إن فهمت هذه الكلمات ، فإنها صوت الله الرؤوف عندما يغضب ، والغيور عندما يجلب آلاما وضربات ، فإنه " يجلد كل إبن يقبله " عب 12 : 6 ] .


( 3 ) أذنهم غلفاء



" هكذا قال رب الجنود :

تعليلا يعللون كجفنة بقية إسرائيل .

رد يدك كقاطف إلى السلال " ع 9 .

إن كان شعبه يشبه كرمة ، فإن العدو إذ قطف عنبها عاد إليها مرة ومرات لكى يعللها تعليلا ، أى يفتش فيها لعله يجد ما قد تبقى ، حتى يتركها عقيمة تماما ! لا يترك فيها بقية ما !

لقد اتسخت آذان الكل بالخطية فصارت غلفاء ، ليس من يقدر أن يسمع صوت الرب أو يستجيب لوصيته .

" ها إن أذنهم غلفاء فلا يقدرون أن يصغوا .

ها إن كلمة الرب صارت لهم عارا .

لا يسرون بها " ع 10 .

يوبخ العلامة أوريجينوس اليهودى الحرفى الذى يرفض التفسير الرمزى للكتاب المقدس قائلا :

[ خطأ عظيم موجه إليكم .

يقدم إليكم اتهامكم : أنتم غلف فى آذانكم ،

ولماذا عندما تسمعون هذا لا تستخدمون الموسى لأذانكم وتقطعونها ؟ ...

أقطعوا آذانكم ، اقطعوا الأعضاء التى خلقها الله لأستخدام الحواس ولزينة الإنسانية ، فإنكم بهذا تفهمون الكتاب المقدس ] .

" وتتحول بيوتهم إلى آخرين ،

الحقول والنساء معا ،

لأنى أمد يدى على سكان الأرض يقول الرب " ع 12 .

ما هو هذا البيت الذى يبنيه ولا يسكن فيه إلا الأستقرار الذى يطلبه للنفس لكنها لا تجد راحة مادامت خارج مسيحها ؟!

وماهى المرأة التى يخطبها فيأخذها آخر إلا الحرمان من المعينة أو الشعور بالوحدة والعزلة ، ليس من يقدر أن يسنده ويشاركه آلامه ومشاعره ؟!

أما كيف نهرب من هذه المرارة ؟ يقول الرب :

" لأنى أمد يدى على سكان الأرض " ع 12 .
لنصر سكان السماء فلا تمتد يد الرب علينا بل إلينا ولحسابنا


إن كان الله يقدم الشفاء من الجراحات بأدوية التوبة ، فإن الأنبياء الكذبة يتظاهرون كأطباء يعالجون الجراحات بالكلمات الكاذبة الناعمة ، قائلين : " سلام سلام " ع 14 . مع أن الواقع : " لا سلام " ع 14 .

يخطئون تشخيص المرض ليخدعوا المرضى ، فعوض الشفاء يصير الجرح خطيرا ، يؤدى إلى الموت والهلاك الأبدى .


( 4 ) تركهم طريق الآباء



" هكذا قال الرب :

قفوا على الطرق وانظروا وأسألوا عن السبل القديمة ،

أين هو الطريق الصالح ،

وسيروا فيه ،

فتجدوا راحة لنفوسكم " ع 16 .

يؤكد ضرورة العودة إلى طريق الآباء ، مقارنين حياتنا بحياتهم لئلا نكون قد انحرفنا عن الطريق الملوكى ، وكما جاء فى سفر النشيد إذ تسأل النفس مسيحها :

" إخبرنى يا من تحبه نفسى أين ترعى ؟ أين تربض عند الظهيرة ؟ " نش 1 : 8 .

فيجيبها : " أخرجى على آثار الغنم وأرعى جداءك عند مساكن الرعاة " .

يقول لهم الرب :

أ – قفوا على الطريق ... أى كرسوا وقتا للتأمل ومراجعة النفس لئلا تكونوا قد انحرفتم عن الطريق الملوكى .

ب - أنظروا ... أى تمتعوا بالبصيرة الداخلية أو استنارة الروح .

ج – أسألوا ... أى لا تعتمدوا على فكركم الذاتى ، بل أطلبوا مشورة الآباء لتدركوا " الطريق الصالح " الذى سارت فيه الكنيسة الأولى ، طريق السيد المسيح الذى يدخل بالكنيسة إلى حضن أبيه .

د - سيروا فيه ... لا تكفى مراجعة النفس ولا استنارة القلب ولا طلب المشورة الروحية ، إنما يلزم أن يتحول ذلك كله إلى حركة حب ، سير مستمر بلا توقف تحت قيادة الروح القدس .

يقول السيد المسيح : " أنا هو الطريق " يو 14 : 6 .

إنه ذاك الذى كتب عنه القديس يوحنا أنه " يحمل خطايا العالم " يو 1 : 29 .

إنه هو أيضا الذى يطهر نفوسنا كما أخبرنا إرميا : " قفوا على الطرق وانظروا وأسألوا ... عن الطريق الصالح ( البار ) وسيروا فتجدوا تطهيرا لنفوسكم " .


( 5 ) تقدماتهم بلا طاعة



إذ لم يصغوا إلى صوته الإلهى ، ولا قبلوا خبرة آبائهم فى معاملات الله معهم استدعى الله الشعوب الوثنية وكل أمم الأرض لتشهد عليهم :

" لذلك أسمعوا يا أيها الشعوب ،

وأعرفى أيتها الجماعة ما هو بينهم .

اسمعى أيتها الأرض :

هأ نذا جالب شرا على هذا الشعب ثمر أفكارهم ،

لأنهم لم يصغوا لكلامى وشريعتى رفضوها " ع 18 ، 19 .

هكذا يستدعى الله الأمم الوثنية لتشهد كيف استحق شعبه المتمرد التأديب النارى كثمر طبيعى لأفكارهم وعصيانهم وكسرهم العهد معه . ربما استدعاء الأمم هنا يشير إلى أن شعبه قد اندفع إلى الشر حتى تبرر الوثنيون متى قورنوا بهم !

" لم يصغوا لكلامى وشريعتى رفضوها .

لماذا يأتى لى اللبان من شبا ؟

وقصب الذريرة من أرض بعيدة ؟!

محرقاتكم غير مقبولة ،

وذبائحكم لا تلذ لى " ع 19 ، 20 .

الله لا يريد اللبان وقصب الذريرة ولا المحرقات والذبائح ، إنما يطلب الطاعة النابعة عن الحب . يبذلون كل الجهد فيأتون باللبان من شبا وقصب الذريرة من أرض بعيدة بينما يتجاهلون نقاوة قلوبهم وقدسية حياتهم الداخلية .

إذ انشغل شعبه بالمظاهر الخارجية من تقديم لبان وقصب ذريرة وذبائح دون نقاوة القلب واستقامة السلوك ، أى لم تعبر الحياة التعبدية الظاهرة عن صدق ما بالداخل لهذا يقول الرب لهم : " هأنذا جاعل لهذا الشعب معثرات ، فيعثر بها الآباء والأبناء معا ، الجار وصاحبه يبيدان " ع 21 .

ما هى هذه العثرات التى يقدمها الله إلا من عمل أيديهم " وثمر أفكارهم " ع 19 ؟!
( 6 ) إصرارهم على الشر



يكشف الله عن حبه الشديد لهم مع مرارة نفسه لأجلهم ، إذ يدعوهم " ابنتى – شعبى " قائلا :

" يا إبنة شعبى تنطقى بمسح وتمرغى فى الرماد ،

نوح وحيد أصنعى لنفسك مناحة مرة ،

لأن المخرب يأتى علينا بغتة " ع 26 .

ما أصعب على اإنسان أن يجد ابنته قد فقدت وحيدها ، هكذا يرى الله شعبه الإبنة المحبوبة لديه قد فقدت وحيدها فجأة الذى هو حياتها ، فصارت ثكلى تنوح بلا انقطاع .

حقا يحزن مسيحنا على المؤمن الذى بسبب الخطية يفقد خلاص نفسه ، وحيدته التى قال عنها السيد المسيح :

" ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه ؟! مت 16 : 26 .

يختتم الإصحاح بتقييم لشخص النبى إرميا وأمانته فى تقديم الرسالة الإلهية ، مع إصرار الشعب على العصيان ، فصاروا رصاصا يفنى بالنار وفضة مرفوضة . لقد رفضوا كلمة الله الفضة الممحصة بالنار وقبلوا خداعات الأنبياء الكذبة ، الفضة المغشوشة ، فصاروا هم أنفسهم فضة مرفوضة .

فى قوله : " احترق المنفاخ من النار ، فنى الرصاص " ع 29 . يشبه إرميا بمن يمتحن المعادن بالنار ، والتأديب بالمنفاخ الذى يلهب النار ، والشعب بالرصاص . فقد بذل النبى كل الجهد مستخدما كلمات الله للتأديب بطريقة نارية ، فأشتدت النار جدا حتى أحترق المنفاخ ، لكن للأسف لم يكن الشعب ذهبا أو فضة حقيقية بل كان رصاصا يفنى !
+ + +
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Empty
مُساهمةموضوع: إرميا – الإصحاح السابع -تقديس البيت الداخلى   تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Icon_minitimeالإثنين فبراير 19, 2007 9:30 pm



إرميا – الإصحاح السابع

تقديس البيت الداخلى

إذ جاء الشعب مع القيادات الدينية إلى بيت الرب بأجسادهم دون قلوبهم ، يترنمون بتسابيح للرب بينما انحرفت حياتهم لحساب النجاسات الوثنية ، بدأ الرب يعلن لهم عن الحاجة إلى تقديس القلب الداخلى بكونه هيكل الرب ، الذى لأجله أقيم هيكل أورشليم . لذا كشف الرب عن شكلياتهم فى العبادة والتى تتلخص فى الآتى :


( 1 ) تسابيح بلا عمل



" الكلمة التي صارت الى ارميا من قبل الرب قائلا :

قف في باب بيت الرب وناد هناك بهذه الكلمة وقل :

اسمعوا كلمة الرب يا جميع يهوذا الداخلين في هذه الابواب لتسجدوا للرب.

هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل ،

اصلحوا طرقكم واعمالكم فاسكنكم في هذا الموضع " ع 1 ، 2 .

كان القديس إرميا فى موقف لا يحسد عليه ، فقد جاءته الدعوة من قبل الرب أن يقف فى باب بيت الرب ليحدث الجماهير التى جاءت لتمارس طقوس العبادة دون روحها ، والتى لا تريد أن تسمع كلمة توبيخ أو نقد . كان من بين هذه الجماهير دون شك كهنة عناثوث الذين يحمل أغلبهم ذكريات الطفولة والصبوة مع إرميا ، وهم يدركون جرأته وإمكانية إثارة الشعب ضدهم لمخالفتهم الشريعة .

كانت الجماهير متهللة لحركة إصلاح الهيكل الذى لم تمتد إليه يد منذ أكثر من 250 عاما . فى وسط هذه البهجة الجماهيرية وقف إرميا ، يكاد يكون وحده ، يهاجم الإصلاح الخارجى غير المتكىء على تغيير القلب والسلوك الروحى الحى . كان إرميا فى نظرهم الرجل الناقد اللاذع ، الذى يحول البهجة إلى غم ، وعوض مدح القائمين بالعمل يهاجم الكل .

بدأ الإصلاح الداخلى بالدعوة إلى تحويل التسبيح من كلمات منطوق بها إلى حياة معاشة وسلوك ... حياة مفرحة متهللة فى الداخل مع استعذاب للوصية الإلهية .

يقول : " لا تتكلوا على كلام الكذب قائلين :

هيكل الرب ،

هيكل الرب ،

هيكل الرب هو " ع 4 .

لعل هذه العبارة كانت قرارا يتغنى به كل القادمين إلى العيد ، حاسبين أن دخولهم الهيكل سند لهم دون حاجة إلى التوبة والسلوك الروحى المقدس .

إن لم يهتموا بإصلاح الهيكل الداخلى تتحول التسابيح والترانيم حتى فى بيت الرب إلى " كلام كذب " ، لأنهم ينطقون بغير ما يعيشون .

اعتمد الكهنة والأنبياء على قول سليمان " إنما قد بنيت لك بيت سكن مكانا لسكناك إلى الأبد " ( 1 مل 8 : 13 ) ونبوة إشعياء النبى أن صهيون لا تسقط أبدا ( إش 33 : 20 ) كانوا مقتنعين أن إرميا النبى مخدوع تماما ، وكانوا يحرضون الشعب ضده .

هنا يحذرهم النبى :

" لا تتكلوا على كلام الكذب قائلين ،

هيكل الرب هيكل الرب هيكل الرب هو.

لانكم ان اصلحتم اصلاحا طرقكم واعمالكم ،

ان اجريتم عدلا بين الانسان وصاحبه ،

ان لم تظلموا الغريب واليتيم والارملة ،

ولم تسفكوا دما زكيا في هذا الموضع ،

ولم تسيروا وراء آلهة اخرى لاذائكم ،

فاني اسكنكم في هذا الموضع " ع 4 – 7

إن تمسكوا بوجود البيت دون الأهتمام بتقديس حياتهم يفقد البيت مفهومه ، بل ويتحول من بيت تسبيح إلى " مغارة لصوص " ع 11 ، وهو ذات التعبير الذى استخدمه السيد المسيح حين طرد باعة الحمام والصيارفة من الهيكل ( متى 21 : 13 ) .


( 2 ) عبادة بلا قداسة



أوضح النبى أنه لكى ينعم الشعب ببركات بيت الرب يلزمهم أن يصلحوا الطريق الذى يسلكونه ، مجرين العدل بين الإنسان وصاحبه ( ع 5 ) ، وأن يقدموا عمل المحبة خاصة للغريب واليتيم والأرملة ( ع 7 ) ، وألا يسفكوا دم الأبرياء ( ع 6 ) ، وأخيرا ألا يعرجوا بين الفريقين ، قائلا :

" أتسرقون وتقتلون وتزنون وتحلفون كذبا وتبخرون للبعل وتسيرون وراء آلهة اخرى لم تعرفوها ثم تأتون وتقفون امامي في هذا البيت الذي دعي باسمي عليه وتقولون قد انقذنا ؟! ع 8 – 10 .

هيكل الرب هو القصر الملوكى ، مركز ملكوت الله الذى هو ملجأ للأرامل والأيتام والغرباء ، سخى بالنسبة لكل نفس محتاجة ومرزولة . فإن مارس الشعب العنف والقسوة يحسبون خارج الهيكل حتى إن دخلوه بأجسادهم وقدموا عطايا وتقدمات وذبائح !


( 3 ) عدم الأعتبار بشيلوه



بعد أن أوضح لهم إفسادهم لبيت الرب ، مقدما الدلائل التالية :

أ – يسبحون الله بأفواههم 4

ب – حولوا بيته من جماعة مملوءة حبا ورحمة وقداسة إلى جماعة قاسية ظالمة 6

جـ - يظنون أنهم قادرون على خداع الله ، إذ حولوا بيته إلى مغارة لصوص ..

" هل صار هذا البيت الذي دعي باسمي عليه مغارة لصوص في اعينكم.هانذا ايضا قد رأيت يقول الرب " ع 11

عاد ليؤكد لهم أنه وإن كان طويل الأناة لكنه لابد أن يعاقب ، مقدما بذلك ما حدث مع " شيلوه " مثلا .

" لكن اذهبوا الى موضعي الذي في شيلو الذي أسكنت فيه اسمي اولا وانظروا ما صنعت به من اجل شر شعبي اسرائيل " ع 12 .

إنه ليس تهديدا مجردا ، فما حدث مع شيلوه مركز العبادة وموضع الفرح الذى تحول إلى خراب ، سيحدث أيضا مع الهيكل .

شيلوه تقع بحوالى 17 ميلا شمال أورشليم . اختارها الرب مقرا للتابوت وخيمة الإجتماع لمدة حوالى 300عاما ، وفيها قسم يشوع البلاد على الأسباط ( يش 18 : 8 – 10 ) ، وفى عهد القضاة كان الشعب يجتمع سنويا فى شيلوه للعيد .

قرر أولاد عالى الكاهن أخذ التابوت معهم من شيلوه كما هو واضح من ( 1 صم 21 : 1 ) . نقل التابوت إلى أورشليم بعدما أخذه الفلسطينيون فى الحرب ثم أعادوه إلى قرية بعاريم . وكانت شيلوه خربة فى أيام إرميا . ( راجع إرميا 26 : 6 ) .


( 4 ) طلب صلوات الغير بدون توبة



كانت الشفاعة عن الشعب جزءا حيا من عمل الأنبياء والكهنة ، فصموئيل النبى يقول :

" وأما أنا فحاشا لى أن أخطىء إلى الرب فأكف عن الصلاة من أجلكم " 1 صم 12 : 23 .

وفى المصفاة إذ هاج الفلسطينيون عليهم قالوا لصموئيل : " لا تكف عن الصراخ من أجلنا إلى الرب إلهنا فيخلصنا من يد الفلسطينيين " 1 صم 7 : 8 .

وأيضا موسى كان يتشفع فى شعبه حتى قال الرب له : " أتركنى ليحمى غضبى عليهم وأفنيهم ، فأصيرك شعبا عظيما " خر 32 : 10 .

صلوات القديسين تسند النفس المجاهدة الراغبة فى التوبة ، أما إذا أصرت على عنادها فلا نفع لها ، إذ يقول الرب لإرميا النبى : " وأنت لا تصل لأجل هذا الشعب ولا ترفع لأجلهم دعاء ولا صلاة ولا تلح على لأنى لا أسمعك " إر 7 : 16 ، 11 : 14 .

الله الذى قال :

" أحامى عن هذه المدينة لأخلصها من أجل نفسى ومن أجل داود عبدى " 2 مل 19 : 34 فى أيام حزقيا الملك البار ، لم ينطق بهذا فى أيام الشر المتكاثر حين أسلم المدينة لنبوخذ نصر .

تظهر شكلية العبادة فى الأعتماد على صلوات القديسين المنتقلين والمجاهدين دون رغبة فى التوبة والندامة :" وانت فلا تصل لاجل هذا الشعب ولا ترفع لاجلهم دعاء ولا صلاة ولا تلحّ عليّ لاني لا اسمعك " ع 16 ( إرميا 11 : 14 ) .


( 5 ) تقدمات وذبائح لله والأوثان



يبدو أن إرميا النبى قد تأثر جدا عندما طالبه الله : " لا تصل لأجل هذا الشعب ..... " ع 16 . فتساءل : " لماذا يارب ؟ " وجاءت الإجابة صريحة وواضحة :

" أما ترى ماذا يعملون في مدن يهوذا وفي شوارع اورشليم ؟

الابناء يلتقطون حطبا ،

والآباء يوقدون النار .

والنساء يعجنّ العجين ليصنعن كعكا لملكة السموات ولسكب سكائب لآلهة اخرى لكي يغيظوني " ع 17 ، 18 .

هذه الصورة التى أوضحها الله على فم إرميا النبى لا تزال قائمة فى عائلات كثيرة حيث يدفع الآباء والأمهات أولادهم وبناتهم إلى البعد عن حياة الشركة مع الله فى المسيح يسوع ربنا ، بل أحيانا يلزموهم بالسلوك غيراللائق تحت حجة الخوف على أولادهم من الرغبة فى التكريس الكامل لخدمة الله وعبادته فى أية صورة من الصور .

هكذا تحولت العائلات ( الكنائس الصغيرة ) عن هدفها لا للخدمة لله بل لمقاومته .

لكنهم فى الواقع كانوا يقاومون أنفسهم ، إذ يقول :

" أفاياي يغيظون يقول الرب ؟

أليس انفسهم لاجل خزي وجوههم ؟

لذلك هكذا قال السيد الرب ؟

ها غضبي وغيظي ينسكبان على هذا الموضع على الناس وعلى البهائم وعلى شجر الحقل وعلى ثمر الارض فيتقدان ولا ينطفئان " ع 20 .

كانوا يقدمون الذبائح والتقدمات وفى نفس الوقت يتجاوزون كل وصايا الله ويجرون وراء آلهة غريبة ( ع 9 ) ، وكأن الذبيحة فريضة لإرضاء الله دون طلب الله نفسه . لقد فقدت الذبيحة والمحرقة كل معنى روحى فى حياتهم ، لهذا يوبخهم قائلا :

" ضموا محرقاتكم إلى ذبائحكم وكلوا لحما " ع 21 .

لقد فقدت محرقاتكم وذبائحكم طبيعتها كتقدمة للرب وصارت فى نظرى لحما لا آكله ، تأخذوه من قدامى وتأكلوه أنتم فلا حاجة لى به ، أو كما سبق فقال بإشعياء النبى :

" لماذا لى كثرة ذبائحكم ... أتخمت من محرقات كباش مسمنات ، وبدم عجول وخرفان وتيوس ما أسر " إش 1 : 11 .

عرف إرميا النبى والكاهن أن الله أمرهم بتقديم ذبيحة الفصح فى مصر قبيل خروجهم ، كما قدم شرائع خاصة بالذبائح فى الشريعة الموسوية ، بل وأدرك اليهود خلال التقليد الشفوى منذ آدم وما بعده : إبراهيم وإسحق ويعقوب عن ضرورة تقديم ذبائح دموية ، فلماذا يقول هنا :

" لاني لم اكلم آباءكم ولا اوصيتهم يوم اخرجتهم من ارض مصر من جهة محرقة وذبيحة " ؟ ع 22

أوضح ذلك بتكملة الحديث أنهم سلكوا بروح العصيان ولم يسمعوا لأنبيائه وكانوا غير مستعدين للأستماع ، فحسبت وصية تقديم المحرقات والذبائح بلا قيمة ، إذ يقول :

" فلم يسمعوا ولم يميلوا اذنهم بل ساروا في مشورات وعناد قلبهم الشرير واعطوا القفا لا الوجه.

فمن اليوم الذي خرج فيه آباؤكم من ارض مصر الى هذا اليوم ارسلت اليكم كل عبيدي الانبياء مبكرا كل يوم ومرسلا ،

فلم يسمعوا لي ،

ولم يميلوا اذنهم بل صلّبوا رقابهم.

اساءوا اكثر من آبائهم.

فتكلمهم بكل هذه الكلمات ولا يسمعون لك وتدعوهم ولا يجيبونك.

فتقول لهم هذه هي الامة التي لم تسمع لصوت الرب الهها ولم تقبل تأديبا.باد الحق وقطع عن افواههم " ع 24 – 28 .

فى عناد قلبهم وغلف آذانهم أعطوا الله القفا لا الوجه . الإنسان الروحى يتشبه بالشاروبيم المملوء أعينا ، كله وجوه ، وليس فيه قفا ، بمعنى أنه لا يقدر أن يعطى القفا لله أو لأخيه ، أى لا يحمل كراهية خفية أو ظاهرة ضد خالقه ومخلصه ولا ضد إخوته .


( 6 ) مرثاة على رفض الله بيته



" جزى شعرك واطرحيه ،

وارفعى على الهضاب مرثاة ،

لأن الرب قد رفض ورذل جيل رجزه " ع 29 .

يطلب النبى من يهوذا أن تجز شعرها ، كما تفعل النساء قديما فى حالة الحزن الشديد ، فإن كان شعر المرأة هو جمالها وإكليلها ، فإنها إذ تجزه تعلن عن مرارة نفسها ، حيث حرمت من جمالها .

عوض ممارستها للتسبيح للرب كنذيرة له ، ترفع مرثاة ، لأن الرب قد رفض ورذل جيل رجزه ( ع 29 ) ، لأنهم نجسوا بيته إذ :

" وضعوا مكرهاتهم في البيت الذي دعي باسمي لينجسوه " ع 30 .

جاءت كلمة " مكرهات " حوالى 28 مرة فى العهد القديم ، غالبا ما تشير إلى عبادة التماثيل ، أو كل ما يمس العبادات الوثنية من رجاسات مثل إرتكاب الزنا كنوع من العبادة .

ومن ناحية أخرى بنوا مرتفعات توفة فى وادى هنوم ( جهنم ) جنوب أورشليم . كانت النيران فيها لا تنقطع ، حيث يلقى الناس البقايا والعوادم . فى هذه المرتفعات كانت تقدم ذبائح بشرية ( 2 مل 23 : 10 ) :

" وبنو مرتفعات توفة التي في وادي ابن هنوم ليحرقوا بنيهم وبناتهم بالنار الذي لم آمر به ولا صعد على قلبي

لذلك ها هي ايام تأتي يقول الرب ولا يسمى بعد توفة ولا وادي ابن هنوم بل وادي القتل ويدفنون في توفة حتى لا يكون موضع " ع 31 – 32 .



( 7 ) مرثاة على رفض الله شعبه

إن كان الإنسان يرتكب الخطية من أجل لذات الجسد والبهجة الزمنية ، فإن الله فى محبته يسمح له أن يحرم من هذه الأمور ليدرك أن الخطية مرة ومحطمة للنفس والجسد . وقد عبر عن ذلك بقوله :

" وتصير جثث هذا الشعب أكلا لطيور السماء ولوحوش الارض ولا مزعج.

وابطّل من مدن يهوذا ومن شوارع اورشليم صوت الطرب وصوت الفرح

صوت العريس وصوت العروس ،

لان الارض تصير خرابا " ع 33 ، 34 .

ما هى هذه الأرض الخربة إلا جسد الإنسان الذى تحرمه الخطية من التمتع بسكنى العريس السماوى فيه والأتحاد معه ، واقتناء ملكوته الداخلى المفرح ، والشركة مع القديسين والسمائيين ؟! .
+ + +
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Empty
مُساهمةموضوع: إرميا – الإصحاح الثامن -شكلية فى حفظ الشريعة   تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Icon_minitimeالإثنين فبراير 19, 2007 9:32 pm



إرميا – الإصحاح الثامن

شكلية فى حفظ الشريعة

إذ شاهد إرميا النبى الجموع المحتشدة فى أورشليم قادمة لتمارس ليتورجيات التسبيح ولمساهمة فى تكاليف إصلاح الهيكل وتقديم الذبائح ، قادمة فى تشامخ وفرح من أجل الهيكل الذى أصلحوه حديثا ، يلتمسون صلوات الأنبياء والكهنة حزن للغاية ، لأن عبادتهم حملت الشكل دون الروح .

هنا يركز على موضوع " كتاب الشريعة " الذى وجد أثناء اصلاح الهيكل وقدم للملك . تهلل الكل بوجود السفر دون الأهتمام بالأستماع العملى لما ورد فيه . ظنوا أن مجرد حفظ كتاب الشريعة فى الهيكل فيه كل الحماية ، حتى وإن احتفظوا بعبادتهم الوثنية ومارسوا رجاساتها .


( 1 ) الخلط بين كلمة الله والعبادة الوثنية



تلامس إرميا بروح النبوة مع كلمات السيد المسيح : " دعوا الأولاد يأتون إلى ولا تمنعوهم ، لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات " مت 19 : 14 . بينما كان يشاهد الشعب قادما بأطفاله إلى الهيكل ليعودوا بهم إلى " أبن هوم " يقدمون بعضهم للقتل أو الحرق باسم الوثن . لقد اختاروا لأنفسهم ولولادهم المرارة عوض الفرح الحقيقى ، والموت عوض الحياة .

انحرف الكل : الملوك والرؤساء والكهنة والأنبياء الكذبة والشعب وعبدوا الآلهة التى بلا حياة واهبة الموت عوض الله الحى واهب الحياة . وها هو يقدم لهم الله سؤل قلبهم ، إذ يقول :

" في ذلك الزمان يقول الرب

يخرجون عظام ملوك يهوذا وعظام رؤسائه وعظام الكهنة وعظام الانبياء وعظام سكان اورشليم من قبورهم

ويبسطونها للشمس وللقمر ولكل جنود السموات التي احبوها والتي عبدوها والتي ساروا وراءها والتي استشاروها والتي سجدوا لها.

لا تجمع ولا تدفن بل تكون دمنة ( روثا ) على وجه الارض.

ويختار الموت على الحياة

عند كل البقية الباقية من هذه العشيرة الشريرة الباقية في كل الاماكن التي طردتهم اليها يقول رب الجنود " ع 1 – 3 .

تهلل الكل بوجود سفر الشريعة التى يعتزون بها حرفيا بغير روح ، ومع هذا عبدوا الأوثان وساروا وراءها واستشاروها وسجدوا لها . شعروا أنها مشبعة ومفرحة ومرشدة لهم تستحق كل عبادة وسجود !
ما هو ثمر ذلك ؟



أ – الذين عبدوها وهم أحياء تخرج عظامهم بعد الموت لتبسط للشمس والقمر وجند السماء التى تعبدوا لها ، فيصيرون فى عار وخزى حتى بعد موتهم .

هم اختاروا الآلهة الميتة عوض الإله الحى ، لذا يحل بهم الموت ، ويحل بهم العار حتى بعد موتهم .

ب – صارت عظام الكل ملقاة " كدمنة على وجه الأرض " ، أى كالروث أو بقايا الحيوانات ، وهذا لا يحمل فقط معنى الإهانة ، وإنما تدنيس الأرض .

أما من تتقدس عظامه فتقيم أمواتا كما حدث مع أليشع ( 2 مل 13 : 21 ) ، ويتقدس ظله ليشفى المرضى كما حدث مع بطرس الرسول ( أع 5 : 15 ) وتتقدس حتى المناديل والخرق التى على جراحاته لتخرج الشياطين كما حدث مع بولس الرسول .

