الإصحاح السادس
وجوب خلو تلاميذ المسيح من الرياء في برهم
(عدد 1-18
«احترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكي ينظروكم، وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السماوات. فمَتَّى صنعت صدقة فلا تصوت قدامك بالبوق كما يفعل المراؤون في المجامع وفي الأزقة لكي ُيمجدوا من الناس. الحق أقول لكم أنهم قد استوفوا أجرهم وأما أنتَ فمَتَّى صنعت صدقة فلا تعرف شمالك ما تفعل يمينك لكي تكون صدقتك في الخفاء. فأبوك الذي يرى في الخفاء هو يُجازيك علانية» (عدد 1-4).
«صدقتكم» في (عدد 1) هي على الأرجح «بركم»، وتَعني كل أعمال البر كالآتي ذكرها. أما كلمة «صدقة» في (عدد 2)، فمعناها في الأصل «حسنة».
كان اليهود متدينين. وكان الرياء قد تمكن فيهم إلى أقصى درجة. ومن المعلوم أن الرياء أعظم آفة للبشر إن كانت عندهم ديانة مُسَلَّمَة إليهم من أجدادهم. لأنهم يحافظون على فرائضها بغيرة شديدة، بينما تكون قلوبهم مبتعدة عن حقيقتها. ولأغراض متنوعة يتممون المفروض عليهم وهم عاملون حسابًا لنظر الناس، لا لنظر الله.
إن الصدقة والصلاة والصوم من الأمور الواجبة، ولكنها أيضًا من الأمور الممكن لنا أن نمارسها لغايات ذميمة، فلا تكون سوى مكرهة أمام الله. قد تَقدم في (إصحاح 5) كلام الرب من جهة المحبة التي يجب أن تكون في تلاميذ، وتحملهم على الخير مع الجميع، ولا سيما مع المحتاجين. ولكنه لم يذكر بالتفصيل كيف يكون تصرفهم في هذا الشأن، ولا أن أباهم السماوي لابد أن يجازيهم. ومن ثم أخذ يوضح هنا كيف تكون الممارسة لكل من الصدقة والصلاة والصوم، محذرًا إياهم من الرياء.
لقد وردت شهادات كثيرة جدًا في العهد القديم من جهة عمل الصدقة، كقول الحكيم «من يرحم الفقير يقرض الرب وعن معروفه يجازيه» و«الصالح العين هو يُبارك لأنه يعطي من خبزه للفقير» و«من يعطي الفقير لا يحتاج ولمن يحجب عنه عينيه لعنات كثيرة‘» (أمثال 17:19؛ 9:22؛ 27:28. ولكونها من الأعمال الحسنة كثيرًا ما يصنعها الناس ليس عن نية مُخلصة، بل لاكتساب المدح من الآخرين.
«فلا تُصوَّت قدامك بالبوق» وهو تعبير مجازي يدل على التنبيه والإشهار ولفت الأنظار.
«كما يفعل المراؤون» المراؤون هم المتظاهرون بخلاف ما هم عليه
«في المجامع وفي الأزقة»، المجامع هي أماكن الازدحام الدينية. والأزقة هي أماكن الازدحام الدنيوية.
«لكي يمجدوا من الناس» إذ ليس غرضهم مجد الله، بل للمدح من الناس. (قارن يوحنا 43:12 مع يوحنا 44:5).
«أنهم قد استوفوا أجرهم». أي المدح من الناس وهو ما طلبوه، فنالوه، وليس لهم اكثر من ذلك. لأن الله لا يحسب صدقتهم عبادة له.
فالقانون لتلاميذ المسيح هو أن يحترزوا من صنع صدقتهم قدام الناس لكي ينظروهم، كقوله «فلا تعرف شمالك ما تفعل يمينك» أي لا تفكر أنتَ فيما تفعل لئلا يأخذك العُجب بنفسك.
«فأبوك الذي يرى في الخفاء». أي الذي ينظر عطيتك الخفية ويعرف ما هي نية قلبك الداخلية «هو يجازيك ‘علانية’». ولكن ليس على سبيل الاستحقاق (لوقا 7:17-10) بل على سبيل النعمة.
