معلوم أن أوغسطس قيصر المذكور هنا، كان الملك العظيم المقتدر! الذي كانت مدينة رومية عاصمتهُ، وكان لهُ السلطان المُطلق على المسكونة. ومملكتهُ هي رابعة الممالك الأربع التي تنبأ عنها دانيال، وكان إسرائيل وأرضهم تحت أمرهِ بسبب خيانتهم لإلههم. كان ذلك الملك الوثني متسلطًا على الشعب الذي أُفرز لله وعلى مدينتهم المقدسة التي أختارها الله لوضع عرشهِ فيها. لولا خطيتهم لم يكن ذلك من الأمور المُمْكنة، ولكن الخطية تفسد جميع الأمور الحسنة إذا دخلت وتنتج أحوالاً مُحزنة جدًا. لم يكن أحدٌ يظن في أيام داود وسليمان مثلاً، أن المسيح المُتنبأُ عنهُ يُولد تحت سلطة ملك وثني -ولكن هكذا صار- على أننا نرى أيضًا، هنا يد الله فوق جميع أعمال الناس. فإن أتفق بعنايتهِ أن عمانوئيل يُولد في ظروف كهذه فنراهُ سبحانهُ وتعالى يحوّل سؤَ حالة شعبهِ وآوامر الملوك إلى إجراء مقاصدهِ هو. فقصد الإمبراطور الروماني أن يُجري اكتتاب المسكونة فذهب كل واحد إلى مدينتهِ ليكتتب. والوحي يذكر هذا لكي يرينا انحطاط إسرائيل وعبوديتهم للأمم كما سبق نحميا وأقرَّ بلسانهم قائلاً: ها نحن اليوم عبيد والأرض التي أُعطيت لآبائنا ليأكلوا أثمارها وخيرها ها نحن عبيد فيها. وغلاتها كثيرة للملوك الذين جعلتهم علينا لأجل خطايانا، وهم يتسلطون على أجسادنا، وعلى بهائمنا حسب إرادتهم ونحن في كرب عظيم! (نحميا 36:9، 37). وقد رأينا في الإصحاح الأول أن الأتقياء شعروا بحلتهم السيئة؛ فلذلك فرحوا بأن الله شاء وافتقدهم في مذلَّتهم. ومن الأمور العجيبة أن الأمر الصادر من الملك الوثني باكتتاب المسكونة إنما تممَّ مقصد الله إذ جعل يُوسفُ وامرأتهُ المخطوبة يذهبان إلى بيت لحم الموضع الذي قالت النبوات: أن المسيح يُولد فيهِ. وهذا الاكتتاب الأول جرى إذ كان كيرينيوس والي سورية (ينبغي أن نقرأ هذه الجملة) وهذا الاكتتاب جرى أولاً إذ كان … إلخ. (انظر حاشية الإنجيل المُشوهد). ومعناها أن الأمر صدر في ذلك الوقت، وذهب كل واحد إلى مدينتهِ، ولكن الاكتتاب لم يتم حينئذٍ إذ صار عائق لتتميمهِ، ولكن الاكتتاب جرى بعد ذلك بمدة نحو عشر سنوات حين كان الشخص المذكور والي سورية. فالواضح أن الله حوّل أفكار أوغسطس قيصر إلى إصدار الأمر لأجل إحضار يوسف ومريم إلى بيت لحم في الوقت المعيَّن. تحركت المسكونة كلها لإجراء تلك الحادثة الصغيرة في أعين الناس فلما حضر يوسف إلى مدينتهِ تم المطلوب بحضورهِ ، وتُرك الاكتتاب إلى زمان بعد. فنستفيد فوائد حلوة من مقابلة كلام لوقا مع ما ورد في إنجيل مَتَّى من جهة الظروف والحوادث المتعلقة بدخول عمانوئيل إلى العالم، فأن الوحي ألهم البشير مَتَّى بأن يذكر ولادة المسيح على طريقة رسميَّة فإنما أدرج ما يكفي ليُبرهن أنهُ ابن دواد ابن إبراهيم وأنهُ وُلد من العذراء على كيفية إلهية بخلاف غيرهِ من البشر، ولا يُذكر كيفية ذهاب يوسف ومريم إلى بيت لحم، ولا شيئًا عن وضعهِ في المذود. إلى خلاف ذلك، مما ورد في لوقا فأن مقصد الوحي في إنجيل لوقا أن يُرينا لُطف