جـ - إخراج الموتى من القبور وبسطها أمام الكواكب إنما يعنى توبيخا من الله الذى تركوه وهم أحياء ، كأنه يسأل عظامهم إن كانت تقدر أن تتعبد لها ؟! أما مؤمنوه فستقوم عظامهم وتشارك أجسادهم نفوسهم العبادة السماوية الملائكية .


( 2 ) حفظ الشريعة بدون التوبة



بعد أن تحدث عن خطورة الأهتمام بالكتاب المقدس ( الشريعة ) لحفظه فى الهيكل دون الألتصاق بالله وحده يؤكد أيضا خطورة قبوله فى غير توبة أو الرجوع إلى الله ، إذ يقول : " وتقول لهم هكذا قال الرب :

هل يسقطون ولا يقومون ؟

او يرتد احد ولا يرجع ؟

فلماذا ارتد هذا الشعب في اورشليم ارتدادا دائما ؟!

تمسكوا بالمكر ابوا ان يرجعوا " ع 4 ، 5 .

يؤكد إرميا النبى الألتزام بالتوبة كعمل رئيسى فى تمتعنا بالشريعة ، فإننا وإن سقطنا يترقب الله قيامنا ، وإن عاد قبلنا إليه نجده ينتظرنا ليحملنا فيه .

فى رقة عجيبة يؤكد لنا النبى أن الله ينتظرنا دون أن يعاتب على الماضى ، إذ يقول :

" فلماذا ارتد هذا الشعب فى أورشليم ارتدادا دائما ؟! ع 5 . فى دهشة يعاتب : كيف احتمل هذا الشعب كسر الشريعة والتغرب عن الله مصدر حياته على الدوام ؟ ألا يليق به أن يرجع إليه ؟!

لقد فقد الشعب إتزانه ليمارس كل منهم هواه كفرس ثائر فى وسط المعركة دون ضابط له

" صغيت وسمعت.بغير المستقيم يتكلمون.ليس احد يتوب عن شره قائلا ماذا عملت.كل واحد رجع الى مسراه كفرس ثائر في الحرب " ( ع 6 ) .

بل صاروا يناقضون الطبيعة ذاتها .

أكد لهم النبى أنهم أكثر جهالة من الطيور :

" بل اللقلق في السموات يعرف ميعاده ،

واليمامة والسنونة المزقزقة حفظتا وقت مجيئهما.

اما شعبي فلم يعرف قضاء الرب.

كيف تقولون نحن حكماء وشريعة الرب معنا ؟!
حقا انه الى الكذب حوّلها قلم الكتبة الكاذب " ع 7 ، 8 .


تعرف الطيور والحيوانات مواعيدها بالغريزة وتحترمها ، وأما شعب الله الذى هو تاج الخليقة الأرضية كلها فلا يعى نداء خالقه ، ولا يدرك " قضاء " الرب ، أى خطته الإلهية نحو شعبه ، بهذا فقدوا روح الحكمة والمعرفة .

هنا أول إشارة للكتبة كفئة خاصة مسئولة عن تفسير الشريعة . يظهر من ( 1 أى 2 : 55 ) أن الكتبة كانوا منظمين على أساس عشائر أو أسر معينة ، وفى ( 2 أى 34 : 13 ) كان لهم دورهم الحيوى فى أيام يوشيا . على أى الأحوال كان لهم نشاطهم فى وقت مبكر عن هذا ، يقومون بكتابة السجلات الرسمية لملوك إسرائيل ويهوذا ، ويمسكون حساباتهم ، كما كان بعضهم ينسخون التوراة ، وكان لهم عملهم التعليمى .

خلال تعاليمهم الخاطئة يحولون الحق الكتابى إلى الكذب ، يهتمون بالتوراة ككتاب دون الأهتمام بالله نفسه .

استلموا الشريعة ، ووجدت بين أيديهم ، لكن طمعهم أعمى عيون قلوبهم ، فصاروا فى ظلمة الجهل التى حلت على كل الطبقات وكل الأعمار : الصغير والكبير ، الكاهن والنبى والشعب .

بجانب عبادتهم للأصنام وكسرهم للوصية يلجأون إلى خداع أنفسهم بنبوات كاذبة .

فعوض التوبة يطلبون من الأنبياء والكهنة سلاما كاذبا وخداعا ، لهذا ظهر أنبياء يتنبأون ليس حسب أمر الله إنما حسبما يرضى أهواء الناس ، وبادت الشريعة عن الكاهن والمشورة عن الشيوخ . هؤلاء يقولون " سلام سلام ولا سلام " ع 11 .

كلمات الأنبياء الكذبة أعطتهم طمأنينة خادعة إلى حين ، فحسبها الكل دواء لجراحاتهم . " ويشفون كسر بنت شعبي على عثم قائلين سلام سلام ولا سلام " ع 11 .

ومن جانب آخر نزعت عنهم روح الحياء والخجل حتى إن إرتكبوا رجاسة .

" هل خزوا لانهم عملوا رجسا ؟

بل لم يخزوا خزيا ولم يعرفوا الخجل.

لذلك يسقطون بين الساقطين في وقت معاقبتهم يعثرون قال الرب " ع 12 .

فى اختصار قبلوا كلمة الله فى حرفها بدون التوبة فصاروا فى جهالة .


( 3 ) حفظ الشريعة بدون ثمر الروح



إذ قبلوا الشريعة الإلهية بدون التمتع بالتوبة صارت كلمة الله بالنسبة لهم عقيمة وبلا ثمر . صاروا أشبه بكرم بلا عنب وشجرة تين بلا ثمر ، فاستحقوا اللعنة واقتلاعهم من حقل الرب :

" نزعا انزعهم يقول الرب.

لا عنب في الجفنة ،

ولا تين في التينة ،

والورق ذبل ،

واعطيهم ما يزول عنهم " ع 13 .

ينتزعها من انتسابها له بكونها كرمته وتينته . فالنفس التى لا تلتصق بإخوتها حول خشبة الصليب كما تجتمع حبات العنب معا ، والتى ترفض أن تلتقى معهم حول غلاف الوحدة العذب كما يحدث لبذار التين الرفيع ، تفقد انتسابها للكرمة أو التينة ، ولا تحسب عضوا فى كنيسة المسيح ، ولا تتمتع بخلاصه .

يصف النبى كيف انتزع الله كرمه ، أو كيف سلم شعبه للسبى هكذا :

أ – باطلا حاول شعب يهوذا أن يحمى نفسه من العدو ، إذ يقولون :

" لماذا نحن جلوس ؟

اجتمعوا فلندخل الى المدن الحصينة ونصمت هناك.

لان الرب الهنا قد اصمتنا " ع 14 .

أدركوا أن الخطر قد حل بهم فقرروا الدخول إلى المدن الحصينة ، لا ليستعدوا للمقاومة ، بل فى خيبة يصمتون أمام هذا الحدث الرهيب الذى سمح به الرب لهم لتأديبهم ، ينتظرون لحظات الموت وهم فى رعب . تتحول مدنهم الحصينة إلى مقابر جماعية !

ب – قدم الله لهم الكأس التى ملأوها لأنفسهم ، كأس سم الخطية المر والمميت :

" وأسقانا ماء العلقم لأننا قد أخطأنا إلى الرب " ع 14 .

ولعله قصد بذلك الماء الذى يقدم للزوجة الخائنة لأمتحان أمانتها لرجلها ( عد 5 : 11 – 31 ) ، فإن ثبتت خيانتها تقتل .

جـ - فقدوا السلام الذى وعدهم به الأنبياء الكذبة : " انتظرنا السلام ولم يكن خير " ع 15 . تأكدوا أن الرجاء الذى قدم لهم كان كالسراب المخادع .

د – فقدوا تسكين الجراحات الذى قدمه الكذبة لهم كشفاء ، وحل عوض راحة الضمير رعب وخوف ،" وزمان الشفاء وإذا رعب " ع 15 .

هـ - جاء العدو بعنف شديد حتى سمعت حمحمة خيله فى أورشليم عندما دخل العدو فى دان ، وهى الحدود الشمالية للبلاد التى دخل منها العدو ( حاليا منطقة الجولان ) ، وعند صوت صهيله ارتجفت كل الأرض ( ع 15 ) ، [لأن العدو ضخم للغاية .

و – جاء عدوهم ليأكل ويلتهم مفترسا كل من يلتقى به : " فأتوا وأكلوا الأرض وملأها ، المدينة والساكنين فيها " ع 16 .

ز – ضربة لا علاج لها ، كسم الحيات التى لا ترقى . " لأنى هأنذا مرسل عليكم حيات أفاعى لا ترقى فتلدغكم يقول الرب " ع 17 .

فى القديم صنع موسى حية من النحاس حتى من لدغته الحية ونظر إلى الحية النحاسية يشفى ، أما وقد أصر الشعب على المقاومة ففى هذا التأديب أرسل حيات أفاعى لا ترقى


( 4 ) الحاجة إلى المسيح الكلمة



أدرك النبى إرميا ما وصل إليه الشعب فى علاقتهم بالشريعة ، انهم يحفظونها دون توقف عن العبادة الوثنية ، فيخلطون الحق بالباطل [ 1 - 3 ] ، يقرأونها دون تقديم توبة واشتياق نحو الرجوع إلى الله [ 4 – 12 ] ، يعتزون بها دون أن يحملوا ثمر الروح [ 13 – 17 ] فامتلأ قلبه مرارة ، وبدأ يتساءل : ما هو الحل ؟ أما من دواء لهذا الشعب ؟ أما من طبيب يهتم بهم ؟

عبر عن مرارة نفسه ، قائلا :

" من مفرج عنى الحزن ؟

قلبى فى سقيم " ع 18 .

حياة الشركة عاشها أولاد الله فى العهدين القديم والجديد ، فيقول إرميا النبى وهو يرى شعبه منسحقا بسبب السبى رغم مقاومة الشعب له :

" من أجل سحق بنت شعبى انسحقت ، حزنت ، أخذتنى دهشة " ع 21 .

سمع النبى بروح الحب صوت شعبه فى أرض السبى يستغيثون وليس من مجيب :

" ألعل الرب ليس في صهيون ؟

او ملكها ليس فيها.لماذا اغاظوني بمنحوتاتهم باباطيل غريبة.

مضى الحصاد انتهى الصيف ونحن لم نخلص.

من اجل سحق بنت شعبي انسحقت.حزنت اخذتني دهشة.

أليس بلسان في جلعاد ؟

أم ليس هناك طبيب ؟

فلماذا لم تعصب بنت شعبي " ع 19 – 22 .

لم يستطع رجال العهد القديم أن يتمتعوا بالإجابة على هذه الأسئلة إلا قلة قليلة خلال الرموز والظلال ، لذا كانوا يصرخون : " مضى الحصاد ، انتهى الصيف ، ونحن لم نخلص " ع 20 .

أى رجاء لهم ؟ بعد انتهاء وقت الحصاد .

رجاؤنا نحن فى السيد المسيح القائل : أنا هو البلسان ، أنا هو الطبيب ! .
+ + +
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Empty
مُساهمةموضوع: إرميا - الإصحاح التاسع -مرثاة على الجميع   تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Icon_minitimeالإثنين فبراير 19, 2007 9:35 pm

إرميا - الإصحاح التاسع
مرثاة على الجميع
رأينا فى الإصحاح السابق كيف كاد قلب إرميا النبى أن يتمزق بسبب ما سيحل على شعبه من تأديبات قاسية مع إصرار الشعب على عدم التوبة . وها هو هنا يدعو إلى إقامة مرثاة على شعبه بسبب ما بلغ إليه من شكلية فى عبادته وحرفية فى حفظه للشريعة بلا ثمر روحى :

( 1 ) بكاء النبى الدائم

" يا ليت راسي ماء وعينيّ ينبوع دموع فابكي نهارا وليلا قتلى بنت شعبي " ع 1 .
لم يكن أمام إرميا النبى الذى توجعت أحشاؤه فى داخله ، وكادت جدران قلبه أن تنهار إلا أن يبكى بمرارة ، ويود أن يبقى باكيا بغير توقف حتى يعمل روح الله لتبكيت الشعب واعترافهم بخطاياهم فيعودون إلى الرب .
كان بكاء الرجال علانية أمام الآخرين معيب ، ففى أفضل وضع يحسب علامة عن الضعف . لكن إرميا قبل أن ينسب إليه الضعف من أجل خلاص شعبه .
" يا ليت لي في البرية مبيت مسافرين ،
فاترك شعبي وانطلق من عندهم ،
لانهم جميعا زناة جماعة خائنين " ع 2 .
فى رقة شديدة حمل إرميا النبى أخطاء شعبه فى قلبه وفكره وكل أحاسيسه ، فتفجرت فيه ينابيع دموع لا تتوقف وتنهدات داخلية مرة . كان فى هذا رمزا للسيد المسيح ، العبد المتألم ، الذى حمل أحزاننا ، لكن شتان ما بين إرميا النبى والسيد المسيح .

( 2 ) عدم مبالاتهم بحالهم

إن كان النبى قد كرس حياته للدموع من أجلهم لأنهم كانوا يجرون من شر إلى شر فى خيانة لعريس نفوسهم ، فإنهم من جانبهم لم يبالوا بدموعه ، بل حسبوه إنسانا متشائما يحطم نفسيتهم ، يستحق الطرد ، بل والموت ، وذلك لأنهم لم يدركوا ما هم عليه . ويقدم لنا النبى علتين لعدم مبالاتهم ، هما :
أولا : انشغلوا بالمكر :
" يمدون ألسنتهم كقسيهم للكذب لا للحق ،
قووا في الارض.
لانهم خرجوا من شر الى شر واياي لم يعرفوا يقول الرب " ع 3 .
إذ تحولت ألسنتهم إلى أداة للحرب ، لا لحساب الحق بل للكذب ، ظنوا أنهم أقوياء ، فانطلقوا فى الخبث من شر إلى شر ، ودخلوا فى دوامة الخطية ، ولم يجدوا فرصة للوقوف إلى حين ومراجعة النفس .
يكمل النبى حديثه عن خطورة المكر :
" احترزوا كل واحد من صاحبه ،
وعلى كل اخ لا تتكلوا لان كل اخ يعقب عقبا وكل صاحب يسعى في الوشاية .
ويختل الانسان صاحبه ولا يتكلمون بالحق.
علّموا السنتهم التكلم بالكذب وتعبوا في الافتراء " ع 4 ، 5 .
يدهش إرميا النبى من الإنسان الذى فى شره يرفض الصداقة مع الحق ، هذه التى تقدم له الراحة بلا تعب داخلى ، بينما يبذل كل الجهد ليتعلم الأفتراء . وكما يقول الأب غريغوريوس ( الكبير ) : [ إنهم يتعبون لكى يخطئوا . وبينما يرفضون أن يعيشوا بالبساطة ، إذا بهم يطلبون بالأتعاب أن يموتوا ] .
إنهم يرفضوا السكنى فى الله والوجود فى أحضانه ، ليستقروا فى قلب إبليس الكذاب والمخادع ، بهذا فقدوا معرفة الرب ، إذ قيل :
" مسكنك في وسط المكر.
بالمكر ابوا ان يعرفوني يقول الرب " ع 6
ماذا يعنى فقدانهم معرفة الرب ؟
عدم إدراكهم أن الله محب حتى فى تأديباته ، أما الأشرار فمبغضون حتى فى قبلاتهم .
" لذلك هكذا قال رب الجنود :
هانذا انقيهم وامتحنهم.
لاني ماذا أعمل من أجل بنت شعبى ؟
لسانهم سهم قتال يتكلم بالغش .
بفمه يكلم صاحبه بسلام ،
وفى قلبه يضع له كمينا " ع 7 ، 8 .
+ تحتمل جراحات الأعداء بأكثر سهولة من مداهنة الساخرين المملوءة مكرا .. فقدوا معرفتهم للرب بلسانهم الغاش ، الذى يكلم صاحبه بالسلام وهو يخطط له فى قلبه لهلاكه ، الأمر الذى تجسم بصورة بشعة فى يهوذا الذى كان تلميذا للرب ، وملتصقا به حسب الجسد ، لكنه لم يعرفه كرب ومخلص ، فأسلمه بقبلة غاشة .
+ لم يكن أحد مجرما فى حق واهب الحياة أكثر قسوة من ذاك الذى تقدم باحترام مملوء خداعا وتكريما فاسدا مقدما قبلة حب غاشة ، هذا الذى قال له الرب : " يا يهوذا أبقبلة تسلم ابن الإنسان ؟! لو 22 : 48 ... الأب يوسف
ثانيا : صاروا فى فراغ :
" على الجبال ارفع بكاء ومرثاة ،
على مراعي البرية ندبا ،
لانها احترقت ،
فلا انسان عابر ،
ولا يسمع صوت الماشية.من طير السموات الى البهائم هربت مضت.
واجعل اورشليم رجما ومأوى بنات آوى ،
ومدن يهوذا اجعلها خرابا بلا ساكن " ع 10 ، 11 .
السبب الثانى لعدم مبالاتهم بحالهم هو الدخول إلى حالة فراغ داخلى . فالنفس لا تشبع من الله خالقها ، وتحمله كسماء وعرش له . تفقد تقديرها لخلاصها ، ولا تدرك حقيقة مركزها ، فتعيش كمرعى احترق ، يصير خرابا لا يعبره إنسان ولا يسمع فيه صوت ماشية ، ولا يهيم فيه طير . إنما يسكنه بنات آوى .
لقد صعد إرميا على الجبال ، أى على شريعة الله ومن هناك تطلع إلى البرية ، فوجد مراعيها قد أحترقت بنيران الشهوات وحل بها الخراب ، فرفع صوته وبكى ، مقدما مرثاته على شعبه الذين دخلوا فى فراغ .
الشرير تتحول أورشليمه إلى رجم ( ع 11 ) ، عوض أن يكون قلبه مدينة الله المقدسة ، يصير أشبه بمكان مهجور دنس ، يشتم فيه رائحة الموت .
عوض أن تكون مرعى للغنم ، أى حظيرة الخراف المقدسة التى تضم شعب الله ، تصير مأوى لبنات آوى ( ع 11 ) ، وهى حيوانات أكبر من الثعلب وأصغر من الذئب ، تتسم بالوحشية مع المكر والخداع .
وتصير مدن يهوذا خرابا ، تحطم مواهب الإنسان وقدراته .
ثالثا : رفضهم الشريعة :
" من هو الانسان الحكيم الذي يفهم هذه ؟
والذي كلمه فم الرب فيخبر بها.
لماذا بادت الارض واحترقت كبرية بلا عابر ؟
فقال الرب : على تركهم شريعتي التي جعلتها امامهم ،
ولم يسمعوا لصوتي ولم يسلكوا بها " ع 12 ، 13 .
من يرفض كلمة الله النارية التى تحرق أشواك الخطية ، وتلهب القلب ، بنيران الحب الإلهى ، وتجعل منه خادما لله بنار سماوية ، تشتعل فيه نيران الشهوات ، فتحوله إلى برية خربة ! .
( 3 ) الدعوة لإقامة مرثاة على صهيون
لا يقف إرميا النبى وحده يرثى هذا الشعب ، وإنما يطلب الله منهم أن يدعو النادبات والحكيمات ليرفعن مرثاة ويذرفن الدموع عليهم :
" هكذا قال رب الجنود :
تأملوا وادعوا النادبات فيأتين ،
وارسلوا الى الحكيمات فيقبلن ،
ويسرعن ويرفعن علينا مرثاة ،
فتذرف اعيننا دموعا وتفيض اجفاننا ماء " ع 17 ، 18 .
يريد الله كل إنسان أن يأتى ويرثى صهيون ويبكى عليها . لعله يقول إن كانت عيوننا قد جفت وقلوبنا قد غلظت فلنلجأ إلى إخوتنا الروحيين ليسندوننا ، نتعلم منهم حياة التوبة ونطلب صلواتهم عنا . إن أمكننا أن ندعو كل الخليقة لكى تسندنا بالصلاة إلى الله الذى يعيننا بفيض نعمته .
يقول القديس يوحنا الذهبى الفم :
+ أيتها التلال نوحى ، أيتها الجبال اندبى !
لندعو كا الخليقة لتشاركنا بالوجدان بسبب خطايانا ... لنلجأ إلى الملك الذى هو من فوق . لندعوه فيعيننا .
فإن كنا لا نطلب عونا من السماء لا تكون لنا تعزية نهائيا فيما نحن قد سقطنا فيه .
" بل اسمعن ايتها النساء كلمة الرب ولتقبل آذانكنّ كلمة فمه ،
وعلّمن بناتكنّ الرثاية والمرأة صاحبتها الندب.
لان الموت طلع الى كوانا ،
دخل قصورنا ،
ليقطع الاطفال من خارج ،
والشبان من الساحات " ع 20 ، 21 .
أما علة الرثاء فهو إدراكنا أن الموت قد دخل إلى أعماقنا من خلال كوى الحواس ، النظر ، السمع ، التذوق ، الشم ، اللمس .... ليحطم قصورنا الداخلية المقامة لملكوت السموات .
يدخل الموت إلى قلوبنا ، يقتل الأطفال الذين يلعبون فى الخارج ، أى يبيد الأشواق المقدسة للشركة مع إلهنا ، أو البدايات الطيبة للحياة الفاضلة فى الرب التى لم تتأصل بعد فينا ، كما يقتل الشبان من الساحات ، أى يهلك حتى الأقوياء الذين كان يلزمهم أن يحاربوا روحيا فى الساحات .
( 4 ) الله واهب الحكمة والمعرفة
لئلا يظن الإنسان أن التوبة هى عمله الذاتى أو أنه بحكمته ومعرفته ينمو روحيا أكد الرب :
" لا يفتخرنّ الحكيم بحكمته ،
ولا يفتخر الجبار بجبروته ،
ولا يفتخر الغني بغناه ،
بل بهذا ليفتخرنّ المفتخر :
بانه يفهم ويعرفني اني انا الرب ،
الصانع رحمة وقضاء وعدلا في الارض " ع 23 ، 24 .
جاء هذا الحديث إجابة على التساؤل الذى وجه ضد كلمات إرميا النبى : ماذا ينقصنا ونحن نقتنى الحكمة والقوة والغنى ؟
هذه التسبحة تمجد حكمة الله وفهمه ومعرفته ، الأمور التى يحسبها غير الروحيين غباوة وجهالة ، متكلين على حكمتهم البشرية وخبرتهم الشخصية ومعرفتهم العقلية البحتة خارج دائرة الإيمان والأعلان الإلهى .

( 5 ) الدينونة بلا محاباة

الله خالق الكل يدين الجميع بغير محاباة ، إذ قيل :
" ها ايام تأتي يقول الرب واعاقب كل مختون واغلف.
مصر ويهوذا وادوم وبني عمون وموآب ،
وكل مقصوصي الشعر مستديرا الساكنين في البرية ،
لان كل الامم غلف وكل بيت اسرائيل غلف القلوب " ع 25 ، 26 .
الخلفية وراء هذا النص هى العقيدة التى فى ذهن اليهود أن ختان الجسد يفصل بين من ينتسب للحق ومن ينتسب للباطل .
الآن الكل بحاجة إلى المخلص .
+ + +

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Empty
مُساهمةموضوع: إرميا – الإصحاح العاشر -العودة إلى الله   تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Icon_minitimeالإثنين فبراير 19, 2007 9:40 pm



إرميا – الإصحاح العاشر

العودة إلى الله

إن كان فى الإصحاح السابع يتحدث عن تقديس البيت الداخلى ، وفى الثامن عن عدم الإتكال على حفظ الشريعة حرفيا ، وفى التاسع يقيم مرثاة على ما وصلوا إليه ، ففى العاشر يتحدث عن العودة إلى الله .


( 1 ) ترك الوثنية الباطلة



أول وسيلة للعودة إلى الله هو ترك الوثنية الباطلة ( ع 1 ، 2 ) ، رفض ما هو باطل وقبول الإله الحق ( ع 10 ) .

أبرز أن الله فريد ، وعظيم ، ومهوب ، سيد الطبيعة ، ورب التاريخ ، بينما عبادة الأوثان مجرد وهم ، حيث يرتعب عابدوها من ظواهر الكواكب السماوية كما من قطعة خشب من عمل أيديهم ، يقيمونها تمثالا يتعبدون له ، فى حقيقتها أشبه باللعين (خيال المقاتة ) التى يحركها الفلاح أينما أراد ليخيف الطيور ، وهى فى حقيقتها ليست إلا عصا جامدة ، يضع عليها الفلاح ملابس بشرية .

" هكذا قال الرب : لا تتعلموا طريق الامم ،

ومن آيات السموات لا ترتعبوا ،

لان الامم ترتعب منها. ..........

اما الرب الاله فحق ،

هو اله حيّ وملك ابدي.

من سخطه ترتعد الارض ولا تطيق الامم غضبه " ع 1 ، 10 .

جاءت كلمة " تتعلموا " فى العبرية بمعنى " تصيرون تلاميذا " ، وكأن العبادة فى الحقيقة هى تلمذة ، حيث يحمل التلميذ روح معلمه ، فمن يتتلمذ للباطل يحمل روح البطلان ، ومن يتتلمذ للسيد المسيح الحق ، يحمل روحه وحقه فيه .

عبادة الإنسان للأوثان تتمثل الآن فى التعبد للمال أو السلطة أو محبة المجد الباطل أو العلم أو حب الظهور ، متجاهلا احتياجات نفسه إلى التعرف على الله والألتصاق به ، يبحث بطريق أو آخر أن تشبع نفسه ، فيقيم فى هيكل الرب الداخلى آلهة غريبة عاجزة عن أن تشبع حياته وتنطلق بها إلى السموات .

لا وجه للمقارنة بين الله وبين الآلهة الأخرى ، إذ يقول : " ليس مثلك ! " ع 6

أ – " أما الرب الإله فحق " ع 10 ؛ من يلتصق به يصير حقا ولا يدخل إليه الباطل .

ب – " إله حى " ع 10 ؛ كائن نتعامل معه فى علاقة شخصية ، نجد فى الله الآب أبينا الذى يحملنا فى أحضانه ، ويتعامل معنا كبنين له ..

جـ - " ملك أبدى " ع 10 ، علاقتنا بالله ليست على مستوى زمنى مؤقت بل علاقة دائمة إلى الأبد . يملك فينا لا ليسيطر علينا وإنما ليقيمنا ملوكا ، يهبنا شركة سماته فنصير خالدين ونعيش معه فى مجده الملوكى إلى الأبد .

د – " اذا اعطى قولا تكون كثرة مياه في السموات ،

ويصعد السحاب من اقاصي الارض " ع 13 .

قوته ليست استعراضا لسلطانه ، وغنما لخير خليقته ، يهب النفس ( السماء ) والجسد ( الأرض ) كثرة مياة ، أى فيض روحه القدوس ( يو 7 : 37 – 39 ) ، ليحولنا فى مياة المعمودية من القفر إلى فردوس مثمر!

هـ - " صنع بروقا للمطر واخرج الريح من خزائنه " ع 13 .

أى قدم للإنسان كل احتياجاته المنظورة ( البروق والمطر ) وغير المنظورة ( الريح وخزائنه ) !

يبرق فينا فيهبنا روح الأستنارة ، ونكتشف أسرار حب الله وإمكانياته . ويهبنا عطية روحه القدوس كريح تهب حيث تشاء ، ولا نعرف من أين تبدأ ولا إلى أين تنتهى ( يو 3 : 18 ) .

يحدثنا مار يعقوب السروجى عن بروق الإستنارة قائلا :

[ المعمودية هى إبنة النهار ، فتحت أبوابها فهرب الليل الذى دخلت إليه الخليقة كلها !

المعمودية هى الطريق العظيم إلى بيت الملكوت ، يدخل الذى يسير فيه إلى بلد النور ! ] .

و – " من لا يخافك يا ملك الشعوب ؟! لأنه بك يليق " ع 7 .

إن كانت الشعوب قد قاومته وقبلت الأوثان آلهة عوضا عنه ، لكنه يبقى فى حقيقة الأمر " ملك الشعوب " .

هو " ملك العالم كله " ، أرادوا أو لم يريدوا ، نصرخ إليه كملك مفرح ، قائلين : " ليأت ملكوتك ! " ، أما المقاومون فيخشون ملكوته ويرتعبون من سلطانه ! .

ز – " من سخطه ترتعد الأرض ولا تطيق الأمم غضبه " ع 10 .

إن كان الله بالنسبة لمؤمنيه كله عذوبة ، يدخل معهم فى عهد أبوى ، ويقدم إمكانياته لخلاصهم وبنيانهم ، ففى عدله أيضا لا تستطيع الأرض أن تقف أمامه ، ولا تطيق الأمم غضبه !

لا يحتمل الأشرار الألتقاء معه ، لأنه كيف يمكن للظلمة أن تطيق النور ؟! أو للباطل أن يشترك مع الحق ؟!

حـ - الله هو المدافع عن شعبه بكونه " رب الجنود اسمه " ع 17 .

لذا يليق بشعبه كجنود تحت قيادته ألا يخافوا الآلهة الأخرى ، هذه التى " فى وقت عقابها تبيد " ع 15 .

ط – الله واهب القوة والحكمة والفهم لأولاده المقدسين فيه . للعلامة أوريجينوس تعليق جميل على العبارة : " صانع الأرض بقوته ، مؤسس المسكونة بحكمته ، وبفهمه بسط السموات " ع 12 .