كان الله معتادًا في الأيام القديمة أن يجازي المحسنين في الأرض، كما يتضح من الشهادات التي اُقتُبست آنفًا. راجع أيضًا(مزمور 112). فأنه يتعلق كله بغبطة العطاء ومجازاة الرب للمعطي، من حيث أنه يُكثر له الخيرات الزمنية. ولكن لما اقتبس الرسول بولس من هذا المزمور عبارة في (كورنثوس الثانية 9:9) ليثبت بها وجوب العطاء، لم يذكر المواعيد المُتضمنة فيه بالمجازاة، بل اقتصر على ما يصف عمل الخير كمغبوط ومرضي عند الله. إذا شاء الرب وقيامة الأبرار (إصحاح 42:10؛ لوقا 14:14). لذلك قِيلَ «ولكن ليُشارك الذي يتعلم الكلمة المُعَلِّمَ في جميع الخيرات. لا تضلوا، الله لا يشمخ عليه. فأن الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضًا. لأن من يزرع لجسده فمن الجسد يحصد فسادًا. ومن يزرع للروح فمن الروح يحصد حياة أبدية. فلا لا نفشل في عمل الخير لأننا سنحصد في وقته إن كنا لا نكل. فإذًا حسبما لنا فرصة فلنعمل الخير للجميع ولا سيما لأهل الإيمان» (غلاطية 6:6-10).
أننا لو حصلنا في الحال على بركات أرضية جزاء على عمل الخير، لِمَا كنا في تجربة أن نكل. ولكننا قد دُعينا أن نتمثل بأبينا الذي سيجازينا في وقته وبالطريقة التي تؤول لمجده، ولزيادة تمتعنا به إلى الأبد.
يُلاحظ أنه قِيلَ هنا أن الآب هو الذي يجازينا (إصحاح 27:19) وهذا كله صحيح. فأن الآب السماوي سيصادق علينا كأولاده ويمدح كل واحد منا لأجل أمانته في سلوكه هنا كابن له. والرب يسوع أيضًا سيصادق علينا كعبيده في خدمتنا له، ويمدح كل واحد منا على حسب أمانته كعبد له.
«ومتى صليت فلا تكن كالمرائين. فأنهم يحبون أن يُصلوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع لكي يظهروا للناس. الق أقول لكم أنهم قد استوفوا أجرهم. وأما أنت فمتى صليت فأدخل إلى مخدعك وأغلق بابك وصلِّ إلى أبيك الذي في الخفاء. فأبوك الذي يرى في الخفاء يُجازيك‘علانية’» (عدد 5، 6).
الكلام هنا عن الصلاة الانفرادية، لا العائلية، ولا الاجتماعية. فالمُشار إليهم عوضًا عن أن يصلوا صلاتهم الانفرادية في الخفاء، مُنفردين بالله، طلبوا الشهرة، وصلوا ظاهرين، لكي ينظرهم الناس ويمدحوهم. فليس لهم أجر سوى ذلك. أما الذي يواظب على الصلاة الانفرادية، فينال جزاء، لأن الآب ينظر إليه بسرور في اختلائه به ويقبل طلباته.
«وحينما تُصَلُّونَ لا تُكَرِّروا الكلام باطلاً كالأمم. فأنهم يظنون أنه بكثرة كلامهم يُستجاب لهم. فلا تتشبهوا بهم. لأن أباكم يعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه» (عدد 7، 8.