الله ونعمتهُ للناس في ولادة مُخلصهم بينهم بكامل الاتضاع. وهذا يناسب جميع ما يتضمن في هذا الإنجيل كما سنرى. فولدت ابنها البكر وقمَّطتهُ وأضجعتهُ في المذود إذ لم يكن لهما موضع في المنزل. لاشك بأن الوحي يقصد أن يفيدنا فائدة خصوصية بذكرهِ عدم وجود موضع لهما في المنزل. فأن ابن الله قد وُلد في هذا العالم، ولكنه لم يجد موضعًا فيهِ. فأنهُ يمكن للناس غيرهِ أن يجدوا مبيتًا فيهِ؛ لأن لهم الوسائط المُناسبة لراحتهم، ونراهم يتسابقون معًا لأجل الحصول على البيوت الفاخرة والمعيشة الرفيهة حتى المُسافرون يفوزون بالقبول في النازل المعيَّنة لهم، ولكل واحد الترحُّب والكرامة والاعتناءُ بحسب غناهُ وشرفهِ وأما ابن الله مخلص العالم فلم يجد شيئًا من ذلك بل وُلد في خان ووُضع في المذود. وبالحقيقة لا يوجد في العالم موضع لله، ولا قبول لِما هو من الله. فمن ثمَّ نرى مُعظم المحبة التي حملتهُ أن يفتقد الناس، ويُولد في وسطهم مُختبرًا الجفاءَ والنفور وعدم الاعتبار من أول دخولهِ إلى العالم الذي كُوّن بهِ، ولكنهُ كان مبتعدًا عنهُ إلى هذا المقدار حتى أنهُ لم يلتفت إلى ملكهِ الحقيقي حين تنازل من علو سمائهِ وحضر فيهِ. فابتدأ حياتهُ في مذود البقر وأنهاها على الصليب، وفي طريقهِ لم يكن لهُ أين يسند رأسهُ. فهل يليق بنا نحن أتباعهُ أن نرفع رؤوسنا طالبين مجدًا ورفعةً في عالم كهذا؟ كلا. فإن الأليق بنا أن نتأمل في قدوتهِ ونطلب نعمة لكي نتمثل بهِ تابعين خطواتهِ. على أننا نرى أنهُ قد سبقنا وغلبنا في طريق الاتضاع والوداعة. فصار الكلمة جسدًا، حلَّ اقنوم الابن بين الناس واصبح طفلاً صغيرًا مشتركًا اشتراكًا حقيقيًا في ضعف الجنس البشري ومُختبرًا أحوال الحياة. لم يدخل العالم كامل القامة والقوة الإنسانية مثل آدم الذي خلقهُ الله كاملاً بدون إن يجتاز أحوال الطفولية والصبو. فكان آدم ابن الله باعتبار خليقتهِ كاملاً من يد الله (انظر إصحاح 37:3) وأما يسوع فأتى مولودًا من امرأة باعتبار ناسوتهِ فكان نسل المرأة، نعم، وابن الإنسان أيضًا يعني أنهُ انتسب إلى الجنس البشري الموجود قبل تجسدهِ خلاف آدم الذي لم يكن نسل المرأة، ولا ابن الإنسان.
[color=blue]8 وَكَانَ فِي تِلْكَ الْكُورَةِ رُعَاةٌ مُتَبَدِّينَ يَحْرُسُونَ حِرَاسَاتِ اللَّيْلِ عَلَى رَعِيَّتِهِمْ، 9 وَإِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ وَقَفَ بِهِمْ، وَمَجْدُ الرَّبِّ أَضَاءَ حَوْلَهُمْ، فَخَافُوا خَوْفًا عَظِيمًا. 10 فَقَالَ لَهُمُ الْمَلاَكُ:«لاَ تَخَافُوا! فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: 11 أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ. 12 وَهذِهِ لَكُمُ الْعَلاَمَةُ: تَجِدُونَ طِفْلاً مُقَمَّطًا مُضْجَعًا فِي مِذْوَدٍ». 13 وَظَهَرَ بَغْتَةً مَعَ الْمَلاَكِ جُمْهُورٌ مِنَ الْجُنْدِ السَّمَاوِيِّ مُسَبِّحِينَ اللهَ وَقَائِلِينَ: 14 «الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ». (عدد 8-14).