يرى أن من بين سمات الله ثلاث : القوة والحكمة والفهم .

يهب القوة لجسدنا الترابى ( الأرض ) .

والحكمة لنفوسنا ( المسكونة التى يقطنها الثالوث القدوس ) .

والفهم لإنساننا الداخلى الذى على صورة آدم الثانى ( السموات ) .

ى – يهب الله نفوسنا أيضا من مياة الروح القدس ، إذ قيل " إذا أعطى قولا تكون كثرة مياة فى السموات " ع 13 ،

كأنه إذ يقيم ملكوته فى داخلنا يجعلنا سمواته التى تفيض بثمر الروح حتى على الآخرين



إن معرفة الله تقدم للنفس حكمة سماوية ، أما عدم التعرف عليه فيجعلها فى بلادة أو غباوة ، لذا يقول :

" بلد كل إنسان معرفته " ع 14 . يكاد كل الأنبياء يشيرون إلى هذه الخطية وهى عدم معرفة الشعب لله ( إش 1 : 3 ، هو 4 : 1 ، 6 ، ميخا 5 : 12 ، عا 3 : 12 ) . يقصد بالمعرفة هنا العلاقة الشخصية القوية والعميقة مع الله عقلانيا ، وعاطفيا ، وسلوكيا .

فى ختام مقارنته بين عبادة الله الحى وعبادة الأوثان يؤكد أن الله لا يغير على مجده كمن هو فى حاجة إلى من يتعبد له أو يمجده ، وإنما لأجلهم هم . فإن كانوا قد خانوه إنما خانوا أنفسهم ، لأنهم يحرمون أنفسهم من الله نصيبهم وأن يكونوا نصيبه ! إنهم فقدوا معرفة الله العملية فى حياتهم ففقدوا معرفتهم لأنفسهم كميراث الرب وجنوده . لهذا يوبخهم :

" ليس كهذه نصيب يعقوب، لانه مصور الجميع واسرائيل قضيب ميراثه، رب الجنود اسمه " ع 16 .



( 2 ) الخروج عن الأرضيات

يصور هذا القسم الهزيمة بواسطة العدو القادم بجيشه من الشمال كما لو حدث زلزال ( اضطراب ع 22 ) اهتزت له الأرض ، ويوضح تأثيره على الشعب ، والمفهوم اللاهوتى لهذه الهزيمة .

الرجوع إلى الله لا يكفى ترك الوثنية ، وإنما يتطلب انتزاع محبة الأرضيات من قلوبهم . الأرتباط بالأرض يحول الإنسان بكليته إلى أرض وتراب .

" اجمعى من الأرض حزمك أيتها الساكنة فى الحصار " ع 17 .

الإنسان الذى قبل بإرادته أن يكون أسيرا لمحبة العالم ، يخرج كما من العالم فى مذلة ، لا يحمل من كل ما اقتناه وتعبد له إلا القلة القليلة أو العدم ليخرج من العالم كأسير فى مذلة وعار !

" لانه هكذا قال الرب : هانذا رام من مقلاع سكان الارض هذه المرة ( فى هذا الوقت عينه ) ،

واضيق عليهم لكي يشعروا " ع 18 .

لقد انتهى وقت الإنذارات المتكررة ، وجاء وقت التأديب ، لهذا يلقى الله بشعبه فى السبى كمن يلقى بحجر من مقلاع ، كأنه بلا قيمة ، ويذهب بلا رجعة !

هذا هو حال كل نفس ترتبط بالأرض لا بخالقها ، يحملها الخالق كما بمقلاع ليلقى بها خارج الأرض التى أوجدها لأجلها ! من يتعبد للأرضيات عوض تقديم الشكر لواهبها يفقد حتى هذه الأرضيات !

تعاتب مملكة يهوذا المنهارة بنيها الذين حطموها وهربوا ، ورعاتها الذين صاروا فى بلادة ، قائلة :

" خيمتي خربت وكل اطنابي قطعت ،

بنيّ خرجوا عني وليسوا،

ليس من يبسط بعد خيمتي ويقيم شققي " ع 20 .

أخشى أن ينطبق علينا قول إرميا النبى ( ع 20 ) ، بعدما نصير فى الرب خيمة مقدسة نعود فنخربها ، ونقطع ربطها ، فيتحول البنون العاملون لحساب الخيمة إلى طاقات للهدم .


( 3 ) قبول تأديبات الرب



" عرفت يا رب انه ليس للانسان طريقه ،

ليس لانسان يمشي ان يهدي خطواته ،

ادبني يا رب ، ولكن بالحق لا بغضبك لئلا تفنيني " ع 23 ، 24 .

كان إرميا النبى مقتنعا بأن الشعب كان يمكنه – إن أراد – أن يصحح خطأه ، لكنه لم يرد ذلك ، فصار خطأه بلا علاج .

يليق بنا أن نؤمن أن ذاك الذى خلق العالم لأجلنا من حقه أن يوجهنا ، ويملك علينا ، لا ليتسلط علينا ، وإنما لكى يشكلنا ، فنحمل صورته ، ونصير على مثاله ، ونتأهل أن نكون أولادا له ، نرث ملكوته ونشترك فى أمجاده الأبدية .

إنه يحزن على الإنسان الذى يرفض أن يقبل الله ميراثا له ، ويقدم حياته نصيبا للرب ، إنما يطلب غير الله نصيبا . إنه يعاتبه ، قائلا : " ليس كهذه نصيب يعقوب ، لأنه مصور الجميع ، وإسرائيل قضيب ميراثه ، رب الجنود اسمه " ع 16 .

كأن الله يؤكد أنه حتى فى تأديباته لا يطلب ما لنفسه بل ما لبنيان شعبه ومجده .

هذا وتستحق كل الأمم غير المؤمنة العقوبة كما تستحق مملكة يهوذا أيضا ذات العقوبة لأنها :



أ – لا تعرف الرب ... عرفت مملكة يهوذا الرب بفكرها لا بحياتها .

ب – لم تدع باسمه ... صارت مملكة يهوذا أيضا تدعو الحجارة والخشب آلهة لها .

جـ - تأكل أولاده ويفنوهم ويخربوهم ، إذ ثارت مملكة يهوذا على رجال الله واضطهدتهم + + +
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Empty
مُساهمةموضوع: إرميا – الإصحاح الحادى عشر -العهد المكسور   تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Icon_minitimeالإثنين فبراير 19, 2007 9:42 pm



إرميا – الإصحاح الحادى عشر

العهد المكسور

فى الإصحاحات [ إرميا 11 – 20 ] تحتوى على منطوقات نبوية تكشف عن الرسالة الخاصة بهزيمة الجيش وما يلحق البلاد من دمار . غالبا نطق بها فى أيام الملك يهوياقين ( 605 – 598 ق . م . ) .

فى الإصحاحين 11 ، 12 يوضح الله سر غضبه على خطاياهم ألا وهو نقضهم للعهد معه . فهو يريد أن تكون معاملاته مع شعبه على مستوى الأب مع بنيه ، والعريس مع عروسه المحبوبة لديه ، الساكنة معه فى بيته ( ع 15 ) ، وليس كسيد آمر ناه .

يعتبر هذا الإصحاح مقدمة لهذا القسم ، فيه يعلن أن الله وشعبه قد التزما بعهد ، فيه يقدم الله نفسه إلها لهم ، يحميهم ويغنيهم ، لكن ليس بدون التزام من جانبهم .



( 1 ) كسر العهد الإلهى

إذ قارن فى الإصحاح السابق بين عبادة الله الحى والعبادة الوثنية عاد بذاكرتهم إلى العهد الإلهى الذى قطعه الرب مع شعبه ، حين دخل موسى فى شركة مع الله لمدة أربعين يوما ، وقد التحف بسحابة القداسة السماوية وهو على قمة جبل سيناء .

الآن بعد أن تمت المواعيد الإلهية ، وعاش الشعب فى أرض الموعد زمانا هذه مدته ، صدر عليهم الحكم الإلهى بتأديبهم ، وطردهم من الأرض ليعيشوا تحت السبى فى مذلة وعار ، لأنهم فضلوا عنه عبادة البعل . لقد أعطاهم فرصا كثيرة لعلهم يتوبون فلا يستوجبون السقوط تحت التأديب . أما وقد أصروا على عدم التوبة فحتما يؤدبون ، وإن صرخوا لا يسمع لهم ، لأن صراخهم غير صادر عن شعور بالخطأ ، ولا لطلب التوبة ، وإنما لمجرد إنقاذهم من التأديب . لقد أرضوا ضمائرهم وبطونهم بتقديم ذبائح لله ، لا للمصالحة معه وتجديد العهد معه ، ولا لإعلان حبهم له .

بعد قرون طويلة تكرر الأمر فى كنيسة كورنثوس حينما أساء الشعب استخدام الإفخارستيا وما يليها من وجبات الأغابى ، إذ قيل : " فحين تجتمعون معا ليس هو لأكل عشاء الرب ، لأن كل واحد يسبق فيأخذ عشاء نفسه فى الأكل ، فالواحد يجوع والآخر يسكر ، أفليس لكم بيوت لتأكلوا فيها وتشربوا ؟! أم تستهينون بكنيسة الله وتخجلون الذين ليس لهم ؟! 1 كو 11 : 20 – 22 .

" الكلام الذي صار الى ارميا النبي من قبل الرب قائلا :

اسمعوا كلام هذا العهد :

وكلموا رجال يهوذا وسكان اورشليم " ع 1 ، 2 .

يرى البعض أن النبى يشير هنا إلى الملك يوشيا والشيوخ الذين أكدوا ولاءهم للعهد المقام بين الله وشعبه على جبل حوريب بسيناء ، العهد الذى سجل فى درج ( كتاب ) ، ووجد فى الهيكل أثناء الإصلاح ، وقد ارتبطوا به وتعهدوا أن يتمموا كلماته المكتوبة ( 2 مل 23 : 3 ) . فالحديث هنا موجه إلى مندوبين من قبل الملك .

ما المقصود بـ " الكلام " هنا إلا " الكلمة " الذى كان عند الله منذ البدء ؟ - التى قال عنها يوحنا الإنجيلى : " فى البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله " .

رجال يهوذا هم نحن ، لأننا مسيحيون ، وجاء المسيح من سبط يهوذا . إذا كنت قد أوضحت من خلال الكتاب المقدس أن كلمة يهوذا يقصد بها السيد المسيح ، فإن رجال يهوذا فى هذه الحالة لن يكونوا اليهود الذين لا يؤمنون بالسيد المسيح ، وإنما نحن كلنا الذين نؤمن به .

يخاطب الكلمة " رجال يهوذا " و " سكان أورشليم " .

يتعلق الأمر هنا بالكنيسة ، لأن الكنيسة هى مدينة الله ، ومدينة السلام ، وفيها يتراءى ويعظم سلام الله المعطى لنا ، إذا كنا نحن أيضا أبناء سلام .

" اسمعوا كلام هذا العهد :

وكلموا رجال يهوذا وسكان اورشليم ، فتقول لهم هكذا قال الرب اله اسرائيل.

ملعون الانسان الذي لا يسمع كلام هذا العهد الذي أمرت به آباءكم "

من الذى يسمع أفضل لكلام العهد الذى أمر الله به الآباء ؟ هل الذين يؤمنون به ، أم الذين – بحسب الأدلة الموجودة عندنا – لا يؤمنون حتى بموسى حيث أنهم لم يؤمنوا بالرب ؟ يقول لهم المخلص : " لو كنتم آمنتم بموسى لآمنتم بى أنا أيضا ، لأنه تكلم عنى فى كتبه ، ولكن إن كنتم لا تؤمنون بكتاباته ، فكيف تؤمنون بكلامى ؟ " إذا لم يؤمن هؤلاء الناس بموسى ، أما نحن ، فبإيماننا بالسيد المسيح ، نؤمن أيضا بالعهد الذى " أقيم بواسطة موسى ، أى " العهد الذى أمرت به آباءكم " .

" ملعون الإنسان الذى لا يسمع كلام هذا العهد " ع 3 .

هزيمة الشعب ( أو إنهيار أورشليم ) لا تعنى أن الله قد نقض العهد ، وإنما هى إعلان إلهى عن عدم وفاء الشعب بشروط العهد ، فسقطوا تحت اللعنة .

إن كانوا قد سقطوا فى اللعنة بسبب عدم الطاعة للعهد ، فإن العيب ليس فى الناموس بل فى عدم ختان آذانهم ، أما العهد فليس ثقيلا ، والوصية ليست مستحيلة ، العهد ممكن وعذب ، يحمل الملامح التالية :


أولا : عهد حرية



يقول : " يوم أخرجتهم من أرض مصر " ع 4 . أخرجتهم من العبودية ليعيدوا بفرح وبهجة قلب ( خر 5 : 1 ) . هو عهد خروج إلى حياة الحرية والفرح ، فلماذا يكسرونه ؟

ثانيا : عهد راحة

غاية هذا العهد أن يخرجهم كما من كور مصر ، من وسط النيران ليدخل بهم إلى ندى راحته . عتقهم من المسخرين العنفاء ، لا ليعيشوا فى رخاوة بلا عمل ، إنما لينالوا بركة العمل . بمعنى آخر خرجوا من كور المسخرين ليقبلوا العمل لحساب الله حسب إرادته ، لا كثقل يلتزمون به كرها ، بل بركة من قبل الله . إذ يقول : " واعملوا به حسب كل ما آمرتكم به " ع 4 ... يستبدل عمل السخرة المر بالعمل لحساب الله الممتع !

" يقول كلام هذا العهد الذى أمرت به آباءكم يوم أخرجتهم من أرض مصر من كور الحديد ، قائلا : اسمعوا صوتى " ع 4 ، 5 .

كور الحديد هى فرن ترتفع فيها الحرارة جدا لصهر الحديد ، الأمر الذى لا تحتاج إليه كثير من المعادن .

استخدم حزقيال النبى ذات التشبيه قائلا : " من حيث أنكم كلكم صرتم زغلا ، فلذلك هأنذا أجمعكم فى وسط أورشليم ؛ جمع فضة ونحاس وحديد ورصاص وقصدير إلى وسط كور لنفخ النار عليها لسكبها كذلك أجمعكم بغضبى وسخطى وأطرحكم واسبككم ، فأجمعكم وانفخ عليكم فى نار غضبى فتسبكون فى وسطها " حز 22 : 19 – 21 .

يشبه خروجهم من مصر كمن يخرج من النار ، من كور الحديد ، لا ليعيرهم بأنه خلصهم من النار ، وإنما بعد إخراجهم يطلب الدخول معهم فى العهد . كأن الله لا يستغل ضيقتهم ليأمر وينهى ، وإنما ليدخل معهم خلال الحوار الودى فى عهد أبوى مملوء حبا . فى هذا العهد يقدم نفسه إلها منسوبا لأولاده :

" فتكونوا لى شعبا ، وأنا أكون لهم إلها " ع 4 .


ثالثا : عهد يلتزم به الله بقسم



لم يأت هذا العهد مصادفة ، ولا يمثل أمرا ثانويا ، لكنه موضوع يهم الله نفسه ، فيقيم نفسه شاهدا على العهد بقسم . لم يقم خليقة سماوية أو أرضية للشهادة ، ولا ائتمنهم على ذلك ، بل أقسم بذاته أن يحقق وعوده ، قائلا :

" لأقيم الحلف الذى حلفت لآبائكم .... " ع 5 ، ليبث فيهم روح الثقة أنه يحقق لهم وعوده الصادقة والأمينة .


رابعا : عهد مبادرة بالحب



يقول : " مبكرا " ع 7 ، وكأن الله هو المبادر بالحب ، وهو الذى يبكر لتوقيع الميثاق ، إنه لا يتأخر فى تحقيق مواعيده . إن يتأخر فلأجل إعطائنا فرصة لرجوعنا إلى نفوسنا ، ومراجعتنا لحساباتنا . وعودتنا إليه حتى لا نهلك .

أمام هذا العهد الإلهى العجيب المملوء حبا وحنوا انحنى إرميا برأسه ، بل وبكل كيانه ليردد مع آبائه " آمين يارب " ع 5 . هذا ما نطق به الشعب حين سمع بركات الطاعة للوصية وقبول العهد ، ولعنات العصيان وكسر العهد ( تث 27 ) فى خضوع انحنى إرميا ليقبل من يد الله تأديباته لشعبه حتى إن بدت قاسية .

" فاجبت وقلت : آمين يارب " ع 5 .

لا نعجب إن رأينا الكنيسة المنتصرة قد اقتنت نفس الروح ، هذه التى تدربت على دروس الحب ، بل اقتنت فى داخلها مسيحها كلى الحب ، فإنه إذ دان الله الزانية العظيمة التى أفسدت الأرض بزناها وانتقم لدم عبيده من يدها ودخانها يصعد إلى أبد الآبدين ، صرخت قائلة : " آمين هلليلويا " رؤ 9 : 1 – 3 .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Empty
مُساهمةموضوع: يتبع....إرميا – الإصحاح الحادى عشر -العهد المكسور   تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Icon_minitimeالإثنين فبراير 19, 2007 9:45 pm

ما معنى كلمة آمين يارب ؟ أى : " آمين يارب أن الذى لا يسمع كلام هذا العهد يصير ملعونا " .

" فقال الرب لي.ناد بكل هذا الكلام في مدن يهوذا وفي شوارع اورشليم قائلا.اسمعوا كلام هذا العهد واعملوا به " ع 6

إننا ننادى بكلام الرب حتى للذين هم فى الخارج لندعوهم إلى الخلاص .

" لاني اشهدت على آبائكم اشهادا يوم اصعدتهم من ارض مصر الى هذا اليوم مبكرا ومشهدا قائلا :

اسمعوا صوتي.

فلم يسمعوا ولم يميلوا اذنهم ، بل سلكوا كل واحد في عناد قلبه الشرير.

فجلبت عليهم كل كلام هذا العهد الذي أمرتهم ان يصنعوه ولم يصنعوه " ع 7 ، 8 .

يعود بذاكرتهم إلى بدء لٌقامة العهد ، حيث خانه الشعب منذ اللحظات الأولى ، حين نزل موسى من الجبل يحمل معه لوحى العهد اللذين كتبهما الله بأصبعه . عوض السحابة المقدسة السماوية التى عاش فيها موسى أربعين يوما نزل إلى جو فاسد حيث وجد الشعب يتعبد للعجل الذهبى ، يسجدون له ويذبحون ( خر 23 : 7 ، 8 ) . أرتجفت يداه " وطرح اللوحين من يديه وكسرهما فى أسفل الجبل " ( خر 32 : 19 ) . هكذا أعلن موسى النبى عن خيانتهم للعهد منذ اللحظات الأولى ، وها هو إرميا يشهد على أبنائهم أنهم سلكوا طريق آبائهم : خيانة العهد .

" وقال الرب لي : توجد فتنة بين رجال يهوذا وسكان اورشليم.

قد رجعوا الى آثام آبائهم الاولين الذين ابوا ان يسمعوا كلامي ،

وقد ذهبوا وراء آلهة اخرى ليعبدوها ،

قد نقض بيت اسرائيل وبيت يهوذا عهدي الذي قطعته مع آبائهم.

لذلك هكذا قال الرب.هانذا جالب عليهم شرا لا يستطيعون ان يخرجوا منه ويصرخون اليّ فلا اسمع لهم " ع 9 – 11 .

مع عجزهم عن الهروب من الضيقة التى سقطوا فيها صرخوا لله لا للرجوع إليه بالتوبة ، وإنما لمجرد مساندتهم .. تركهم يلجأون إلى الآلهة الغريبة ليدركوا عجزها ، لهذا لم يسمع لهم ، ولا سمح لإرميا النبى أن يشفع فيهم .

" وانت فلا تصل لاجل هذا الشعب ولا ترفع لاجلهم دعاء ولا صلاة لاني لا اسمع في وقت صراخهم اليّ من قبل بليتهم " ع 14 .

سبق فطلب منه ألا يصلى لأجلهم ولا يلح عليه ( إر 7 : 16 ) . وقد رأينا أن الله يسر بأن يرى قلب إرميا متسعا بالحب ، وألا يكف عن الصلاة بلجاجة من أجل شعب الله . لكنه يريد تأكيد أن الأمر قد صدر بتأديبهم ، وهو لخيرهم وخلاصهم ، فلا يطلب النبى رفع التأديب عنهم .


( 2 ) ما لحبيبتى فى بيتى ؟



رفض الأستماع للشعب كما للنبى فى أمر ما لا يعنى رفضه لشعبه ، فهم بالنسبة له " المحبوبة " التى يريدها أن تقيم فى بيته ، لا أن تدنسه وتخربه . فى وسط هذا المر يعاتبها مذكرا إياها بمركزها الذى نالته خلال العهد الذى تحطمه بإرادتها ، قائلا لها :

" ما لحبيبتي في بيتي ؟

قد عملت فظائع كثيرة ،

واللحم المقدس قد عبر عنك.

اذا صنعت الشر حينئذ تبتهجين " ع 15 .

إن كنت تعتزين بالهيكل المقدس أنه فى أورشليم ، فإنك وأنت المحبوبة لى قد عملت فظائع كثيرة ، من ٌقامة مذابح للأوثان وأصنام ، وممارسة الرجاسات ، وتقديم الأطفال محرقات للأوثان . هذا من جانب ، ومن جانب آخر عوض تقديم الذبائح قدمتى لحما . إذ يقصد باللحم المقدس الذبائح التى تقدم فى الهيكل ، فإنها ليست فى عينيه ذبائح للمصالحة أو محرقات حب ، بل هى لحم للأكل ، كما سبق فقال : " ضموا محرقاتكم إلى ذبائحكم وكلوا لحما " إر 7 : 21 . وعوض التوبة عن هذه الشرور تبتهجين وتفتخرين بالشر !

يكمل عتابه لمحبوبته ، قائلا :

" زيتونة خضراء ذات ثمر جميل الصورة دعا الرب اسمك.

بصوت ضجة عظيمة اوقد نارا عليها فانكسرت اغصانها ،

ورب الجنود غارسك قد تكلم عليك شرا من اجل شر بيت اسرائيل وبيت يهوذا الذي صنعوه ضد انفسهم ليغيظوني بتبخيرهم للبعل " ع 16 ، 17 .

الضجة العظيمة هنا هى ضجة الجيوش المعادية المجتازة البلاد . إنه فى مرارة يؤدبها كما بنار .

كان تشبيه الشعب بزيتونة خضراء جميلة غرسها الله بنفسه مألوفا ، حيث كان شجر الزيتون مغروسا فى دائرة الهيكل . مصدر هذا التشبيه هو مزمور 52 : 10 ، وقد اقتبسه الرسول بولس فى رو 9 .

هذه التى غرسها الرب تحترق بنار لأنها اعتزلته ورفضت عمله فيها . وأرتكبت الشرور بعبادة البعل لإغاظة الرب .


( 3 ) اعترافات إرميا



يدعو البعض هذه المراثى الشخصية لإرميا ( 11 : 18 – 12 : 6 ) " اعترافات إرميا " وإن كان البعض يراها " شكاوى إرميا " .

ينفرد إرميا النبى بين الأنبياء فى حفظه مجموعة من الصلوات تقدم نظرة غير عادية عن حياة النبى الداخلية ، كما لم يقدم أى سفر نبوى مجموعة من الشكاوى مثل هذا السفر . حقا لقد عانى الأنبياء من الشعب ، لكنهم لم يقدموا تفاصيل مثل إرميا .

يرى بعض الدارسين أن اعترافات إرميا بصيغة الفرد نطق بها باسم الشعب كله ، تعبر عن مرارة نفوسهم وسط الآلام ، إذ كانوا يستخدمونها فى العبادة الجماعية .

ويبدا إرميا النبى اعترافاته ، قائلا :

" والرب عرفنى فعرفت .

حينئذ أريتنى أفعالهم " ع 18 .

كشف له الرب عن المؤامرة التى دبروها لهلاكه ، كشفها له ذاك الذى سبق فأكد له وهو بعد ولد : " لا تخف من وجوههم لأنى أنا معك لأنقذك يقول الرب " 1 : 8 .

الله هو الفاحص القلوب والكلى ( ع 20 ) ، كأنه يقول إن كانوا فى خداع قد خططوا سرا لقتلى ، لكن فى الواقع الأمر خدعوا أنفسهم لأنهم لم يدركوا أن الله فضح خطتهم لى ، وما فعلوه ليس لهلاكى بل لهلاكهم .

لم يعرف إرميا أعمالهم فقط ، وإنما ما هو أعظم عرف مركزه الجديد ، أنه صار رمزا لحمل الله الذى يساق للذبح من أجل خلاص الغير ، فيترنم قائلا :

" وانا كخروف داجن يساق الى الذبح ،

ولم اعلم انهم فكروا عليّ افكارا ،

قائلين لنهلك الشجرة بثمرها ،

ونقطعه من ارض الاحياء فلا يذكر بعد اسمه " ع 19 .

كلمة " خروف " فى العبرية هنا استخدمت 116 مرة فى العهد القديم ، كلها فيما عدا خمس حالات استخدمت كذبيحة ، لذلك ترجم البعض كلمة " يساق إلى الذبح " أو " يساق كذبيحة " مع أن الكلمة العبرية تعنى الذبح العادى .

حسبوه حملا وديعا ، يقتلوه فلا يذكر بعد اسمه ، ولم يدركوا أنه رمز للسيد المسيح الذى بقتله يملك على القلوب ، ويمزق بصليبه الصك الذى كان علينا ويجرد الرياسات والسلاطين ويشهرهم جهارا ظافرا بهم فى صليبه ( كو 2 : 15 ) . صار رمزا للسيد المسيح الذى قيل عنه : " والرب وضع عليه إثم جميعنا ، ....... " إش 53 : 6 – 8

" ... ونقطعه من أرض الأحياء ، فلا يذكر بعد اسمه " ع 19 .

ظنوا أن بقتله يقطعونه ( السيد المسيح ) من أرض الأحياء ، فينساه العالم ، ولا يذكر اسمه بعد ، ولم يدركوا أنه القيامة واهب الحياة ، وأن بفعلهم هذا حول السيد أرضنا – وادى الموت – إلى أرض الأحياء .

رفع إرميا قلبه نحو الله ، قائلا :

" فيا رب الجنود القاضي العدل فاحص الكلى والقلب ،

دعني ارى انتقامك منهم ،

لاني لك كشفت دعواي " ع 20 .

يدعو الله " فاحص الكلى والقلوب " ع 20 ، أى يعرف شخصية الإنسان فى أعماقها ( الكلى ) ومشاعره ( القلب ) .

" لذلك هكذا قال الرب عن اهل عناثوث الذين يطلبون نفسك قائلين ،

لا تتنبأ باسم الرب فلا تموت بيدنا.

لذلك هكذا قال رب الجنود :

هانذا اعاقبهم.يموت الشبان بالسيف ويموت بنوهم وبناتهم بالجوع.

ولا تكون لهم بقية ،

لاني اجلب شرا على اهل عناثوث سنة عقابهم " ع 21 – 23 .

يحاول الأشرار منع أولاد الله من الشهادة للحق ، " قائلين : لا تتنبأ باسم الرب فلا تموت بيننا " ع 21 . وكما حدث مع القديسين بطرس ويوحنا إذ " دعوهما وأوصوهما أن لا ينطقا البتة ولا يعلما باسم يسوع ، فأجابهم بطرس ويوحنا وقالا : إن كان حقا أمام الله أن نسمع لكم أكثر من الله فأحكموا ، لأننا نحن لا يمكننا أن لا نتكلم بما رأينا وسمعنا " أع 4 : 18 – 20 ، هكذا حاول أقرباؤه – أهل عناثوث – منعه من الشهادة للحق ، وقد أصروا على قتله ، فإذا بهم يفقدون بنوهم وبناتهم بالسيف كما بالجوع !

+ + +
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Empty
مُساهمةموضوع: إرميا – الإصحاح الثانى عشر -أعداء فى الداخل   تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Icon_minitimeالإثنين فبراير 19, 2007 9:46 pm



إرميا – الإصحاح الثانى عشر

أعداء فى الداخل

كانت جدران قلب إرميا توجعه من أجل شعبه الذى خان العهد الإلهى ، وطلب قتل إرميا نفسه حتى لا يسمعوا لصوت الله . كان يشتاق أن يرجعوا إلى الله بالتوبة فيخلصوا مما سيحل بهم ، لكنهم عوض الإستماع إليه قاومه حتى أهل بيته .


(1 ) لماذا تنجح طريق الأشرار ؟



" أبر انت يا رب من ان اخاصمك.

لكن اكلمك من جهة احكامك.

لماذا تنجح طريق الاشرار؟

اطمأن كل الغادرين غدرا.

غرستهم فاصّلوا ،

نموا واثمروا ثمرا " ع 1 ، 2 .

تشبه هذه الكلمات ما ورد فى المزمور 37 ، حيث تعجب داود النبى كيف ينجح الإنسان الشرير فى طريقه ، لكنه عاد فاكتشف أنه كعشب يظهر قليلا ثم يجف ، أما البار كالشجرة يبدو جافا فى الشتاء لكن يحل الربيع ويظهر الثمر المتكاثر ، إذ يقول :

" لا تغر من فاعلى الشر ... فإنهم مثل العشب سريعا يجفون ، ومثل بقول الخضرة عاجلا يسقطون " مز 37 : 1 ، 2 .

