الأصحاح الثالث والعشرون
كلمات داود الأخيرة
كان يمكن لداود النبى أن يقدم لنا الكثير فى كلماته الأخيرة فى كل جوانب الحياة ، عاش تحت ظروف كثيرة : اختبر الغنى وذاق الفقر . تمتع بالمجد ولحقه الهوان ، أحبه الكثيرون وحقد عليه البعض فصار طريدا ، سلك الحياة البارة واختبر السقوط فالتوبة والتأدب . عاش كنبى وملك وقاض ورجل حرب وصاحب مزامير وكزوج وأب وكراع لغنمات قليلة كما لمملكة ممتدة .. لكنه اختصر الحديث الختامى جدا ، وذيله بأسماء أبطاله الجبابرة وأعمالهم ( 2 صم 23 : 8 – 39 ) ، ولم يكن هذا بلا سبب ، وإنما أراد الكتاب تأكيد أن من أهم سمات داود النبى هو تشغيله للطاقات التى بين يديه . هذا هو دور النبى وكل قائد روحى حقيقى ، كما هو دور الأب والأم ، حتى الشاب والطفل ، يلزم أن يتدرب الكل على عدم التمركز بل على تشغيل الغير فى غير انعزالية فكر أو انفرادية وأنانية !
( 1 ) داود المرنم الحلو
" فهذه هى كلمات داود الأخيرة ، وحى داود بن يسى ووحى الرجل القائم فى العلا مسيح إله يعقوب ومرنم إسرائيل الحلو " 2 صم 23 : 1
إنه بن يسى ، لن ينسى أصله ومركزه ، أصغر الأبناء ، عاش راعيا لغنم أبيه مجهولا من الناس وغير معتبر حتى فى اسرته ( 1 صم 16 : 10 ، 11 ) . كان مجهولا من الناس لكنه معروف لدى الله : " القائم فى العلا " ، له رسالته وعمله من قبل الرب ، إنه مسيح إله يعقوب ، فقد قال الرب لصموئيل : " قم امسحه لأن هذا هو " 1 صم 16 : 12 .
دعى " مرنم إسرائيل الحلو " فقد كان حلوا فى مزاميره ، لأنها تسبيح وشكر وصلاة مقدمة بوحى الروح لتعيشها الكنيسة خلال العهدين القديم والجديد وتترنم بها فى صلواتها . جاءت حياة داود فى جملتها قيثارة روحية لعب على أوتارها روح الرب فقدم لنا فيض تسبيح يصلح أن يكون رصيدا مفرحا للمؤمنين ، يبعث فيهم روح البهجة فى الرب .
( 2 ) سلطة خلال مخافة الله
إن كان داود قد تمجد ونال سلطانا ، ذلك من خلال مخافته للرب ، الذى وهبه استنارة ليضىء كشمس مشرقة فى الصباح بعد فترة ظلام ، وكتربة بدأت تنبت عشبا رواه المطر الإلهى ، ما فيه من قوة وعظمة وثمار إنما هو عطية شمس البر ( السيد المسيح ) والمطر الإلهى ( الروح القدس ) التى تمتع بهما خلال مخافة الله ، إذ يقول : " إذا تسلط على الناس بار يتسلط بخوف الله ، وكنور الصباح إذا أشرقت الشمس ، كعشب من الأرض فى صباح صحو مضىء غب المطر " 2 صم 23 : 4 .
بمعنى آخر لن يتمتع مؤمن بإشراق شمس البر فيه ولا بثمار الروح ( المطر ) ما لم يتمتع بمخافة الله .
( 3 ) دخول فى عهد أبدى
يقول داود فى كلماته الأخيرة : " أليس هكذا بيتى عند الله لأنه وضع لى عهدا أبديا متقنا فى كل شىء ومحفوظا ؟! أفلا يثبت كل خلاصى وكل مسرتى ؟! " 2 صم 23 : 5 . يترجمها البعض : " مع أنه ليس هكذا بيتى عند الله وضع لى عهدا أبديا ... " إذ شعر داود النبى أنه لا يستحق التمتع بهذا العهد الأبدى مع الله فإن بيته – والديه وإخوته وربما قصد أولاده بالذات – لا يسلك بمخافة الله . العهد الإلهى هو هبة إلهية مجانية !
( 4 ) هلاك بنى بليعال
" ولكن بنى بليعال جميعهم كشوك مطروح لأنهم لا يؤخذون بيد ، والرجل الذى يمسهم يتسلح بحديد وعصا رمح ، فيحترقون بالنار فى مكانهم " 2 صم 23 : 6 ، 7 .
لقد خشى داود النبى أن يصير أحد من نسله أو ممن يخلفه على الكرسى ابنا لبليعال ، فإنه لن يشفع فيه نسبه لداود ولا مركزه كملك على شعب الله ، إنما يطرح خارجا كالشوك لا يصلح لشىء بل يحرق بالنار للخلاص منه ، إنهم بعدل إلهى يهلكون .
يرى القديس جيروم أن أشرار الأرض ( بنى بليعال ) يقتلعون فلا يكون لهم موضع فى الكنيسة مدينة الرب ، فيقول : [ مدينة الرب هى كنيسة القديسين ، مجمع الأبرار ]
( 5 ) أبطال داود الجبابرة
إن كان داود فى كثير من الأحداث يشير إلى السيد المسيح ، فإن أبطاله يشيرون أيضا إلى رجال الإيمان المنسوبين للسيد المسيح . وقد وردت أسماؤهم ( تختلف من وقت إلى آخر ) ، قال السيد المسيح لتلاميذه :
" افرحوا بالحرى أن أسماءكم كتبت فى السموات " لو 10 : 20 .
من يلتصق بربنا يسوع كجندى صالح ويجاهد قانونيا يتمتع بهذه الكرامة : تسجيل اسمه فى سفر الحياة .