فحلَّ لهم مشكلتهم بغاية السهولة إذ دلَّهم على الفرق بين الآن حيث رتَّب لنا الله الزواج وما يتعلق بهِ وبين حالتنا في القيامة حيث لا يكون شيء من ذلك. راجع هذا الموضوع والشرح عليهِ في (مَتَّى 23:22). فلا حاجة أن أُكرر هنا ما كتبتهُ هناك غير أنهُ ينبغي أن نُلاحظ ثلاثة أشياء زادها الوحي على ما ورد في مَتَّى ومرقس:
أولاً- قول الرب: ولكن الذين حُسبوا أهلاً للحصول على ذلك الدهر والقيامة من الأموات. يعني أن وقت القيامة محسوب دهرًا خصوصيًّا ولا يحصل عليهِ إلاَّ الذين يحسبون أهلاً لهُ فيُشير إلى القيامة الأولى أو القيامة من بين الأموات لأن الموتى الأشرار يضطجعون في قبورهم مدة المُلك ولا يكون لهم نصيب في القيامة الموصوفة كقيامة الحياة وقيامة الأبرار أو القيامة من بين الأموات وأما الذين لهم هذا التطويب فيؤخذون من وسط الآخرين ويفوزون بأمجاد الدهر العتيد.
فأجاب قوم من الكتبة وقالوا: يا مُعلِّم حسنًا قلت. تُقبَّل شفتا مَنْ يُجاوب بكلام مُستقيم (أمثال 26:24). كان جواب الرب في محلهِ ومُقنعًا حتى بادر بعض الكتبة أن يُصادقوا عليهِ. والمُرجح أنهم كانوا من الفريسيين ولكنهم نسوا إلى حين مُقاومتهم للرب وفرحوا بانتصارهِ على الصَّدُّوقيين. ولم يتجاسروا أيضًا أن يسألوه عن شيء. فأصبح مُعلِّمو إسرائيل مغلوبين في مُصارعتهم مع الرب قُدَّام الشعب لأنهُ كشف مكرهم وأفسد حكمتهم وحال الأمر دون منتظرهم في اجتهادهم أن يمسكوهُ بكلمة حتى يُسلموهُ إلى حكم الوالي وسلطانهِ. فما بقى للشيطان الآن إلاَّ أن يتهيأ ويَقدم على المسيح بقوة كرئيس هذا العالم كما سنرى.
41 وَقَالَ لَهُمْ:«كَيْفَ يَقُولُونَ إِنَّ الْمَسِيحَ ابْنُ دَاوُدَ؟ 42 وَدَاوُدُ نَفْسُهُ يَقُولُ فِي كِتَابِ الْمَزَامِيرِ: قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي 43 حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ. 44 فَإِذًا دَاوُدُ يَدْعُوهُ رَبًّا. فَكَيْفَ يَكُونُ ابْنَهُ؟». (عدد 41-44).
لم يسألهم الرب: هل يعتقدون بأنهُ هو مسيحهم أم لا؟ بل سألهم عن مسألة تفسيرية مأخوذة من كلام صريح مُتضمن في (مزمور110). فكيف يمكن أن يكون المسيح المُتنبأ عنهُ في كتبهم رب داود وابنهُ أيضًا؟ معلوم أن هذه الشهادات الصريحة للاهوت المسيح ومجد شخصهِ وهي معروفة ومفهومة جيدًا عند جميع النصارى لأننا مُعتقدين بحقيقة لاهوت المسيح وناسوتهِ فعندنا الجواب لهذا السؤال بسيط وقريب وأما غيرنا فلا يقدرون أبدًا أن يفهموا ذلك لأنهم رفضوا الاعتقاد بلاهوت المسيح.
45:وَفِيمَا كَانَ جَمِيعُ الشَّعْبِ يَسْمَعُونَ قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: 46 «احْذَرُوا مِنَ الْكَتَبَةِ الَّذِينَ يَرْغَبُونَ الْمَشْيَ بِالطَّيَالِسَةِ، وَيُحِبُّونَ التَّحِيَّاتِ فِي الأَسْوَاقِ، وَالْمَجَالِسَ الأُولَى فِي الْمَجَامِعِ، وَالْمُتَّكَآتِ الأُولَى فِي الْوَلاَئِمِ. 47 اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ بُيُوتَ الأَرَامِلِ، وَلِعِلَّةٍ يُطِيلُونَ الصَّلَوَاتِ. هؤُلاَءِ يَأْخُذُونَ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ!». (عدد 45-47).
قابل هذا الفصل الوجيز مع (مَتَّى إصحاح 23 كلهِ) حيث الرب أطال الكلام عن هذا الموضوع وأما الوحي في لوقا فإنما يدرج ما يكفي لإظهار شكل أولئك المرشدين ويُحذر الشعب منهم. لأن لوقا كتب لإفادة الناس عمومًا وإعلان نعمة الله المُفرطة للجميع كما قد رأينا.