بينما يطمئن الغادرون ويظنون أنهم ناجحون ومثمرون ونامون بقدرتهم وحكمتهم وتخطيطهم البشرى ، إذا بالنبى يؤكد سلطان الله حتى على هؤلاء الغادرين ، فإنه ما كان يمكنهم أن ينالوا هذا النجاح المؤقت إلا بسماح إلهى ، إذ يقول :

" غرستهم فاصّلوا ،

نموا واثمروا ثمرا " ع 2 .

مقابل هؤلاء المرائين الذين ينطقون بغير ما يبطنون يقدم النبى نفسه كإنسان ينطق بما يبطن ، ويحمل فى مظهره ما فى أعماقه ، وأن الله نفسه الفاحص الكلى والقلوب يشهد بذلك ، إذ يقول : " وانت يا رب عرفتني رأيتني واختبرت قلبي من جهتك " ع 3 .

إذ عاش إرميا مع الله بروح الإخلاص بعيدا عن الرياء استحق أن يكون موضوع معرفة الله ورؤيته . بمعنى آخر يتمتع إرميا بأن يعرفه الله معرفة المحبوب لديه والصديق الملاصق له ، وأن ينعم بنظرات حبه واهبة السلام .

إذ كان إرميا النبى نقيا فى أعماقه ، مخلصا فى تصرفاته ، ما يتكلم به بلسانه يكشف عما فى أعماقه ، لذا كان نقيا حتى فى غضبه . إن غضب يشهد للحق الإلهى ويطلب توبة الساقطين ونموهم روحيا ، كيف يكون ذلك وهو يقول :

" افرزهم كغنم للذبح ،

وخصصهم ليوم القتل " ع 3 .

فى شرهم طلبوا قتله ، فصار كخروف داجن يساق إلى الذبح 11 : 8 .

صار ذبيحة حب لأجل الله ولأجل إخوته ، فتحول شرهم إلى خير ، وها هو يطلب لهم أن يفرزوا للذبح .

ربما يتساءل البعض : لماذا يطلب النبى إرميا ذلك لشعبه ؟ .

تكشف كلمة الله عن الضعف البشرى ، فمع ما حمله النبى من حب إلا أنه فى لحظات ضعفه لم يحتمل الضغط المستمر ومقاومة الشعب له على مستوى القيادات الدينية ، كما على مستوى رجل الشارع ، بل حتى أسرته وأهل قريته خططوا للخلاص منه . إنه إنسان له ضعفاته ، أما ربنا يسوع الذى غفر لصالبيه فى أمر لحظات الألم ، فوهب مؤمنيه إمكانية الحب للأعداء والصلاة للمسيئين إليهم كما فعل اسطفانوس .

أصيب النبى بحالة إحباط بسبب طول أناة الله على الأشرار :

" حتى متى تنوح الارض وييبس عشب كل الحقل ،

من شر الساكنين فيها فنيت البهائم والطيور ،

لانهم قالوا لا يرى آخرتنا " ع 4 .

لم يكن يتعجل التأديب لينتقم لنفسه ، إنما لأنه رأى الأرض نائحة ، وعشب كل الحقل قد يبس ، والبهائم والطيور فنت . بمعنى آخر إذ يتحول الجسد ( الأرض ) من اللذة بالخطية إلى فقدان الراحة والدخول إلى حالة غم شديدة ، ويفقد الإنسان كل ثمر روحى حتى وإن كان كعشب صغير ، وتهلك طاقاته الجسدية ( البهائم ) والروحية ( الطيور ) ... يصير فى حاجة إلى تأديب إلهى يرده إلى صوابه ويحثه على التوبة .


( 2 ) كبرياء الأردن



" ان جريت مع المشاة فاتعبوك فكيف تباري الخيل ؟!

وان كنت منبطحا في ارض السلام فكيف تعمل في كبرياء الاردن ؟!

لان اخوتك انفسهم وبيت ابيك قد غادروك هم ايضا.

هم ايضا نادوا وراءك بصوت عال ،

لا تأتمنهم إذا كلموك بالخير " ع 5 ، 6 .

يرى البعض أن العبارات السابقة هى إجابة الله لإرميا النبى على تساؤله :

" لماذا تنجح طريق الأشرار ؟ " .

كأن الله يعاتب إرميا النبى قائلا له : لماذا ضعفت أمام مقاومة الأشرار ؟

لقد دخلت المعركة المقدسة بقلب نقى ، لكنها فوق إدراكك ، لا تعرف أبعادها . انتظر لترى دورى ، ولا تتعجل النتائج فى حياتك ، وفى حياة الشعب الذى تراه الآن شريرا ومقاوما لك ولى . أنت الآن فى أرض السلام نسبيا ، إننى أسندك حينما تدخل فى الأحزان الشديدة التى تجتاح الأرض ككبرياء الأردن .


( 3 ) تدمير ميراث الله



فى هذا الإصحاح والإصحاح التالى توجد سبع مجموعات من النبوات ، ست منها عن إنهيار أورشليم ، وواحدة ( 11 : 14 – 17 ) عن جيران يهوذا ، قيلت غالبا فى أيام يهوياقيم ( 609 – 598 ق.م. ) .

جاءت النبوة الأولى تركز على إسرائيل بكونه الميراث الخاص لله ، فمنذ البداية قيل :

" إن قسم الرب هو شعبه ، يعقوب حبل نصيبه " تث 32 : 9 .

قدم الله لهم أرضه – أرض الموعد – نصيبا ، وقبلهم هم نصيبا له . لكنهم أفسدوا أرضه فصاروا مستحقين الطرد منها ، وفقدوا سمتهم كميراث للرب . هكذا ربط بين الشعب والأرض إذ يقول :

" قد تركت بيتي ، رفضت ميراثي ،

دفعت حبيبة نفسي ( نفسى الحبيبة ) ليد اعدائها.

..... رعاة كثيرون افسدوا كرمي .... خربت كل الارض " ع 7 ، 11 .

[ يرى العلامة أوريجينوس أن المتحدث هنا هو الكلمة المتجسد الذى نزل إلى أرضنا ليدفع حياته فى يد الأعداء ذبيحة لخلاصنا ، إذ يقول : " قد تركت بيتى .... " إر 12 : 7 . لاحظ إذا أن ذاك الذى هو فى " صورة الله " فيلبى 2 : 6 جالس فى السموات ، وانظر إلى بيته الذى يفوق السموات ، لو أردت أن ترى أيضا ما هو أعظم وأعلى من ذلك ، فإن بيته هو الله " لأنى فى الآب " يو 14 : 11 .

" لقد ترك أباه وأمه " مت 19 : 5 ، وترك أورشليم السمائية وجاء إلى الأرض ، قائلا : " قد تركت بيتى .. رفضت ميراثى " .

كان ميراثه فى الواقع فى الأماكن التى توجد فيها الملائكة والصفوف التى توجد فيها القوات المقدسة ] .



لقد قدم توضيحات كثيرة يكشف بها الله لإرميا أنه هو موضوع الإضطهاد وليس أرميا :

أ – الأسد الذى يزأر فى البرية لا ليجد فريسة وإنما ليخون إلهه :

" صار لى ميراث كأسد فى الوعر ،

نطق على بصوته ،

من أجل ذلك أبغضته " ع 8 .

كثيرا ما يشبه الله بالأسد الذى يدافع عن شعبه ( عا 1 : 2 ) ، ودعى السيد المسيح :

" الأسد الذى من سبط يهوذا " ( رؤ 5 : 5 ) ،

وقيل عنه وهو على الصليب : " ربض كأسد " تك 49 : 9 . يتقدم المعركة كأسد قادر على تحطيم عدو الخير الذى يجول كأسد زائر ليبتلعهم فريسة سهلة ( 1 بط 5 : 8 ) . ويود الله أن يقيم من كل مؤمن أسدا لا يخشى عدو الخير ، بل يحمل روح إلهه ، روح القوة . أما أن يسىء استخدام طاقاته ومواهبه فيوجهها ضد الله ، عندئذ يحسب كأسد يزأر ضد من وهبه القوة ، ضد خالقه ومخلصه ، فيلقى بنفسه فى دائرة غضب الله . هذا ما عبر عنه بقوله : " من أجل ذلك أبغضته " ع 8 .

ب – ضبعة نهمة على فريستها ، إذ يقول : " جارحة ضبع ميراثى لى " ع 9 . هجموا على ميراثى وافترسوه ! حسبوه جثة ميتة ! .

ج – طيور جارحة تجتمع حول الفريسة معا كما فى عيد مفرح !

" الجوارح حواليه عليه .

هلم أجمعوا كل حيوان الحقل ،

إيتوا بها للأكل " ع 9 .

فى التشبيهات الثلاثة يبرز الله كيف تحول شعبه الذى يدعوه " حبيبة نفسه " إلى طبيعة مفترسة نهمة تتهلل بالشراسة والأفتراس ، تحتقر ميراثه وتحسبه جثة ميتة لا تستحق إلا الأكل ! ما أبشع جحود الإنسان لله خالقه ومخلصه ، ولعطاياه الفائقة ! .

" زرعوا حنطة ، وحصدوا شوكا ،

أعيوا ولم ينتفعوا ،

بل خزوا من غلاتكم من حمو غضب الرب " ع 13 .

زرعوا حنطة ، لأن معهم شريعة الرب ، كلمة الله الحية ، لكنهم حصدوا شوكا لأنهم لم يقدموها بالمفهوم الروحى ، ولا عاشوا فيها ، بل تمسكوا بالحرف ، فعوض الحنطة حصدوا شوكا .

+ + +
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Empty
مُساهمةموضوع: إرميا – الإصحاح الثالث عشر -مثلا المنطقة والزق الممتلىء خمرا   تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Icon_minitimeالإثنين فبراير 19, 2007 9:48 pm



إرميا – الإصحاح الثالث عشر

مثلا المنطقة والزق الممتلىء خمرا

طلب الله من إرميا النبى أن يمارس عملا ما كوسيلة إيضاح يقدم بها درسا للشعب كما لإرميا نفسه ، كما قدم له مثلا كان شائعا وسط اليهود ، من خلالهما يرد الله على تساؤل إرميا السابق : لماذا تنجح طريق الأشرار ؟ ( 12 : 1 ) ، وفى نفس الوقت يوضح أن ما سيحل بالشعب من تأديب علته شرورهم ، خاصة الكبرياء ، مؤكدا المبدأ الكتابى :

" قبل الكسر الكبرياء " .

استخدام العمل الرمزى لم يكن بالأمر الغريب بالنسبة لإرميا ، وقد اعتاد الشعب فى العهد القديم أن يسمع صوت الله خلال أعمال رمزية .

وجد إرميا متاعب وهو يجارى المشاة ، الان ها هو يبارى الخيل ( 5 : 12 ) ، يقف أمام الملك والملكة ويعلن مرثاة الرب عليهما ، متحدثا عن فقدان مملكة يهوذا مجدها .



( 1 ) منطقة من كتان

" هكذا قال الرب لي :

اذهب واشتر لنفسك منطقة من كتان وضعها على حقويك ،

ولا تدخلها في الماء.

فاشتريت المنطقة كقول الرب ووضعتها على حقوي.

فصار كلام الرب اليّ ثانية قائلا :

خذ المنطقة التي اشتريتها التي هي على حقويك ،

وقم انطلق الى الفرات واطمرها هناك في شق صخر.

فانطلقت وطمرتها عند الفرات.كما امرني الرب.

وكان بعد ايام كثيرة ان الرب قال لي :

قم انطلق الى الفرات وخذ من هناك المنطقة التي امرتك ان تطمرها هناك.

فانطلقت الى الفرات وحفرت واخذت المنطقة من الموضع الذي طمرتها فيه.

واذا بالمنطقة قد فسدت لا تصلح لشيء.

فصار كلام الرب اليّ قائلا :

هكذا قال الرب.هكذا افسد كبرياء يهوذا وكبرياء اورشليم العظيمة " ع 1 – 9 .

كيف أمكن للنبى أن يسافر من أورشليم أو عناثوث إلى نهر الفرات بالعراق ذهابا وغيابا مرتين حيث تبلغ المسافة بينهما حوالى 350 ميلا فى الشمال الشرقى من عناثوث ، أى تقطع الرحلتين معا حوالى 1400 ميلا ؟ خاصة وأنه لا توجد هناك صخور يخفى فيها المنطقة ، إنما يلزمه أن ينطلق إلى شمال كركميش ليجد صخورا .

يرى البعض أن كلمة هنا ربما يقصد بها ينبوعا فى وادى فرح يدعى " عين فرح " يبعد حوالى أربع كيلومترات شمال شرقى عناثوث ( يش 8 : 23 ) ، فإن نطق كلمة " فرح " والفرات متشابه . وحسب آخرون أن الحديث هنا رمزى لم يمارس عمليا ، أو أنه مجرد رؤيا .

يلاحظ فى هذا المثل الآتى :

أولا : يشبه الله شعبه بمنطقة جديدة مشتراه يلصقها النبى على حقويه دون أن يمسها ماء . وكما يقول الله نفسه :

" لانه كما تلتصق المنطقة بحقوي الانسان هكذا الصقت بنفسي كل بيت اسرائيل وكل بيت يهوذا يقول الرب ليكونوا لي شعبا واسما وفخرا ومجدا ولكنهم لم يسمعوا " ع 11 .

هكذا يقتنى الله لنفسه الكنيسة – إسرائيل الجديد – لتكون منطقة ملتصقة به أو ثوبه الذى يرتديه . هذا الثوب الذى صار أبيضا كالنور فى لحظات تجلى رب المجد ( مت 17 : 2 ) ، لأن بداخله شمس البر !

مسيحنا يود أن يسكن فينا كثوب له ، فينيرنا ويقدسنا ، نشهد لبهائه ومجده وقداسته !

ثانيا : يقول العلامة أوريجينوس :

[ حينما يضع النبى المنطقة على حقويه يمثل الله الذى يحمل شعبه ،، ( حزقيال 1 : 27 ) ] .

ثالثا : طلب الله من إرميا أن يشترى لنفسه منطقة جديدة من الكتان ، وأن ينطلق بها إلى الفرات ويطمرها .

ماذا كانت مشاعر إرميا حين وجدها قد فسدت ؟! بلا شك كانت نفسه مرة ، اشتراها بفضته ، وألصقها بحقويه إلى لحظات ، وتكلف مشقة السفر إلى الفرات أكثر من مرة . وأخيرا وجدها فاسدة لا تصلح لشىء ! إنها ثمينة فى عينيه ! فكم بالأكثر تكون النفس ثمينة فى عينى الله الذى اقتناها لنفسه بعد أن خلقها واوجد كل العالم لأجلها ، ولأجل خلاصها أرسل الناموس والأنبياء وأخيرا تجسد الكلمة الإلهى وقدم دمه الثمين ثمنا لتجديدها وخلاصها ؟! أدرك إرميا أنه ما كان ينبغى عليه أن يتساءل حتى فى داخل نفسه : لماذا تنجح طريق الأشرار ؟! إنها نفوس ثمينة هلكت ، يترقب الله خلاصها بكل وسيلة .

رابعا : إن كان الله قد جعل شعبه كمنطقة تلتصق به ، فإن المنطقة تضم بقية الملابس معا حول حقوى الشخص . وكأن الله يريد من أولاده الذين يلتصقون به أن يضموا الآخرين معا فى الرب . غاية الله من اختيار شعبه أن يجتذبوا كل الأمم ليصيروا ثيابا ملتصقة بالرب .

خامسا : طمر المنطقة الجديدة فى التراب يكشف عن افساد إمكانياتنا ومواهبنا بطمرها ، أى عدم استخدامها لحساب ملكوت الله .

اخفاء المنطقة فى صخرة يشير إلى حالة الرعب التى حلت بيهوذا ، فعوض الأشتياق نحو الألتقاء به كمخلص وعريس للنفس يهربون منه فى خوف ، طالبين الأختفاء فى شقوق الصخور .

العجيب أن السيد المسيح يقدم نفسه " الصخرة " التى فيها نختفى ونحتمى ، حيث فيه نتبرر ولا ندان ! نسمعه يقول :

" هوذا عندى مكان فتقف على الصخرة " خر 33 : 20 – 21 .

هناك نتمتع مع موسى النبى برؤية بهاء المجد الإلهى .

سادسا : ربما قصد نهر الفرات على وجه الخصوص ليشير إلى خطر الكلدانيين روحيا وماديا على شعب الله ، إنه يوضح كيف يفسد السبى البابلى هذا الشعب ويحطمه .

سابعا : أمره الله ألا يضع المنطقة فى الماء ، ليوضح رفض الشعب التطهير ، أو عدم قبولهم المعمودية التى يتمتعون بالموت والدفن مع المسيح ونوال الحياة الجديدة المقامة . إن كانت المنطقة من الكتان تشير إلى النقاوة ، لكن هذه النقاوة تفسد بدون الشركة مع المسيح المصلوب القائم من الأموات والتمتع بعمل الروح القدس النارى غافر الخطايا .


( 2 ) مثل الزقاق الممتلىء خمرا



" هكذا قال الرب اله اسرائيل :

كل زق يمتلئ خمرا " ع 12 .

رأينا فى تفسير إرميا 12 : 6 . أن الكل كانوا يسخرون بإرميا ، ينادون وراءه بصوت عال ( أو يسخرون به قائلين : يا ممتلىء سكرا ) . هذا هو منطق العالم أن كلمة الرب أو الوصية هى أفيون الشعوب ، كما أدعى الشيوعيون ...

لهذا حينما يقول الرب : " لا أشفق ولا أترآف ولا أرحم من إهلاكهم " ع 14 ، إنما يعنى أنه يسلمهم إلى شهوة قلوبهم ، ويتركهم لإرادتهم الشريرة فيتحطمون ، لأن الله يقدس الحرية الإنسانية ولا يلزم أحدا بالشركة معه .

الخمر هنا لا يشير إلى فرح الروح القدس ، وإنما إلى فاعلية الخطية فى حياة الجماعة كما فى قلب الإنسان . فكما يشار إلى السيد المسيح بالأسد الخارج من سبط يهوذا بكونه الملك الذى يخلص شعبه هكذا يشبه إبليس بالأسد من أجل شراسته وطبيعته المفترسة .

هكذا الخمر يشير إلى ثمر الروح القدس المفرح كما يشير إلى ثمر الخطايا المحطم .

" فتقول لهم هذه الكلمات ، هكذا قال الرب اله اسرائيل :

كل زق يمتلئ خمرا ،

فيقولون لك أما تعرف معرفة أن كل زق يمتلىء خمرا ؟! " ع 12

يرى البعض أن المثل الشعبى : " كل زق يمتلىء خمرا " ع 12 يعنى أن مملكة يهوذا كالزق لا عمل له إلا أن يمتلىء بخمر غضب الله ! هنا الخطورة ، حيث يفقد الإنسان كل رسالة إيجابية خيرة ليصير كأنه جاء إلى العالم ليحمل الغضب الإلهى ، وليحطم الواحد الآخر ! بمعنى آخر ليست الخطية أمرا عارضا فى حياته ، إنما هى أمر حيوى واساسى ، تشغل كل فكره وأحاسيسه وتملك على قلبه وكل أعضاء جسده ، وتسيطر على تصرفاته الخفية والظاهرة .

ماذا فى داخل الكأس ؟

" هانذا املأ كل سكان هذه الارض والملوك الجالسين لداود على كرسيه والكهنة والانبياء وكل سكان اورشليم سكرا.

واحطمهم الواحد على اخيه الآباء والابناء معا يقول الرب " ع 13 ، 14 .

صار الرؤساء والشعب كزقاق مملوء خمرا ، عوض أن يستخدم للفرح صار للسكر .

لعل أخطر ما فى الأمر أن صار الآباء يسقون أبناءهم مسكرا ، فيقدمون لهم السكر عوض التعقل ، ويفقد الآباء كرامتهم وتعقلهم حتى فى نظر أبناءهم . هذا بالنسبة للسكر بواسطة خمور هذا العالم ، فماذا إن أسكروهم بخمر غضب الله ؟!

كأس التأديب :

" لا أشفق ولا أترآف ولا أرحم من اهلاكهم " ع 14 .

تعثر البعض قائلين : كيف أن الله لا يشفق ولا يرحم ونقول عنه أنه رحوم ؟

[ يجيب العلامة أوريجينوس معلنا أهمية التأديب حتى وإن بدى قاسيا :

إننى آخذ هنا مثلا للقاضى الذى لا يشغل فكره إلا الصالح العام ، وبالتالى يطبق القانون دون إشفاق على المخطىء ، يعاقبه حتى يحمى باقى المجتمع ].


( 3 ) دعوة للتوبة



" اسمعوا واصغوا،

لا تتعظموا لان الرب تكلم " ع 15

إذ يتكلم الرب يليق بيهوذا أن يحمل الأذن المختونة ، فيسمع ويصغى لله بروح الطاعة ، لا أن يتجاهل صوت الرب فى كبرياء وعصيان .

لنرى ماذا يوصينا الله أن نفعل :

" اعطوا الرب الهكم مجدا قبل ان يجعل ظلاما وقبلما تعثر ارجلكم على جبال العتمة فتنتظرون نورا " ع 16

يريد أن من يعطى الرب مجدا ، يعطيه فى وجود النور ، لأن مجد الرب لا يمكن أن يعلن حينما يأتى الظلام ...

إذا أردنا أن نمجده فلنمجده بأعمالنا .

مجده بضبط النفس ،

مجده بعمل الخير ، بالحق ، بالشجاعة والصبر والأحتمال ،

مجد الله بالقداسة وكافة الفضائل الأخرى ..
الإنسان البار يمجد الله ، والشرير يهين الله



ما هى جبال العتمة التى تعثرت فيها أرجلهم ؟

لقد شبه الله الأشرار بمنطقة الكتان التى فسدت ، وبالزق الممتلىء خمرا ، وهنا يتحدث عنهم كجبال مظلمة .

فى سفر حزقيال يدعو الله شعبه " جبال إسرائيل " الجبال التى بلقائها مع الله استنارت به شعوب العالم ، والآن إذ تعظمت فى عينى نفسها صارت جبالا مظلمة ، لأنها اعتزلت عن سر استنارتها .

تتمثل الجبال المضيئة فى ملائكة الله والقديسين ، والأنبياء ، وموسى " الخادم " ورسل السيد المسيح ، كل هؤلاء الجبال مضيئة ، واعتقد أن هذه هى التى كتب عنها فى المزامير : " أساساته فى الجبال المقدسة " .

بكى إرميا النبى شعبه الذى اختار بكبريائه الظلمة طريقا له ، إذ يقول :

" اعطوا الرب الهكم مجدا قبل ان يجعل ظلاما،

وقبلما تعثر ارجلكم على جبال العتمة ،

فتنتظرون نورا

فيجعله ظل موت ويجعله ظلاما دامسا.

وان لم تسمعوا ذلك فان نفسي تبكي في اماكن مستترة من اجل الكبرياء ،

وتبكي عيني بكاء وتذرف الدموع ،

لانه قد سبي قطيع الرب " ع 16 ، 17 .

يقصد بظل الموت فى العهد القديم الظلام الشديد ، وتترجم أحيانا " الظل العميق " كما فى مز 23 : 4 .

يدخل إرميا إلى أماكن مستترة متضعة ليقدم الدموع من أجل قطيع الرب الساقط تحت سبى إبليس ... إن كان قلبهم قد أصيب بالعمى فلا يدركون أنهم ينحدرون إلى الظلمة ، إذا بقلب إرميا يتمزق حزنا عليهم .

ما هذه الأماكن المستترة إلا أحشاء السيد المسيح محب البشر ، ففيه إذ تدخل النفس لا تكف عن ذرف الدموع من أجل خلاص كل العالم !

أما وقد بكى إرميا بمرارة على قطيع الرب الذى يسقط تحت السبى ، فإنه يقدم مرثاة على الملك الشاب والملكة أمه ، فإنهما لن يخلصان من هذا المر ، ولا يهربان منه .

" قل للملك وللملكة :

اتضعا واجلسا لانه قد هبط عن راسيكما تاج مجدكما ،

اغلقت مدن الجنوب وليس من يفتح.

سبيت يهوذا كلها سبيت بالتمام " ع 18 ، 19 .

يشير العددان 18 ، 19 إلى سبى الملك الشاب يهوياقين إلى بابل عام 598 – 597 ق.م. جاء فى 2 مل 24 : 8 – 17 ومعه أمه الملكة نحوشتا ( 2 مل 24 : 8 ، 15 ) ، حيث عانت يهوذا المتكبرة من صفعة قوية ، وضاع رجاؤها .

جاءت هذه المرثاة قصيرة تناسب الملك الذى لم يدم ملكه سوى ثلاثة شهور . كان فى الثامنة عشرة من عمره عند موت والده يهوياقيم ، ولكن بعد ثلاثة شهور سبى إلى بابل . بعد سنوات ( سنة 562 ق.م. ) حرر لكن لم يسمح له بالعودة إلى بلاده ( 52 : 31 – 34 ، 2 مل 25 : 27 – 30 ) . سقط التاج عن رأسيهما وضاع من بين أيديهما الملك .

واضح هنا أنه كان للملكة الأم دور رئيسى فى إدارة المملكة فى يهوذا ، وكان لها سلطانها فى أيام الملك آسا حتى تخلص منها ( 1 مل 15 : 13 ) .



يصور النبى ما حل بأورشليم بواسطة بابل :

" ارفعوا اعينكم وانظروا المقبلين من الشمال.

اين القطيع الذي أعطي لك غنم مجدك ،

ماذا تقولين حين يعاقبك وقد علّمتهم على نفسك قواد للرياسة ؟

أما تاخذك الاوجاع كامرأة ماخض " ع 20 ، 21 .

بعد تقديمه مرثاة على ما حل بالملك وأمه الملكة بدأ يتحدث عن أورشليم كراعية وحارسة لقطيعها الممجد ، فقد صارت بلا قوة لتحمى شعبها ، قطيع الرب !

يطالبها أن ترفع عينيها لترى أين قطيعها ، فقد أقتيد إلى السبى ، وتركت أورشليم خرابا .

عوض الأهتمام بقطيع الرب أقامت بشرها من البابليين قوادا للرئاسة ، يفترسون حملانها ! صارت كإمرأة ماخض ، عوض أن تلد حملا تحتضنه تلد ذئبا يفترس بنيها !!


( 4 ) ثمار الشر



" وان قلت في قلبك :

لماذا اصابتني هذه ؟

لاجل عظمة اثمك هتك ذيلاك وانكشف عنفا عقباك " ع 22 .

الشر ليس من الله ولكن من إرادة الشعب الشرير ، أخطر ما وصل إليه الشعب هو الإصرار على الخطية ! فيشربون الإثم كالماء ، ولا يشعرون بما هم عليه .

بقوله " هتك ذيلاك " يعنى أنها صارت عارية ، وفى ذلك رمز للشهوات الجسدية فى إباحية وبعنف ، حيث تكشف عورتها للشر . كذلك كشف العقب بعنف يرمز إلى الرغبة الشهوانية الجامحة .

يرى البعض أن هذا التصوير يعنى به أن أورشليم صارت كإمرأة فاسدة ، عرت الخطية عورتها وكشفت جسدها فى غير حياء !

فى قولـه : " هل يغير الكوشي جلده او النمر رقطه ؟ ! " ع 23 . يعنى أن ممارسة الخطية إلى فترات طويلة وبصورة جماعية تمثل ضغطا شديدا على الإرادة فتسلبها حريتها ، وتفقدها قدرتها على الأختيار .

والحاجة إلى عون إلهى أو إلى نعمة إلهية لتقديس الإرادة وردها إلى الحرية الداخلية المسلوبة .



إذ بلغوا هذا الحد ، فامتزجت طبيعتهم بطبيعة الشر ، وصارتا كأنهما طبيعة واحدة ، جاء الثمر الطبيعى لذلك وهو : التحطيم !

" فابددهم كقش يعبر مع ريح البرية.

هذه قرعتك النصيب المكيل لك من عندي يقول الرب ،

لانك نسيتني واتكلت على الكذب.

فانا ايضا ارفع ذيليك على وجهك فيرى خزيك.

فسقك وصهيلك ، ورذالة زناك على الآكام ، في الحقل ،

قد رأيت مكرهاتك.

ويل لك يا اورشليم لا تطهرين.

حتى متى بعد " ع 24 – 27 .

يعود فيكرر الله لشعبه أن ما حل بهم ليس محض مصادفة ، ولا لقوة بابل العظيمة ، إنما لشر إرادتهم التى اختارت هذا النصيب .

أخيرا إذ رأى الغزو قد صار على الأبواب صرخ مترجيا توبتهم ، قائلا : " حتى متى بعد؟! " ع 27 .

+ + +
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Empty
مُساهمةموضوع: إرميا :الإصحاح الرابع عشر:التأديب بالقحط والحاجة إلى مياة   تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Icon_minitimeالإثنين فبراير 19, 2007 9:58 pm



إرميا – الإصحاح الرابع عشر

التأديب بالقحط

والحاجة إلى مياة الروح

يتحدث النبى فى الإصحاحين 14 ، 15 عن قحط طويل الأمد سمح به الرب للتأديب ، مع سقوط تحت السيف والأوبئة والسبى كثمر طبيعى لعصيان الشعب الذى دخل مع الله فى ميثاق ولم يف بتعهده .


( 1 ) القحط ودعاء الشعب



" كلمة الرب التى صارت إلى إرميا من جهة القحط " ع 1 .