أفكار الله ليست كأفكار النَّاس. لو وُلد ابن بكرًا لعائلة ملكية بين الناس لكان يذيع الخبر بذلك رسميًا في كل المملكة لا سيما بين أكابرها وشرفائها؛ وينتج فرح عمومي، وأما البشارة بولادة يسوع فبلغت الفقراءَ قبل الكل ، نعم، نرى أن الملائكة الأطهار كانوا مهتمين بتلك الحادثة العظيمة التي تمت فيها مقاصد الله جميعها! وتعلق عليها أمر الكون. ولكنه لم يُولد لهم بل لنا. «لأنَّهُ حقًا ليس يُمسك الملائكة، بل يُمسك نسل إبراهيم» (عبرانيين 16:2). كان بعض أُناس فقراء رعاة غنم ممارسين واجباتهم المعيَّنة بعادًا عن تآمرات الملوك وليس لهم أقل اشتراك في مشروعات الناس وطمعهم في المجد الفاني. لم يكونوا من الذين لهم موضع في منازل هذا العالم. «هوذا الذين يلبسون الثياب الناعمة هم في بيوت الملوك» (مَتَّى 8:11). فكانت حالة أولئك الرعاة تشبه حالة يسوع نفسهِ فإليهم أولاً بلغت البشارة بحضور الرَّبِّ في الأرض. لم يكن إله إسرائيل يطلب العظماء بين شعبهِ بل الذين كانوا من أذل غنمهِ الإسرائيلي. «وإذا ملاك الرَّبِّ وقف بهم ومجد الرَّبِّ أضاء حولهم فخافوا خوفًا عظيمًا. فقال لهم الملاك لا تخافوا فها أنا أبشركم بفرحٍ عظيم يكون لجميع الشعب» نرى الاختلافات بين أفكار السماء وأفكار الأرض لأن الناس مُعتادون على سوء الظن من جهة السماء، كأنها مصدر البلايا والعداوة لهم، فإن ظهر لهم ظهور سماوي في وقتٍ ما يمتلئون خوفًا مع أنهُ كان يجب عليهم أن ينتظروا منها كل عطية صالحة، وكل موهبة تامة، فخافوا من منظر ملاك الرَّبِّ كما للناس العادة ، ولكنهُ بادر إلى تسكين مخاوفهم فأنهُ أتاهم بما يكون فرحًا عظيمًا لجميع الشعب يعني شعب إسرائيل على وجه الأجمال لم يفرحوا بهذه البشارة حين بلغتهم فأن اضطرابًا عظيمًا حصل في أورشليم وملكها وكهنتها وكتبتها استاءُوا الخبر بولادة ملك اليهود (مَتَّى 1:2-6). ثمَّ بعد ذلك اتفقوا مع أسيادهم الأمم برفضهِ، ولكن مع ذلك كانت أفكار السماء فيما لفرحهم لو أرادوا أن يقبلوهُ. أنهُ وُلد لكم اليوم في مدينة داود مخلّصٌ هو المسيح الرَّبِّ. وهذه لكم العلامة تجدون طفلاً مقمَّطًا مُضجعًا في مذود. هذا فحوى البشارة التي كانت يجب أن تفرح شعب إسرائيل المُتسلط عليهم الملك المُقتدر الوثني. مَتَّى البشير يذكر الاضطراب الذي حصل في أورشليم، واجتهاد هيرودس في قتل الولد وأما لوقا فيكشف لنا الفرح الذي حصل في السماء، ويصف لنا الولد موضوعًا في الذود ولكنهُ هو سبب تهاليل ملائكة الله. لم نرّ في مَتَّى شيئًا مما ورد في الإصحاح الأول من هذا الإنجيل ولا مما نراهُ في هذا الإصحاح. فيتضح أن الروح القدس قصد أن يعطينا فوائد خصوصية بكل واحد من الأربعة البشيرين. لاحظ أيضًا في سياق الكلام أن يسوع المسيح المولود في مدينة داود ليس هو إلاَّ الرَّبِّ أي يهوه إله إسرائيل الذي هو الإله الواحد الحقيقي (هو الله ظاهر في الجسد). وما هي العلامة الدالة على ظهور الله في الجسد؟ هي طفل مقمَّط مُضجع في مذود. لا يوجد شيءٌ أضعف من طفل صغير غير قادر على شيء إلاَّ البكاء فقط. ولكن أضعف شيءٍ بين البشر يدل على حدوث أعظم أفعال الله أي التجسُّد.
وظهر بغتةً مع الملاك جمهور من الجند السماوي مُسبحين الله وقائلين المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرَّة. سبق قول الملاك للرعاة الإسرائيليين الأتقياء بأن الوارث لبيت داود قد وُلد لهم وأنهُ بالحقيقة يهوه إله إسرائيل فينبغي أن يفرحوا بذلك. وهذا حقٌّ مع أنهُ ليس الكل. لأن ظهور ابن الله الوحيد في الجسد لا ينحصر في إسرائيل وحدهم وإن كان هو مَلِكهم حقيقةً. فتجسُّد الأقنوم الثاني يؤول لمجد الله في الأعالي كما أنهُ يُنتج سلامًا للأرض أيضًا. فظهر بغتةً جمهور من الجند السماوي مع الملاك، وعَبَروا عن أفكار السماء في شأن ذلك الطفل العجيب! فإن كان أتقياء إسرائيل يستدلُّون عليهِ كطفل قد وُلد لهم على نوع خصوصي فالملائكة نظروا فيهِ أكثر من ذلك بما لا يوصف. أولاً- المجد لله في الأعالي، نرى أن تلاميذ الرَّبِّ الذين رافقوهُ مدة خدمتهِ لم يروا فيهِ إلاَّ أنَّهُ المسيح الملك الذي انتظروا أنَّهُ يردُّ لإسرائيل سلطانهم ومجدهم كشعب مُفرز لله، ولم يدركوا أمجادهُ السماوية حتى بعد صعودهِ وحلول الروح القدس، وأما الملائكة فمن أول ظهورهِ بين النَّاس بأعظم الضعف والاتضاع فحسبوهُ الواسطة الوحيدة لإعلان مجد الله، وتثبيتهِ ليس على الأرض فقط بل ف الأعالي أيضًا. فالمجد: عبارة عن إظهار صفات الله وأجراء أحكامهِ وقدرتهِ، مثلاً، فأُعلن ذلك كلهُ بشخص يسوع وعملهِ. طالما عاين الملائكة علامات قدرة الله وأجراء أحكامهِ العادلة في الأرض، ولم يروا منظرًا كهذا. «والإجماع عظيم هو سر التقوى: الله ظهر في الجسد، تبرَّر في الرُّوح، تراءى لملائكةٍ، كُرز بهِ بين المم، أُومن بهِ في العالم، رفُع في المجد» (تيموثاوس الأولى 16:3). «إذ عرَّفنا بسرِّ مشيئتهِ حسب مسرَّتهِ الَّتي قصدها في نفسهِ، لتدبير ملء الأزمنة، ليجمع كُلُّ شيءٍ في المسيح، ما في السماوات وما على الأرض، في ذاك» (أفسس 9:1، 10). لا يُخفى أننا متباطؤُون جدًا في فهم مجد الله المُعلن في المسيح مع أن الحوادث الأساسية كتجسدهِ، وموتهِ، وارتفاعهِ، قد تمت كلها وعندنا إيضاحها الكامل في العهد الجديد، وأما سكان السماء فعند مشاهدتهم ابن الله مُتخذًا صورة إنسان ففهموا حالاً أن ذلك من أعظم الأفعال، ولابدَّ أن يؤُول لمجد الله الأسنى في كل الكون. «الذي