كثرة الكلام مكرهة عند الرب في كل الأحوال (أمثال 19:10) ولا سيما في الصلاة (جامعة 2:5، 3) والممنوع هنا تكرار الكلام باطلاً، وهو التكرار الصادر عن عدم الثقة. لأن الله يسمح لنا أن نكرر طلبة واحدة مرة بعد أخرى، أي في أوقات مُتفاوتة إن كنا نعمل ذلك بثقة. وقِيلَ عن ربنا يسوع نفسه أنه صلى للآب من جهة الكأس ثلاث مرات «قائلاً ذلك الكلام بعينه» (إصحاح 39:26-44). وبولس أيضًا طلب من الرب ثلاث مرات أن تُنزع منه الشوكة (كورنثوس الثانية 7:12-9)، لأن هذه لجاجة وليست تكرارًا. واللجاجة في الصلاة ممدوحة ومطلوبة (لوقا 8:11؛ 5:18؛ أع5:12). وأما الأمم، فإذ ليست لهم الثقة، يكررون الكلام، بدون ذهن، وبغير وعي، كشيء مفروض عليهم، ظانين أنهم إذا أكثروه يجيئهم الجواب. أنظر ما فعله كهنة البعل في (ملوك الأول 26:18-28، ولكن الله ليس بمُتغافل عن احتياجاتنا، لأنه يعلمها قبل أن نسأله.
ولنلاحظ أن المسيح لا يقول أن الآب يعطينا احتياجاتنا دون أن نسأله، بل يَعْلَمْها قبل أن نسأله. فهو يريد أن يربي فينا الثقة في الصلاة، لا أن يمنع الصلاة.
ربما يقول قائل، ولماذا لا يعطينا بغير صلاة؟ فأقول، أنه قد عين هذه الطريقة لكي يمنحنا بها، ويربي فينا العواطف الناتجة عن روح البنوة، وهي الدالة والثقة، ويحق لنا أنه يحبنا ويعتني بنا في كل أحوالنا. لأننا عندما نرى أجوبة مُؤكدة من عنده، نزداد ثقة فيه. لكن لو باركنا بغير صلاة، لكُنَا نتمتع بخيراته بدون أن نعرفه.
«فصلوا أنتم هكذا .. أبانا الذي في السماوات .. الخ» (عدد 9)
قد وصلنا إلى صورة الصلاة المعروفة عند جميع المسيحيين «بالصلاة الربانية». وقد ظن الكثيرون أنها توافق حالة المسيحيين في كل حين. وقد درجت عندهم أن يُعلموها لأولادهم، وأمنيتهم أنهم يحفظونها عن ظهر قلب، ويُصلونها، لتُميزهم كمسيحيين عن الآخرين حتى ولو عاشوا في جهل لكل ما عداها من الحقائق المسيحية. كما كثر استعمالها كفرض في بعض الكنائس المسيحية، بل وكثيرًا ما يكررها البعض كعقوبة دينية، يحكم عليهم بها لأجل زلة ما، أو يُكررونها عدة مرات كخدمة نافلة، ظانين أنه يكون لهم فضل عند الله لأجل ذلك. ولا أُريد، من سرد هذه الحالات، أن أُندد بغيرة المسيحيين، وتمسكهم بعقائدهم، ولا بغيرتهم في تربية أولادهم تربية مسيحية، فانه من ألزم واجباتنا أن نُعلم أولادنا التعاليم المسيحية وان نُربيهم في مخافة الرب، بتأديبه وإنذاره (أفسس 4:6) وإن لم تظهر نتائج حسنة في الحال فلنا رجاء في أنهم ينتبهون فيما بعد إلى حقيقة الإيمان. على أنني رغم ذلك أقول:
أولاً- إن تكرار هذه الصلاة، كفرض، لا ينفع الكبار ولا الصغار. لأن ذلك وتكرار الكلام باطلاً، شيء واحد.
ثانيًا- الاقتصار على هذه الصلاة، دون غيرها من الصلوات المدونة في العهد الجديد، ليس من الأمور اللائقة. ولا شك عندي أنه قد صدر عن الأفكار اليهودية التي استولت على كثيرين من المسيحيين، منذ القديم.