يتحدث النبى عن قحط يحل بيهوذا كتأديب إلهى ، ويتكرر الأمر فى الإصحاح 17 ، لذا يرى البعض أن النبى نطق بالنبوات الواردة فى هذه الإصحاحات الأربع ( 14 – 17 ) أثناء فترة القحط الذى حل فى أواخر أيام يهوياقيم وفى أيام خليفته .

يظهر من صيغة الجمع فى اللغة العبرية لكلمة " القحط " أن مدة القحط كانت طويلة الأمد كما حدث فى أيام إيليا النبى ( 1 مل 17 ، يع 5 : 17 ) .

جاء وصف القحط هنا يكشف عن حال النفس التى ترفض مياة الروح القدس التى أعلن عنها السيد المسيح : " إن عطش أحد فليقبل إلى ويشرب ، من آمن بى كما قال الكتاب تجرى من بطنه أنهار ماء حى " يو 7 : 37 ، 38 .

قيل هنا :

" ناحت ( جفت ) يهوذا ،

وابوابها ذبلت ،

حزنت الى الارض ( أسودت إلى الأرض ) ،

وصعد عويل اورشليم " ع 2 .

جاء هذا النص فى العبرية فى تسع كلمات قدمت لنا القحط فى أبشع صورة .

أ – الكلمة العبرية الأولى تحمل معنيين : " ناحت " و " وجفت " ، فتظهر مملكة يهوذا كسيدة تنوح بسبب ما حل بها ...

ب – أبوابها ذبلت : أو صارت هزيلة تئن من الضعف الشديد ، لأن شعبها خرج إلى بلاد أخرى يبحثون عن ماء يشربونه أو عن خبز يأكلونه . يقصد بالأبواب هنا مدن يهوذا .

هذا هو حال النفس وقد حرمت من الشبع بكلمة الله ، فهزلت جدا ، وفقدت تقديس حواسها " أبواب النفس والجسد " ، فصارت مفتوحة لكل فكر شرير ونظرة بطالة ، وإحساس فاسد .

جـ - " حزنت إلى الأرض " ، أو بحسب الترجمة الحرفية " أسودت الأرض " ، أى ارتدت ثياب الحداد السوداء الطويلة ( مرا 2 : 10 ) ، فصارت أبواب المدينة أشبه بأشباح خارجة من الجحيم ! صارت أبواب صهيون ، ليست أبواب ملكوت الله المفرح ، بل أبواب الجحيم ، حيث العويل غير المنقطع ..

هذا العويل هو مزيج من الصرخات المرة بسبب الحرمان من الشراب والطعام ، والصراخ إلى الله ليخلصهم من هذه الكارثة ، لكنها صرخات صلاة غير مقبولة ، لأنهم لا يهتمون بخلاص أنفسهم إنما يطلبون المطر .

" واشرافهم ارسلوا اصاغرهم للماء.

أتوا الى الاجباب فلم يجدوا ماء ،

رجعوا بآنيتهم فارغة ،

خزوا وخجلوا وغطوا رؤوسهم " ع 3 .

حل بهم العار ، الذين كانت مخازنهم لا تفرغ من الخيرات وآنيتهم من الخمر .. الآن لا يجدون كوب ماء !

يشعرون ان بركة الرب إلههم قد فارقتهم ، وأنه قد بدأت سلسلة من الكوارث لا يعرف نهايتها . ولعلهم صاروا فى خزى لأنهم شعروا بضرورة الإنسحاب من العالم الذى لم يعد يقدم لهم الحياة بل الموت جوعا وعطشا !

أما تغطية الرأس ( ع 3 ، 4 ) فعلامة على الرعب والحزن ، كما فعل داود حين هرب من وجه أبشالوم ( 2 صم 15 : 30 ) .

" من اجل ان الارض قد تشققت ،

لانه لم يكن مطر على الارض ،

خزي الفلاحون.غطوا رؤوسهم " ع 4 .

صارت أرض الموعد التى تفيض عسلا ولبنا جافة ومشققة ، تكشف عن رؤوس سكانها التى صارت جامدة كالنحاس والحديد ، إذ قيل " وتكون سماؤك التى فوق رأسك نحاسا ، والأرض التى تحتك حديدا " تث 28 : 23 . هكذا يتحول الإنسان بكليته كما إلى أرض حديدية لا تقدم ثمرا ، وبلا حياة !

إذ نشعر بالحاجة إلى المياة نتطلع إلى عمل الروح القدس خاصة فى مياة المعمودية ، لندرك كيف نخرج بها من حالة القفر إلى التمتع بالحياة الفردوسية .

يلاحظ أن كلمة " تشققت " فى العبرية تعنى " ارتعبت " ، وكأن الإنسان سيد الخليقة الأرضية صار فى خزى ، وفقدت الأرض التى يقف عليها اتزانها ، إذ صارت مرتعبة .

يوضح النبى كيف صارت الخليقة كلها تئن وتتوجع بسبب فساد قلب الإنسان وكبرياء قلبه ( رو 8 : 22 ) ، إذ يقول :

" حتى ان الايلة ايضا في الحقل ولدت وتركت ،

لانه لم يكن كلأ.

الفراء وقفت على الهضاب تستنشق الريح مثل بنات آوى.

كلت عيونها لانه ليس عشب " ع 5 ، 6 .

خرجت الحيوانات عن طبيعتها بسبب القحط ، وما حل بها من آلام .

الإيلة تركت الغابات موطن معيشتها ، وذهبت فى حقل مفتوح ، هناك تلد ، لكنها لا تستطيع أن تقدم لبنا لصغيرها ، لأنها لا تجد ما تأكله أو تشربه ... هناك تترك صغيرها فى غير مبالاة لتبحث عن طعام أو شراب .. لقد خرجت عن حنان الأمومة الغريزى .

الفراء أو الحمار الوحشى أيضا لا يعيش إلا فى البرارى ، لكنه الآن انطلق إلى الهضاب العالية لعله يجد هواء رطبا على المرتفعات .

أصاب عيونها الضعف الشديد ، هنا يعنى أن علامة الموت قد ظهرت حتى على العينين اللتين كلتا جدا لتفقدا البصيرة بغير رجعة !

ما أبشع الخطية فى حياة الإنسان المعتزل إلهه مصدر صلاحه وحياته واستنارته !

الآن يقدم النبى صلاة قصيرة أشبه بمرثاة ، من أجل كارثة خاصة بالأمة كلها ، قدمها كشفيع ونائب عن الشعب ، فيها يعترف بخطايا الشعب ، طالبا مراحم الله ، نصها الآتى :

" وان تكن آثامنا تشهد علينا يا رب ،

فاعمل لاجل اسمك.

لان معاصينا كثرت.

اليك اخطأنا.

يا رجاء اسرائيل مخلصه في زمان الضيق ،

لماذا تكون كغريب في الارض ؟!

وكمسافر يميل ليبيت ؟!

لماذا تكون كانسان قد تحير ؟!

كجبار لا يستطيع ان يخلّص ؟!

وانت في وسطنا يا رب ،

وقد دعينا باسمك.

لا تتركنا " ع 7 – 9 .

يعترف إرميا النبى عن خطايا الشعب كأنها خطاياه الشخصية .

بهذا حمل نبوة عن السيد المسيح الذى حمل خطايا العالم على الصليب ، حيث يقول : " إلهى ، إلهى ، لماذا تركتنى ؟! مت 27 : 46 .

هذه مشاعر الحب الحقيقى التى يليق بكل مؤمن أن يتمتع بها ، حيث يتألم مع آلام كل عضو ، مصليا لأجل الآخرين كما لأجل نفسه ، حاسبا سقوط الغير كانه سقوط له . وكما يقول القديس بولس : " أذكروا المقيدين كأنكم مقيدون معهم " عب 13 : 3 .

مرثاة رائعة ، لو أنها قدمت من الشعب لتغير التاريخ كله ، قدمها إرميا عن الشعب ، لكن لم تخرج من أعماق قلب الشعب ، ربما حفظها البعض وكرروها بلسانهم دون قلبهم ... لهذا لم يستجب الرب !

ما نفعها إذن ؟ انتفع بها إرميا نفسه ، وتزكى هو ومن حوله ، كما قدمها مثالا حيا للتوبة عبر الأجيال ينتفع بها الكثيرون .

يبدأ المرثاة بالأعتراف بالخطية ، فإنه إذا ما تمت محاكمة لا حاجة إلى شهود ، فإن آثامنا تشهد ضدنا : أفكارنا وكلماتنا وتصرفاتنا تقف كخصم ضدنا .

جاءت إجابة الرب على المرثاة التى قدمت باسم الشعب :

" هكذا احبوا ان يجولوا.

لم يمنعوا ارجلهم فالرب لم يقبلهم.

الآن يذكر اثمهم ويعاقب خطاياهم.

وقال الرب لي لا تصل لاجل هذا الشعب للخير " ع 10 ، 11 .

نجد حوارا مشابها بين الله والشعب فى الرؤيتين اللتين سجلهما عاموس النبى ( عاموس 7 : 1 – 6 ) ، غير أننا نجد فى عاموس الله يستجيب للصلاة وينزع التأديب ، أما هنا فالتأديب يحل بالشعب والحيوانات ، مع تأكيد حتمية التأديب على المعاصى المرتكبة ( ع 10 ) .

يقول الرب : " هذا الشعب " ، وليس " شعبى " ، إذ ينسحب الله من الإنتساب إليهم ، لأنهم خانوا العهد ، بهذا فقدوا سمتهم كشعب دخل مع الله فى ميثاق ، أى فقدوا حقهم فى الحوار المباشر معهم كطرف فى العهد الإلهى .

" يجولوا " أى يتحركون دون هدف ولا إتزان ، بعيدا عن الله . ظانين أن راحتهم خارج الحب الإلهى .

هنا يعود الله فيكرر طلبته لإرميا للمرة الثالثة ألا يصلى لأجل الشعب كى يرفع الله عنهم التأديب . تكرار الطلب يؤكد أن إرميا لم يكف عن الصلاة من أجل الشعب ، وكأن ما سأله إياه لم يكن أمرا عصاه النبى ، إنما هو إعلان عن عدم استجابة الصلاة فى هذا الأمر ( رفع التأديب ) بالذات .




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Empty
مُساهمةموضوع: يتبع....إرميا :الإصحاح الرابع عشر:التأديب بالقحط والحاجة إلى   تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Icon_minitimeالإثنين فبراير 19, 2007 9:59 pm

( 2 ) مسئولية الأنبياء الكذبة



" حين يصومون لا اسمع صراخهم ،


وحين يصعدون محرقة وتقدمة لا اقبلهم ،

بل بالسيف والجوع والوبإ انا افنيهم " ع 12 .

ليس فقط يسأل إرميا ألا يصلى لأجلهم ، وإنما يرفض اصوامهم وذبائحهم وتقدماتهم ، لأنهم يقدمونها طلبا للعتق من التأديب ، وليس للألتصاق بالله .

إذ يتحدث إرميا على لسان الشعب يكمل حواره مع الله كمن يعطى عذرا للشعب أنهم خدعوا بواسطة الأنبياء الكذبة .

" فقلت آه ايها السيد الرب.

هوذا الانبياء يقولون لهم :

لا ترون سيفا ولا يكون لكم جوع ،

بل سلاما ثابتا اعطيكم في هذا الموضع.

فقال الرب لي.بالكذب يتنبأ الانبياء باسمي.

لم ارسلهم ولا امرتهم ولا كلمتهم.

برؤيا كاذبة وعرافة وباطل ومكر قلوبهم هم يتنبأون لكم " ع 13 ، 14 .

اتسم هؤلاء الأنبياء بالخداع والكذب ، يخدعون حتى أنفسهم ، فيظنون أفكارهم الخاصة بهم هى إرادة الله .

يتكلم الأنبياء الكذبة بالباطل ، إذ ينطقون بالناعمات لإراحة ضمائر الخطاة . الأول يتحدث بلسان الرب ويعلن بأمانة عن إرادته وخطته وتأديباته ، أما الآخرون فيتكلمون من عندياتهم .

" لذلك هكذا قال الرب عن الانبياء الذين يتنبأون باسمي وانا لم ارسلهم ،

وهم يقولون لا يكون سيف ولا جوع في هذه الارض ،

بالسيف والجوع يفنى اولئك الانبياء.

والشعب الذي يتنبأون له يكون مطروحا في شوارع اورشليم من جرى الجوع والسيف وليس من يدفنهم هم ونساؤهم وبنوهم وبناتهم ،

واسكب عليهم شرهم " ع 15 ، 16 .

أولا : أخطا الأنبياء الكذبة لأنهم يخدعون الآخرين ولو بكلمات معسولة لإراحة ضمائرهم .

ثانيا : يتنبأون باسم الله الذى لم يرسلهم ، فمن جانب يدعون كذبا أنهم مرسلون منه ، ومن جانب آخر ينسبون لله ما يقولونه كذبا .

ثالثا : كلماتهم المعسولة ليس فقط تعجز عن تقديم راحة صادقة للشعب ، وإنما هم أنفسهم أيضا يهلكون .

رابعا : إن كان المنتمون لهم مخدوعين لكنهم ليسوا أبرياء ، لأن الله أرسل لهم أنبياء يشهدون للحق الإلهى ، فهم بلا عذر . لقد قبلوا وهم عميان أن يقتادهم عميان ، فسقط الكل فى حفرة التأديب الإلهى .

خامسا : لا يقف التأديب عند الأنبياء الكذبة والشعب ، لكن حتى المدينة المقدسة تتنجس بجثث الموتى الملقاة فى شوارعها بلا دفن .

سادسا : الهلاك على مستوى أسرى ، فالتأديب يلحق بالرجل كما بالمرأة وبالوالدين كما بالأبناء .


( 3 ) حوار بين الله والنبى



فى الحوار بين الله والنبى إرميا بخصوص ما يحل بالشعب من تأديبات بسبب شرورهم نلاحظ الآتى :

أولا : ليس فقط الخليقة تئن بسبب القحط ، وإنما يشاركها إرميا النبى نفسه ، ليس حزنا على الخسائر المادية ، وإنما على ما بلغه الشعب من قحط روحى من جهة كلمة الله وقبول إرادته .

" وتقول لهم هذه الكلمة :

لتذرف عيناي دموعا ليلا ونهارا ولا تكفا ،

لان العذراء بنت شعبي سحقت سحقا عظيما بضربة موجعة جدا " ع 17 .

أمر الله إرميا أن يكف عن الصلاة من أجل الشعب بخصوص رفع التأديب عنهم ، لكننا لم نسمعه يأمره بالكف عن البكاء من أجلهم ، بل بالعكس نراه هنا يطلب من إرميا أن يكون بكاؤه علانية ، وأن يعلن للشعب أنه لن يتوقف عن البكاء ليلا ونهارا ، بكاء من يئن لأجل عذرائه الوحيدة المنسحقة جدا بضربة مرة للغاية . كأن الله يعتز بهذه الدموع ، لأنها تعبر عن المشاعر الإلهية خلال نبيه ، فهو وإن أدب لا يطلب لشعبه السحق العظيم بل الفرح المجيد بالتوبة والرجوع إليه .

لا يكفى أن نبكى أحباءنا ، بل أن نصلى حتى فى الخفاء بدموع عنهم ، هذا أعظم وأثمن فى عينى الله !

ثانيا : هلاك عام فى الحقول كما فى المدن ، بين الشعب كما بين الأنبياء الكذبة .

" اذا خرجت الى الحقل فاذا القتلى بالسيف ،

واذا دخلت المدينة فاذا المرضى بالجوع ،

لان النبي والكاهن كليهما يطوفان في الارض ولا يعرفان شيئا " ع 18 .

وكما جاء فى تث 28 : 6 : " ملعونا تكون فى المدينة ، وملعونا تكون فى الحقل " .

يرى البعض فى عبارة " النبى والكاهن كليهما يطوفان فى الأرض ولا يعرفان شيئا " أنها تحققت بسبى يهوذا حيث أقتيد الأنبياء والكهنة إلى أرض لا يعرفون عنها شيئا .

ثالثا : اكتشاف الرجاء الباطل الذى قدمه الأنبياء الكذبة بروح الخداع .

" هل رفضت يهوذا رفضا ؟!

او كرهت نفسك صهيون ؟!

لماذا ضربتنا ولا شفاء لنا ؟!

انتظرنا السلام فلم يكن خير ،

وزمان الشفاء فاذا رعب " ع 19 .

كنائب عن الشعب الذى أعماه الأنبياء الكذبة بخداعاتهم يحاور الله متعجبا كيف يرفض الله يهوذا ، وتكره نفسه صهيون ، ويضرب بلا شفاء ، ينزع السلام ويسمح لهم بالرعب . كانت فتاوى الأنبياء الكذبة تؤكد ليهوذا أنه ليس من ضربات بلا شفاء ! ولا من رعب ، بل صحة وسلام ! لأنها تضم السبط الملوكى وتحتضن أورشليم مدينة الله حيث الهيكل والعبادة القانونية ، وأن الضربات ستحل بإسراشيل ( العشرة أسباط ) فقط !

رابعا : يستدر إرميا النبى مراحم الله ، معترفا بخطاياهم وخطايا آبائهم كأنها خطاياه الشخصية ، إذ يقول :

" قد عرفنا يا رب شرنا اثم آبائنا لاننا قد اخطأنا اليك " ع 20 .

عندما يشير إلى آثام الآباء لا يعنى أن الإنسان يجنى ثمرة آثامهم ، إنما هنا تأكيد أن الخطية متأصلة فيهم عبر الأجيال ، وأنه توجد خطايا جماعية عاش الكل فيها جيلا بعد جيل .

يتوسل إرميا إلى الله ، ليس متكلا على بر ذاتى ، ولا على عبادة ما ، وإنما على الآتى :



أ – لأجل اسم الله القدوس

" لا ترفض لاجل اسمك " ع 21 .

حينما يذكر اسم الله يعنى به الله نفسه .

ب – لأجل كرسى مجده :

" لا تهن كرسي مجدك " ع 21 .

كرسى مجد الله هو السماء كما جاء فى إش 66 : 1 ، غير أن النبى يدرك أن الله يريد أن يقيم ملكوته فى صهيون الروحية ، فى وسط شعبه حين يتقدس ، فيقال : " الله جلس على كرسى قدسه " مز 47 : 8 . ويجلس الله فى النفس المقدسة كما فى عرشه .

جـ - من أجل الميثاق الذى أقامه الله مع شعبه :

" أذكر . لا تنقض عهدك معنا " ع 21 .

د – لأنه الخالق وحده :

" هل يوجد في اباطيل الامم من يمطر ؟!

او هل تعطي السموات وابلا ؟!

أما انت هو الرب الهنا ؟!

فنرجوك لانك انت صنعت كل هذه " ع 22 .

إن كان الله قد سمح بالجفاف فهو واهب المطر ، ليس من يقدر أن يخلصهم من القحط إلا الخالق نفسه .

وكما يقول زكريا النبى : " اطلبوا من الرب المطر فى أوان المطر المتأخر ، فيصنع الرب بروقا ويعطيهم مطر الوبل " زك 10 : 1 .
+ + +
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Empty
مُساهمةموضوع: إرميا – الإصحاح الخامس عشر -الشفاعة المرفوضة   تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Icon_minitimeالإثنين فبراير 19, 2007 10:12 pm



إرميا – الإصحاح الخامس عشر

الشفاعة المرفوضة

يكمل هذا الإصحاح الحديث عن التأديب بالقحط ، حيث يؤكد الرب حتمية هذا التأديب بسبب إصرار الشعب مع القادة على الشر ، رافضا كل شفاعة عنهم ، حتى إن قدمها موسى وصموئيل النبيين .


( 1 ) الشفاعة المرفوضة



" ثم قال الرب لي وان وقف موسى وصموئيل امامي لا تكون نفسي نحو هذا الشعب.

اطرحهم من امامي فيخرجوا " ع 1 .

نحن نعلم أن شفاعة النبى لدى الله من أجل الشعب كانت عملا أساسيا فى حياته ، لذا أراد الله تأكيد صدق نبوة إرميا بالرغم من عدم قبول شفاعته فى أمر رفع التأديب ، لأنه وإن تشفع موسى وصموئيل النبيين لن تقبل شفاعتهما فى ذلك الحين ، ولن يسمح للشعب أن يقف أمامه . كأن عدم قبول شفاعة إرميا ليس علتها ضعف فى شخصه أو فى عمله ، وإنما فى إصرار الشعب على عدم التوبة .

ذكر المزمور 99 : 6 موسى وصموئيل كشفعاء عظماء يستجيب الله صلواتهم .

لم يكن هذان النبيان شفيعين فحسب ، بل كانا أيضا وسيطين فى إقامة عهد بين الله والشعب .

ذكر هذين النبيين له معنى خاص بالنسبة لإرميا النبى ، إذ كان ينظر إليهما كنموذجين حيين لخدمته ، حاسبا نفسه خلفا فى سلسلة الأنبياء .

الله الذى يسر بوحدتنا وصلاتنا لبعضنا البعض يرفض أحيانا حتى شفاعة قديسيه متى رأى فينا تهاونا بخلاصنا ، فإنه لا يستطيع إنسان ما أن يفدينا .



( 2 ) التأديب

" ويكون اذا قالوا لك الى اين نخرج ؟

انك تقول لهم :

هكذا قال الرب :

الذين للموت فالى الموت ،

والذين للسيف فالى السيف ،

والذين للجوع فالى الجوع ،

والذين للسبي فالى السبي " ع 2 .

يتساءل الشعب : " إلى أين نخرج ؟ " .... نوع من التذمر .

هذه الصور تكشف عن عمل الخطية



يتم التأديب فى إحدى الصور الأربع التالية :

الموت : " أجرة الخطية موت " ( رو 6 : 23 ، تك 2 : 17 ؛ يع 1 : 15 ) .

أو السيف : " نسقط تحت سيف كلمة الله " ( عب 4 : 12 ) .

أو القحط : بالخطية تدخل النفس فى مجاعة وقحط لا إلى الخبز المادى ، بل إلى كلمة الله ، فلا تجد شبعا فى الكلمة ولا عذوبة ، وكما قيل :

" هوذا أيام تأتى يقول السيد الرب أرسل جوعا فى الأرض ، لا جوعا للخبز ولا عطشا للماء ، بل لأستماع كلمات الرب .... " عا 8 : 11 – 13

أو السبى : أخيرا بالخطية نسقط تحت سبى إبليس ، نفقد حرية مجد أولاد الله .

" وأوكل عليهم اربعة انواع يقول الرب:

السيف للقتل ،

والكلاب للسحب ،

وطيور السماء ووحوش الارض للأكل والاهلاك.

وادفعهم للقلق في كل ممالك الارض " ع 3 ، 4 .

اختيار رقم 4 للتأديب يحمل معنى رمزيا ، إذ يشير إلى التراب أو إلى الأرض بكونها ذات أربع اتجاهات ، وكأن ثمر الخطية هو أن يصير الإنسان أرضا ، لا يقدر أن يختبر السمويات .

كأن الإنسان الذى يقبل الخطية فى حياته يصير فريسة لأربعة أمور :

فريسة للموت مع بشاعة الألم حيث تضربه الخطية كما بالسيف .

فريسة للمهانة والخزى ، حيث تسحبه الكلاب على التراب ..

فريسة لطيور السماء ، أى تفترسه الشياطين ، خاصة شيطان الكبرياء .

أخيرا فريسة لحيوانات البرية التى تشير إلى شهوات الجسد ، فتحطمه الشهوات ولا يقدر أن يقاومها .

ربما يتساءل البعض : لماذا يسلمهم الله للهلاك ؟ فيجيب :

" من اجل منسّى بن حزقيا ملك يهوذا ،

من اجل ما صنع في اورشليم " ع 4 .

كان حزقيا رجلا صالحا ، طهر الهيكل من الرجاسات الوثنية ، لكن تبوأ أبنه عرش يهوذا سنة 693 ق.م. وهو ابن اثنتى عشرة سنة ، واشتهر فى أول ملكه بنشر العبادة الوثنية والرجاسات مع العنف وسفك الدماء ، فصار الشعب أشر من الأمم ( 2 مل 21 : 2 – 9 ) . ذكر على وجه الخصوص لأنه كان أشر ملوكهم ، أو لأنه ملك أكثر من غيره ، فلم ينس بعد فى أيام إرميا ( 2 مل 21 : 10 – 15 ) .

هنا تظهر خطورة القائد ، متى تنجس قلبه أفسد المجتمع ، فتصير الصلوات ( بغير التوبة ) مرفوضة ، حتى إن قدمها موسى أو صموئيل أو إرميا . لقد حل غضب الله على الجماعة التى أفسدتها القيادة الشريرة .

" فمن يشفق عليك يا اورشليم ؟

ومن يعزيك ؟ ومن يميل ليسأل عن سلامتك ؟ " ع 5 .

هذا هو عمل الخطية الذى نراه واضحا فى حياة البشرية ، الشعور بالعزلة والوحدة . ليس من يقدر أن يشارك مشاعره الحقيقية ولا من يعزيه ، حتى وإن اجتمع حوله المئات أو الألوف وربما الملايين ، حتى وإن نال شهرة عالمية أو كرامة فائقة .. ففى أعماقه لا يجد من يعزيه ويسأل عن سلامته أو يحييه .

يتساءل إرميا النبى : " من يشفق عليك يا أورشليم ؟ " ع 5 .

إن كنت لا تشفقين على نفسك ؟

تأتى الإجابة كما فى أغلب الأسئلة الواردة فى هذا السفر : " المسيا المخلص ! " .

هو وحده يشفق على الخاطىء ، ويهتم به ويعزيه ، ويرد له سلامه بعمل صليبه . لم يعد أحد يشفق على أورشليم ، أعداؤها يشمتون فيها ، وأبناؤها يهلكون ، وأصدقاؤها يهربون أمام فادحة الخطر الذى لحق بها .



لا تنتظر يا عزيزى أحدا يشفق على أورشليمك الداخلية ، إلا الله الآب الذى أحبك وأسلم ابنه الوحيد للصليب لأجل خلاص نفسك ، فتترنم مع الرسول قائلا :

" الذى لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين ، كيف لا يهبنا أيضا معه كل شىء ؟! " رو 8 : 32 .

يعلق العلامة أوريجينوس على هذه العبارة قائلا :

[ نريد أن نفهم جميع تلك الكلمات المملوءة وعيدا لأورشليم :

" فمن يشفق عليك يا اورشليم ؟

ومن يعزيك ؟ ومن يميل ليسأل عن سلامتك ؟

انت تركتني يقول الرب.

الى الوراء سرت فامدّ يدي عليك واهلكك.

مللت من الندامة.

واذريهم بمذراة في ابواب الارض.

اثكل وابيد شعبي "

لقد وضعتنى هذه الكلمات فى مأزق ، وهو محاولة التوفيق بين صلاح الله ورفضه الرحمة لشعبه .

إذا كانت أورشليم بسبب خطاياها حكم الله عليها بذلك ؟ فمن من الملائكة يمكن أن يشفق عليها ؟

يجب علينا نحن أيضا ألا نشفق على أورشليم ومصائبها ، ولا نحزن على ما أصاب شعبها ، لأنه : " بزلتهم صار الخلاص للأمم ( لنا ) لإغارتهم " رو 11 : 11 . ]

لئلا يظن أحد أن الله يعاقب الشعب كله من أجل خطايا منسى الشخصية يوجه حديثه إليهم كعروس له ، قائلا : " أنت تركتينى " ع 6 . لقد تحالفتى مع منسى وشاركتيه شره .. وانتظرت عودتك لكنك تشبثتى بتركك إياى .

وصفها كعروس خائنة متراجعة أو كمن جعل من نفسه عدوا لله فتقهقر ، ومع ذلك يعمل الله لرجوعها ، قائلا :

" واذريهم بمذراة في ابواب الارض.

اثكل وابيد شعبي .

.لم يرجعوا عن طرقهم.

كثرت لي اراملهم اكثر من رمل البحار.

جلبت عليهم على ام الشبان ناهبا في الظهيرة.

اوقعت عليها بغتة رعدة ورعبات.

ذبلت والدة السبعة ،

اسلمت نفسها.

غربت شمسها اذ بعد نهار.

خزيت وخجلت ،

اما بقيتهم فللسيف ادفعها امام اعدائهم يقول الرب " ع 7 – 9 .

أ – يشبههم بالمحصول الذى ليس فيه حنطة بل كالقش ، متى قام المزارع بتذريتهم يحملهم الريح ويبددهم العاصف ، هكذا تبددوا إلى بابل فى السبى . لا يذريهم فى الحقول بل " فى أبواب الأرض " ، ماذا يعنى هذا ؟ من كان حنطة يستحق الدخول إلى أبواب صهيون الحقيقية ، ليكون فى بيت الرب ، أما من كان قشا فيدخل فى أبواب الهاوية ( إش 38 : 10 ) .

ب – يشبه مملكة يهوذا بسيدة رفضت أن تكون إبنة لله ، ففقدها وصار كمن هو محروم من إبنته . تفقد هى أيضا رجلها وبنيها وتحرم منهم ، فتصير أرملة وثكلى .

جـ - لا يحدث ذلك تدريجيا إنما دفعة واحدة فى وقت الظهيرة ، حتى تصير الأم التى لها سبعة شباب أرملة ، تفقدهم معا فتشتهى الموت ، تصير لها الظهيرة ظلاما ، وكأن النور يفارق عينيها .

جاء فى تسبحة حنة أم صموئيل : " حتى أن العاقر ولدت سبعة ، وكثيرة البنين ذبلت " 1 صم 2 : 5 . وكأن انجاب سبعة بنين يحمل علامات البركة ( را 4 : 15 ) ، وبالتالى فقدانهم فى وقت الظهيرة يحمل معنى اللعنة .

لعله يقصد فقدانهم فى وقت الظهيرة أى فقدانهم فى ظهيرة عمرهم .

بقولـه : " غربت شمسها إذ بعد نهار " ع 9 تشير إلى حالة الحداد ، فقد لبست النساء الملابس السوداء بعد قتل الرجال والأولاد ، حيث صار الكل أرامل .


( 3 ) انهيار نفسية إرميا إلى حين



شعر إرميا النبى بالضعف الشديد ، فمن جهة كانت كلمة الله كنار فى قلبه ، لم يحتمل برقة مشاعره ما سيحل بشعبه من قحط ودمار ، وحين التزم أن ينطق بها ظنه الشعب أنه قاسى القلب ، عنيف ، غير وطنى ، هنا اشتهى إرميا لو لم يولد .

" ويل لي يا امي ،

لانك ولدتني انسان خصام ،

وانسان نزاع لكل الارض.

لم اقرض ولا اقرضوني ،

وكل واحد يلعنني " ع 10 .

حديثه هنا لا يستلزم أن والدته كانت على قيد الحياة ، وأنه يخاطبها ، إنما يعلن بطريقة مجازية كيف أنه إن كان قد دعى للخدمة وهو بعد فى الأحشاء ( 1 : 5 ) ، رفض أيضا منذ البداية . إنها صرخة ليست موجهة إلى امه بل إلى الله الذى دعاه للخدمة .

" لكل الأرض " : لم يصر إرميا إنسان نزاع بالنسبة لكل الأرض ، إلا إذا قلنا أن " كل الأرض " يقصد بها كل أرض اليهودية فقط .

لكن أليس من الأفضل أن نطبق هذا الكلام على السيد المسيح بدلا من إرميا ؟ .

" لم أقرض ولا أقرضونى " : أراد السيد المسيح أن يقرض البشرية حياته ويقترض حياتهم ، يدخل معهم فى ميثاق حب ، يقبلونه ميراثا لهم ، ويقبلهم نصيبا له ، لكنهم رفضوا هذا الميثاق ، وعوض الحب صار " كل واحد يلعننى " ع 10 .


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة   تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Icon_minitimeالإثنين فبراير 19, 2007 10:13 pm

( 4 ) الله يسند نبيه



شدد الرب إرميا ، مؤكدا له أنه تكفيه نعمته ، ففى الضعف يتبين قوة الله .

" إن قال الرب اني احلّك للخير.

اني اجعل العدو يتضرع اليك في وقت الشر وفي وقت الضيق " ع 11 .

ربما يتساءل إرميا : إن كان شعبى قد دخل معى فى خصام ، فماذا يفعل بى العدو ( بابل ) ؟ جاءت الإجابة من قبل الرب أن العدو سيتضرع إليه وقت السبى ويعامله بكل لطف أثناء الضيق . هذا ما حدث إذ طلب نبوخذنصر من القائد أن يعامل النبى بكل لطف ، ويترك له حرية الأختيار إن كان يبقى فى بلده أو يذهب مع المسبيين .



( 5 ) سبى الشعب

" هل يكسر الحديد الحديد الذي من الشمال والنحاس ؟

ثروتك وخزائنك ادفعها للنهب ،

لا بثمن بل بكل خطاياك وفي كل تخومك.

واعبرك مع اعدائك في ارض لم تعرفها ،

لان نارا قد أشعلت بغضبي توقد عليكم " ع 12 – 14 .

كأنه يقول لمملكة يهوذا بكل قياداتها وشعبها : إن كنت تظنين إنك كالحديد ، لكنك لا تقدرين أن تقفى أمام بابل التى جعلتها كحديد قوى ونحاس . لا تستطيعين الوقوف أمام تأديبات الرب . لا تنفعك قوتك ولو كانت كالحديد ، ولا ثروتك أو خزائنك ، فإنها تنهب بيد العدو .. خطاياك تدفعك إلى يد العدو لتساقى إلى أرض السبى ، إلى أرض غريبة لم تعرفيها من قبل ... هذا كله لأنك إقتنيت نار غضبى عوض نار محبتى !

عمل الخطية هو أنه يسحبنا من أرضنا إلى أرض السبى ، ينتزعنا عن أرض الحق لندخل إلى مذلة العبودية التى لا تعرف إلا العنف والكذب والخداع .






( 6 ) تعزيات وسط الآلام



" انت يا رب عرفت.

اذكرني وتعهدني وانتقم لي من مضطهديّ.

بطول اناتك لا تأخذني.

اعرف احتمالي العار لاجلك.

وجد كلامك فأكلته ،

فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي ،

لاني دعيت باسمك يا رب اله الجنود " ع 15 ، 16 .

كان إرميا النبى فى حاجة إلى تعزيات سماوية وسط المر الذى يعيش فيه ، إذ كان محصورا بين تطلعه إلى شعبه وهو يسقط تحت تأديبات قاسية وربما إلى هلاك أبدى إن أصر على شره ، وبين مقاومة الكثيرين له .



أما تعزيات الله فمصدرها الآتى :

أ – أنه موضوع معرفة الرب : " أنت يارب عرفت " ع 15 .

فى وسط الضعف نشعر كأن الأمور تسير اعتباطا بلا خطة ، لكن إرميا أدرك بإيمانه أن الله يعرف كل شىء ، وليس شىء خفيا عنه . حياته وحياة البشرية كلها فى يد ضابط الكل ، الذى يعرف كيف يحول حتى المر إلى عذوبة .

ب – موضوع تذكر الله ورعايته " اذكرنى وتعهدنى وانتقم لى من مضطهدى " ع 15

كثيرا ما يشعر الإنسان بالعزلة ، وإهمال الكل له ، وعدم مشاركة أحد له ، لكن يكفيه أن يجد الله نفسه يذكره ويتعهده ويدافع عنه ضد مضطهديه .

جـ - طول أناة الله " بطول اناتك لا تأخذني " ، لا يحمل إرميا النبى كراهية ضد إنسان ، وإن طلب النقمة إنما يشتهى تأديب مقاومى الحق لأجل توبتهم ورجوعهم إلى الله ...

د – كلمة الله المفرحة

وسط الآلام المرة ، ومع إدراكه لكلمة الله التى تؤدب كان إرميا فى يقين أنها مصدر فرحه وبهجة قلبه ، إذ يقول : " وجد كلامك فأكلته ، فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي ، لاني دعيت باسمك يا رب اله الجنود " ع 16 .

كلمة الله تهب رجاء يفرح القلب .

أكل إرميا النبى كلام الرب ، إذ سبق فأعلن أن الله وضع كلامه فى فمه ( 1 : 9 ) . إشارة إلى قبول الدعوة للخدمة قبولا تاما .

هـ - الألتقاء مع الله

سر تعزية أنه أعتزل مجالس الأشرار المازحين ، الذين يطلبون الفرح الزمنى المملوء مزاحا ليجلس مع الله وحده ، يبكى على خطايا الشعب ويحزن ويغضب بسبب هلاكهم ، دون أن يفقد سلامه وبهجته . إذ يقول :

" لم اجلس في محفل المازحين مبتهجا.من اجل يدك جلست وحدي لانك قد ملأتني غضبا " ع 17 .

المزاح هو عدم الجدية فى اهتمام الإنسان بخلاص نفسه وخلاص الآخرين ، سواء فى عبادته الخاصة أو العامة أو خدمته للغير .

مجلس المازحين هم جماعة الأنبياء الكذبة الذين نطقوا بغير الحق ، وظنوا فى ذلك بهجة وسلاما ، أما إرميا الناطق بالحق فبقى وحده ، إذ تركه الجميع وحسبوه متشائما .. أدرك غضب الله على شعبه فامتلأ حزنا !

من أجل يد الله جلس إرميا وحده وامتلأ بغضب الله ، ويقصد بيد الله هنا الإعلان النبوى أو الكشف عن خطة الله ...

" لماذا كان وجعي دائما ؟!

وجرحي عديم الشفاء يأبى ان يشفى !

أتكون لي مثل ( جدول مياة ) كاذب مثل مياه غير دائمة " ع 18 .

كثيرا ما استخدم إرميا النبى اصطلاحات طبية ، فقد شعر بخطورة المرض الذى أصاب شعبه ، مظهرا تعاطفا شديدا معهم .

والآن يشعر بالجراحات قد أصابته هو ، ربما بسبب شدة اضطهادهم له ، فصار مريضا وجريحا ، جرحه عديم الشفاء . إنه لا يعاتب الشعب الذى اضطهده ، وإنما فى مرارة نفسه ودالة الحب يعاتب الله الذى أرسله للخدمة ، قائلا له : " لماذا ؟ " ربما فى جسارة يعاتبه : " أتكون لى مثل كاذب ، مثل مياة غير دائمة " ... فقد سخر به الكل ، وبدى كأنه قد هزم مع أن الله وعده بالنصرة والحماية الدائمة ... بقوله " مثل " يؤكد إرميا أن الله لم يخدعه ولن يكون كمجرى ماء كاذب ، لكن هكذا ظهر الله فى عينى أعداء إرميا الذين عيروه .


( 7 ) الله يشدد إرميا النبى



يجيب الله على إرميا بخصوص الأسئلة السابقة ، قائلا :

" لذلك هكذا قال الرب.ان رجعت ارجعك فتقف امامي ،

واذا اخرجت الثمين من المرذول فمثل فمي تكون.

هم يرجعون اليك وانت لا ترجع اليهم " ع 19 .

إن كان إرميا النبى قد شعر أن جرحه دائم وبلا شفاء ، فإن الله يقدم له الحل أو الدواء وهو : " إن رجعت أرجعك فتقف أمامى " ع 19 .

تمس هذه الإجابة حياة كل مؤمن تراجع عن الله فى ضعف أو بسبب خطيته ، لكن يبقى الله يدعوه للعودة إليه ، فإن له موضعه فى حضن الآب .

بلا شك لم يتراجع إرميا عن رسالته تماما ، فقد عاش مخلصا لها ، لكن ربما مرت به لحظات ضعف كإنسان .

إخراج الثمين من المرذول يعنى إخراج نفوس مقدسة مبررة كانت قبلا مرذولة بسبب خطاياها ، فإنه ليس أعظم من أن يهتم إنسان بخلاص إخوته ويحولهم من الإنحطاط بالخطية إلى التمتع ببر المسيح .

عندما يكون لسانك مثل لسان المسيح ، عندما يكون فمك مثل فم الآب ، عندما تصير هيكلا للروح القدس ، أى كرامة تعادل هذه الكرامة ؟!

" واجعلك لهذا الشعب سور نحاس حصينا ،

فيحاربونك ولا يقدرون عليك ،

لاني معك لاخلّصك وانقذك يقول الرب.

فانقذك من يد الاشرار ،

وافديك من كف العتاة " ع 20 ، 21 .

هنا يقدم الله لإرميا وعودا بتجديد قوته .

إن كان الله قد أقام إرميا النبى ليبكت الخطاة فليذكر إرميا أنه هو نفسه محتاج إلى الخلاص والفداء !

هذا ومن جانب آخر حين أعلن إرميا لله إيمانه أنه يذكره ويتعهده وينتقم له من مضطهديه ( ع 15 ) ، جاءت الإجابة الإلهية :

" فانقذك من يد الاشرار ، وافديك من كف العتاة " .

كأن الله يجيبه : لا تتطلع إلى إمكانياتك البشرية المجردة ، ولا تنظر على أعدائك ، بل إلى عملى معك وبك وفيك ... إنى أنقذك من يد الأشرار وأفديك من كف العتاة .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Empty
مُساهمةموضوع: إرميا – الإصحاح السادس عشر -منعه من الزواج   تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Icon_minitimeالإثنين فبراير 19, 2007 10:14 pm



إرميا – الإصحاح السادس عشر

منعه من الزواج

إذ كانت الكارثة التى ستحل بالشعب مرة للغاية طلب منه ألا يتخذ لنفسه إمرأة ولا يكون له بنون ولا بنات ، لكى لا يقيم فى بيت خاص به ( ع 1 – 4 ) ، ولا يذهب إلى بيت حزن ( ع 5 –7 ) ، أو بيت وليمة ( ع 8 ، 9 ) ، بسبب السبى الذى يحل بالشعب . بهذا صارت حياة إرميا مرآة يرى من خلالها الشعب صورة عملية لما سيحل بهم من تأديبات إلهية وحرمان ! وكأن الله قدم إرميا نفسه وسيلة إيضاح ، يشهد بكلماته كما بسلوكه عن حكم الله عليهم .



( 1 ) حياة إرميا مرآة لحياة الشعب

" ثم صار اليّ كلام الرب قائلا :

لا تتخذ لنفسك امرأة ولا يكن لك بنون ولا بنات في هذا الموضع.

لانه هكذا قال الرب عن البنين وعن البنات المولودين في هذا الموضع ،

وعن امهاتهم اللواتي ولدنهم ،

وعن آبائهم الذين ولدوهم في هذه الارض :

ميتات امراض يموتون.

لا يندبون ولا يدفنون بل يكونون دمنة على وجه الارض ،

وبالسيف والجوع يفنون ،

وتكون جثثهم أكلا لطيور السماء ولوحوش الارض " ع 1 – 4 .

يرى البعض أن الآيات 1 – 9 تمثل قطعة شعرية ، فيها يتحدث الله مع إرميا بخصوص حياته وحياة الشعب .

امتنع كلا من إرميا النبى والرسول بولس عن الزواج ، لكن أهدافهما كانت مختلفة . امتنع إرميا النبى عن الزواج بأمر إلهى لكى لا تكون له زوجة وأبناء ، أما بولس الرسول فامتنع اختيارا لكى يكرس كل وقته وطاقاته للعبادة وخدمة الكلمة ( 1 كو 7 : 7 ، 26 ، 32 – 34 ) .

يظن البعض أن إرميا سبق أن تزوج وماتت زوجته بعدما أنجبت ، وقد منعه الله من الزواج الثانى ، بينما يرى آخرون أنه منعه من الزواج فى عناثوث فقط ، إذ قال له : " فى هذا الموضع " ع 1 . وسمح له بالزواج فى موضع آخر .

على أى الأحوال إذ سلم الأنبياء الحقيقيون حياتهم بين يدى الله تكلم بها على ألسنتهم وخلال حياتهم ، فكانوا يتنبأون بالعبارات النبوية والرؤى والأمثال كما بحياتهم ، نذكر على سبيل المثال :

زواج هوشع بزانية ( هو 1 – 3 ) يكشف عن خيانة الشعب لله وارتكابه الزنا الروحى بعبادة الأوثان وما يتبعها من رجاسات .

عدم مشاركة حزقيال فى جنازة زوجته ( حز 24 : 15 – 27 ) حيث لم يذرف عليها دمعة ولا نطق بكلمة حزن يعلن عن تدمير الشعب ، العروس المحبوبة لدى الله ، دون أن تجد من يبكيها .

بقولـه : " ميتات أمراض يموتون " ع 4 ، يعنى معاناتهم من أمراض كثيرة بسبب الحروب بوجه عام ، خاصة أثناء الحصار ، كما بسبب الجوع ، وأيضا معاناتهم من الآلام والمتاعب ، مع حالة من الرعب تؤدى بهم إلى الموت .

يعتبر عدم دفن الموتى وترك الجثث لكى تأكلها طيور السماء ووحوش البرية من ابشع أنواع اللعنات التى يسقط تحتها الإنسان ( تث 28 : 26 ) ، يزيدها لعنة أنهم لا يجدون من يندبونهم أو يبكون عليهم .

يمكن تصور المنظر هكذا أن الشوارع تمتلىء بالجثث بغير مبالاة ، فتترك طعاما للطيور الجارحة والحيوانات المفترسة ولا يوجد من يبكى الموتى ، لأنه لا يوجد من هو حى .

" لانه هكذا قال الرب :

لا تدخل بيت النوح ولا تمض للندب ولا تعزهم ،

لاني نزعت سلامي من هذا الشعب يقول الرب الاحسان والمراحم " ع 5 .

طلب منه ألا يدخل بيت النوح ، هذه الكلمة ظهرت مرة أخرى فى عا 6 : 7 فقط ، وهى تشير إلى اجتماع دينى لغرض جنائزى – يحدث فيه تصرفات منحلة .

انسحاب إرميا النبى عن المشاركة فى ولائم الجنازات يشير إلى انسحاب الله نفسه ورجاله عن حياة الشعب الذى أعطاه القفا لا الوجه . يسحب الله عنهم أربعة أمور :

أ – يسحب سلامه .

ب – يسحب انتسابه إليهم ..

جـ - يسحب عنهم إحسانه ....

د – ينزع عنهم مراحمه ..

بانسحاب إرميا عن الحياة العامة يعلن انسحاب الله نفسه بسلامه واحساناته ومراحمه فيسقطوا تحت اللعنة والحرمان والأمراض والخزى والموت !

" فيموت الكبار والصغار في هذه الارض، لا يدفنون ولا يندبونهم ،

ولا يخمشون ( يجرحون ) انفسهم ولا يجعلون قرعة من اجلهم " ع 6

هذه عادات وثنية تمنعها الشريعة لأنها مرتبطة بعبادة الإله الكنعانى البعل موت .. يبدو أن هذه العادات قد انتشرت فى إسرائيل على نطاق واسع .

" ولا يكسرون خبزا في المناحة ليعزوهم عن ميت ،

ولا يسقونهم كاس التعزية عن اب او ام " ع 7 .

هذه عادة أن يقدم المعزون الأكل والشراب ( القهوة ) لأسرة الميت ، لأنهم فى حالة حداد ، فى الطقس اليهودى المتأخر كان يقدم كأس تعزية ، وهو كأس خمر خاص يشربه رئيس الحزانى .

" ولا تدخل بيت الوليمة لتجلس معهم للأكل والشرب " ع 8 .

جاء " بيت الوليمة " هنا مقابل " بيت الحزن " كما جاء فى جا 7 : 22 ، غالبا ما يقصد به الأحتفال بالعرس .

الخلاصة أن الله يطالبنا ألا نجامل إنسانا على حساب الحق الإلهى وخلاص نفوسنا أو نفوس الآخرين .

" لانه هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل.

هانذا مبطل من هذا الموضع امام اعينكم وفي ايامكم

صوت الطرب وصوت الفرح ،

صوت العريس وصوت العروس " ع 9 .

هنا نبلغ إلى جوهر القطعة الشعرية حيث يتحدث الله مع شعبه مباشرة .

تحولت البلاد التى رفضت الله الحى إلى أشبه بمقبرة لا يقام فيها ولائم مفرحة ، ولا يسمع فيها صوت طرب روحى ولا مراسيم زواج ، إنها حالة النفس التى يريد الرب أن يقيم فيها ملكوته ، ملكوت الفرح الحقيقى ، مملكة النور ، فإذا بها تصر أن تكون مملكة الظلمة والمرارة الفاقدة لكل بهجة قلب !

هنا يلزمنا ألا نتجاهل موقف إرميا النبى الذى يتقبل حكمة الرب بتسليم كامل دون تساؤل : إلى متى يكون هذا ؟!


( 2 ) اعتزال الحياة اليومية



" ويكون حين تخبر هذا الشعب بكل هذه الامور انهم يقولون لك :

لماذا تكلم الرب علينا بكل هذا الشر العظيم ؟

فما هو ذنبنا وما هي خطيتنا التي اخطاناها الى الرب الهنا ؟

فتقول لهم :

من اجل ان آباءكم قد تركوني يقول الرب ،

وذهبوا وراء آلهة اخرى وعبدوها وسجدوا لها ،

واياي تركوا وشريعتي لم يحفظوها.

وانتم اسأتم في عملكم اكثر من آبائكم ...

وها انتم ذاهبون كل واحد وراء عناد قلبه الشرير حتى لا تسمعوا لي.

فاطردكم من هذه الارض الى ارض لم تعرفوها انتم ولا آباؤكم ،

فتعبدون هناك آلهة اخرى نهارا وليلا حيث لا اعطيكم نعمة " ع 10 – 13 .

هذه العبارات ( ع 10 – 13 ) فى الواقع هى مرثاة صغيرة فى شكل أسئلة ( ع 10 ) يتبعها نطق بحكم على شعب يهوذا ( ع 11 – 13 ) .

من الجانب الأدبى تستخدم هذه الطريقة فى مواضع أخرى مثل تث 29 : 21 – 27 ، 1 مل 9 : 8 – 9 ، حيث تستخدم ثلاثة عناصر :

أ – سؤال بخصوص حكم يصدر .

ب – إجابة وتوضيح أن الحكم التأديبى بسبب جحود الشعب .

ج – تقرير عن الكارثة التى بسببها أثير التساؤل .

يجيب الله على سؤال الشعب هكذا :

أ – العقاب قادم لأن آباءكم تركوه .

ب – أم ما يفعلوه ليس بأفضل مما فعله آباؤهم ، بل أشر .

ج – لم ينتفعوا بخبرة آبائهم ومعاملات الله معهم .

هذا لا يعنى أن الله يدينهم من أجل آبائهم ، وأنهم بلا عذر ، إنما لأنهم سلكوا فى ذات الطريق فصارت الخطية تمثل خطية جماعية تجتاز عبر العصور .


( 3 ) خروج جديد



" لذلك ها ايام تأتي يقول الرب :

ولا يقال بعد حيّ هو الرب الذي اصعد بني اسرائيل من ارض مصر ،

بل حيّ هو الرب الذي اصعد بني اسرائيل من ارض الشمال ومن جميع الاراضي التي طردهم اليها ،

فارجعهم الى ارضهم التي اعطيت آباءهم اياها " ع 14 ، 15 .

تكرر هذا القول فى إر 23 : 7 – 8 مع اختلاف بسيط .

يعلن الله هنا أمرين :

أ – أن التأديب أو العبودية فى أرض السبى أكثر مرارة مما كان فى أرض مصر ..

ب – يقدم لهم أيضا رجاء أنهم سيعودون من السبى فى خروج جديد ، حتى متى سقطوا تحت قسوة التأديب لا ييأسوا ، ولا يظنوا أن السبى هو النهاية ، وإنما هناك عودة إلى أرض الموعد .

تعبير " حى هو الرب " هو قسم كان يمارسه اليهود يشيرون به إلى الله إله الخروج من مصر ، لكن إذ يختبروا خروجا جديدا يغيرون صيغة القسم .


( 4 ) الفرح بالخلاص المسيانى



بعد أن تحدث عن الفرح بالعودة من السبى ، دخل بنا إلى الفرح الحقيقى فى العهد الجديد حيث قدم لنا السيد المسيح كلمة الخلاص خلال تلاميذه ، ويكمل هذا الفرح بالأكثر عندما تحملنا الملائكة إلى اللقاء مع الرب فى اليوم الأخير ، إذ يقول :

" هانذا ارسل الى جزافين كثيرين يقول الرب فيصطادونهم ،

ثم بعد ذلك ارسل الى كثيرين من القانصين فيقتنصونهم عن كل جبل وعن كل اكمة ومن شقوق الصخور.

لان عينيّ على كل طرقهم.

لم تستتر عن وجهي ولم يختف اثمهم من امام عينيّ

واعاقب اولا اثمهم وخطيتهم ضعفين،

لانهم دنسوا ارضي وبجثث مكرهاتهم ورجاساتهم قد ملأوا ميراثي " ع 16 – 18 .

التشبيه الخاص بدعوة صيادى سمك للصيد بين شعب يهوذا شائع كما فى حز 12 : 13 ، 29 : 4 – 5 .

وأيضا صيادى الحيوانات الذين يصطادون حتى من شقوق الصخور كان معروفا ، كما جاء فى عا 9 : 1 – 4 .

يقصد بالتشبيهين أن عينى الله تنظران إلى كل شىء حتى ما يبدو مخفيا فى وسط البحار أو فى شقوق الصخور ، وأنه لا بد من المجازاة عن الشر أينما أرتكب .

يرى العلامة أوريجينوس أن الجازفون هم تلاميذ المسيح ، الذين اصطادوا النفوس ودخلوا بها إلى شبكة الكنيسة الملقاة فى بحر هذا العالم لتعيش كالسمك الصغير مع السمكة الكبيرة " المسيح نفسه " : " هلم ورائى فأجعلكما صيادين للناس " .

أما القانصون فهم الملائكة الذين يجتذبون المؤمنين الذين صاروا كالجبال والأكمة وتمتعوا بشقوق الصخور فصار لهم حق اللقاء مع عريسهم السماوى فى اليوم الأخير .

عندما تكون قد خرجت من البحر وأخذت فى شباك رسل السيد المسيح ، تغير فى نفسك وأترك البحر وامحه تماما من ذاكرتك ، ثم تعال إلى الجبال التى هى الأنبياء ، وعلى الأكمة التى هى الأبرار ، واقض هناك حياتك ، حتى متى جاء موعد رحيلك من هذه الحياة ، يرسل إليك صيادين من نوع جديد وهم الملائكة الذين يستلمون أرواح الأبرار ، فهم مكلفون باستلام الأرواح الموجودة على الآكام وليس الأرواح المائتة المطروحة إلى أسفل .

يقدم الرب تعليلا لتأديبهم ، قائلا : " لأنهم دنسوا أرضى " ع 18 .

ينسب الله القدوس لنفسه هذه الأرض التى وهبها لشعبه ، لذا لاق بهم أن يسلكوا فيها كما يليق بصاحبها القدوس ، فتكون أرضا مقدسة ، وتصير لهم أمانا .

يليق بكل ما ينسب للقدوس أن يكون مقدسا : ملائكته وكل الطغمات السمائية ، المؤمنون به ، هيكله ، الأوانى المستخدمة فيها ، المذبح ... الخ .

حتى الأرض التى يقدمها لشعبه ! ويحسب الله كل تدنيس أو افساد لقدسية هذه الأمور إهانة موجهة إليه شخصيا ! كل تدنيس لجسدك الذى هو هبته لك كهيكل لروحه القدوس ... إنما هى خطية موجهة ضد الله .

كثيرا ما يتساءل الشباب : لماذا يحسب الله الفكر الشهوانى خطية ؟ أو لماذا يعتبر الزنا خطية مادامت برضى الطرفين وليس من يصيبه ضررا فى المجتمع ؟ الأجابة أن فكرك كما جسدك وجسد الغير هو مركز ملكوت الله القدوس ، حتى الفكر الخفى الشرير إن قبلته بتهاون وتراخ فيه إساءة إلى مقدسات الله . عندما يمر بك فكر شرير قل لنفسك : " لا تدنس أرض الرب المقدسة ! " .

" يا رب عزي وحصني وملجإي في يوم الضيق ،

اليك تأتي الامم من اطراف الارض ويقولون :

انما ورث آباؤنا كذبا واباطيل وما لا منفعة فيه.

هل يصنع الانسان لنفسه آلهة وهي ليست آلهة.

لذلك هانذا اعرّفهم هذه المرة ،

اعرّفهم يدي وجبروتي فيعرفون ان اسمي يهوه " ع 19 – 21 .

يختتم هذا الإصحاح بقطعة شعرية رائعة تتحدث عن خلاص الشعب من السبى ، وفى نفس الوقت عن خلاص الأمم وقبولهم الإيمان فتكون لهم معرفة حية بالله مخلصهم .

يكشف إرميا النبى عن عظمة خلاص الله ، الأمر الذى يشد انتباه كل الأمم فيدركوا أن ما حدث لم يكن عن قوة بابل عندما سبت يهوذا ولا عن ضعفها عندما تحرر الشعب كله ( إسرائيل ويهوذا ) ، وإنما هى خطة الله ضابط التاريخ ، فى يده كل أمور البشرية .



يقول العلامة أوريجينوس : [ هلموا لنرى ماذا تقول النبوة عنا : " يا رب عزي وحصني وملجإي في يوم الضيق ، اليك تأتي الامم من اطراف الارض ويقولون : انما ورث آباؤنا كذبا واباطيل وما لا منفعة فيه" ع 19 .

جاءت الأمم من أطراف الأرض ، كيف " من أطراف الأرض " ؟ يوجد على الأرض أناس أولون ويوجد أيضا أناس آخرون ، حكماء هذا العالم وأغنياؤه هم الأولون وليسوا أولين على كل شىء .

ومن هم الآخرون ؟ : " واختار الله أدنياء العالم والمزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود " ( 1 كو 1 : 28 ) .

إذا " الامم من اطراف الارض " . كأنه يقول : إن تلك الأمم مكونة من الأدنياء والمزدرى بهم والجهال والناس الآخرين على الأرض .

" ويقولون : انما ورث آباؤنا كذبا واباطيل وما لا منفعة فيه " : ليس أن يوجد أصنام صادقة عكس الأصنام الكاذبة المذكورة فى الآية ، وإنما يقصد بها الأصنام عموما ، التى بطبيعتها كاذبة ولا يوجد فيها منفعة ] .

" هذه المرة " ماذا يقصد بـ " هذه المرة ؟ يقصد بها المجىء التالى للرب ، خاصة لأنه يضيف بعد ذلك : " فيعرفون أن اسمى يهوه " .
+ + +
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Empty
مُساهمةموضوع: إرميا – الإصحاح السابع عشر -خطايا يهوذا   تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Icon_minitimeالإثنين فبراير 19, 2007 10:17 pm



إرميا – الإصحاح السابع عشر

خطايا يهوذا

بين الحين والآخر يكشف الله لنا لا عن خطورة الخطية وفاعليتها فحسب ، وإنما يعلن عنها فى تفاصيلها كما عن أثرها فى أعماق افنسان وطبيعته ، حتى نحذر منها فنهرب إليه ، بكونه الطبيب والدواء ، يستطيع وحده أن يجدد طبيعتنا ويهبها الشفاء !


( 1 ) الخطية المحتلة للقلب



قبل أن يحدثنا عن أهم الخطايا التى سقط فيها هذا الشعب ، والتى نسقط نحن فيها بصورة أو أخرى صور لنا خطورة هذه الخطايا بكونها تحتل القلب نفسه الذى كان يلزم أن يكون هيكلا لله ، وتنحت على قرون المذبح الداخلى ، فتفوح رائحة الدنس فينا عوض رائحة المسيح الذكية .

" خطية يهوذا مكتوبة بقلم من حديد ،

براس من الماس ،

منقوشة على لوح قلبهم وعلى قرون مذابحكم " ع 1

تنطبق هذه الخطية على الشعب اليهودى ... هذا تفسير سهل ..

وتنطبق على خطية يهوذا الأسخريوطى ...

ألا تنطبق هذه النبوة علينا نحن بالأكثر ؟

لقد أخطأنا وخطيتنا لم تكتب خارجا عنا ، إنما فى قلوبنا ، كتبت بقلم من حديد وبرأس من الماس .

" كذكر بنيهم مذابحهم وسواريهم عند اشجار خضر على آكام مرتفعة " ع 2

السارية هى عمود خشب مستقيم يثبت على الأرض بجوار المذبح ، وهو يمثل آلهة الخصوبة ، هذه التى من أجلها وبخ الله شعبه قائلا : " قائلين للعود أنت أبى " إر2 : 72 . كنوع من السخرية ، لأنها مؤنث ويخاطبونها كأب لا كأم ، أى فقدوا روح التمييز الطبيعى .

أما ثمر تلك النجاسات والرجاسات فهو :

" يا جبلي في الحقل ،

اجعل ثروتك كل خزائنك للنهب ومرتفعاتك للخطية في كل تخومك ،

وتتبرأ وبنفسك عن ميراثك الذي اعطيتك اياه ،

واجعلك تخدم اعداءك في ارض لم تعرفها ،

لانكم قد اضرمتم نارا بغضبي تتقد الى الابد " ع 3 ، 4 .

على ضوء ما سبق الإشارة إليه بخصوص ارتباط الوثنية بالرجاسات يرى بعض الدارسين أن الثروة والخزائن هنا إشارة إلى أعضاء الذكر بشىء من السخرية ، حيث كان معتقدهم هكذا . إذ عبدوها صار الجزاء من ذات النوع ، حيث خصى الأعداء رجالهم العظماء حتى لا ينجبوا أولادا يمكن أن يفكروا فى العودة إلى أرض الموعد كميراث لهم ، بل يبقى المخصيون عبيدا لسادتهم ، الأمر الذى يمس وجودهم ذاته . هكذا لم تهبهم عبادتهم قوة الإنجاب ومقاومة الموت بل انهيارا وتحطيما وموتا !



( 2 ) الإتكال على ذراع بشرى

أول خطية تهاجم الإنسان هى اعتزاله الله مصدر حياته متكئا على ذراعه البشرى أو الأذرع الأخرى .

" هكذا قال الرب :

ملعون الرجل الذي يتكل على الانسان ،

ويجعل البشر ذراعه وعن الرب يحيد قلبه.

ويكون مثل العرعر في البادية ولا يرى اذا جاء الخير بل يسكن الحرّة في البرية ارضا سبخة وغير مسكونة.

مبارك الرجل الذي يتكل على الرب وكان الرب متكله " ع 5 ، 7 .

لعله لهذا الهدف يسمح الله لنا بالضيقة حتى تتبدد أمامنا كل الأذرع البشرية ونجد الله هو الملجأ الوحيد لنا .

وكما يقول القديس جيروم :

[ أتريد أن يسمع لك الرب متحننا ؟ أدعوه وأنت فى الضيق فيجيبك مترفقا . فإنه لا يقدر الإنسان أن يدعو الرب لمعونته إلا وهو فى الضيق ، حيث يكون ذراع الإنسان بلا قيمة ] .

إذا كان إرميا النبى يتحدث عن التأديب بالقحط ، لذا أوضح أن من يتكل على ذراع بشرى يصير كنبات العرعر الذى يظهر فى منطقة العربة ، هذا الذى سرعان ما يصير كالقش الجاف . أما الذين يتكلون على الله فينالون ثمرا حتى فى فترة الجفاف أو القحط :

" ويكون ( المتكل على الجسد ) مثل العرعر في البادية ( الصحراء ) ،

ولا يرى اذا جاء الخير ،

بل يسكن الحرّة في البرية ارضا سبخة وغير مسكونة.

مبارك الرجل الذي يتكل على الرب ، وكان الرب متكله ،

فانه يكون كشجرة مغروسة على مياه وعلى نهر ،

تمد اصولها ولا ترى اذا جاء الحرّ ،

ويكون ورقها اخضر ،

وفي سنة القحط لا تخاف ولا تكف عن الاثمار " ع 6 – 8 .


( 3 ) القلب نجيس !



" القلب اخدع من كل شيء وهو نجيس من يعرفه.

انا الرب فاحص القلب مختبر الكلى ،

لاعطي كل واحد حسب طرقه حسب ثمر اعماله " ع 9 ، 10 .

نطق الرب بهذه الكلمات أولا لكى يعطى راحة لإرميا النبى الذى كان يئن بسبب سقوط الشعب تحت السبى .

كأن الله يقول له : تعال وانظر إلى أعماق القلب الذى أنا وحدى أعرفه ، إنه نجيس ! إنه مستحق للموت ! فالتأديب هو لصالحهم ، كى يطلبوننى فأنزع عنهم فساد قلوبهم !


( 4 ) الإرتباط بالأرضيات



إذ يتحدث فاحص القلوب عن قلب الإنسان معلنا أنه نجيس يكشف عن سر نجاسته وفساده ، ألا وهو ارتباطه بالأرضيات عوض انطلاقه نحو الأبديات . يطلب الغنى لا فيما يليق بالقلب كهيكل الله المقدس ، إنما بأمور العالم الزائلة وشهوات الجسد المؤقتة ، فيكون أشبه بالحجلة التى تحتضن بيضا ليس لها ، فتتعب فى الاحتضان وتضم ما ليس لها ، وفى النهاية تظهر أنها سلكت عمرها كله بحماقة .

" حجلة تحضن ما لم تبض ،

محصل الغنى بغير حق ،

في نصف ايامه يتركه ،

وفي آخرته يكون احمق " ع 11 .

غالبا ما كان هذا شائعا فى ذلك الحين ، يقصد به أنه إذ يظن الإنسان أنه يملك لكنه وهو يتعب ويشقى يخسر الكثير ويتركه الغنى وهو بعد فى العالم فى منتصف أيامه ، أما فى آخرته فيدرك أنه سلك بحماقة .

الحجلة هى طائر برى يسمى " المنادى " ، إنها صاحبة أصوات لكن بلا عمل حق ! هكذا الغنى فى جهاده المر من أجل التمتع بالغنى ماديا أو الشبع جسديا يكون كمن يعطى صوتا بلا عمل ، لأنه يترك كل شىء ويخرج عريانا من هذا العالم .

الحجلة التى تحتضن ما لم تبض هى إبليس الذى يبسط شباكه خلال الهراطقة فيقتنص فى أحضانه البسطاء ، هؤلاء هم الذين ليسوا من خليقته ولا مولودين منه ، إنه يقتنيهم بالخداع والدنس . لا يقدر إبليس أن يقول : " خرافى تسمع صوتى " يو 10 : 7 ، لأنها ليست خرافه بل هى خراف الله الناطقة التى يسحبها من مصدر حياتهم ويحسبها أولادا له . وللأسف فإن الحجلة قد اغتنت جدا ، لكنها تركتهم فى نصف أيامها حين جاء السيد المسيح إلى العالم وسحب المؤمنين من حضن إبليس ، وأما فى نهاية أيامها فتظهر بالأكثر حماقتها .

إن سر رجاء المؤمن : الأتحاد بالقدوس السماوى واهب الحياة .

يقول النبى :

" كرسي مجد مرتفع من الابتداء هو موضع مقدسنا.

ايها الرب رجاء اسرائيل ،

كل الذين يتركونك يخزون.

الحائدون عني في التراب ( الأرض ) يكتبون ،

لانهم تركوا الرب ينبوع المياه الحية " ع 12 ، 13 .

كرسى الله أو عرشه مرتفع ومجيد وفى نفس الوقت حال فينا ، ليس بعيدا عنا ، بل فى داخلنا . إن كانت الكلمة العبرية المقابلة " لمرتفع " تشير إلى السماء ، وكلمة " مقدسنا " تشير إلى هيكل أورشليم وملحقاته كما إلى المقادس السماوية ( مز 68 : 36 ) ، فإن الله المرتفع مجده فى السماء هو فينا ، ونحن به نصير مقدسا سماويا . إنه ليس ببعيد عنا ، بل نزل إلينا ، ونحن لسنا بعيدين عنه إذ يرفعنا إلى سمواته .


( 5 ) الله مخلصنا من الخطية



إذ تحدث عن الخطية بكونها احتلت القلب حيث كان يليق أن يكون ملكوتا لله ، مظهرا أهم خطايا يهوذا من اتكال على ذراع بشرى ونجاسات والتصاق بالتراب ، شعر النبى بأنه لا يستطيع أحد أن يخلص ما لم يتدخل الله نفسه ، لهذا صرخ قائلا :

" اشفني يا رب فاشفى.خلصني فاخلص لانك انت تسبيحتي " ع 14 .

يعلن إرميا النبى باسم الشعب أنه قد وجد الشفاء ، بل والخلاص حيث المجد ، بل والتسبيح أى الفرح مع السمائيين .... وجد هذا كله فى الله مخلصه .

يقول العلامة أوريجينوس تأتى بعد ذلك صلاة أخرى ، تقول كلماتها :

" اشفني يا رب فاشفى ،

خلصني فاخلص لانك انت تسبيحتي ،

ها هم يقولون لي اين هي كلمة الرب ؟ لتأت !

أما انا فلم اعتزل عن ان اكون راعيا وراءك ولا اشتهيت يوم البلية.

انت عرفت " ع 14 – 16 .

كل إنسان يريد أن يشفى من أمراض الروح والنفس عليه أن يطلب من الطبيب الأوحد الذى جاء خصيصا من أجل المرضى ، والذى قال : " لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى " بذلك يمكن للمريض أن يطلب فى ثقة ويقول : " اشفنى يارب فأشفى " .



" ها هم يقولون لي اين هي كلمة الرب ؟ لتأت ! " ع 15 .

يوجد فى كل عصر أشرار يستهينون بطول أناة الله ويسخرون بمواعيده ومحبته كما بتأديباته ظانين أنها مجرد كلمات أو أوهام لن تتحقق :

" قد طالت الأيام وخابت كل رؤيا " حز 12 : 22 .

لعل إرميا النبى قد أدرك أن المخلص هو " كلمة الرب " ، إذ يقول : " ها هم يقولون لي اين هي كلمة الرب ؟ لتأت !" ع 15 . إذ يطلبون الخلاص يسألون عن كلمة الرب لكى يأتى إليهم فيتبعونه . إنه وحده الذى يهبهم الراحة .

يقدم إرميا النبى صلاة لله ، طالبا حمايته من مقاومى الحق ، قائلا :

" لا تكن لي رعبا .

انت ملجإي في يوم الشر.

ليخز طارديّ ولا اخز انا ،

ليرتعبوا هم ولا ارتعب انا.

اجلب عليهم يوم الشر واسحقهم سحقا مضاعفا " ع 17 ، 18 .

من جهة وعود الله تشكك الأنبياء الكذبة وأتباعهم فيها ، بينما آمن بها إرميا النبى ... هذا سبب ضيقا ومقاومة منهم . وها هو يقف مختفيا فى الرب نفسه الذى يدعوه " ملجأى " ، وقد دعى الرب هكذا 11 مرة فى سفر الكزامير كما فى مزمور 46 : 2 .

هكذا لا يخاف المؤمن من الأشرار المقاومين له ، ولا حتى من عدو الخير إبليس ، مهما كانت قوته .


( 6 ) كسر السبت



طالب الله إرميا النبى أن يقف فى باب " بنى الشعب " ع 19 . يرى البعض أنه باب " بنيامين " ، وهو باب خاص بالمدينة ( 37 : 13 ، 38 : 7 ) ، وإن كان البعض يرى أنه يتحدث عن باب خاص بالهيكل كان يدخل منه ويخرج منه الشعب ، ليقف بعد ذلك فى كل أبواب أورشليم ( ع 19 ) .



طالبه أن يوجه حديثه إلى ملوك يهوذا:

" هكذا قال الرب لي.اذهب وقف في باب بني الشعب الذي يدخل منه ملوك يهوذا ويخرجون منه وفي كل ابواب اورشليم " ع 20 .

لماذا يقول " ملوك يهوذا " وليس " ملك يهوذا " ؟ يرى البعض أنه يقصد بالملوك هنا كل الشعب كمقابل للكهنة ، ربما لأن كل واحد صار كملك يريد أن يتسلط ويسيطر ، ليس من يقبل أن يسمع أو يطيع ! .

يطالبهم بحفظ السبت ( كباكورة لتقديس أيامنا فتصير كلها للرب ) .. لأجل حياتهم لأنها صارت فى خطر ، إذ يقول " تحفزوا بأنفسكم " ع 21 . فلا يحملوا فيه حملا ولا يمارسون عملا ( خر 20 : 10 ، تث 5 : 14 ) ، هذا من الجانب السلبى ، أما من الجانب الإيجابى فيقول : " قدسوا يوم السبت " ع 22 ، أى اسلكوا فى نقاوة قلب وقدسية حياة .

إذ يقدس الشعب يوم الرب تجتذب نفوس كثيرة من كل جانب كعابدين حقيقيين للرب يقدمون محرقات حب وذبائح شكر مع ذبائح وتقدمات عن الخطايا والضعفات ليتمتعوا بالمصالحة مع الله :

" ويأتون من مدن يهوذا ومن حوالي اورشليم ومن ارض بنيامين ومن السهل ومن الجبال ومن الجنوب يأتون بمحرقات وذبائح وتقدمات ولبان ويدخلون بذبائح شكر الى بيت الرب " ع 26 .

أما ثمرة العصيان وعدم تقديس السبت فهو :

" ولكن ان لم تسمعوا لي لتقدسوا يوم السبت لكي لا تحملوا حملا ولا تدخلوه في ابواب اورشليم يوم السبت فاني اشعل نارا في ابوابها فتأكل قصورها أورشليم ولا تنطفىء " ع 27 .

السبت هو فرصة لا للخمول والتوقف عن العمل ، بل للتمتع بالعبادة لله القدوس لينعم الكل بشركة الحياة الإلهية ( لا 23 : 3 ، عد 28 : 9 ، 10 ) . وكأن السبت كما يحدثنا عنه سفر اللاويين هو التقاء مع الله خلال العبادة المقدسة والذبيحة ، لا لنكرم الله بعبادتنا ، لكن ما هو أعظم لكى ننعم بعمل الله فينا واهبا إيانا الشركة معه لندخل به إلى قداسته .
+ + +
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Empty
مُساهمةموضوع: إرميا – الإصحاح الثامن عشر -مثل الفخارى   تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Icon_minitimeالإثنين فبراير 19, 2007 10:21 pm



إرميا – الإصحاح الثامن عشر

مثل الفخارى

بأمر إلهى نزل إرميا النبى إلى واد منخفض ليلتقى هناك بفخارى ، لكى يعلن للشعب كيف أن حياتهم فى يد فخارى سماوى حكيم ، قادر أن يخرج من الطين إناء للكرامة ، حتى إن أدب إنما لكى يقبلوه من يده الخالقة إمكانية تجديدهم ، كما يعمل الفخارى بالطين فيظهر منه عجبا .

عوض التجاوب مع إرميا فكروا جديا فى الخلاص منه كى لا يسمعوا بعد كلمة توبيخ .


( 1 ) إرميا والفخارى المحب



تعتبر مصانع الفخار من الملامح الرئيسية فى العالم القديم ، إذ كانت الأوانى الفخارية أساسية فى الحياة اليومية ، لهذا نجد علماء الآثار مدينين للأوانى الفخارية المكتشفة بلا حصر فى التعرف على ثقافات المدن القديمة وتاريخها .

" الكلام الذي صار الى ارميا من قبل الرب قائلا :

قم انزل الى بيت الفخاري ،

وهناك اسمعك كلامي " ع 1 ، 2 .

قم انزل

بدأ حديثه بقوله : " قم انزل " هذا يحمل أن الأمر عاجل ويحتاج إلى سرعة : " قم " .

ومن الجانب الرمزى أو الروحى فإنه لا يستطيع إنسان ما أن يدرك معاملات الله مع البشر ، خاصة شعبه ، ما لم يختبر القيامة مع المسيح ، أو الحياة الجديدة المقامة .

" قم انزل " أما موسى النبى فقيل له : " اصعد إلى الجبل واستمع " ، لأن كل من يسمع كلمة الله ، يستمع إما إلى معلومات عن الأمور العليا السماوية وبالتالى يلزمه أن يرتفع بأفكاره إلى السماء ليتأمل فيها أو يستمع إلى تعليمات من الرب بخصوص أمور أرضية وبالتالى يلزمه أن ينزل بأفكاره إلى أسفل ليراها .
ما هو بيت الفخارى ؟



إنه كنيسة المسيح ، بيته المقدس ، المقام فى وادى هذا العالم ، لا كمحكمة تدين الخطاة ، وإنما كبيت فخارى يحول الطين إلى أوان مكرمة .



فى بيت الفخارى

يقول إرميا النبى :

" فنزلت الى بيت الفخاري ،

واذا هو يصنع عملا على الدولاب.

ففسد الوعاء الذي كان يصنعه من الطين بيد الفخاري ،

فعاد وعمله وعاء آخر كما حسن في عيني الفخاري ان يصنعه.

فصار اليّ كلام الرب قائلا :

أما استطيع ان اصنع بكم كهذا الفخاري يا بيت اسرائيل يقول الرب ؟

هوذا كالطين بيد الفخاري انتم هكذا بيدي يا بيت اسرائيل " ع 3 – 6 .

واضح هنا أن إرميا قد دعى ليقدم رسالة رجاء للشعب ، فيدركوا إمكانياتهم الحقيقية كطين فى يد خالق حكيم قدير . يؤكد الله لهم أنه موجود ومحب ، قادر أن يشكلهم من جديد ، إن أرادوا .

استرعى انتباه إرميا أن الفخارى لا يلهو بالطين أو يلعب به ، إنما يعمل فى جدية عملا هادفا . هكذا حياتنا فى يدى الله – الفخارى السماوى – موضع اهتمامه ، يعمل فى جدية خلال الأفراح والضيقات ، بالترفق تارة ، وبالضغط تارة أخرى ، ليقيم منا آنية مقدسة مكرمة .

" ففسد الوعاء الذى كان يصنعه من الطين بيد الفخارى ..... " ع 5

إنها مسئوليتنا الشخصية عن فسادنا .

احذر إذا لئلا تسقط وتفسد حينما تكون فى يدى الفخارى وهو يشكلك ، ويكون فسادك نتيجة لخطأك .

خلق الله الإنسان صالحا لكنه فسد خلال فساد إرادة الإنسان ، وصار الأمر يحتاج إلى تدخل الفخارى نفسه القادر وحده على إعادة تشكيل الإناء .



( 2 ) الفخارى المؤدب

بدأ أولا برسالة الرجاء ليعلن أننا وإن كنا كطينة بلا قيمة ، لكننا موضع سرور الفخارى القادر أن يحولنا إلى إناء المجد ، الآن يقدم الجانب الآخر ، وهو إن لم نقبل حبه وحنانه ونسلم حياتنا بين أصابعه يقوم بالتأديب لأجل خلاصنا أيضا . إنه يقدم دروسا قاسية لطينة عنيفة ، قائلا :

" تارة اتكلم على امة وعلى مملكة بالقلع والهدم والاهلاك ،

فترجع تلك الامة التي تكلمت عليها عن شرها ،

فاندم عن الشر الذي قصدت ان اصنعه بها.

وتارة اتكلم على امة وعلى مملكة بالبناء والغرس ،

فتفعل الشر في عينيّ فلا تسمع لصوتي ،

فاندم عن الخير الذي قلت اني احسن اليها به " ع 7 – 10 .
أمتان : واحدة تقتلع والأخرى تُغرس !


إن ما حدث فى بيت الفخارى لا يشير من الجانب الرمزى إلى أحداث فردية ( أى إلى قيامة الأفراد ) وإنما يقصد به أمتان أو مملكتان .

من هما هاتان الأمتان ؟

قام الرب بتهديد الأمة الأولى ، وظهر آثار هذا التهديد : فقد تم سبيهم وخربت مدينتهم ، وهدم الهيكل ، ودنس المذبح ، ولم يبق عندهم شيئا من المقدسات التى كانوا يملكونها ، لأن الرب قال لهذه الأمة : إرجعى إلى ، فلم ترجع .

ويتحدث الرب إلى الأمة الثانية عن بنائها وغرسها ، لكنه يرى أن تلك الأمة مكونة من أناس قابلين أيضا للسقوط والفساد ؛ لذلك يهددها ويقول لها : بالرغم من أننى تكلمت عليك فى البداية بالبناء والغرس ، إلا أنك إن أخطأت يحدث لك ما حدث مع غيرك حينما أخطأوا .

إذا : " هوذا لطف الله وصرامته ، أما الصرامة فعلى الذين سقطوا ، أى على الأمة اليهودية التى سقطت ، وأما اللطف فلنا نحن الأمة الأخرى ، إن ثبتنا فى اللطف ، وإلا فإننا أيضا سنقطع " رو 11 : 22 .



" فالآن كلم رجال يهوذا وسكان اورشليم قائلا :

هكذا قال الرب :

هانذا مصدر عليكم شرا وقاصد عليكم قصدا،

فارجعوا كل واحد عن طريقه الرديء واصلحوا طرقكم واعمالكم " ع 11 .

هذا هو نداء الرب عبر كل العصور ، فيه يبدو الله حازما ، يصدر علينا تأديبا نحسبه شرا ، أما غايته فهو رجوعنا عن طريقنا الردىء وإصلاح حياتنا حتى نحمل صورته ونشاركه سماته ، ولا نسقط فى الهلاك .

إن كان الله هو الفخارى الذى يشكل الطين فإنه يبدو أحيانا قاسيا لكى يقبل الطين أن تمتد يد الفخارى إليه وتعمل حسب مقاصده الإلهية من نحوه . فى ذهن الله خطة من نحونا نحن الطين ، لكنه لا يعمل بدون موافقتنا .

كانت إجابة الشعب على النداء الإلهى مملوءة استهتارا :

" فقالوا : باطل ،

لاننا نسعى وراء افكارنا ( شرورنا ) ،

وكل واحد يعمل حسب عناد قلبه الرديء " ع 12 .

ربما كان هذا تقرير قدمه إرميا النبى لله فى مرارة قلب ، فيه يشكو الشعب لأجل استهتارهم بتهديدات الرب الخاصة بالتأديب ، وإصرارهم على العناد ضد الله نفسه وضد خطته . جاءت إجابتهم على الله مملوءة عنفا وعنادا .

أمام هذا الأستهتار والأصرار على العناد قيل :

" لذلك هكذا قال الرب :

اسألوا بين الامم من سمع كهذه ؟

ما يقشعر منه جدا عملت عذراء اسرائيل.

هل يخلو صخر حقلي من ثلج لبنان ؟!

او هل تنشف المياه المنفجرة الباردة الجارية ؟!

لان شعبي قد نسيني .

بخروا للباطل وقد اعثروهم في طرقهم في السبل القديمة ليسلكوا في شعب في طريق غير مسهل " ع 13 – 15 .

تكررت عبارة : " هكذا قال الرب " 26 مرة فى سفر إرميا ، أما هنا فيضيف : " لذلك " ، وكأن ما يصدره من حكم هنا إنما يقدمه بعد تقديم حيثيات للحكم ...

جعل الله من شعبه عذراء ، مقدما لها كل إمكانيات لتمارس الحياة المقدسة ، فأساءت استخدام العطايا الإلهية . هذا بالنسبة لكنيسة العهد القديم ، فماذا بالنسبة لكنيسة العهد الجديد ، إذ يقول الرسول :

" لأن الذين استنيروا مرة ، وذاقوا الموهبة السماوية ، وصاروا شركاء الروح القدس ، وذاقوا كلمة الله الصالحة وقوات الدهر الآتى ، وسقطوا ، لا يمكن تجديدهم أيضا للتوبة ، إذ هم يصلبون لأنفسهم ابن الله ثانية ويشهرونه " عب 6 : 4 – 6 .

مما يحزن قلب الله أن مملكة يهوذا ليس فقط لم تستجب لنداء حبه ، ولا تجاوبت مع نعمته ، إنما سلكت أيضا ضد الطبيعة والمنطق ، الأمر الذى لا يحدث بذات الصورة حتى بين الأمم الوثنية . لقد استجابت نينوى لأول نداء قدم إليها بواسطة يونان النبى .

" هل يخلو صخر حقلي من ثلج لبنان ؟!

او هل تنشف المياه المنفجرة الباردة الجارية ؟!

إن كانت الصخور القاسية لا تخلو من تربة صالحة للزراعة ، ولبنان لا تخلو من ثلج ، وينابيع المياة لا تتوقف ، فلماذا جف شعب الله هكذا ولم يوجد بعد فيه تربة صالحة تقدم ثمرا روحيا ، أو نقاوة كالثلج ، أو مياة الروح القدس ؟! هكذا يحزن الله على شعبه الذى فقد كل صلاح من ثمر نافع وطهارة وعمل الروح .

إن كانت الصخرة هى ينابيع مياة السيد المسيح ، كذلك الثلج الذى هو مياة الآب لن يخلو من لبنان .

من أصبح عطشانا إلى ثدى الصخرة ، " والصخرة كانت المسيح " ؟

من أصبح عطشانا إلى الروح القدس فيقول : " كما يشتاق الإيل إلى جداول المياة هكذا تشتاق نفسى إليك يا الله ؟ .



إذ يصر الشعب على تجاهل الله إلهه ، بل تناساه تماما ، يسقطون تحت التأديب :

" لتجعل ارضهم خرابا وصفيرا ابديا.

كل مار فيها يدهش وينغض راسه.

كريح شرقية ابددهم امام العدو.

اريهم القفا لا الوجه في يوم مصيبتهم " ع 16 ، 17 .

الأرض التى احتضنت الفساد والجحود ونسيان الرب لا تثمر إلا خرابا ، هكذا أرض الإنسان أى جسده الذى يتلذذ بالخطية ، حاسبا أن سعادته فى ملذات الجسد يفقد حتى صحته وسلامته .

" لتجعل أرضهم .... صفيرا أبديا " ع 16 لقد فضلوا عدو الخير إبليس ، الحية القديمة ، عن خالقهم ومخلصهم ، لهذا تتحول أرضهم إلى مسكن دائم للحيات ، لا تسمع فيها إلا صفيرها .

" كل مار يدهش وينغص رأسه " ع 16 . نغص الرأس يشير إلى السخرية والأستهزاء على غباء هذا الشعب فى علاقته بالله ...

يصرخون إلى الله لكنه لا يستجيب لهم فى يوم مصيبتهم حتى يطلبون فى جدية الرجوع إليه ، لأنهم كسروا العهد معه . أعطوه القفا لا الوجه أى نبذوه ، لذا يعطيهم هو أيضا القفا لا الوجه ، لأنه بالكيل الذى به يكيلون يكال لهم ويزداد ، لكى يدركوا قيمة حرمانهم من الوجه الإلهى .

هذه هى أقصى عقوبة ، أن يدير الله وجهه عنا .



( 3 ) الرغبة فى الخلاص من إرميا

بدأ الأعداء يخططون ضده ، حاسبين أن ما يقوله إنما هى تهديدات لن تتم ، فستبقى الحياة كما هى ...

" فقالوا هلم فنفكر على ارميا افكارا ،

لان الشريعة لا تبيد عن الكاهن ،

ولا المشورة عن الحكيم ،

ولا الكلمة عن النبي.

هلم فنضربه باللسان ولكل كلامه لا نصغ " ع 18 .

ارادوا الأفتراء عليه باتهامات باطلة دون الإصغاء إليه بقصد قتله ( ع 23 ) لعلهم قصدوا بضربه باللسان هو اصطياد كلمات من فمه ، إنهم أرادوا أن يبكموا فمه فلا ينطق بكلمة الرب .

قدم إرميا صلاة مرة للغاية ، تكشف عن مدى تعب إرميا الشديد .. تعتبر أقسى صلاة للأنتقام من كل السفر .. رفع إرميا قلبه لله ملجأه كى يدافع عنه ضد الأنبياء الكذبة الذين يدفعون الشعب كله نحو الهلاك ، ويطلبون أيضا نفسه :

" اصغ لي يا رب واسمع صوت اخصامي.

هل يجازى عن خير بشر ؟!

لانهم حفروا حفرة لنفسي.