نزل فهو الَّذي صعد أيضًا فوق جميع السماوات، لكي يملأ الكُلَّ» (أفسس 10:4). ثانيًا- قولهم: وعلى الأرض السلام، معلوم أن الأرض طالما باتت في الكدر والاضطراب عديمة الراحة والسلام نظير البحر المُضطرب الذي لا يستطيع أن يهدأ، وتقذف مياههُ حمأةٌ وطينًا. وأما يسوع فأتاها بالسلام. لا شك أنهُ قد رُفض وصار الاعتراف باسمهِ سبب الخصام والعداوة، ولكنهُ حضر للسلام، ولا يزال يمنحهُ للمؤمنين بهِ. «فإذ قد تبرَّرنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربِّنا يسوع المسيح» (رومية 1:5). ولابدَّ أنهُ يظهر ثانيةً ليبارك الأرض ويملأها سلامًا، ويزيل العداوة والظلم بحضورهِ وملكوتهِ العادل المقدس. نعم، يسوع هذا الفائق في المحبة سيملك بعد، وينظم العالم العتيد على أساس السلام، ويزينهُ بالقداسة والمحبة والطاعة حتى أنهُ أخيرًا يبطل آخر عدو أي الموت ويبدئُ السماء الجديدة والأرض الجديدة التي يسكن فيها البرُّ إلى الأبد. سبق الله وأعطى الناموس عن يد ملائكة من وسط النار والرعود على جبل سيناء ولكنهم لم يهتفوا هتافًا ولا صرحوا بصدور السلام للأرض لأن ذلك النظام لم يقدر أن ينتج سلامًا لا لإسرائيل ولا لغيرهم. وأما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا. لأن مجرد حضورهِ يتكفل بتتميم جميع مقاصد الله الصالحة. ثالثًا- قولهم: وبالناس المسرَّة، يعني: أن مسرَّة الله هي بالناس وليس بالملائكة. شاء منذ الأزل أن ابنهُ يتخذ في الوقت المعيَّن من الطبيعة الإنسانية (انظر أمثال 22:8-31). كان فرح الله في أرض مسكونتهِ ولذاتهُ مع بني آدم. وعلى قدر ما عظم سوء حالتهم تعاظمت محبتهُ وتبرهنت بافتقادهِ إياهم وظهورهِ في وسطهم.
فبالاختصار حضر الله بالنعمة في ذات ابنهِ مُظهرًا محبتهُ نحو الجنس البشري المُبتعد عنهُ قاصدًا أن يُعلن نفسهُ بطرق عجيبة تفوق كل عقل. يجب أن نلاحظ أفكار الملائكة العديمة الحسد فأنهم فرحوا من مداخلة الله في أمورنا وتفضيلهِ إيانا وتقديمنا عليهم مع أنهم أعلى منا رتبةً بحسب الخليقة الأصلية (انظر عبرانيين 7:2)، ولكننَّا قد صرنا أعلى منهم في المسيح يسوع وأما هم فيفرحون بذلك لكونهِ لمجد الله. هكذا شاءت مشيئة الله فهم مُرتضون بهِ. فما أفظع جهالة الذين يسجدون للملائكة كأنهم أعلى منا!
15 وَلَمَّا مَضَتْ عَنْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ الرجال الرُّعَاةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ:«لِنَذْهَبِ الآنَ إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ وَنَنْظُرْ هذَا الأَمْرَ الْوَاقِعَ الَّذِي أَعْلَمَنَا بِهِ الرَّبُّ». 16 فَجَاءُوا مُسْرِعِينَ، وَوَجَدُوا مَرْيَمَ وَيُوسُفَ وَالطِّفْلَ مُضْجَعًا فِي الْمِذْوَدِ. 17 فَلَمَّا رَأَوْهُ أَخْبَرُوا بِالْكَلاَمِ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ عَنْ هذَا الصَّبِيِّ. 18 وَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوا تَعَجَّبُوا مِمَّا قِيلَ لَهُمْ مِنَ الرُّعَاةِ. 19 وَأَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذَا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا. 20 ثُمَّ رَجَعَ الرُّعَاةُ وَهُمْ يُمَجِّدُونَ اللهَ وَيُسَبِّحُونَهُ عَلَى كُلِّ مَا سَمِعُوهُ وَرَأَوْهُ كَمَا قِيلَ لَهُمْ. (عدد 15-20)
أسرع الرعاة الأتقياء لينظروا المنظر العظيم الذي كان خبرهُ قد بلغهم بفم ملاك الرب ووجدوهُ تمامًا كما قيل لهم ولما رأوهُ أخبروا بما جرى لهم وكانت شهادتهم سبب التعجب في الذين سمعوها. وكان ذلك واسطة مُناسبة لتثبيت إيمانهم وتقويتهِ. وأما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام مُتفكرةً بهِ في قلبها. كان فيها إيمان بما بلغها عن صفات هذا الولد العجيب ولكن الإيمان يقوى وينمو بواسطة كلام الله وإعلاناتهِ. ولم تكن معرفتها كاملة فاحتاجت إلى أن تتأمل في ما سمعتهُ من وقت إلى آخر. ثم رجع الرعاة وهم يُمجدون الله ويُسبحونهُ على كل ما سمعوهُ ورأوهُ كما قيل لهم. ينبغي أن نُلاحظ أن رؤية الملائكة ملأت الرعاة خوفًا وأما رؤيتهم المُخلِّص المولود حديثًا فملأتهم تسبيحًا. كانت زيارة الملائكة مؤقتةً فقط وأما المسيح المُخلِّص فكان لهم عطية حاضرة نعم ونصيبًا مؤبدًا لنفوسهم أيضًا. فمن الأمور المُستحقة العجب أن الله سُبحانهُ وتعالى لما دخل العالم دخلهُ على هيئة كهذه لكي يجتذب النفوس إليهِ ويمنحهم الفرح عوضًا عن أن يرعبهم ويبعدهم عنهُ فظهور الله في الجسد لم يكن مُرهبًا للناس كمنظر خُدامهِ السماويين. رجع الملائكة إلى السماء، والرعاة أيضًا رجعوا إلى أشغالهم الخاصة بعد مُشاهدتهم يسوع وكانوا جميعًا مُمتلئين من الأفراح مُعبرين عنها بتسابيح لأن ذات يسوع يُسبّب فرحًا لملائكة السماء ولِعَارفي اسمهِ على الأرض أيضًا
وَلَمَّا تَمَّتْ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ لِيَخْتِنُوا الصَّبِيَّ سُمِّيَ يَسُوعَ، كَمَا تَسَمَّى مِنَ الْمَلاَكِ قَبْلَ أَنْ حُبِلَ بِهِ فِي الْبَطْنِ. 22 وَلَمَّا تَمَّتْ أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا، حَسَبَ شَرِيعَةِ مُوسَى، صَعِدُوا بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِيُقَدِّمُوهُ لِلرَّبِّ، 23 كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ: أَنَّ كُلَّ ذَكَرٍ فَاتِحَ رَحِمٍ يُدْعَى قُدُّوسًا لِلرَّبِّ. 24 وَلِكَيْ يُقَدِّمُوا ذَبِيحَةً كَمَا قِيلَ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ: زَوْجَ يَمَامٍ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ. (عدد 21-24)
وأقول أن يسوع المسيح قد صار خادم الختان من أجل صدق الله حتى يُثبت مواعيد الآباء (رومية 8:15). فنراهُ مولودًا من امرأة مولودًا تحت الناموس انظر (غلاطية 4:4). كان يجب عليهم كإسرائيليين أن يُحافظوا على شريعة موسى.ينبغي أن نتذكر أن المسيح أتى بحسب الجسد من نسل إبراهيم فاختتن كغيرهِ من الأولاد ولا يوجد في اختتانهِ معنى خلاف ما كان لهُ لِما أُجري في الآخرين. البشير مَتَّىَ لا يذكر الاختتان. وأما شريعة تطهير النساء بعد الولادة فواردة في (لاويين 2:12-6). فالتزموا بالحضور إلى أُورشليم لأجل ذلك لتقديم الولد الذكر البكر للرب انظر (خروج 2:13؛ 29:22) وخلاف ذلك من الشهادات على إجراء هذا العمل، وتقديم بعض الطيور ذبيحة عن مريم يدل على أنها هي ويوسف كانا من الفقراء.