ثالثًا- الطلبات التي تتكون منها هذه الصلاة صيغت بكيفية توافق حالة تلاميذ المسيح زمان وجوده بالجسد معهم على الأرض، أو فبل موته وقيامته، وصعوده إلى السماء وإرساله الروح القدس يوم الخمسين، أو بعبارة أخرى في زمان الكرازة ببشارة الملكوت، أو بالمسيح ملكًا لليهود. أما المسيحية فلم تبدأ إلا بعد أن رُفض المسيح، كملك اليهود، وصُلب، وصنع الخلاص بموته لكل البشر. ثم قام وصعد وأرسل الروح القدس يوم الخمسين، ليسكُن في قلوب الذين يؤمنون، وفي ذلك اليوم فقط بدأت المسيحية. أما في وقت أن علمهم المسيح هذه الصلاة فقد كانوا كيهود أتقياء مُتعودين على الصلوات المناسبة للعهد القديم. ولكن لما حضر المسيح وانقادوا إلى تعليمه، أخذوا يشعرون باحتياجهم إلى طلبات أخرى، تناسب أحوالهم الجديدة. انظر (لوقا 1:11-4) فترى أنهم طلبوا من الرب أن يُعلمهم أن يُصلوا، كما علم يوحنا المعمدان تلاميذه. لقد كان الرب مُعتادًا أن يُصلي وحده (لوقا 18:9؛ 41:22)، لأنه لم يمكن أن يُصلي بموجبها وحده. علاوة على أنه لم يكن يُصلي كخاطئ، كما نُصلي نحن.
«فصلوا أنتم هكذا .. »، أي على هذا الأسلوب، أو على هذا المنوال. فهذه الصلاة إذن لم يقصد الرب منها أن يقتصروا على كلماتها. ولا ينتج عنها أنها توافقهم في كل حين، لأن طلباتهم تتغير بتغير أحوالهم. وهذا ما صار فعلاً بعد موت المسيح، وتمجيده، لأنه حينئذ حلَّ عليهم الروح القدس ليُعينهم في الصلاة (رومية 26:8، 27).1 كما في سائر واجباتهم. وأما قبل ذلك فلم يكن المسيح قد مات ولا قام ولا تمجد في الأعالي ولا أرسل روحه. وبالتبعية لم يكن لهم معرفة باتحادهم معه بالروح القدس كرأسهم وهو عن يمين الله ولا بالحقائق الأخرى التي إن كنا نحن الآن لا نعرفها فأننا لا نستحق أن نُسمى مسيحيين. وليقابل القارئ العزيز هذه الصلاة مع كثير من الطلبات الواردة في سفر الأعمال وفي الرسائل2، فيرى حقيقة كلامي في شأن هذا الموضوع ويتأكد من صحته. ومع ذلك فأني لا أشاء أن أنطق بكلمة واحدة تحط من شأن أو قدر هذه الصلاة لأنها جزء من أقوال المسيح الثمينة. ولا يزال جزء كبير من طلباتها يناسب أحوالنا، كما سنرى. ولا بأس من استعمال هذا الجانب، إن قادنا الروح القدس إلى ذلك. وأما الصلاة بجملتها فلا يمكن للمسيحي المُتمكن في أصول إيمانه أن يمارسها.
تتكون هذه الصلاة من سبع طلبات، ثلاث منها خاصة بالله، وأربع خاصة بالإنسان. وابتداؤها بما يخص الله يوضح قول الرب في(عدد 33) «اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم». فلنلاحظ في صلواتنا بحسب النسبة التي أوجدنا الله فيها معه. كان المؤمنون القدماء، أي في زمان قيام الديانة اليهودية، يخاطبونه كإله إسرائيل (ملوك الأول 23:8، ورب الجنود (صموئيل الثاني 27:7)، والجالس على الكروبيم (مزمور 1:80)، إلى غير ذلك من الألقاب الدالة على نسبتهم إليه. وأما اسم «الآب» فلم يذكروه في صلواتهم، لأن البنوة لم تُعرف قبل حضور الابن الوحيد في الجسد. فلما شرع يُعلم تلاميذه أن يقولوا «أبانا الذي في السماوات» أعلن لهم هذه النسبة الجديدة. على أنهم لم يُدركوا معنى البنوة تمامًا قبل حلول الروح القدس وسكناه فيهم. كان المسيح يعلن لهم اسم الآب ويعرفهم به، أثناء خدمته ووجوده معهم بالجسد على الأرض (يوحنا 6:17، 26). على أن هذا مع غيره من الحقائق الجديدة، لم يدركوها إلى أن أتاهم المُعزي ليُعلمهم بكل شيء.3 فأن المقام المسيحي يتميز بشيئين: هما سُكنى الروح القدس في قلوبنا4 ومعرفتنا لمغفرة خطايانا (يوحنا الأولى 12:2)، وبنوتنا لله (يوحنا الأولى 2:3). لأن الروح القدس الذي سكن في قلوبنا هو الذي يشهد فينا لحُصولنا على تينك البركتين وبالتبعية على كل ما يترتب على نوالنا إياهم فنتحقق أن الله أبونا، كما هو إلهنا أيضًا حسب قول الرب يسوع بعد قيامته «أنني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم» (يوحنا 17:20).