اذكر وقوفي امامك لأتكلم عنهم بالخير ،

لاردّ غضبك عنهم.

لذلك سلّم بنيهم للجوع ،

وادفعهم ليد السيف ،

فتصير نساؤهم ثكالى وارامل ،

وتصير رجالهم قتلى الموت ،

وشبانهم مضروبي السيف في الحرب.

ليسمع صياح من بيوتهم اذ تجلب عليهم جيشا بغتة.

لانهم حفروا حفرة ليمسكوني وطمروا فخاخا لرجليّ.

وانت يا رب عرفت كل مشورتهم عليّ للموت.

لا تصفح عن اثمهم ،

ولا تمح خطيتهم من امامك ،

بل ليكونوا متعثرين امامك.

في وقت غضبك عاملهم " ع 19 – 23 .

فى هذا ينطق إرميا بصلاة تقترب من تلك التى قدمها داود النبى :

" خاصم يارب مخاصمى ، قاتل مقاتلى .... " مز 35 .

هكذا كان إرميا النبى مثل داود النبى رجل آلام ، قاسى المتاعب بلا حصر ممن كان يجب أن يكونوا سندا له وعونا ، وأن ما يطلبه من انتقام يحمل نبوة عما يحل تحقيقا للعدل الإلهى لنفوس مصممة على تحطيم شعب الله فى خداع وبغير توبة !

+ + +
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Empty
مُساهمةموضوع: إرميا – الإصحاح التاسع عشر -مثل الإناء الخزفى   تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Icon_minitimeالإثنين فبراير 19, 2007 10:22 pm



إرميا – الإصحاح التاسع عشر

مثل الإناء الخزفى

فى الإصحاح السابق قدم الله لنا نفسه بكونه الفخارى السماوى ، الذى يهتم بالإناء الذى يسقط بإرادته من يد الفخارى ، فيجمعه من جديد ويشكله ليجعل منه إناء للكرامة . هنا يقدم لنا الإناء الخزفى المصر على العناد ، والذى لا يستحق إلا كسره !

فى هذا الإصحاح يؤكد أن الدمار والسبى قادمان ولا مفر منهما ( ع 10 ) ، حيث تلقة الجثث كالخزف المكسور إلى قطع صغيرة ، لا تستحق إلا تركها خارجا فى الشوارع أو فى اماكن القمامة :


( 1 ) رسالة أمام شيوخ الشعب



" هكذا قال الرب :

اذهب واشتر ابريق فخاري من خزف ،

وخذ من شيوخ الشعب ومن شيوخ الكهنة .... " ع 1 .

بصفة عامة لم يقبله شيوخ الشعب ولا شيوخ الكهنة ، لكن بلا شك كانت هناك قلة تتطلع إليه كنبى مرسل من الله . فجاء بهذه القلة كشهود على كلماته أمام الشعب والكهنة مع بقية القيادات . جاء بمندوبين عن الشعب ( العلمانيين ) والكهنة .

البعض حضروا ليجدوا فرصة لجمع منطوقات من فمه تشهد ضده ( ع 18 ) .

هنا يميز القديس يوحنا الذهبى الفم بين الإناء الفخارى فى الإصحاح السابق الذى كان لا يزال طينا لم يدخل الفرن ويحتاج إلى إعادة تشكيله لأنه فسد ، وبين الإناء المذكور هنا الذى دخل الفرن وانكسر ... الأول يمثل النفس التى تعطى لها فرصة التوبة ، ولا يزال الله يترجى خلاصها ، أما الثانى فيمثل النفس التى صممت على عدم التوبة بإصرار ...

فى استطاعة الله ليس فقط أن يصلحنا خلال غسل التجديد ، حيث اننا خزف ، وإنما أيضا بعد أن استلمنا عمل الروح وانزلقنا ، يمكنه أن يردنا خلال التوبة الصادقة إلى حالنا السابق .


( 2 ) خروجه إلى وادى ابن هنوم



" واخرج الى وادي ابن هنوم ،

الذي عند مدخل باب الفخّار ،

وناد هناك بالكلمات التي اكلمك بها " ع 2 .

دعى للخروج إلى وادى ابن هنوم ليتحدث هناك مع الشعب عند باب الفخار . يقع هذا الوادى فى جنوب شرقى أورشليم ، هناك كانت تحرق القمامة ، وأيضا جثث المجرمين .



دعى إلى هناك للأسباب التالية :

1 – هناك ارتكبوا أبشع فظائع الأعمال الوثنية ، أى تقديم أطفالهم ذبائح بشرية ومحرقات للإله ملوك ، فأراد أن تشهد عليهم الأرض التى مارسوا فيها الخطية .

2 – هناك يلزمهم أن يسمعوا عن مرارة الكارثة التى تحل بهم بكونها المنخفض الذى تلقى الجثث كقطع الخزف التى فى موضع القمامة .

3 – فى هذا الوادى وقف إرميا النبى وسط هذه كسر الأوانى الخزفية التى ألقيت للتخلص منها ، عند مدخل باب الفخار . حسب الترجوم هو باب الدمن ( الروث ) نح 2 : 13 ، 3 : 13 ، 14 ، 12 : 31 ، منه يلقى بواقى الحيوانات وكسر الخزف والقمامة والنفايات فى الوادى .


( 3 ) رسالة صريحة عن خطاياهم



" وقل اسمعوا كلمة الرب يا ملوك يهوذا وسكان اورشليم " ع 3 .

لم يكن أحد يتوقع أن يقف إرميا عند باب الفخار حيث تلقى القمامة ليوجه الحديث إلى ملوك يهوذا مع سكان أورشليم ، حقا ما أصعب على نفس ملك يهوذا أن يأتيه الخبر بأن إرميا يوجه إليه رسالة عنيفة عند باب القاذورات وإلقاء القمامة ... لكن هكذا نزل الملك بنفسه إلى هذا المستوى بإشتراكه فى الرجاسات الوثنية وعنفها !

ما أصعب على أولاد الله الذين جعلهم الله ملوكا وكهنة ( رؤ 1 : 6 ) أن ينحدروا بأنفسهم ليسقطوا تحت الحكم مع أولاد إبليس الأشرار باشتراكهم معهم فى سلوكهم الشرير ، وينحطوا أحيانا إلى مستوى أدنى من الحيوانات !



" هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل :

هانذا جالب على هذا الموضع شرا كل من سمع به تطن اذناه " ع 3 .



إذ يتحدث عن التأديب الذى يحل بهم من قبل الله يقول :

" رب الجنود إله إسرائيل " ع 3 .

بهذا يوبخهم ، فإنه إذ يصدر الحكم بسبيهم يسيئون إليه أمام الأمم ، فيبدو كضعيف غير قادر على الدفاع عن شعبه كإله إسرائيل مع أنه رب الجنود السماوية .. إذ يسلم شعبه كما فى ضعف لأجل خلاصهم الأبدى .

لعله استخدم هذا اللقب كلقب رسمى ، فقد صدر الأمر من قبل الملك السماوى ، رب الجنود ، والمسئول عن شعبه .

يعلن الله عن خطورة التأديب بقوله : " كل من سمع به تطن أذناه " ع 3 ، استخدم التعبير هذا ضد عالى الكاهن كما ضد منسى الملك [ راجع 1 صم 3 : 11 ، 2 مل 21 : 12 ] ، وهنا يستخدمه إرميا ضد الكهنة والملوك مع كل الشعب السالك وراءهم .

جاء الإتهام صريحا فى النقاط التالية :

أولا : الإرتداد عن الله .

" من أجل أنهم تركونى " ع 4 .

ثانيا : إفساد البركات التى قدمت إليهم .

حولوا أرض الموعد التى كان الله يعتز بها ، قائلا عنها " أرضى " ، إلى " أرض غريبة " ، إذ يقول : " وأنكروا هذا الموضع " ع 4 ..

ثالثا : محبون للتغيير فى العبادة :

" وبخروا فيه لآلهة اخرى لم يعرفوها هم ولا آباؤهم ولا ملوك يهوذا " ع 4 .

أليس هذا هو سمة هذا العصر أيضا ، حب التغيير لأجل التغيير فى حد ذاته ؟! هذا الذى هو علامة على الفراغ الداخلى وعدم الشبع ! تغيير فى كل شىء حتى وإن كان إلى الأردأ !

رابعا : سافكوا دماء الأبرياء

" وملأوا هذا الموضع من دم الأبرياء " ع 4 ، وقد أشير إلى هذه الخطية عند الحديث عن منسى الملك ( 2 مل 21 : 16 ، 24 : 4 ) ويهوياقيم ( 22 : 17 ) .

خامسا : تقديم أطفالهم ذبائح بشرية للأوثان

" وبنوا مرتفعات للبعل ليحرقوا اولادهم بالنار محرقات للبعل الذي لم اوص ولا تكلمت به ولا صعد على قلبي " ع 6 .

يرفض الله تقديم ذبائح بشرية نهائيا ( تك 22 : 1 – 19 ) ، حتى حينما طلب من إبراهيم إسحق إبنه ذبيحة كرمز لذبيحة المسيح لم يسمح بأن تتم عمليا ، إنما قدمت بنية الحب الباذل ، مع إيمان إبراهيم أن إسحق يرجع حيا ، إذ آمن بالله الذى يقيم من الأموات .


( 4 ) تأديبهم



أولا : تغيير اسم وادى هنوم إلى " وادى القتل " ع 6 . لأن كثيرين يسقطون فيه قتلى بالسيف ( ع 7 ) ، عندما يهاجمهم الأعداء ، أو عندما يحاولون الهروب فيلقى القبض عليهم ويقتلونهم .

أما قولـه : " واجعل جثثهم اكلا لطيور السماء ولوحوش الارض " ع 7 . كان ذلك علامة غضب الله وحلول اللعنة ، ليس فقط فى الشريعة الموسوية ( تث 28 : 26 ) وإنما بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط كلها فى ذلك الحين .

ثانيا : الذين لا يقتلهم السيف يهلكهم الجوع حتى يأكلون أولادهم وبناتهم وأعز أصدقائهم .

ثالثا : تتحول المدينة إلى خراب ، يصير الموضع المقدس موضع سخرية الأرض كلها ، لأن الخطية تجلب الخزى والعار .

رابعا : تفشل كل محاولة للخلاص أو الهرب من الضيق .

خامسا : يستمر رعب اللعنات ، إذ يفقد الإنسان آدميته تحت ضغط الحصار والضيق ، فيأكل الكبار الصغار ، ثم يعودوا فيأكل الكبار كل واحد لحم أخيه .

" واطعمهم لحم بنيهم ولحم بناتهم ،

فياكلون كل واحد لحم صاحبه في الحصار والضيق الذي يضايقهم به اعداؤهم وطالبو نفوسهم " ع 9 .

حدث ذلك أيضا سابقا ، [ راجع 2 مل 6 : 26 الخ .. ، مرا 2 : 20 ، 4 : 10 ] وعام 70 م عندما حاصر الرومان أورشليم .



( 5 ) كسر الإبريق الخزفى

" ثم تكسر الابريق امام اعين القوم الذين يسيرون معك ،

وتقول لهم :

هكذا قال رب الجنود :

هكذا اكسر هذا الشعب وهذه المدينة كما يكسر وعاء الفخاري بحيث لا يمكن جبره بعد وفي توفة يدفنون حتى لا يكون موضع للدفن " ع 10 ، 11 .

أولا : بهذا العمل قدم عنصر المفاجأة ، إذ لم يكن أحد يتوقع أن يلقى إرميا النبى بالإناء الذى اشتراه ليحطمه كطفل أمام شيوخ الشعب وشيوخ الكهنة .

ثانيا : أساء الشعب فهم طول أناة الله فحسبوه صانع خيرات وواهب العطايا فقط ، بهذا كانت نظرتهم إلى الله ومعاملاته مع الإنسان غير كاملة .

ثالثا : كانت عادة كسر الأوانى الفخارية قائمة عند تنصيب ملوك مصر ( الفراعنة ) ، إذ ينقشون أسماء أعدائهم على أوان فخارية ويقومون بكسرها علامة تحطيمهم تماما .

رابعا : ارتبط كسر الإبريق بالأعلان عن كلمات الرب بخصوص تأديب الشعب لئلا يظنوا أن ما يمارسه إرميا من قبيل ممارسة السحر . كما يفعل الأشوريون فى طقوسهم السحرية .

خامسا : ظن شعب يهوذا وأورشليم أنهم أقوياء كالنحاس ولم يدركوا أن قوتهم وعنفهم إنما جعل منهم إناء خزفيا هشا .

سادسا : تحل النجاسة بالمدينة كلها ، وذلك بامتلاء شوارعها بالجثث ، إذ يقول :

" هكذا اصنع لهذا الموضع يقول الرب ولسكانه ،

واجعل هذه المدينة مثل توفه.

وتكون بيوت اورشليم وبيوت ملوك يهوذا كموضع توفه نجسة ،

كل البيوت التي بخروا على سطوحها لكل جند السماء ،

وسكبوا سكائب لآلهة اخرى " ع 12 ، 13 .


( 6 ) وقوفه فى دار بيت الرب



ترك إرميا النبى وادى توفة وانطلق إلى الهيكل حيث وقف على تل فوق الوادى يؤكد ما قاله فى توفة . حسب الشعب ذلك مجرد تهديدات بالكلام ، لكن إرميا أوضح لهم أنهم يخدعون أنفسهم . كأنهم قد أضافوا إلى خطاياهم خطية الأستخفاف بالنبوات ، إذ قسوا قلوبهم ولم يسمعوا لصوت الرب على فم نبيه إرميا .
+ + +


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Empty
مُساهمةموضوع: إرميا – الإصحاح العشرون -مقاومة فحشور له   تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة Icon_minitimeالإثنين فبراير 19, 2007 10:28 pm



إرميا – الإصحاح العشرون

مقاومة فحشور له

كان يليق بالكاهن فحشور أن يكرم إرميا ويحميه ككاهن زميل له ، ويستشيره كنبى ، لأنه ينطق بكلمة الرب ، لكنه عوض ذلك جعله فى المقطرة ، ليضيق عليه فلا ينطق بالحق ، لكن التهبت كلمة الرب بالأكثر فى قلب إرميا ، ولم يستطع الصمت ، تمتع بالمعية مع الله وشهد للحق .


( 1 ) إرميا فى المقطرة



" وسمع فشحور بن امّير الكاهن ،

وهو ناظر اول في بيت الرب ،

ارميا يتنبأ بهذه الكلمات.

فضرب فشحور ارميا النبي ،

وجعله في المقطرة التي في باب بنيامين الاعلى الذي عند بيت الرب " ع 1 ، 2 .

كان فحشور الكاهن هو الناظر الأول للهيكل لفترة مؤقتة ، فى سلطانه أن يسجن بتهمة الإخلال بالأمن العام . قام بضرب إرميا وجعله فى المقطرة وتركه يقضى ليلة فى السجن أو فى الجب السفلى .

غالبا لم يكن فحشور بين المستمعين لإرميا النبى فى توفة ، إنما وردت إليه أخباره هناك ، وعرف بما نطق به إرميا أمام بعض شيوخ الشعب وشيوخ الكهنة . وإذ رآه قادما نحو الهيكل توقع أنه يكرر ما قاله هناك أمام خدام الهيكل والشعب ، فيحل الرعب بالشعب ، وربما ينحاز البعض إليه فلا يقدر فشحور أن يتصرف بعد ذلك . لذلك أسرع بضربه ووضعه فى المقطرة علانية أمام الكل حتى متى تكلم لا يسمع له أحد . أراد أن يسخر به أمام الكل حتى لا يلتفتوا إلى كلماته .

بالنسبة لأسم " فشحور " ذكر إرميا فى الإصحاح التالى شخصا آخر يحمل ذات الإسم : " فشحور بن ملكيا " 21 : 1 .

ويرى البعض أن الأسم مصرى الأصل يعنى " ابن حورس " .

إنجيلنا ليس وسيلة للتمتع بالزمنيات ، إنما هو وسيلة للأرتفاع نحو السمويات ، على الجبال العالية يلتقى الله مع رجاله ، فعلى جبل سيناء التقى الرب مع نبيه موسى ، مقدما له شريعته المقدسة . وعلى جبل تابور التقى رب المجد مع موسى وإيليا وبطرس ويعقوب ويوحنا ، حيث تجلى أمام تلاميذه ، مظهرا لهم بهاء مجده .



يسوع يضرب فينا

يقول العلامة أوريجينوس :

[ " فضرب فشحور إرميا النبى " . يبدو أن فشحور كان ممسكا بعصا فى يده لأنه كان ساحرا . إذا رجعنا إلى سفر الخروج نجد أن سحرة مصر كان عندهم أيضا عصى ، أرادوا بها أن يظهروا أن عصا موسى ليست من الله ! لكن عصا الرب غلبت عصى السحرة وأكلتها .

" فضرب فشحور إرميا النبى " . أكد الكتاب صفة إرميا ورتبته : " النبى " . إذن الذى ضرب إرميا ضرب نبيا . ويذكر سفر أعمال الرسل أيضا أن واحدا ضرب بولس الرسول بأمر من حنانيا رئيس الكهنة ، لهذا قال له بولس الرسول : " سيضربك الله أيها الحائط المبيض " ، من الخارج له صورة رئيس كهنة عظيم ومن الداخل حائط مبيض ، مملوء عظام أموات وكل نجاسة .

لماذا نتكلم عن بولس وعن إرميا ؟ فإن ربى يسوع المسيح هو نفسه يقول : " أسلمت ظهرى للسياط وخدى أهملتهما للطم ، ولم أرد وجهى عن خزى البصاق " .

يظن بعض البسطاء أن ما حدث للسيد المسيح كان فى أيام بيلاطس فقط ، حينما أسلمه ليجلد وحينما اشتكى عليه اليهود ، أما أنا فأرى يسوع المسيح يسلم ليجلد فى كل يوم . ادخل إلى معابد اليهود اليوم وانظر كيف أن السيد المسيح يجلد منهم من خلال التجاديف ، كذلك انظر إلى أبناء الأمم الذين يجتمعون ليشتكوا على المسيحيين ، كيف يقبضون على يسوع المسيح الموجود فى كل مسيحى ويقومون بجلده . تأمل يسوع المسيح الإبن الكلمة كيف أنه مهان ومرذول ومحكوم عليه من غير المؤمنين .

انظر كيف أنه بعدما علمنا وأوصانا قائلا : " من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا " قام هو نفسه بتنفيذ هذه الوصية فأهمل خديه للطم . يوجد أناس كثيرون يجلدونه ويلطمونه أما هو فلا يفتح فاه . حنى يومنا هذا ، لا يرد يسوع المسيح وجهه عن خزى البصاق : لأن الذى يحتقر تعاليمه يكون كمن ينفض البصاق فى وجهه ] .


( 2 ) فشحور المرتعب



" وكان في الغد ان فشحور اخرج ارميا من المقطرة.

فقال له ارميا :

لم يدع الرب اسمك فشحور بل مجور مسّا بيب.

لانه هكذا قال الرب :

هانذا اجعلك خوفا لنفسك ولكل محبيك ،

فيسقطون بسيف اعدائهم ،

وعيناك تنظران .

وادفع كل يهوذا ليد ملك بابل فيسبيهم الى بابل ويضربهم بالسيف " ع 3 ، 4 .

تحول اسم " فشحور " الذى يعنى " مثمرا من كل جانب " إلى " مجور مسا بيب " يترجمها البعض " رعب من كل جانب " .

يرى البعض أن الإسم الجديد يعنى " رحيلا " ، وكأن فشحور لن ينعم بالأستقرار بل يرحل إلى بابل مسبيا ، هو ومحبوه ، عندئذ يرتعبوا .

كان الأمر الإلهى للبشرية : " اثمروا واكثروا " تك 1 : 28 .

أما الآن فنزع الله عن فشحور هذه البركة ليدعوه " ارتعب أنت ومحبوك من كل جانب "

أولاد الله يعيشون فى فرح داخلى حتى وسط آلامهم ، أما أولاد إبليس فيعيشون فى رعب ، حتى إن نالوا كل العالم فى أيديهم .



" وادفع كل ثروة هذه المدينة وكل تعبها وكل مثمناتها ،

وكل خزائن ملوك يهوذا ادفعها ليد اعدائهم ،

فيغنمونها وياخذونها ويحضرونها الى بابل " ع 5 .

هكذا تمتد الخسارة لا إلى المحبين فحسب بل وإلى كل المدينة بكل إمكانياتها وخزائنها .

" وانت يا فشحور وكل سكان بيتك تذهبون في السبي وتأتي الى بابل وهناك تموت وهناك تدفن انت وكل محبيك الذين تنبأت لهم بالكذب " ع 6 ...

كان ينظر إلى الدفن فى أرض غريبة إحدى علامات غضب الله على الإنسان ، وسقوطه تحت اللعنة .


( 3 ) نار محرقة فى قلب إرميا



فى لحظات ضعف بشرى وجد إرميا نفسه مضروبا ومهانا من كاهن زميل له ، وملقى فى المقطرة الليلة كلها ، وقد صار أضحوكة بين الكهنة والشعب .. كما شعر بفشل رسالته . ليس من يصغى إليه ، ولا من يهتم بكلمات الرب التى ينطق بها .

هذا كله أثار فى نفسه مشاعر مؤقتة ، سجلها لنا لكى ندرك أنه ليس أحد بلا ضعف ، مهما بلغت عظم رسالته .

فى مرارة مع صراحة تامة تحدث مع الله معاتبا إياه ، مقدما اعترافا :

" قد اقنعتني يا رب فاقتنعت ،

وألححت عليّ فغلبت.

صرت للضحك كل النهار كل واحد استهزأ بي " ع 7 .

حقا تكاليف الخدمة باهظة ، إذ يشعر الخادم فى بعض اللحظات كأن الوعود الإلهية لا تتحقق ، يرى من حوله يضحكون عليه ويستهزئون به .

شعر إرميا النبى أنه قد خدع !! أين وعود الله له : يحاربونك فلا يقدرون عليك ؟ 1 : 18 ، 19 .. هوذا الآن مهان ومضروب ومقيد ... ليس من يسمع له ، ولا من يصغى إليه !

لعله لم يدرك إرميا النبى أنه كان يليق به أن يحمل صورة مخلصه يسوع المسيح الذى صار أضحوكة كل النهار ، استهزأ به اللص ، وسخر منه الشعب كما الجند ، واجتمعت القيادات الدينية مع المدنية للخلاص منه ! .

هذه هى تكلفة الخدمة والتلمذة للسيد المسيح المصلوب ، القائل :

" ليس التلميذ أفضل من المعلم ، ولا العبد أفضل من سيده ... إن كانوا قد لقبوا رب البيت بعلزبول ، فكم بالحرى أهل بيته ؟! مت 10 : 24 ، 25 .

" لأنه إن كانوا بالعود الرطب يفعلون هذا ، فماذا يكون باليابس ؟! لو 23 : 31 .

كانت صرخات إرميا للقيادات كما للشعب هى : ظلم واغتصاب ( ع 8 ) ، كاشفا لهم عن ضعفاتهم ، وفاضحا أعماقهم .. فلم يحتملوا .

ربما تردد أحيانا ولو إلى لحظات، متساءلا :

لماذا أخسر الناس ؟

لماذا أذكر اسم الله الذى يثيرهم ؟

لماذا لا أصمت ؟

لأترك الخدمة لآخر غيرى !

لكن صوت الحق كان كنار فى قلبه لا يقدر أن يخمدها



" لاني كلما تكلمت صرخت.

ناديت ظلم واغتصاب ،

لان كلمة الرب صارت لي للعار وللسخرة كل النهار.

فقلت لا اذكره ولا انطق بعد باسمه.

فكان في قلبي كنار محرقة محصورة في عظامي ،

فمللت من الامساك ولم استطع " ع 8 – 9 .

كانت كلمة الله للتأديب نارا محرقة فى قلبه ، محصورة فى عظامه ، لكن بسبب أمانته لله وثقته فيه كمخلص لم يستطع أن يمسك عن الكلمة ، ولو كلفه الأمر حياته كلها .


( 4 ) مقاومة الناس ومساندة الرب



" لاني سمعت مذمة من كثيرين.

خوف من كل جانب.

يقولون اشتكوا فنشتكي عليه.

كل اصحابي يراقبون ظلعي قائلين :

لعله يطغى فنقدر عليه وننتقم منه " ع 10 .

يبدو أن إرميا النبى قد دخل فى حالة ارتباك شديد وسط الجو العاصف الذى حل به . رأى الله يخدعه ولم يقف معه ليسنده ضد مقاوميه ، كما صار الأعداء ( الأنبياء الكذبة ) أصحابه يسمعون له لكى يتصيدوا له الأخطاء . تارة يهاجمونه ويسبونه كى لا يصغى الشعب إليه ، وتارة أخرى يراقبونه باهتمام كمن يطلبون كلمة منه .

سمعهم يذمونه ويسخرون منه ، كلماتهم تحمل سخرية من الخارج مع اضطراب فى الداخل ، فقد حل بهم الخوف ، وحاولوا علاج ذلك ، لا بالأستماع إلى صوت الرب ، بل بالسخرية به ... إنهم يخدعون أنفسهم ! .

" ولكن الرب معي كجبار قدير.

من اجل ذلك يعثر مضطهديّ ولا يقدرون.

خزوا جدا لانهم لم ينجحوا خزيا ابديا لا ينسى " ع 11 .

هذه هى صورة السيد المسيح الذى نام على الصليب ، فظنه عدو الخير أنه لا يقوم ، لكنه صرخ بقوة كجبار ، محطما متاريس الهاوية ، وضرب عدو الخير بالصليب ودفع به إلى عار أبدى ! ظن عدو الخير أنه بالصليب يحطم رسالة المسيح ، ولم يدرك أنه بالصليب تمت الغلبة والنصرة لحساب كل مؤمنيه ، وأن السهام قد أرتدت على عدو الخير نفسه لتحطيمه تماما !


( 5 ) تسبحة وسط الآلام



إذ يدرك إرميا النبى معية الله وسط الآلام تتحول حياته من الضيق إلى الفرح ، مسبحا الله المنقذ نفس المسكين من يد الأشرار ، وذلك كما فعل المرنمون ، إذ غالبا ما تنتهى مزامير الرثاء بعبارات مفرحة تكشف عن الثقة فى الله كمخلص وسند للمتألمين .

" فيا رب الجنود مختبر الصدّيق ،

ناظر الكلى والقلب ،

دعني ارى نقمتك منهم لاني لك كشفت دعواي.

رنموا للرب سبحوا الرب ،

لانه قد انقذ نفس المسكين من يد الاشرار " ع 12 ، 13 .

كلمة الرب تسبب مرارة فى البداية لكن تتحول المرارة إلى عذوبة فتتحول حياة المؤمن كلها إلى تسبيح داخلى لا ينقطع .

جاءت التسبحة هنا مطابقة لتلك التى وردت فى إر 11 : 20 ، حينما وقف أهل عناثوث ضده . فمع كل ضيقة ينتهى إرميا إلى ممارسة حياة التسبيح والتمتع بفرح الله مخلصه .


( 6 ) لحظات ضعف بشرى



كانت نفسية إرميا تتمرر من وقت إلى آخر فى لحظات الضعف ، إذ كان يشعر بانسحاق لأعماقه من أجل ما سيحل بشعبه ، وفى نفس الوقت يجد مقاومة حتى الموت من القيادات الفاسدة التى أثرت حتى على الشعب ، حتى اشتهى لو لم يولد .

" ملعون اليوم الذي ولدت فيه.

اليوم الذي ولدتني فيه امي لا يكن مباركا.

ملعون الانسان الذي بشّر ابي قائلا :

قد ولد لك ابن مفرحا اياه فرحا.

وليكن ذلك الانسان كالمدن التي قلبها الرب ولم يندم ،

فيسمع صياحا في الصباح وجلبة في وقت الظهيرة.

لانه لم يقتلني من الرحم ،

فكانت لي امي قبري ورحمها حبلى الى الابد.

لماذا خرجت من الرحم لارى تعبا وحزنا فتفنى بالخزي ايامي ؟!" ع 14 – 18 .

كان يشتهى لو لم يولد ، وكان يود لو أن أحشاء أمه صارت مقبرة له .

صورة للضعف البشرى الذى يسقط فيه حتى الأنبياء والرسل ... كبشر يحتاجون إلى سند إلهى وسط آلامهم حتى لا ينهاروا .

منذ لحظات كان يسبح الله وسط آلامه ، إذ كان متأكدا أنه يخلص نفس المسكين من يد الأشرار ... لكن سرعان ما ضعف وشعر بالفشل مشتهيا لو أن الموت قد حل به فى لحظات ولادته . وقد سمح له الله بتسجيل هذه المشاعر لكى لا نيأس حين نضعف وسط آلامنا ، متطلعين إلى أن الأنبياء أنفسهم كانوا أحيانا يضعفون .

مع كل هذه الظروف القاسية ، ومع مرارة نفسه لم يهرب من الخدمة ... بل كان يهتم بخلاص الآخرين ، حتى المقاومين له .

+ + +
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تفسير سفــــــر إرميـــــــا -لسفر إرميا أهمية خاصة تمس حياة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 3انتقل الى الصفحة : 1, 2, 3  الصفحة التالية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
.::.Jesus Lovers Forum .::. منتدى محب المسيح .::. :: القسم الدينى المسيحى :: قسم شرح الاناجيل المقدسة والرسائل :: قسم تفسير العهد القديم-
انتقل الى: