الأصحاح الحادي عشر
1 وَإِذْ كَانَ يُصَلِّي فِي مَوْضِعٍ، لَمَّا فَرَغَ، قَالَ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ: «يَارَبُّ، عَلِّمْنَا أَنْ نُصَلِّيَ كَمَا عَلَّمَ يُوحَنَّا أَيْضًا تَلاَمِيذَهُ». 2 فَقَالَ لَهُمْ:«مَتَى صَلَّيْتُمْ فَقُولُوا: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ، لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ، لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ. 3 خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا كُلَّ يَوْمٍ، 4 وَاغْفِرْ لَنَا خَطَايَانَا لأَنَّنَا نَحْنُ أَيْضًا نَغْفِرُ لِكُلِّ مَنْ يُذْنِبُ إِلَيْنَا، وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ». (عدد 1-4).
هذه كأكثر الحوادث المذكورة في هذا الفصل من إنجيل لوقا ليست مُقترنة مع تاريخ مُحدَّد. معلوم أن الصلاة المدرجة هنا ذُكرت في (مَتَّى 9:6) وقد شُرحت عليها في محلّها هناك وأما المُرام بإدراجها فظاهر من قرائن الكلام فإنها تدلُّ على اختبارات التلاميذ في ذلك الوقت إذ ابتدءوا يشعرون بالاختلاف بين النظام العتيق الذي كان الرب ينقذهم منهُ بالتدريج وبين النظام الجديد المُتعلق بحضوره. فالخمر العتيقة كانت تفقد لذَّتها لهم ولم يتعلموا بعد أن يستطيبوا الجديدة تمامًا. كان يُصلي في موضع. يتضح أن الرب لم يكن يصلي مع تلاميذهِ كأنهُ يتقدمهم وينطق بما يُمكنهم أن يشتركوا فيهِ لأن الرب كان يُصلي على كيفية ومبدأ خلاف ما يجب أن نُصلي عليهِ. نعم صلى كإنسان ولكن كإنسان كامل لا يحتاج إلى التوبة والغفران ولا إلى إظهار الرحمة لهُ باعتبار الضعفات والسقطات كما يجب أن نُصلي في كل حين. فلمَّا فرغ من صلاتهِ قال لهُ واحد من تلاميذهِ: يارب علّمنا أن نُصلي كما علَّم يوحنا أيضًا تلاميذهُ. فنرى هنا تلاميذ يوحنا المعمدان ارتقوا نوعًا عن مقامهم واختباراتهم كيهود أتقياء فاحتاجوا إلى تعبيرات جديدة تُناسب حالتهم الجديدة من جهة صلواتهم. فعلَّمهم الرب بما يوافقهم في ذلك الوقت. لا شك بأن الأتقياء مارسوا الصلاة من البداءة كما يتضح لنا من مُطالعة أسفار التوراة ولكنَّنا نرى أيضًا أن الناموس نفسهُ لم يكن مُتصفًا بوضع ممارسة الصلاة كفرض واجب على الذين تحتهُ لأنهُ وُضع عليهم على الافتراض بوجود قوة فيهم وكان يطلب منهم أن يستعملوا قوتهم لحفظ وصايا الله وأما الإنجيل فأعطى بعد أن تم الامتحان الإنسان وظهور ضعفه فلذلك نرى فيه تعليمات كثيرة من جهة الصلاة لأن الصلاة تصدر من ضعف الإنسان وكلما شعرنا بهِ نحافظ على الصلاة، وأما يوحنا المعمدان فكان ينادي بأن كل بشر ليس سوى عشب ومجد الإنسان كزهر العشب فالذين قبلوا تعليمهُ ابتدأوا يشعرون بضعفهم أكثر من قِبل فعلمهم كيف يليق بهم أن يصلوا لو كانت الطلبات القديمة تناسب اختباراتهم لم تكن حاجة إلى طلبات أخرى وكذلك الأمر مع تلاميذ المسيح بحيث كلما تقدموا تابعين سيدهم وجدوا أشواقا واختبارات جديدة لم يستطيعوا ان يعبروا عنها لا بما وُجد في التوراة ولا بما علَّمهُ يوحنا. فأعطاهم الرب صورة صلاة توافقهم مدة حضورهِ معهم ولكننا نعلم ان الله عاد أعطى نورًا أزيد مما كان عندهم وقتئذ لأن المسيح لم يكن قد مات وقام والروح القدس لم يكن انسكب عليهم بعد. ينبغي ان نلاحظ انهم لم يصلوا باسم المسيح مدة حياتهِ إلى الآن لم تطلبوا شيئًا باسمي (يوحنا 24:16) ولكن بعد ارتفاعهِ إلى المجد أوجب عليهم ان يصلوا باسمهِ كقولهِ في ذلك اليوم تطلبون باسمي (يوحنا 26:16) فلنا كمسيحيين قانون جديد لإرشادنا في الصلاة، وكذلك الروح أيضًا يُعين ضعفاتنا لأننا لسنا نعلم ما نُصلي من لأجلهِ كما ينبغي ولكن الروح نفسهُ يشفع فينا بأنات لا يُنطق بها (رومية 26:8 ولكنني سبقت وتكلمت عن هذا الموضوع في شرحي على هذه الصلاة وطلباتها بتفصيل في (مَتَّى 9:6-25).
5:ثُمَّ قَالَ لَهُمْ:«مَنْ مِنْكُمْ يَكُونُ لَهُ صَدِيقٌ، وَيَمْضِي إِلَيْهِ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُولُ لَهُ يَاصَدِيقُ، أَقْرِضْنِي ثَلاَثَةَ أَرْغِفَةٍ، 6 لأَنَّ صَدِيقًا لِي جَاءَنِي مِنْ سَفَرٍ، وَلَيْسَ لِي مَا أُقَدِّمُ لَهُ. 7 فَيُجِيبَ ذلِكَ مِنْ دَاخِل وَيَقُولَ: لاَ تُزْعِجْنِي! اَلْبَابُ مُغْلَقٌ الآنَ، وَأَوْلاَدِي مَعِي فِي الْفِرَاشِ. لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَقُومَ وَأُعْطِيَكَ. 8 أَقُولُ لَكُمْ: وَإِنْ كَانَ لاَ يَقُومُ وَيُعْطِيهِ لِكَوْنِهِ صَدِيقَهُ، فَإِنَّهُ مِنْ أَجْلِ لَجَاجَتِهِ يَقُومُ وَيُعْطِيهِ قَدْرَ مَا يَحْتَاجُ. 9 وَأَنَا أَقُولُ لَكُمُ: اسْأَلُوا تُعْطَوْا، اُطْلُبُوا تَجِدُوا، اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ. 10 لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ، وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ، وَمَنْ يَقْرَعُ يُفْتَحُ لَهُ. (عدد 5-10).
نرى أن الرب كلما ذكر موضوع الصلاة أطال الكلام عليها وحرض التلاميذ أن يمارسوها في كل حين وبغاية اللجاجة. فيحثهم هنا على اللجاجة فيها حتى في الوقت الظاهر انهُ غير مناسب، ويتخذ لذلك قياسًا جميلاً من عادة الأصدقاء في الجراءة التي يُظهرونها بعضهم نحو البعض إذا حدث لهم عوز شديد غير منتظر. إذا مارسنا الصلاة كصورة طقسَّية في أوقات معينة فالمحتمل أننا نعيش في غاية الجهل من جهة إلهنا وحنوهِ، وجودتهِ إذ نكمل المفروض علينا بشفاهنا وقلوبنا غير متأثرة بل تمتلئ من البر الذاتي ولا نعرف كيف نلتجئ إلى إلهنا كمعين وصديق لنا إذا أصبحنا فجأة في ضيقة شديدة كمن أتاهُ ضيف في نصف الليل وليس لهُ ما يُقدم. ولا يُخفى أن جانبًا كبيرًا من احتياجاتنا تحدث لنا هذه الكيفية، وفضلاً عن ذلك يظهر أوقاتًا كثيرة أن طلباتنا إذا صرخنا إلى الله ليست مقبولة فإنهُ لا يقوم حالاً ليُجيبنا. وذلك لأسباب كثيرة لأنهُ تارة يقصد أن يمتحن إيماننا، وطورًا أن يُنقينا إذ نكون قد تهاونا بنعمتهِ وفترنا فإذا التجأنا إليهِ وبما يتخذ الفرصة لينبهنا على فتورنا فيظهر هنا الفرق بين الذي لهُ الثقة القلبية بالله وبين غيرهِ بحيث أن العديم الثقة يترك الصلاة وأما الأخر فيثبت باللجاجة والانتظار. فيجب لك من داخل ويقول: لا تُزعجني! الباب مُغلق وأولادي معي في الفراش. لا أقدر أن أقوم وأعطيك. نعلم أن البشر يحبُّون أن يكونوا في الحالة المعبَّر عنها بهاتين اللفظتين. من داخل أي الحالة المريحة لهم فلا يُريدون أن المحتاجين يقصدونهم ويُزعجونهم بعرض طلباتهم لديهم. نحب أن يكون بابنا مُغلقًا بالأقل بعض الأوقات خلاف المسيح كما رأيناهُ في هذا الإنجيل فإنهُ لم يغلق بابهُ على المحتاجين دقيقة واحدة ولم يكن يعبأ في صنع الخير وبذلك أعلن صفات الله تمامًا ولكن إذا تأخر الجواب في وقتٍ ما فإنما ذلك ليُعطينا الفرصة لممارسة اللجاجة وإظهار ثقتنا فيهِ بأن قلبهُ الحنون ليس بمغلق وإن يكن بابهُ مغلقًا حسب الظاهر. كقولهِ أقول لكم: وإن كان لا يقوم ويعطيهِ لكونهِ صديقهُ فإنهُ من لجاجتهِ يقوم ويُعطيهِ قدر ما يحتاج. فاللجاجة في الصلاة واجبة علينا لأنها مُرضية لله. وأنا أقول لكم: اسألوا تُعطوا، اطلبوا تجدوا، اقرعوا يُفتح لكم. فيعبر عن الصلاة بهذه الألفاظ المختلفة ليُعلمنا بها أن الصلاة ليست كصورة طقسية بل مخابرات حقيقية تجري بيننا وبين الله باعتبار ضعفاتنا واحتياجاتنا المتنوعة. أولاً- السؤال فإنهُ مسموح لنا ان نواجههُ ونسألهُ باسم المسيح ان يُعطينا مهما احتجنا إليهِ بغاية الثقة.
ثانيًا- الطلب فاطلب هنا عبارة عن التفتيش فإن الوعد المناسب لهُ هو الوجدان. لهذا يُصلي لك كل تقي في وقت يجدك فيهِ (مزمور 6:32) لأنه يعطينا نعمة لنطلبهُ ثم يجعل وقت الطلب وقت الوجدان أيضًا.
ثالثًا- القرع كأننا حضرنا إلى بابهِ ووجدناهُ مغلقًا والتزمنا بان نقرعهُ لكي ننبهُ على حضورنا؛ لأن كل مَنْ يسأل يأخذ، ومَنْ يطلب يجد، ومَنْ يقرع يُفتح لهُ. ربما أحد السامعين تأثر من الكلام الجميل عن وجوب الصلاة وممارسة اللجاجة فيها ولكنهُ مرتاب من جهة مَنْ هم الأشخاص المسموح لهم بذلك؟ فالرب يُزيل الشكوك الممكن حصولها في هذه المسألة إذ يُصرح أن كل مَنْ يسأل يأخذ الخ؛ لأن إلهنا لا يسأل مَنْ هم الطالبون بل ما هي طلباتهم؟ فإنهُ يعلم أنهُ ليس أحد يصرخ إليهِ بثقة إلا من الشعور بضيقتهِ وأن ليس لهُ معونة إلا من الله. فيُبادر إلى إجابته بحسب احتياجهِ لا بحسب صفاتهِ الشخصية.
فَمَنْ مِنْكُمْ، وَهُوَ أَبٌ، يَسْأَلُهُ ابْنُهُ خُبْزًا، أَفَيُعْطِيهِ حَجَرًا؟ أَوْ سَمَكَةً، أَفَيُعْطِيهِ حَيَّةً بَدَلَ السَّمَكَةِ؟ 12 أَوْ إِذَا سَأَلَهُ بَيْضَةً، أَفَيُعْطِيهِ عَقْرَبًا؟ 13 فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلاَدَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ الآبُ الَّذِي مِنَ السَّمَاءِ، يُعْطِي الرُّوحَ الْقُدُسَ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ؟». (عدد 11-13).