ووصف الآب بأنه «الذي في السماوات» هو للمباينة بينه وبين آباء أجسادنا الذين على الأرض، وقد أمرنا الرب قائلاً «ولا تدعوا لكم أبًا على الأرض لأن أباكم واحد الذي في السماوات» (إصحاح 9:23).
«ليتقدس اسمك» أي اسم الله كالآب. لقد وردت شهادات كثيرة جدًا عن تقديس اسم الله، لا يُخفى أن اسمه قدوس باعتبار جميع أسمائه أو صفاته التي أعلنها للبشر، لأن الله باسمه يعلن ذاته، فمعنى تقديس اسم الله هو إفرازه تعالى من بين الكائنات، وإظهاره على أساليب تليق بجلاله. ومعنى هذه الطلبة أن اسم الله كالآب يتعالى ويتمجد ويصير معروفًا كما يجب. وليس معناها أن جميع الناس يصيرون أولادًا لله، مع أننا نرغب في ذلك بحسب محبتنا لله ولهم، بل المعنى أن يُعرف الله في هذه الصفة، وأن تعرف نسبة البنوة المَبْنِية عليها. ولأن العالم نفسه والشياطين سيعرفون ذلك وقت القضاء مع أنه ليس لهم نصيب في النسبة المذكُّورة.
وقد تم تقديس أو تمجيد اسم الآب على نوع ما عند تمجيد الابن الوحيد (فيلبي 9:2، 11) وحلول الروح القدس على المؤمنين، وسيتم أيضًا، في دائرة أوسع في زمان مُلك الألف سنة وسيتم وعلى الوجه الأكمل في وقت أجراء القضاء وتسليم المُلك لله الآب (كورنثوس الأولى 24:15-28. ولا يزال ذلك كله مما يليق بنا أن نرغب فبه ونطلبه.
«ليأت ملكوتك لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض» (عدد 10). يُنسب الملكوت هنا إلى الآب، فهو ملكوت الابن أيضًا (مَتَّى 41:13). وهو الملكوت الذي سيُقام بالقوة في المستقبل لإسرائيل وتشمل بركته كل العالم، والذي فيه ستكون مشيئة الله «كما في السماء هكذا على الأرض».
«لتكن مشيئتك كما في السماء هكذا على الأرض». يتصف جنود السماء بالطاعة الكاملة أما سكان الأرض فبالعصيان. فيليق بنا كأولاد الله، الذين تعلموا الطاعة وذاقوا لذتها، أن نطلب سرعة مجيء الوقت الذي فيه تتصف هذه الأرض العاصية بالطاعة، كما تتصف بها السماء الآن. لقد كان م الأمور الواجبة أن البشر يخضعون لكلام الله، وإذ ذاك يحصلون على الراحة والبركة، ولكن لا يُخفى أنهم الآن متصفون بأنهم أبناء المعصية (أفسس 3:2) ولن يتعلموا البر إلا بضربات الله «لأنه حينما تكون أحكامك ‘أو دينوناتك’ في الأرض يتعلم سكان المسكونة العدل ‘أو البر’، يرحم المُنافق ولا يتعلم العدل. في أرض الاستقامة يصنع شرًا، ولا يرى جلال الرب. يارب، ارتفعت يدك ولا يرون. يرون ويخزون من الغيرة على الشعب، وتأكلهم نار أعدائك» (إشعياء 9:26-11). فكلما طلبنا سرعة مجيء يوم الرب، نكون قد طلبنا تتميم طلبة «لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض».